اكتفي بهذا القدر ونكمل في اللقاء القادم ان شاء الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي ابدع الانسان وعلمه تعبيرا عن المعاني بالبيان والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان وعلى اله وصحبه ذوي العرفان اما بعد ايها الاخوة نسأل الله سبحانه وتعالى ان يبارك في الوقت وان يرزقنا علما نافعا وعملا صالحا متقبلا هذا الدرس كما ذكر الشيخ سالم هو بعلم مهم من علوم العربية وله اثر كبير بتفسير القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف انه علم البلاغة ونحن نعرف ايها الاخوة جميعا ان الله سبحانه وتعالى انعم على الانسان بنعم كثيرة وهذه النعم جلت عن الاحصاء والعد كما قال سبحانه وتعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها فنعم الله تعالى لا يحصيها الخلق مهما اجتمعوا على ذلك ومن اجل هذه النعم واعظمها نعمة البيان بمعنى ان الله سبحانه وتعالى جعل هذا الانسان كائنا ناطقا متكلما يعبر عما في نفسه من الافكار والخواطر والحاجات والمعرفة بتأليف الحروف والكلمات التي تكشف عن مراداته النفسية ويقع بها التفاهم مع الاخرين ولم يجعل هذا الانسان المكرم مثل البهائم العجماوات التي لا تستطيع التفاهم او تعجز عن التفاهم فيما بينها بلغة كلغة الانسان التي علمه الله سبحانه وتعالى اياها فهذا من اعظم نعمه واجل لطائفه بالعبد كما قال بعض اهل العلم من لطف ربنا بنا تعالى توسيعه في نطقنا المجالا فهذا من لطائف الحق تبارك وتعالى ونعمه ولهذا امتن الله عز وجل علينا بهذه النعمة فقال عز وجل في سياق المدح والامتنان الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان خلق الانسان علمه البيان فلاحظوا كيف جعل تعليم القرآن وتعليم البيان وخلق الانسان مظهرا من مظاهر رحمته سبحانه وتعالى ولهذا صدر هذه السورة بهذا الاسم العظيم الرحمن لان هذه الاشياء هي من اثار رحمته ومن مظاهر رحمته بالخلق فعلمهم البيان الذي يستطيعون من خلاله تعبير عما في نفوسهم وايصال المعاني الى الاخرين بل ان الله سبحانه وتعالى يدعونا الى النظر والتأمل في المفارقة العجيب والتفاوت الكبير بين الانسان في اول حالاته وفي اخر حالاته فيقول عز وجل او لم يرى الانسان انا خلقناه من نطفة فاذا هو خصيم مبين فاذا هو خصيم مبين سبحان الله كم بين الحالتين من تفاوت عظيم هذه النطفة المهينة تتحول الى انسان ناطق متكلم بانواع العلوم والمعارف كما ان الله سبحانه وتعالى لم ينعم علينا بهذه النعمة فقط بل تمدح وامتن علينا بادوات هذه النعمة باساليب البيان وادوات التعبير عما في النفس فقال عز وجل الم نجعل له عينين ولسانا وشفتين والله تعالى انعم علينا بهذه النعمة اعطانا ادوات البيان اللسان الشفتان الحبال الصوتية من خلالها وعن طريق العقل تؤلف هذه الكلمات وهذه العبارات التي تتضمن انواعا من العلوم والمعارف والخيرات فما اجلها من من نعمة على الانسان وهكذا النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر البيان نعمة من نعم الله تبارك وتعالى وخاصة في صورته البليغة والفصيحة وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري في الصحيح ومالك في الموطأ ان من البيان لسحرا ان من البيان لسحرا. فجعل بعض البيان مثل السحر في تأثيره في قلوب السامعين وقد اختلف العلماء في المقصود من هذا الحديث هل المقصود به هو مدح البيان والثناء على للفصاحة والبلاغة او المقصود به الذم فذهب بعض اهل العلم وخاصة من اصحاب ما لك رحمه الله الى ان المقصود بهذا الذم قالوا لانه شبهه بالسحر والسحر محرم ومذموم فيفيد هذا التشويه الذم ولهذا اورد ما لك رحمه الله