ما في الغرائر ثم ترى منهم من يتصدر باتقانه للرواية وحدها فيمد يده الى ما ليس من شغله. فان افتى اخطأ وان تكلم في الاصول خلط ولولا اني لا احب ذكر الناس لذكرت من اخبار كبار علمائهم وما خلطوا ما يعتبر به. ولكنه لا يخفى على المحقق حالهم فان قال قائل اليس في الحديث من هومان لا يشفعان طالب علم وطالب دنياه اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين اما بعد فهذه قراءتهم من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي عليه رحمة الله وهذا هو الفصل العاشر بعد المئة الاولى فصل اعظم دليل على فضيلة الشيء النظر الى ثمرته ومن تأمل ثمرة الفقه علم انه افضل العلوم فان ارباب المذاهب فاقوا بالفقه على الخلائق ابدا وان كان في زمن احدهم من هو اعلم منه بالقرآن او بالحديث او باللغة واعتبر هذا بأهل زماننا فانك ترى الشاب يعرف مسائل الخلاف الظاهرة فيستغني ويعرف حكم الله تعالى في الحوادث ما لا يعرفه النحرير من باقي العلماء وكم رأينا مبرزا في علم القرآن او في الحديث او في التفسير او في اللغة لا يعرف مع الشيخوخة معظم احكام الشرع وربما جهل علم ما ينويه في صلاته على انه ينبغي للفقيه الا يكون اجنبيا عن باقي العلوم فانه لا يكون فقيها بل يأخذ من كل علم بحظ ثم يتوفر على الفقه فإنه عز الدنيا والآخرة فصل رأيت كثيرا من الناس يتحرزون من رشاش نجاسة ولا يتحاشون من غيبة ويكثرون من الصدقة ولا يبالون بمعاملات الربا. ويتهجدون بالليل ويؤخرون الفريضة عن الوقت. في اشياء يطول عددها دعاء من حفظ فروع وتضييع اصول فبحثت عن سبب ذلك فوجدته من شيئين احدهما العادة والثاني غلبة الهوى في تحصيل المطلوب فانه قد يغلب فلا يترك سمعا ولا بصرا من هذا القبيل ان اخوة يوسف قالوا حين سمعوا المنادي انكم لسارقون قالوا لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين جاء في التفسير انهم لما دخلوا مصر كمموا افواه ابلهم. كمموا افواه ابلهم لئلا تتناول اليس لهم فكأنهم قالوا قد رأيتم ما صنعنا بإبلنا فكيف نسرق ونسوا هم تفاوت ما بين الورع واختطاف اكلة لا يملكونها وبين القاء يوسف عليه السلام في الجب وبيعه بثمن بخس في الناس من يطيع في صغار الامور دون كبارها وفيما كلفته عليه خفيفة معتادة وفيما لا ينقص شيئا من عادته في مطعم او ملبس نرى اقواما يأخذون الربا ويقول احدهم كيف يراني عدوي بعد ان بعت داري او تغير ملبوسي ومركوبي ونرى اقواما يوسوسون في الطهارة ويستعملون الكثير من الماء ولا يتحاشون من غيبة واقواما يستعملون التأويلات الفاسدة في تحصيل اغراضهم مع علمهم انها لا تجوز حتى اني رأيت رجلا من اهل الخير والتعبد اعطاه رجل مالا ليبني به مسجدا فاخذه لنفسه وانفق عوض الصحيح قرابة فلما احتضر قال لذلك الرجل اجعلني في حل فاني فعلت كذا وكذا وترى اقواما يتركون الذنوب لبعدهم عنها. فقد الفوا الترك واذا قربوا منها لم يتمالكوا في الناس من هذه الفنون عجائب يطول ذكرها وقد علمنا ان خلقا من علماء اليهود كانوا يحملون ثقل التعبد في دينهم فلما جاء الاسلام وعرفوا صحته لم يطيقوا مقاومة اهوائهم في محو رياستهم وكذلك قيصر فانه عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدليل. ثم لم يقدر على مقاومة هواه وترك ملكه فالله الله الله الله في تضييع الاصول ومن اهمال شرح الهوى فانه ان اهملت ماشيته نفشت في زروع التقى وما مثل الهوى الا كسبع في عنقه سلسلة فإن استوثق