بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. اما بعد فيقول الله تبارك وتعالى وقضينا الى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين. ولتعلنن علوا كبيرا. فاذا جاء وعد اولاهما اثنى عليكم عبادا لنا اولي بأس شديد. فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم باموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا ان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اسأتم فلها فاذا جاء وعد الاخرة ليسوء وجوهكم وليدخل كلوا المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا. عسى ربكم ان يرحمكم وان عدتم عدنا قوله تبارك وتعالى في هذه الايات وقضينا الى بني اسرائيل القضاء هو الفراغ من الشيء هذا في اصل معناه وهو في كل شيء بحسبه والمراد هنا والله تعالى اعلم ان الله جل جلاله فرغ الى بني اسرائيل بمعنى انه قضى وحكم واعلمهم واوحى اليهم فيما انزل عليهم في كتابهم وهو التوراة لتفسدن في الارض مرتين اعلمهم واخبرهم بوقوع هذا الافساد الذي قدره الله عز وجل كونا انهم يفسدون في الارض مرتين لتفسدن في الارض مرتين وفي قراءة ابي وهي ليست بمتواترة لتفسدن في الارض مرتين يعني يحصل لكم الفساد والاعراض عن العمل بالتوراة والقراءة المتواترة لتفسدن في الارض مرتين متضمنة لهذه القراءة اعني قراءة ابي فانهم اذا افسدوا في الارض مرتين فان ذلك يتضمن انهم قد فسدوا في انفسهم فان المفسد يكون فاسدا في حاله ونفسه في خاصته ثم يكون ذلك منه متعديا فيحصل منه الافساد للاخرين لتفسدن في الارض مرتين ولتعلمن علوا كبيرا اي انهم يحصل منهم العلو في الارض بغير الحق وهذا الافساد لتفسدن او لتفسدن في الارض مرتين متى وقع ذلك منهم من المفسرين من يقول الافساد الاول هو قتل الشيعية. ومنهم من يقول هو حبس اريميا ومنهم من يقول مخالفة احكام التوراة ومنهم من يقول قتل زكريا. وكل هذا من الاسرائيليات التي لم يدل عليها دليل لا في الكتاب ولا في السنة واما الافساد الثاني الذي حصل منهم فبعضهم يقول هو قتل يحيى عليه الصلاة والسلام قتله احد ملوكهم ذلك ايضا ما عزموا عليه من قتل المسيح صلى الله عليه وسلم فرفعه الله تبارك وتعالى اليه المقصود ان الله عز وجل لم يبين لنا هذا الافساد اخبرنا انه سيقع منهم افساد في الارض مرتين قال الله عز وجل فاذا جاء وعد اولاهما يعني الافساد الاول بعثنا عليكم عبادا لنا اولي بأس شديد اصحاب وتمكن وبطش ولم يحدد الله عز وجل هؤلاء العباد. بعضهم يقول للمرة الاولى بعث الله عز وجل عليهم جالوت الجزري. وهو من اهل الجزيرة الواقعة بين النهرين دجلة والفرات حتى اظهرهم الله عز وجل بعد ذلك بعد ان تابوا وصلحت احوالهم اظهرهم الله عليه فقتله داوود عليه الصلاة والسلام في القصة المعروفة اذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله الى ان قال فقتل داود جالوت واتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء وبعضهم يقول ان الذي جاءهم في المرة الاولى هو سنجاريب وبعضهم يقول سنحاريب بالحاء وهو ملك ايضا من ملوك العراق في الموصل وبعضهم يقول هؤلاء العباد هم من اهل فارس وبعضهم يقول هؤلاء هم المقصود به مختنصر ومن معه ممن جاؤوا من بابل فقد قتلوا في بني اسرائيل قتلا ذريعا حتى انه لم يبقى احد يحفظ التوراة ثم بعد ذلك اخذوا كثيرا من ابناء اشرافهم من ابناء الملوك وابناء الانبياء وذهبوا بهم الى العراق ويقال انهم ممن اخذوا اخذوا دانيال ووضعوه في ارض العراق ويقال هو الذي وجده المسلمون حينما فتحوا بيت المال في المدائن فوجدوا رجلا مسجع لم يتغير منه الا شعرات في قفاه وانهم كتبوا الى عمر رضي الله عنه يسألونه عنه وقد كان الفرس لما رأوا مما يظهر الله عز وجل على يده من الكرامات كانوا اذا اجدبوا خرجوا به يستسقون. هكذا قالوا وان عمر رضي الله عنه امر المسلمين ان يحفروا قبورا متعددة في الليل ثم يضعوه في واحد منها من اجل ان يغيب فلا