هذا الحديث في الموضأ تحت عنوان باب ما يكره من الكلام لكن جمهور اهل العلم وخاصة من اهل الادب والبلاغة يرون ان هذا الحديث انما يقصد به مدح البيان واطراؤه وليس ذمه هذا الذي عليه اكثر اهل العلم وهو القول الراجح والدليل عليه سياق الحديث فان هذا الحديث رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما انه قال خطب رجلان من اهل المشرق فعجب الناس لبيانهما فعجب الناس لبيانهما يعني تعجبوا من فصاحتهما وبلغتهما فقال عليه الصلاة والسلام ان من البيان لسحرا فسياق الحديث يدل على ان النبي عليه الصلاة والسلام انما ذكر هذا لمدح الفصاحة والبلاغة والبيان لا لذمه اما ان هذا العلم قد يستخدم في تزيين الباطل وتشويه الحق فهذا ليس راجعا الى العلم نفسه ولكن ولكنه يرجع اي هذا الذنب وهذا الخطأ يرجع الى توظيف هذا العلم الشريف في غير محله كما يحدث في كل العلوم الاخرى التي توظف احيانا بنصرة الباطل فالنبي صلى الله عليه وسلم يذكرنا بنعمة البيان اضف الى هذا ان حجة الله البالغة على خلقه وهي القرآن الكريم جعلها الله سبحانه وتعالى حجة بيان بابرز وجوه هذا الاعجاز وهذه الحجية والله تعالى انزل هذا القرآن ليكون حجة الله على العالمين ومعجزا للخلق اجمعين وابرز وجوه هذا الاعجاز هو الاعجاز البياني واللغوي ولهذا القرآن يشير الى هذا المعنى بالحروف المقطعة في اوائل السور الف لام ميم حا ميم طا س وهذه كما يقول المحققون ومنهم الحافظ ابن كثير رحمه الله اشارة الى اعجاز القرآن الكريم وان هذا القرآن المعجز مؤلف من هذه الحروف التي تتكلمون بها وهي الالف واللام والميم ومع هذا انتم عاجزون عن الاتيان بسورة من مثله بفصاحته وبلاغته وعلومه ومعارفه ومن هنا نقول ايها الاخوة بان اعظم الفضل في نشأة علم البلاغة كان للقرآن الكريم فان الدافع الاول لاهل العلم بالنظر في مسائل البلاغة وقواعدها واصولها كان هو الوقوف على اعجاز القرآن واسرار التعبير والبيان في كتاب الله تبارك وتعالى كما تجد هذا واضحا في كتاب مجاز القرآن لابي عبيدة معمر ابن المثنى وكتاب دلائل الاعجاز لعبد القاهر الجورجاني الجهود الاولى في علم البلاغة كانت مرتبطة بالقرآن وكان الدافع الاول لي استنباط هذا العلم وتأصيل قواعده هو الوقوف على اعجاز القرآن واصراره بل انها الثمرة الكبرى في من اتقن هذا العلم انه سينكشف له بالتعبير القرآني من المعاني ومن الدلالات ما لا ينكشف لغيره ممن لا يعرف هذا العلم واصوله ثم بعد ذلك من خلال القرآن الكريم وبلاغته نشأ هذا العلم الذي يسمى بعلم البلاغة والف فيه العلماء وصارت له مسائل وقواعد وهذه الكتب ايها الاخوة التي الفت في هذا العلم سارت على طريقين او على طريقتين. الطريقة الاولى هي الطريقة الادبية التي تتمثل في تقرير مسائل هذا العلم اعتمادا على تنمية الذوق الادبي واللغوي والشعري من خلال الشواهد القرآنية والشعرية وكلام البلغاء وما جاء عنهم من النذر والشعر بعيدا عن المحاكمة العقلية والمناقشة الجدلية وتعرف هذه الطريقة بطريقة الجرجار لانه اشهر من مشى على هذه الطريق وهناك الطريقة الثانية وهي الطريقة العلمية الطريقة التي تعتمد على تقرير القواعد والاصول لهذا العلم استنادا على الادلة وعلى المحاججة العقلية ولا تذكر فيها الشواهد والنصوص الا على سبيل ضرب الامثلة لتوضيح هذه المسائل والقواعد وهذه الطريقة الثانية تعرف بطريقة السكاك نسبة الى الاديب المؤرخ الشاعر السكاكي الذي يعد اشهر من الف في هذا العلم عبر كتابه مفتاح العلوم والملاحظ ان المتأخرين اليوم من البلاغيين المعاصرين قد حملوا حملة شعواء على هذه الطريقة وعلى المؤلفات التي الفت على اساسها وقالوا