السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اخواني واخواتي لا زلنا نبني حبنا لله عز وجل على اسس سليمة قلنا ان منها تأمل اسماء الله وصفاته. تكلمنا في الحلقات الماضية عن صفة الحكمة واليوم باذن الله نتكلم عن صفة جديدة. لكن اسمحوا لي بداية ان احدثكم عن قصة ابي غسان من ابو غسان؟ ابو غسان والد حنون. لاحظ فتورا في مشاعر والديه الشابين تجاهه. فغسان ورامي اصبحا يأتيان كل صباح الى غرفة ابيهما ويمدان يدهما قائلين المصروف يا ابي لو سمحت بشكل روتيني رتيب يعطيهم المصروف فيشكرانه على عجل وينطلقان من البيت. اراد ابو غسان ان يذكر ولديه بان علاقته بهما ليست علاقة مصروف فحسب. فعندما جاء هذه المرة ومد يدهما لقبض المصروف قال لهما ابوهما بلهجة تنبض بالحب الصادق. احبكما يا ولدي. احبكما يا ولدي. كان ابو غسان يتمنى ان تلتقي عيناه بعيني ولديه وهو يقول هذه الكلمات فيقرأ فيهما البهجة والاعتزاز بما قال لهما. كان يريد اي مؤشر على ان ولديه يحبانه لذاته. لا للمصروف الذي يأخذانه لكن تجاوب الولدين كان مخيبا للامال. هز رأسهما قائلين في شرود ذهن ونحن كذلك. اي نحن كذلك نحبه. وبقي ما بين يدهما وانظارهما مثبتة على جيب والدهما ففيه المصروف صدم الاب وانقلبت ابتسامته ذبولا واخرج يده من جيبه دون المحفظة. انتبه الولدان لما حصل وادركا عدم لباقتهما في التجاوب مع ابيهما الرفيقة. قبضا يدهما وانزلاها وحاولا تدارك الموقف اما رامي فقال ابي انا اسف. طبعا انا احبك. انت ابي الذي رعيتني وانفقت علي ولا غنى لي عنك. كان رامي يقول هذه الكلمات وذهنه في المصروف يتوقع ان يمد والده يده في جيبه ويعطيه المصروف لكن الاب لم يفعل وبقي صامتا. فقال رامي ابي رجاء انا احتاج المصروف. اعدك ان اكون اكثر لباقة لكن لا تحرمني من المصروف لم يتجاوب الاب فتضايق رامي وخرج مغضبا من الغرفة واما غسان فقد هز الموقف كيانه هو يحب اباه بالفعل لكن قلبه كان قد ذهل عن هذه المحبة بتعلقه بالمصروف في الفترة الماضية ملامح الاب الذابلة العابسة ايقظت مشاعر غسان. فادرك كم كان مقصرا في حق ابيه في الفترة الاخيرة. ادرك انه كان انانيا لا كثيرا في شعور ابيه ولا يجتهد في ادخال البهجة الى قلبه. اذ رورقت عينا غسان بدموع حارة وقال بصوت متهجد اسف يا ابي الحبيب لقد غفلت عنك كثيرا. سامحني ارجوك. الدنيا كلها لا تساوي ابتسامة منك قال هذه الكلمات وهو يقلب عينيه الدامعتين في وجه ابيه باحثا عن اية بادرة انفراج لعبوسه لكن الاب بقي عابسا صامتا وخرج من غرفته وجلس على الاريكة لا يتكلم لحقه غسان وتحرك حول ابيه كالقط فتارة يقبل يديه وتارة يقبل رأسه وتارة يمسك بيدي ابيه بين يديه ودموعه منهمرة على خده وهو يقول سامحني يا ابي ارجوك انا احبك تعلم اني احبك تنازعت الاب مشاعر متباينة فهو لا يحب رؤية ولده كسيرا بهذا الشكل لكنه ما زال مصدوما من جفاء ولديه في اول الامر. كما انه يريد مزيدا من الضمانات لصدق محبة غسان. انسحب الاب وعاد الى غرفته واغلق الباب وراءه بحس غسان بالضياع. فلحق والده وقال من وراء الباب مناديا ابي ارجوك لا اطيق الحياة دون رضاك لا استطيع العيش وانا اراك غضبانا حزينا. لقد اخطأت يا ابي لكني احبك. احبك يا ابي. ارجوك سامحني. ارجوك ابتسم في وجهي. ارجوك ضمني الى صدرك وتعالى صوت بكاء غسان كطفل فزع تركته امه في صحراء وتولت عنه حينئذ انهار سد الجفاء في قلب الاب امام دموع غسان. فتح الباب ورفع ولده الذي كان جاثيا على ركبتيه وضمه الى صدره وجعل يمسح ودموعه ويقبل رأسه. استمر بكاء غسان لكنه الان بكاء فرحة وحنين اشبع