يتعلق الناس به. الحاصل هذا في المرة الاولى بعث الله عز وجل اليهم هؤلاء العباد. وفي المرة الثانية يذكرون ايضا اشياء من هذا القبيل وكل ذلك مما لا دليل عليه ولو كان فيه فائدة لذكره الله عز وجل لهذه الامة فان الاصل في هذا الباب ان ما ابهمه القرآن بعثنا عليكم عبادا لنا لتفسدن في الارض مرتين كل هذا لم يحدد فكل ما ابهمه القرآن فان ذلك لعدم جدواه وعدم فائدته قد كتب بعض العلماء كتابات فيما يسمى بالمبهمات في القرآن وتتبعوا هذه الاشياء واتعبوا انفسهم حتى ان بعضهم ذكر انه بقي اربعة عشر سنة مثل عكرمة يبحث عمن خرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم ادركه الموت من هو فمثل هذا لا فائدة فيه على كل حال العبرة في هذه الايات هو ما وجه الله عز وجل اليه هذه الامة. فان هذا الفساد الذي وقع او الافساد الذي وقع من بني اسرائيل مع ان الله عز وجل اصطفاهم على عالم زمانهم كان سببا لتسليط عدوهم الكافر عليهم وبطشه بهم ووقعت عليهم ما وقع من القتل الذريع والتشريد والسبي واخذ الاموال الى غير ذلك مما حل بساحتهم والشاهد هنا فيما يتصل بالحديث عن هذه الاية هو ان الكثير من المتحدثين في هذا العصر يقولون الافساد الاول قد مضى والافساد الثاني هو ما يفعله الان تلك العصابات من شذاذ الافاق الذين قد تجمعوا في فلسطين وصاروا يفسدون في الارض ويفعلون ما تعلمون فالشاهد انهم يقولون هذا هو الافساد الثاني لتفسدن في الارض مرتين الاول مضى وسلط الله عليهم من سلط باختنصر او غير تنصر والافساد الثاني هو هذا وهذا الكلام فيه نظر كل من وقفت عليه من المحققين من المفسرين. منهم من يعرض عن تحديد هذا ويقول لا فائدة فيه والله لن يحدده ويقولون انما ورد ذلك في الاسرائيليات. ومنهم من يذكر الاقوال ثم بعد ذلك يقول الله اعلم بالمراد بذلك. لكن كل هؤلاء من المفسرين يقولون بان هذين سادين وذلك التسليط الاول والثاني كل ذلك قد مضى. لكن يقفون عند قوله تبارك وتعالى بعده وان عدتم عدنا وهذا الذي ينبغي ان ينظر فيه المسلم لا ان يشتغل بتحديد الافساد الاول وتحديد الافساد الثاني لكن الله قال وان عدتم عدنا قالوا فعادوا بعد ذلك فسلط الله عليهم محمدا صلى الله عليه وسلم غزى خيبر وقتل قريظة اجلى بني النظير واجلى بني قينقاع وهكذا ايضا كل ما وقع منهم من افساد سلط الله عز وجل عليهم من عباده ما يحصل به اذاقتهم الخوف والقتل والسبي وما الى ذلك من التسليط فالشاهد ان الانسان ينبغي الا ينزل النصوص بهذه الطريقة اذا نظر الى حديث او اية تتحدث عن قضية معينة يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه او بعض الاحاديث الواردة في ذكر اوصاف معينة لاحداث او نحو ذلك ثم يشتغل بعد ذلك يقول المراد هذا الرجل هو فلان والمراد بهؤلاء القوم هم بني فلان وما اشبه ذلك فهذا مما يصعب غالبا وانما يعتبر الانسان بما ذكر يحذر من الوقوع في مثل هذه الامور التي وصفها الشارع اما الاشتغال بانها هذا هو هذا وتنزيل هذه النصوص عليه واحيانا يأتون باحاديث منكرة واحاديث باطلة واحاديث مكذوبة كما قالوا في الحرب التي وقعت في الكويت لما ادعى من ادعى بانه من اهل البيت ثم نزلوا عليه بعض الاحاديث المكذوبة وان هذا الرجل هو المذكور بالحديث الفلاني ثم بعد ذلك رأوا عاقبته ونهايته كيف الت وصارت. وذهبت تلك الاقوال ونسيها الناس وتلاشت وصارت شرابا على كل حال. اذا هنا هذا الافساد الاول والثاني الله لم يحدده. والذين سلطوا عليهم الله لم يحددهم. وعامة المفسرين يقولون بان ذلك قد مضى. ولكن هؤلاء قد توعدهم الله عز وجل بقوله بعده وان عدتم عدنا. وهذه سنة الله عز وجل في هؤلاء نسأل الله عز وجل ان ينفعنا واياكم بالقرآن العظيم ويجعلنا واياكم هداة مهتدين وان يعلمنا من كتابه ما جهلنا وان يذكرنا منه ما نسينا وان يرزقنا تلاوته اناء الليل واطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا وصلى الله وسلم على محمد واله وصحبه