بان هذا الاسلوب قد افسد الذوق الادبي والشعري والبلاغي والواقع في نظري ان هذا اجحاف في الحكم فان الذوق الادبي وان كان هو العمدة في قضايا البلاغة واستنباط دلالاتها لكن هذا الذوق يحتاج الى القواعد والاصول التي تضبط هذا الذوق وتؤصل هذا الذوق الادبي كما هو الحال في الملكة الفقهية فان الفقه اساسه يقوم على الملكة الفقهية في الانسان القدرة الفقهية التي اعطاه الله سبحانه وتعالى للنظر في هذه المسائل والترجيح بينها لكن هذه الملك الراسخ في النفس كما تعرفون لابد لها من الاصول والقواعد التي قعدها الفقهاء لتضبط هذه الملكة الفقهية فيكون النظر قائما على طول معتبرة وعلى قواعد معتبرة هكذا الامر في الذوق الادبي ويحتاج الى هذه الاصول والقواعد التي تضبط له مسائل هذا العلم وتبين له الاصول والقواعد التي يسير على هداها ومن هذه الكتب التي سارت على هذه الطريقة هذا النظم الذي سنتدارسه ان شاء الله تعالى وهو نظم مئة المعاني نظم مئة المعاني سمي بهذا الاسم اشارة الى عدد هذه القصيدة وانها مائة بيت لا تزيد على ذلك بل جاء في بعض كتب التراجم ان ابن الشحنة رحمه الله تعالى الناظم بهذه القصيدة نظم في عشرة علوم وجعل لكل علم مائة بيت فصارت الفية لكل علم مائة بيت في عشرة علو ولم تذكر هذه المصادر هل هذه الفية واحدة متصلا متصل بعضها ببعض او ان كل مائة منها منفردة عن بقيتها ومن هذه المئات هذه المئة مئة المعاني لمحمد ابن محمد ابن الشحنة الحلبي الحنفي رحمه الله تعالى والشحنة هذا لقب جده الكبير لانه كان واليا ومحافظا على مدينة حلب وكانوا يلقبونه بالشحنة ومحمد ابن الشحنة محب الدين من الادباء الفقهاء المؤرخين اديب فقيه مؤرخ له كتب في التاريخ وكتب في الفقه وكتب في الادب والبلاغة وغيرها واذا اطلق ابن الشحنة الكبير او قيل ابن الشحنة فانه ينصرف الى عالمنا صاحب هذه القصيدة محبي الدين ابن الشحنة رحمه الله تعالى وندخل في قراءة هذه القصيدة والتعليق على ما يحتاج منها الى تعليق تفضل يا اخي بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد قال الامام ابن الشحنة رحمه الله تعالى في مئة المعاني والبيان الحمد لله وصلى الله على رسوله الذي اصطفاه محمد واله وسلم وبعد قد احببت ان انظم في علمي البيان والمعاني ارجوزة لطيفة المعاني ابياتها عن مئة لم تزد فقلت غير امن من حسدي فصاحة المفرد في سلامته من نفرة فيه ومن غرابته وكونه مخالف القياس ثم الفصيح من كلام الناس ما كان من تنافر سليما ولم يكن تأليفه سقيما وهو من التعقيد ايضا خالي وان يكن مطابقا للحال فهو البليغ. والذي يؤلفه. وبالفصيح من يعبر نصفه والصدق ان يطابق الواقع ما يقوله والكذب انذى يعدما يقول الناظم رحمه الله تعالى الحمد لله وصلى الله على رسوله الذي اصطفاه بدأ الناظم رحمه الله هذه القصيدة بالثناء على الله سبحانه وتعالى فان الحمد هو الثناء باللسان على الجميل والف قوله الحمد عند جمهور اهل العلم للاستغراق بمعنى ان جميع المحامد جميع المحامد هي ثابتة ومختصة لله تبارك وتعالى لان المخلوق نحمده ولكن على بعض الفضائل لان الفضائل لم تجتمع فيه بالمخلوق ولكن هذه الفضائل والكمالات اجتمعت في الله تبارك وتعالى فهو المستحق اذا للمحامد على سبيل الاستغراق والشمول والتأبيد والصلاة هو الثناء على العبد في الملأ الاعلى كما قال ابو العالي الرياحي رحمه الله تعالى فعندما نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فنحن ندعو الله عز وجل ان يثني عليه في الملأ الاعلى بين ملائكته وصلى الله على رسوله الذي اصطفاه وفي بعض النسخ الخطية اجتباه وهو بمعنىه اصطفاه واجتباه بمعنى واحد والنبي صلى