منه ضابطه كفه وربما لاحت له شهواته الغالبة عليه فلم تقاومها السلسلة فافلت على ان من الناس من يكف هواه بسلسلة ومن الناس من يكف هواه بخيط فينبغي للعاقل ان يحذر شياطين الهوى وان يكون بصيرا بمن يقوى عليه من اعدائه وبمن يقوى هو عليه. فصل من اعظم الغلط الثقة بالنفس من اعظم الغلط الثقة بالناس والاسترسال الى الاصدقاء. فان اشد الاعداء واكثرهم اذى الصديق المنقلب عدوا لانه قد اطلع على خفي السر قال الشاعر احذر عدوك مرة واحضر صديقك الف مرة فلربما انقلب الصديق فكان اعلم بالمضرة واعلم ان من الامر الموضوع في النفوس الحسد على النعم او الغبطة وحب الرفعة فاذا رآك من يعتقدك مثلا له وقد ارتقيت عليه فلابد ان يتأثر وربما حسد فان اخوة يوسف عليهم السلام من هذا الجنس جرى لهم مجالهم فان قلته كيف يبقى الانسان بلا صديق قلت لك اتراك ما تعلم ان المجانس يحسد وان اكثر العوام يعتقدون في العالم انه لا يبتسم ولا يتناول من شهوات الدنيا شيئا فإذا رأوا بعض انبساطه في المباح هبط من اعينهم. فإذا كانت هذه حالة العوام وتلك حالة خواص فمع من تكون المعاشرة لا بل والله ما تصح المعاشرة مع النفس زاتها لانها متلونة. لذلك ليس الا المداراة للخلق والاحتراز منه ليس الا المجاراة للخلق والاحتراز منهم واتخاذ المعارف معارف من غير طمع في صديق صادق واتخاذ المعارف من غير طمع في صديق صادق. فان نذر فليكن غير مماثل لان الحسد اليه اسبق وليكن مرتفعا عن رتبة العوام غير صانع في نيل مقامك وان كانت معاشرة هذا لا تشفي لان المعاشرة ينبغي ان تكون بين العلماء للمجانس فلزمهم من الاشارات في المخالطة لا تصيب بهم مجالسة ولكن لا سبيل الى الوصال مسل هزه الحال انك ان استخدمت الازكياء عرفوا باطنك وان استخدمت الابلة انعكست مقاصدك فاجعل الاذكياء لحوائجك الخارجة والبله لحوائجك في منزلك لئلا يعلموا اسرارك واقنع من الاصدقاء بمن وصفته لك ثم لا تلقه الا متذرعا درع الحجر ولا تطلعه على باطن يمكن ان يصدر عنه وكن كما يقال عن الذئب ينام باحدى مقلتيه ويتقي باخرى الاعادي فهو يقظان هاجر فصل رأيت نفرا ممن افنى اوائل عمره وريعان شبابه في طلب العلم يصبر على انواع الاذى وهجر فنون الراحات انا فتى من الجهل ورزيلته وطلبا للعلم وفضيلته فما نال منه طرفا رفعه عن مراتب ارباب الدنيا ومن لا علم له الا بالعاجل. ضاق به معاشه او قل ما ينشده لنفسه من حظوظ تسافر في البلاد يطلب من الارازل ويتواضع للسفلة واهل الدناءة والمكاس وغيرهم فخاطبت بعضهم وقلت ويحك اين تلك الانفة من الجهل التي سهرت لاجلها واظمأت نهارك بسببها فلما ارتفعت وانتفعت عدت الى اسفل سافلين افما بقي عندك ذرة من الانفة تنبو به عن مقامات الارازل ولا معك يسير من العلم يسير بك عن مناخ الهوى ولا حصلت بالعلم قوة تجذب بها زمام النفس عن مراعي السوء على انه يبين لي ان سهرك وتعبك كانهما كانا لنيل الدنيا ثم اني اراك تزعم انك تريد شيئا من الدنيا تستعين به على طلب العلم فاعلم ان التفاتك الى نوع كسب تستغني به عن الارازل افضل من التزيد في علمك. فلو عرفت ما ينقص به دينك لم تر فيما قد عزمت عليه زيادة بل لعله كله مخاطرة بالنفس وبذل الوجه الذي طالما سين لمن لا يصلح التفات مثلك الى مثله وبعيد ان تقنع بعد شروعك في هذا الامر بقدر الكفاف وقد علمت ما في السؤال بعد الكفاف من الاثم وابعد منهم ان تقدر على الورع في المأخوذ ثم من لك بالسلامة والرجوع الى الوطن