مد الاب يده في جيبه ليستخرج مصروف غسان لكن غسان اعاد المحفظة الى جيب ابيه وقال له وهو ملتصق بصدره. دعنا الان من المصروف. اريدك انت يا ابي الحبيب. ما دمت راضيا عني فالدنيا كلها تهون ولله المثل الاعلى قد يعلم الله تعالى من عباده جفافا في محبتهم له. وتعلقا بنعم الدنيا التي يمنحهم اياها هو تعالى يتودد الى عباده ويحب منهم ان يبادلوه الود ودا. فاذا رأى منهم جفاء وغفلة قطع عنهم نعمة من النعم ليهز كيانهم ويوقظهم من غفلتهم لعلهم ينتبهون الى حقيقة ان النعمة الهتهم عن المنعم اما فقير المشاعر كرامي فلا يفهم هذه الابعاد. لا يزال في غفلته قد سيطر المصروف على تفكيره. فيستغفر الله ويجتهد في الطاعات ليسترجع مصروف ليست مصيبته في عتاب الله له انما مصيبته قطع المصروف. بلادة في التفكير. قصور في النظرة فقر في المشاعر انانية في التعامل لا يفكر الا فيما يأخذه ولا يرى من واجبه ان يعطي واما صاحب الحس المرهف والقلب الحي كغسان فان قطع المصروف يزيل عن عينيه الغشاوة ليبصر المصيبة الحقيقية انه قصر في حق الله تعالى وغفل عنه فكل ما يسيطر على كيانه هو كيف يسترضي الله تعالى ويبرهن له على انه يبادله الود ودا. اما عودة مصروف فتصبح قضية ثانوية. لانه قد يعيش ولو بصعوبة دون المصروف. لكنه لا يطيق لحظة من الضياع الذي سيعانيه اذا فقد معية الله تعالى او احس بان الله تعالى لا يحبه في النهاية قد يعود المصروف للاثنين كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا. لكن فقير الشعور سيخرج من البلاء كما دخل فيه لم يستفد شيئا ما دام يرى عودة المصروف غاية الامال. ومنتهى الطموحات. واما الثاني فان المحنة كانت اكبر منحة له. حيث اطلقت روحه من قيد الغفلة لتدور في فلك محبة الله عز وجل. هل يستويان مثلا؟ ورد عن السلف ان بعضهم كان يبتلى بمرض او غيره قد عرف عنه انه مستجاب الدعوة ومع ذلك لا يدعو الله تعالى بكشف البلاء. لا يدعو الله بكشف البلاء. ستقول هذه المرويات فيها مبالغة ربما نعم ولكننا اذا فهمنا المعاني المذكورة في هذه الحلقة فلا نستبعد ان يحصل ذلك. فلعل هذا المبتلى فهم البلاء على انه تذكرة من الله تعالى بانك قد غفلت عن خالقك ويريد ربك منك ان تبادله التودد توددا فيسيطر هذا التفكير على كيان المؤمن ويعيد حساباته ليكتشف مواطن الغفلة وينشط معاني المحبة ويتفنن في البرهنة لربه على صدق محبته له سبحانه وتعالى. مثل هذا التفكير لا يبعد ان يشغل مؤمن عن الدعاء بكشف البلاء. بل قد يرى اعطاء الاولوية للدعاء بكشف البلاء سوء ادب. لانه يدل على عدم اقتناء بالسبب الذي من اجله ابتلي. التذكرة بمبادلة التودد توددا. كانه يقول لله يا ربي خلص فهمت الدرس. انا الان تودد ساراعي ذلك في المستقبل لكن ابعد عني هذا البلاء رد الي النعم هذا ليس ادبا مع الله عز وجل فالمؤمن قد لا يعطي الاولوية للدعاء بكشف البلاء لانه يعلم ان استمراره مرحليا ادعى لرده الى دائرة محبة الله عز وجل. فهو ينشغل باعمار قلبه بمعاني المحبة ينشغل باعمار قلبه بمعاني المحبة من جديد. ويكل امر توقيت رفع البلاء الى الله عز وجل. ويثق بحكمته تعالى في ذلك ورحمته انظر الى الابتلاء بايجابية لا على انه عقوبة محضة بل هو بشكل من الاشكال تودد من الله. اذا لا تستغرب من عنوان هذه الحلقة. الله يتودد الينا بالبلاء. رأى منا غفلة عنه وجفافا في عاطفتنا تجاهه. فابتلى لنراجع فنستحي فنحب ونتودد لله رب العالمين. خلاصة الحلقة الله يتودد الينا بالبلاء فلا تكن فقير المشاعر تجاه الله. بل افهم الرسالة وبادر الله الود ودا والسلام عليكم ورحمة الله