الله عليه وسلم لا شك انه مجتبى ومصطفى كما قال الله تعالى الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس والله تعالى اصطفاه لرسالته وجاء في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله اصطفى كنانة من بني من ولد اسماعيل واصطفى قريشا من بني كنانة واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم ولهذا وصف صلى الله عليه وسلم كما في هذا البيت بالمصطفى اصطفاه الله اي اجتباه واختاره ثم بين المقصودة هنا بقوله محمد واله وسلم محمد هذا علم نبينا صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الانبياء وسيد الرسل عليه الصلاة والسلام وهو علم منقول من محمود علم من قول من محمود اي الذي كثرت خصاله المحمودة ولهذا قال حسان ابن ثابت رضي الله عنه وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد محمد واله وسلم قالوا صلى الله عليه وسلم هم اقاربه المؤمنون به وقيل في مقام الدعاء هم اتباعه جميعا والاول اقرب الى دلالة اللغة العربية وسلما السلام هو التحية وقد جمع بينهما الناظم عملا بقوله تعالى صلوا عليه وسلموا تسليما وبعد قد احببته بعد هذا ظرف مبني على الضم لقطعه عن الاضافة ويؤتى به للانتقال من كلام الى كلام اخر والمعنى اما بعد الحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فاقول وبعد قد احببته الغالب والاصل في اللغة ان يقال فقد احببت بالفاء ولكن يجوز على التحقيق اسقاط الفاء في جواب اه اما بعد وهذا ما اخذ به الناظم رحمه الله مراعاة للوزن وبعد قد احببت قد هنا للتحقيق قد احببت ان انظم هكذا في بعض النسخ الخطية وفي بعضها اني انظما وبعد قد احببت اني انظما وكلاهما صحيح والتفعيل في الضبط الاول اني انظم التفعيل يدل على الحرص والاجتهاد وكثرة العمل كما في قوله تعالى وغلقت الابواب وقال واغلقت الابواب وغلقت الابواب هذا يدل على حرصها على تغليق الابواب واجتهادها في ذلك وكثرة الابواب التي اغلقتها كذلك هنا تشير الناظم على هذا الضبط بانه اجتهد وحرص وبذل جهدا في اخراج هذه القصيدة وضبطها وتحريرها وعلى الضبط الاول وبعد قد احببت اني انظم والنظم هو الشعر والشعر هو الكلام الموزون المقفى قصدا الكلام الموزون يعني الذي يجري على اوزان العرب الشعرية المقفى الذي له قافية قصدا بمعنى ان يكون ايراده موزونا ومقفى على سبيل القصد وبالتالي لو جاء الكلام موزونا ومقفى ولكنه غير مقصود فلا يسمى شعرا لهذا جاء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم بعض هذه الالفاظ الموزونة لكن لا يقال عنها شعر لانه لا لم يقصد بها النظم والشعر فالنظم هو الكلام الموزون المقفى والناظم اختار هذا الاسلوب بعرض هذه المسائل ولم يختر اسلوب النثر لان النفس تميل الى الشعر والنظم اكثر من ميلها الى النثر ولان الانسان يحفظ الشعر اسرع من حفظه للنثر ولطول بقاء الشعر في ذاكرة الانسان انسان ينسى الكلام المنثور اسرع من الكلام الموزون المقفى كما قال الناظم والنظم مدن منه كلما قسى مذلل من منتطاه ما اعتصى. فهو من النثر لفهم اسبق. ومقتضاه بالنفوس اعلق فاختار هذه الطريقة لهذه المميزات وهو قد اعتمد في هذا النظم على كتاب التلخيص للخطيب القزويني رحمه الله تعالى الذي لخص فيه كتاب المفتاح ليعقوب السكاكي فهو نظم هذا الترخيص كما ان غيره نظم ايضا هذا الترخيص بالاخضر نظم التلخيص في كتابه الجوهرة المكنون وهكذا السيوطي نظم التلخيص وزاد عليه زيادات في الفيته عقود الجمان وهكذا فعل الفقيه الاماسي في انبوب البلاغة فانه نظم التلخيص وهكذا فعل ابن الشحنة هنا فانه نظم التلخيص في هذا النظم المختصر السلس وبعد قد احببت ان