وكان من هذه السلسلة الذهبية المباركة شيخ الاسلام حقا وامام المسلمين صدقا احمد بن عبدالحليم ابن عبد السلام ابن تيمية الحراني. المولودي في دمشق سنة احدى وستين وستمائة وعاش رحمه الله تعالى في بيت علم ودين فابوه وجده واسرته اسرة علم ودين معروفون على مذهب الامام احمد ابن حنبل ونشأ في صيانة وصلاح وبر وهدى. واتاه الله تعالى ذكاء فطريا وعقلا راجحا فالم بعلوم كثيرة وهو في مقتبل الصبا حتى صار مؤهلا للفتية وهو ابن ثمان عشرة سنة وعقد له درس ولما يبلغ العشرين من عمره حضره الاكابر ولم يزل اه ذكره ينتشر ويفشو في دمشق اعمالها واقاليمها حتى اه اليك النفوس وتعلقت به القلوب. سيما وقد اظهر مذهب السلف الصالح رحمهم الله وكان الناس اذ ذاك مفتونون بعلم الكلام. يتواركون متونا ومنظومات ومقدمات عقلية. اه هرم عليها الكبير ونشأ عليها الصغير وفيها ما يوافق الحق وفيه ما يخالفه فقيض الله تعالى هذا الامام الفحل ليجلو الغبار عن مذهب السلف الصالح. ويعيد الامة الى ناصع التوحيد. واساس فالف ودرس و ناظر رحمه الله حتى انتصب له الخصوم. وعلى رأس المئة في السابعة آآ من الهجرة التي جعلها الله تعالى دوما آآ سنية تجديد للملة كما جاء في الحديث ان الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها. كان الشيخ رحمه الله ولما يبلغ الاربعين من عمره قد استوى عوده وتمكن من كافة العلوم واحاط بمقالات المتكلمين والفلاسفة والملاحدة والزنادقة فضلا عن ضبطه اه اصول اهل السنة والجماعة. فالف المؤلفات العظيمة وكان من اشهرها تأليفه الفتح الحموية كبرى كان ذلك سنة ستمائة وست وتسعين. فاحدثت دويا هائلا في بلاد هشام والعراق وما حولها. اذا انه هز عروش الاشاعرة والمتكلمين الذين كانوا يقررون مقدمات عقلية اه ليست مبنية على اه صحيح الكتاب وعلى ناطق الكتاب وصحيح السنة. فادى هذا الى ان اه ينزعج منه ارباب هذه المقالات. كما انه ايضا زيف مقالات اه الخرافيين من الصوفية وغيرهم. فرماه الجميع قوس واحدة. وسعوا فيه. ووشوا لدى السلاطين. واجلبوا عليه بخيلهم فكانت الحموية مؤذنة بانفتاح كبير لهذا الامام العلم. مؤذنة اه التفات قوية من الامة ومن نخبها آآ العلمية لمعرفة طريقة السلف الصالح. فجرى في غضون تلك السنوات الاخيرة من القرن السابع الهجري مناكفات مواجهات ومناظرات تتعلق بالفتوى الحموية ادت الى آآ جيوع مذهب السلف وانتشاره وتزيد في مذهب الخلف. وكما قيل واذا اراد الله نسف فضيلة طويت اتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود واودي الشيخ بسبب ذلك وسجن واطلق اوقف وجرى له من المحن والخطوب ما هو مذكور في كتب التاريخ اه هذه ايها الكرام الماحة الى اه مؤلف هذه الرسالة الذي مد الله تعالى اه في عمره وبارك فيه وان لم يعمر كثيرا فانه عاش سبعا وستين سنة فقط. وتوفي سنة سبعمائة وثمان وعشرين للهجرة. ولكنه جاهد في الله حق جهاده جاهد القلم والبيان وجاهد بالسيف والسنان فقد تصدى للتتار وشارك في اه الحرب ضد وجهادهم في معركة شقحب وفي آآ الدفاع عن دمشق وكان يمر على آآ الحراس وهم على آآ القلعة وعلى الاسواق ويثبتهم يطمئنهم بانهم فيقولون له قل ان شاء الله. فيقول اقول ان شاء الله تحقيقا لا تعليقا. ثقة بالله. وذهب وذهب في وفادة الى قازان ملك التتر واغلظ عليه في القول وحذره وخوفه وكتب الى ملك قبرص في شأن اسرى عامله بالترغيب والترهيب. لقد كان بحق آآ امام ملة وفقيه امة لم يكن مختصا باموره الشخصية بل كان رحمه الله تعالى آآ باذلا نفسه في جميع قضايا الامة آآ مهموما بها وكان ينتقل من قطر الى قطر حتى انه وشي به لدى السلطان الناصر قلاوون في مصر وحمل مخفورا اليها. ولما قابله السلطان ورأى وفور عقله وعلمه ادرك ان الامر وشاية وسعاية. وقال قد حكمتك لهؤلاء يعني اولئك الذين وشوا فيه وسعوا فيه وطلبوا ايقاع التعزير البليغ عليه الذي يعني القتل. فجعل يسكنه ويقول له ايها الملك هؤلاء فقهاء مملكتك وعلماء ملتك. ولا غنى لك عنهم. هكذا اخلاق العلماء التي هي مستمدة من اخلاق الانبياء. وفي مصر حصل خير كثير له. فانه كتب له قبول والتف عليه للعامة والف مؤلفات بلغت آآ بلاد المغرب. وقد الف المراكشية وهي اشبه ما تكون بمختصر قوية فنفع الله بها في بلاد المغرب كما نفع بالحموية بلاد المشرق. لقد كان شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله مجددا بالحق لقد كان علما في العلماء وكان مفرق طريق في تاريخ العقيدة الاسلامية رد الناس فيها الى