وكم رمى قصر في بواديه من هالك ثم ما تحصله يفنى ويبقى منهما اعطي وعيب المتقين اياك واقتداء الجاهلين بك يكفيك انك عدت على ما علمت من ذنب الدنيا بشينه اذ فعلت ما يناقضك خصوصا وقد مر اكثر العمر ومن احسن فيما مضى يحسن فيما بقي فصل رأيت الشرهة في تحصيل الاشياء يفوت الشرف عليه مقصوده وقد رأينا رأينا من كان شرها في جمع المال فحصل له الكثير منه. وهو مع ذلك حريص على الازدياد ولو فهم علم ان المراد من المال انفاقه في العمر فاذا انفق العمر في تحصيله هذا المقصودان جميعا وكم رأينا وكم رأينا من جمع المال ولم يتمتع به فأبقاه لغيره وافنى نفسه كما قال الشاعر كدودة القز ما تبنيه يهدمها وغيرها بالذي تبنيه ينتفع. كذلك رأينا خلقا كثيرا يحرصون على جمع الكتب. فينفقون اعمارهم في كتابتهم وكدأب اهل الحديث ينفقون الاعمار في النسخ والسماع الى اخر الامور ثم ينقسمون فمنهم من يتشاغل بالحديث وعلمه وتصحيحه ولعله لا يفهم جواب حادثة ولعل عنده للحديث اسلم سالمها الله مائة طريق وقد حكي لي عن بعض اصحاب الحديث انه سمع جزء ابن عرفة عن مائة شيخ وكان عنده سبعون نسخة ومنهم من يجمع الكتب ويسمعها ولا يدري ما فيها. لا من صحة حديثها ولا من فهم معناها. فتراه يقول قال الكتاب الفلاني سماعي وعندي له نسخة. والكتاب الفلاني والفلاني. فلا يعرف علم ما عنده من حيث فهم صحيحه من سقيمه. وقد صده اشتغاله بذلك عن المهم من العلم فهم كما قال الحطيئة زوامل للاخبار لا علم عندها بمثقلها الا كعلم الاباعري لامرك ما يدري البعير اذا غدا باوثاقه او راح قلت اما العالم فلا اقول له اشبع من العلم ولا اختصر على بعضه بل اقول له قدم المهم فإن العاقل من قدر عمره وعمل بمقتضاه وان كان لا سبيل الى العلم بمقدار العمر غير انه يبني على الاغلب فان وصل فقد اعد لكل مرحلة زاد وان مات قبل الوصول فنيته تسلك به فاذا علم العاقل ان العمر خطير وان العلم كثير فقبيح بالعاقل الطالب لكمال الفضائل ان قال مثلا بسماع الحديث ونسخه ليحصل كل طريق وكل رواية وكل غريب. هذا لا يفرغ من مقصوده منه في خمسين سنة خصوصا ان تشاغل بالنسخ ثم هو لا يحفظ القرآن او يتشاغل بعلوم القرآن ولا يعرف الحديث او بالخلاف في الفقه. ولا يعرف النقل الذي عليه مزار المسألة فان قال قائل فدبر لي اذا ما تختار لنفسك فاقول ذو الهمة لا يخفى من زمان الصبا كما قال سفيان بن عيينة قال لي ابي وقد بلغت خمس عشرة سنة انه قد انقضت عنك شرائع الصبا فاتبع الخير تكن من اهله اتبع الخير تكن من اهله فجعلت وصية ابي قبلة اميل اليها ولا اميل عنك ثم قبل شروعي في الجواب اقول ينبغي لمن له انفة ان يأنف من التقصير الممكن دفعه عن النفس فلو كانت النبوة مثلا تأتي بكسب لم يجز له ان يقنع بالولاية او تصور ان يكون مثلا خليفة لم يحسن به ان يقتنع بإمارة. ولو صح ان يكون ملكا لم يرضى ان يكون بشرا فالمقصود ان ينتهي بالنفس الى كمالها الممكن لها في العلم والعمل وقد علم قصر العمر وكثرة العلم فيبتدأ بالقرآن وحفظه وينظر في تفسير القرآن نظرا متوسطا لا يخفى عليه بذلك منه شيء وان صح له قراءة القراءات السبعة واشياء من النحو وكتب اللغة وابتدأ باصول الحديث من حيث النقل كالصحاح والمسانيد والسنن ومن حيث علم الحديث كمعرفة الضعفاء والاسماء فلينظر في اصول ذلك وقد رتبت العلماء من ذلك ما يستغني به الطالب عن التعب. ولينظر في التواريخ ليعرف ما لا يستغنى عنه. كان متعب الرسول صلى