انظم في علمي البيان والمعاني بين لنا الطريقة وهي طريقة النظب ثم بين لنا ان لنا موضوع هذه القصيدة اي المجال الذي يبحث فيه هذا النظر فقال في علمي بيان والمعاني والعلماء المتأخرون قسموا علم البلاغة الى ثلاثة اقسام علم البيان وعلم المعاني وعلم البديع بخلاف المتقدمين من اهل البلاغة فانهم اوردوا الكلام مشتركا بين هذه الانواع الثلاثة ولم يفصلوا بعضها عن بعض الى ان جاء المتأخرون ودققوا وفصلوا وقسموا هذه المباحث البلاغية الى هذه الانواع الثلاث واذا سأل سائل لماذا جعل هذه القصيدة بعلم بيان والمعاني ولم يذكروا البديع اين علم البديع مع انه في اخر النظم خص علم البديع بجملة من الابيات فلما لم يذكر علم البديع هنا قال بعض العلماء لان علم البديع ليس داخلا في علو البلاغة بل هو من من التوابع والتتمات من التوابع والتتمات فهؤلاء اعتبروا علم البديع خارجا عن علوم البلاغة فاجابوا بهذا الجواب لكن الاكثر لم يرتضوا هذا الجواب لان علم البديع هو جزء من علوم البلاغ علم يبحث في المحسنات اللفظية كالجناس وغير ذلك فاجاب الاخرون بجواب اخر هو الاقرب ان شاء الله وهو ان علم البديع داخل في علم البيان ان علم البديع داخل في علم البيان لان علم البيان هو العلم الذي يبحث في ايراد المعنى الواحد بطرق مختلفة ولا شك ان المحسنات اللفظية هي من هذه الطرق التي يوصل الانسان فيها المعنى للاخرين فهذا جواب الجمهور انه ما ذكر علم البديع هنا لانه داخل في علم داخل في علم البيان ويحتمل جوابا اخر وهو ان الناظم رحمه الله ذكر علم البديع في هذا البيت وتكون قراءة البيت على النحو التالي في علمي البديع قال في في علمي البيان والمعاني يعني في علمي البيان والبديع والثالث هو المعاني كأن علمي هذا اشارة الى البديع والبيان لان البديع هو نوع من البيان وقوله في علمي البيان هذا يشمل البديع ثم قال وعلم ثالث هو المعاني فتكون الواو هنا استئنافية وعلم ثالث هو المعاني فيكون اشار الى هذا النوع الثاني او النوع الثالث من علوم البلاغة وهو البديع بهذه الاشارة في علمي البيان والمعاني ارجوزة لطيفة المعاني ارجوزة الارجوزة هي القصيدة التي تكون على بحر الرجز مستفعل مستفعل مستفعل ست مرات وهي احدى البحور التي او احد البحور التي استنبطها الفراهيدي رحمه الله تعالى من اشعار العرب الستة عشر وزاد عليها الاخفش البحر المتدارك فصار سبعة عشر بحرا ومنها بحر الرجز والعلماء يختارون هذا الوزن بنظم القصائد التعليمية لسهولته وميل النفس اليه ووزنه سهل محبب للاذان مستفعل مستفعل مستفعل فاختار هذا البحر ليكون هذا النظم على اساسه ارجوزة لطيفة المعاني لطيفة اي رقيقة اللطيف هو الرقيق ضد الصفيق لطيفة المعاني اي معانيها لطيفة ورقيقة وابياتها كذلك لطيفة رقيقة لم يقع فيها من العسر ما وقع في غيره ثم قال ابياتها عن مئة لم تزدني ابياتها اي ابيات هذه القصيدة لم تزد عن مئة ولم تنقص عنها ايضا فهي مئة كاملة وهذا بناء على ان البيت يطلق على شطرين على المصراعين وهو مذهب الجمهور من اهل الشعر والادب اما لو قلنا بان البيت هو اسم للشطر الواحد او المصراع الواحد فتكون القصيدة مئتين وقوله ابياتها عن مئة لم تزد مبني على ان البيت انما يطلق على مجموع المصراعين الشطر الاول والثاني ايضا ابياتها عن مئة لم تزد فقلت غير امن من حسدي وقلت حالة كوني غير امن من حسد والحسد هو تمني زوال النعمة عن المحسود وهو من الكبائر التي جاء في النصوص تحريمها وذمها وهو يقول انا لا امن من الحسد لماذا؟ لان كل ذي نعمة محسود كما جاء في الحديث استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فان كل ذي نعمة محسود وهذا الحديث وان كان ضعيفا من حيث السند لكنه صحيح من حيث المعنى وقد دل عليه القرآن الكريم كما قال يعقوب ليوسف لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا وقص لنا القرآن من هذا الحسد الذي وقعوا فيه تجاه اخيهم يوسف عليه السلام ما هو معروف ومشهور فقلت غير امن اي حالت كوني غير امن من حسدي فصاحة المفرد في سلامته هذا مقول القول فقلت فصاحة المفرد في سلامته من نفرة فيه ومن غرابته شرع في مقدمة العلم بعد ان انتهى من مقدمة الكتاب ومقدمة العلم هي جملة من المسائل التي تذكر بين وسائل العلم وابوابه تكون كالتمهيد لهذه المسائل فاول مسألة ذكرها من هذه المسائل هي مسألة الفصاحة والبلاغ ما معنى الفصاحة وما معنى البلاغ ومتى نحكم على الكلام بانه فصيح ومتى نحكم على الكلام بانه غير فصيح ومتى نقول هذا كلام بليغ ومتى نقول هذا كلام غير بليغ فما هو الميزان الذين نزلوا به انواع الكلام ونفرق بين البليغ وغيره وقال رحمه الله فصاحة المفرد في سلامته من نفرة فيه ومن غرابته بدأ بفصاحة المفرد ان الفصاحة تطلق على المفرد ويقال هذا لفظ فصيح وتطلق ايضا على المركب على الجملة ويقال هذه خطبة فصيحة ويطلق ايضا صفة للمتكلم ويقال فلان رجل فصيح في الفصاحة يوصف بها المفرد ويوصف بها الكلام مركب ويوصف بها المتكلم بدأ بالنوع الاول وهو فصاحة المفرد الكلمة المفردة غير المركبة مفرد هنا ليس المقصود به ما يقابل المثنى والجمع والمقصود به ما يقابل المركب المفرد هنا قال يوصف بالفصاحة اذا سلم من هذه العيوب الثلاث اذا سلم من هذه العيوب الثلاث ما هي هذه العيوب الثلاثة قال من نفرة فيه هذا العيب الاول وهو تنافر الحروف ان تكون حروف الكلمة او اللفظة متنافرة ليست منسجمة وتوجب ثقلا في اللسان وكراهية في الاذان ومثلوا لذلك بالاعرابي الذي سئل عن ناقته وقال تركتها ترعى الهعقع على وزن فلفل او على وزن درهم فهذه الكلمة غير فصيحة لا توصف بالفصاحة والسبب في ذلك هو تنافر الحروف قعقع كان الرجل سيغمى عليه الان. ستخرج روحه بهذه الكلمة فهذه كلمة غير فصيحة والسبب في عدم فصاحتها هو تنافر حروفها ومثلوا لذلك ايضا بقول امرئ القيس في وصف الشعر غدائره مستشذرات الى العلا تضل المدار في مثنى ومرسل وقوله مستشزرات هذه كلمة غير فصيحة بتنافر حروفها وهي بمعنى مرتفعات او مستشرفات وهناك كلمات اخرى اخف على اللسان واحب للاذى من هذه الكلمة الثقيلة فلهذا قالوا بان هذه الكلمة غير فصيحة لتنافر حروفها فالانسان اذا اراد ان يختار المفردات فيختار المفردات التي لا تتنافر حروفها بل تكون سلسة وسهلة على اللسان كما قالوا كالنسيم سرايانا وكالماء جريانا ويبتعد عن هذه الكلمات المتناثرة في حروفها وفرق كبير بين من يقول شربت ماء عذبا زلالا وبين اخر يقول شربت نقاخا مع ان النقاق هو الماء العذب الزلال لكن شتان بين الكلمتين فالاولى مثل الماء في طبيعته وجريانه سلس بينما الثانية كلمة ثقيلة على اللسان وعلى الاذان فهذا الشرط الاول في فصاحة الكلمة المفردة ان تسلم من تنافر الحروف ثم قال ومن غرابته شرطه الثاني سلامة الكلمة من الغرابة يعني الا تكون الكلمة وحشية غير مأنوسة الاستعمال وغير معروفة وغير معروفة عند الناس وتحتاج في معرفة معناها الى البحث ليس في قواميس اللغة بل حتى في كتب الشوارد والغرائب فاذا لم يتوفر في هذا الشرط فان الكلمة تكون غير نصيحة ومثل لذلك بقول عيسى ابن عمر النحوي لما سقط من دابته وتجمع عليه الاولاد فقال لهم ما لكم تكأكأتم علي تتكأكؤكم على ذي جنة فرنقع فهذه كلمة غير فصيحة لماذا؟ لانها كلمة غريبة وحشية اضف الى هذا التنافر والحروف والثقل على اللسان وهو انما يريد ما لكم تجمعتم علي كتجمعكم على رجل مجنون اذهبوا عني فهذا اسلس لكنه لكونه لغويا ونحويا يبحث في الشرائط والغرائب والفرائض فعبر بهذه العبارات والالفاظ التي جرت مثلا في كتب البلاغة على وحشي الكلام ولهذا قال بعض العلماء عن هذه الالفاظ انما الحيزبون والدردبيس والطخى والنقاخ والعلقبيس لغة تنفر لغة تنفر المسامع منها حين تتلى وتشمئز النفوس فمن شروط الكلمة الفصيحة الا تكون كلمة وحشية غريبة تحتاج الى السفر الى البوادي والترحال في الصحراء سنين طوالا من اجلي معرفة معنى هذه الكلمة هذا معنى قوله رحمه الله ومن غرابته ثم قال وكونه مخالف القياس وكونه مخالف القياس. هذا الشرط الثالث في فصاحة الكلمة المفردة ان تسلم من مخالفة القياس اللغوي الصرفي بمعنى ان لا تخالف هذه اللغة ما تقرر في هذه الكلمة ما تقرر في علم الصرف واللغة فتكون الكلمة جارية على الموازين الصرفية المعروف من لغة العرب فان خرجت عن ذلك فهي غير فصيحة ومثل لذلك بقول ابي النجم في قصيدة في اول قصيدته الحمدلله العلي الاجللي الحمد لله العلي الاجلل بل اجلل كلمة غير فصيحة لماذا؟ لانها تخالف القياس الصرفي في هذه الكلمة فان القاعدة صرفية في هذا ان لا يفك الادغام في هذا وحرف مدغم ويقال الاجل ولا يقال الاجللي فهذه الكلمة اذا غير فصيحة كذلك قول الفرزدق ببيته المشهور واذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم خضع الرقاب نواكس نواكس الابصار قطع الرقاب نواكس الابصار. فقول نواكس هذه كلمة غير فصيحة لان نواكس انما ياتي جمعا للمؤنث وليس للمذكر وهنا يتكلم عن الرجال لانه قال في اول البيت واذا الرجال رأوا يزيدا رأيتهم خضع الرقاب نواكس الابصار فهذه الكلمة غير فصيحة خرجت عن دائرة الفصاحة لمخالفتها القياس الصرفي فاذا هذه الشروط الثلاثة التي يوصف اللفظ بالفصاحة عند سلامته او سلامتها منها اي من هذه العيوب الثلاث فاذا سلم اللفظ من هذه العيوب الثلاثة يقال هذا لفظ فصيح واذا وقع في شيء منها فقد خرج عن دائرة الفصاحة ثم قال رحمه الله ثم الفصيح من كلام الناس ما كان من تنافر سليما شرع في فصاحت الكلام بعد ان انتهى من فصاحة المفرد شرع في فصاحة الكلام المركب فذكر ان الكلام يوصف بالفصاحة اذا سلم من هذه العيوب الثلاثة ايضا وهي عيوب بعضها مشتركة بما سبق ما هو العيب الاول قال ما كان من تنافر سليما الشرط الاول في الكلام الفصيح ان يسلم من تنافر الكلمات تنافر الكلمات هو الكلام الذي يولد ثقلا في اللسان وكراهية في الاذان بسبب التكرار وتقارب الكلمات وتشابهها فهذا الشرط الاول مثل قول الشاعر وقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا قلاقل عيس كلهن قلاقل وقلقلت بالهم يعني تحركت بسبب الهم الذي فيه بالحشى وقلقلت بالهم الذي قلقل الحشى قلاقل عيسي. يعني حركت بسبب هذا الهم فلاقي لعيس يعني الناقة السريعة كلهن قلاقل يعني كلهن سريعات متحركات لكنه وقع في هذا التنافر في الكلمات بسبب هذا التكرار ومثل المثل المشهور الذي يذكرونه في كتب البلاغة وقبر حرب بمكان قفري او بمكان قفر قفري بالجر لانه وصف للمكان وبعض العلماء ضبطه بالرفع على القطع يعني بمكان هو قفر حتى يتناسب مع الشطر الثاني وقبر حرب بمكان قفر وليس قرب قبر حرب قبر هذا حرب ابن امية مات في مكان بعيد في الصحراء قالوا بسبب هاتف من الجن فمات فزعا فجاءت الجن وانشدت هذا البيت وقبر حرب بمكان قفر وليس قرب قبر حرب قبر فهذه فهذا الكلام ليس فصيحا لماذا لوقوعه في تنافر الكلمات ولهذا قالوا يعجز في الغالب الناس ان يعيدوا هذه الجملة ثلاث مرات متواليات بطريقة سريعة الا ويقع في التعتعة وحبسة اللسان فهذه فهذا الكلام غير