الله عليه وسلم واقاربه وازواجه وما جرى له ثم ليقبل على الفقه فلينظر للمذهب والخلاف. وليكن اعتماده على مسائل الخلاف فلينظر في المسألة وما تحتوي عليه فيطلبه من مظانه كتفسير اية وحديث وكلمة لغة ويتشهد باصول الفقه والفرائض وليعلم ان الفقه عليه مدار العلوم. ويكفيه من النظر في الاصول ما يستدل به على وجود الصانع. فاذا اثبته بالدليل وعرف ما يجوز عليه مما لا يجوز. واثبت ارسال الرسل وعلم وجوب القبول منهم. فقد احتوى على المقصود من علم الاصول فان اتسع الزمان للتزيد من العلم فليكن من الفقه فانه الانفعى. ومهما فسح له في المهل فامكنه تصنيف في علم فانه يخلف بذلك خلفه خلفا صالحا. مع اجتهاده في التسبب الى اتخاذ الولد ثم يعلم ان الدنيا معبرة فيلتفت الى فهم معاملة الله عز وجل. فان مجموع ما حصله من العلم يدله عليه. فاذا تعرض لتحقيق معرفته ووقف على باب معاملته فقل ان يقف صادقا الا ويجزب الى مقام الولاية. ومن اريد وفق وان لله عز وجل اقواما يتولى تربيتهم. ويبعث اليهم في زمن الطفولية مؤدبا يسمى العقل ومقوما يسمى الفهم ويتولى تأديبهم وتسقيفهم ويهيئ لهم اسباب القرب منه فان لاح قاطع قطعهم عنه حماهم منه وان تعرضت بهم فتنة دفعها عنهم فنسأل الله عز وجل ان يجعلنا منهم ونعوذ بالله من خزلان لا ينفع معه اجتهاد الفقرة الاخيرة مرة تانية ان لله عز وجل اقواما يتولى هو سبحانه تربيتهم تبعس اليهم في زمن الطفولية مؤدبا يسمى العقل ومقوما يقال له الفهم ويتولى سبحانه تأتي بعد وتثقيفهم ويهيئ لهم اسباب القرب منه فان لاح قاطع ليقطعهم عنه سبحانه حماهم منه وان تعرضت بهم فتنة دفعها سبحانه عنهم. فنسأل الله عز وجل ان يجعلنا منهم ونعوذ به من خزلان لا ينفع معه اجتهاد فصل ان للخلوة تأثيرات تبين في الخلوة كم من مؤمن بالله عز وجل يحترمه عند الخلوات فيترك ما يشتهي حذرا من عقابه او رجاء ثوابه او اجلالا له فيكون بذلك الفعل كأنه صرح عودا هنديا على مجمر فيفوح طيبه فيستنشقه الخلائق ولا يدرون اين هو وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبته او على مقدار زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيل الطيب ويتفاوت تفاوت العود فترى عيون الخلق تعظم هذا الشخص والسنتهم تمدحه ولا يعرفون لمن لا يقدرون على وصفه لبعدهم عن حقيقة معرفته وقد تمتد هذه الارايج بعد الموت على قدرها فمنهم من يذكر بالخير مدة مديدة ثم ينسى. ومنهم من يذكر مائة سنة ثم يخفى ذكره وقبره ومنهم اعلام يبقى ذكرها ابدا وعلى عكس هذا من هاب الخلق ولم يحترم خلوته بالحق فانه على قدر مبارزته بالذنوب وعلى مقادير تلك الذنوب يفوح منه الكراهة فتنقضه القلوب فان قل مقدار ما جنى قل ذكر الالسن له بالخير وبقي لمجرد تعظيمه وان كثر كان قصارى الامر سكوت الناس عنه لا يمدحونه ولا يذمونه ورب خال بذنب اذكى سبب وقوعه في غوة شقوة في عيش الدنيا والاخرة وكأنه قيل له ابقى بما آثرت فيبقى ابدا في التخبيط فانظروا اخواني الى المعاصي اثرت وعسرت قال ابو الدرداء رضي الله عنه ان العبد ليخلو بمعصية الله فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر فتلمحوا ما سطرته واعرفوا ما ذكرته ولا تهملوا خلواتكم ولا سرائركم فان الاعمال بالنية والجزاء على مقدار الاخلاص اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيد المرسلين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورحمة الله وبركاته