فصيح لانه تخلف فيه هذا الشرط الذي اشار اليه الناظم رحمه الله تعالى ثم قال ولم يكن تأليفه سقيما هذا الشرط الثاني في فصاحة الكلام وهو سلامته من ضعف التأليف سلامته من ضعف التأليف والمقصود بضعف التأليف مخالفة قوانين النحو وقواعد النحو العربي ويشترط فيه الا يخالف قواعد النحو العربي فاذا خالف قواعد النحو العربي فالكلام غير فصيح ومثل لذلك بما لو عاد الضمير الى متأخر لفظا ورتبة اذا عاد الضمير الى متأخر لفظا ورتبة مثل قول الشاعر جزى ربه عني عدي بن حاتم جزاء الكلاب العاويات وقد فعل جزى ربه جزاء ربه عني عدي بن حاتم الضمير في ربه يعود الى عدي بن حاتم وهو متأخر لفظا ورتبة لانه مفعول به وهكذا ايضا في قول حسان ابن ثابت رضي الله عنه ولو ان مجدا اخلد الدهر واحدا من الناس ابقى مجده الدهر مطعما مجده الدهر مطعما. فالضمير هنا يعود الى متأخر. لفظا ورتبة فخرج بذلك عن الفصاحة فاذا من شروط الفصاحة ان يصل فصاحة الكلام ان يسلم من هذا العيب الذي ذكره وهو ضعف التأليف والشرط الثالث اشار اليه بقوله وهو من التعقيد ايضا خالي وهو من التعقيد ايضا خالي. هذا الشرط الثالث سلامة الكلام من التعقيد اللفظي والمعنوي فالكلام اذا كان فيه نوع من التعقيد بسبب التقديم والتأخير على غير الاصل وكثرة الاضافات ونحو ذلك فانه يخرج عن دائرة الفصاح وهذا التعقيد قد يقع احيانا بالالفاظ واحيانا في المعاني مثال التعقيد الذي وقع في الالفاظ قول الشاعر وما مثله في الناس الا مملكا او الا مملك بالرفع او النصب ابو امه حي ابوه يقاربه ابو امه حي ابوه يقاربه فالسامع لهذا البيت لا يفهم المعنى المقصود ماذا اراد الفرزدق بهذا؟ الفرزدق من اكثر من يستخدم هذا الاسلوب بشعره فستمع لهذا لا يفهم المعنى الذي اراده آآ الشاعر بهذا الكلام والسبب في ذلك التقديم والتأخير والفصل بالاجنبي في الكلام وفي النهاية ماذا يريد ان يقول يريد ان يقول ليس هناك مثل هذا الشخص الممدوح احد يشبهه الا ابن اخته الخليفة هشام هذا الذي اراد ان يقوله ولكنه مشى في هذا الطريق الوعر الذي عقد فيه اللفظ وتعقد به المعنى ايضا واما مثال التعقيد المعنوي وهو قول الشاعر المشهور ساطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا ما المعنى المقصود من هذا اول ما يسمع العربي العارف باللغة هذا البيت يقع في حيرة في مقصود الشاعر بهذا الكلام ماذا يريد بهذا يحتمل انه يريد انني ساصبر على الفراق واصبر على الحزن والاسى رجاء ان الله سبحانه وتعالى يبدل الاحوال ويكرمني بالوصال والقرب من احبتي وكما قالوا الصبر مفتاح الفرج فيكون من هذا الباب او يحتمل انه يقصد بان امور الدنيا لما كانت معكوسة اقامها الله سبحانه وتعالى على هذا الاصل والرجل الذي يحرص على شيء ربما لا يصل اليه ويتحقق له عكسه فقال ما دام ان الدنيا هكذا قائمة على وضع الانعكاس فانا ساحرص على البعد ليتحقق لي القرب وساحرص على الحزن والبكاء ليتحقق لي جمود العين ثم حتى جمود العين مختلف احيانا الجمود يقع بسبب القرب والوصال. خلاص قرت عينه صاحبه وحبيبه. فذهب البكاء وجمود العين قد يكون احيانا بسبب قسوة القلب بسبب قسوة القلب وبخل العين يقع في هذا الجمود فالشاعر اذا قال هذا البيت الذي ليس هو ليس له من الفصاحة نصيب والسبب في ذلك هو هذا التعقيد المعنوي الذي اوقع السامعين فيه والخلاصة ان فصاحت الكلام لا تتحقق الا اذا سلم الكلام من هذه العيوب الثلاثة. من تنافر الكلمات والثاني من مم ضعف التأليف وقلنا به ايش مخالفة النحو يعني مثل الذي سبق انا قلنا مخالفة القياس الصرفي او اللغوي هنا مخالفة قواعد النحو والشرط الثالث السلامة من التعقيد اللفظي والمعنوي