بعد فهذا فيه من الفائدة توطين النفوس على الصبر والاحتمال وكذلك ايضا ما يتصل بالاحتجاج والرد على هؤلاء فاذا كان ذلك معلوما لدى المؤمنين قبل ان يقوله هؤلاء فاذا جاء الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته نواصل الحديث ايها الاحبة فيما يستخرج من الهدايات والمعاني والملح من هذه الايات بهذه السورة الكريمة سورة البقرة ولا زال السياق بالرد على اليهود والاحتجاج عليهم ولكن في هذه المرة بما يتصل بالقبلة فالقبلة شعار الملة فهي امر له شأن وتحويله يشق على كثير من النفوس وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استقبل بيت المقدس سبعة عشر شهرا او نحوها ثم امر بالتوجه الى الكعبة فشق ذلك على اقوام واتخذ اخرون ذلك وسيلة للتشكيك والطعن والتلبيس واثارة الشبهات فقال الله تبارك وتعالى سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء الى صراط مستقيم سيقول السفهاء السفه معروف وهو خفة في العقل يؤثر سوء التدبير فصاحبه لا ينظر الى الاشياء بنظر صحيح ولا يعتبر ذلك بطريقة كاعتبار اهل العقول والالباب سيقول هؤلاء من ضعفاء العقول ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. يقولون ذلك على سبيل السخرية والاستهزاء وعلى سبيل التلبيس والتشكيك ما الذي حولهم وصرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها وهذا يدل على ان هذا القائل انه ليس من المسلمين حيث قالوا ما ولاهم عن قبلتهم فهو خارج عنهم ولهذا فان قول عامة اهل العلم ان القائل بذلك هم اليهود والسياق في هذا وان قال من قال بان ذلك يصدق على اليهود وكل من يتصور منه ذلك كالمشركين والمنافقين ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها التي كانوا يصلون الى جهتها وهي بيت المقدس فجاء الرد قل لله المشرق والمغرب فالجهات كلها ملك لله عز وجل يوجه عباده الى حيث شاء منها وانما يكون ذلك عن علم وحكمة منه جل جلاله وتقدست اسماؤه فليس هناك جهة خارجة عن ملك الله عز وجل والله تبارك وتعالى يهدي من يشاء من عباده الى طريق قويما وهذا به اشعار بان الشأن كله لله تعالى فينبغي ان تمتثل اوامره وان ينقاد له الانقياد الكامل وحيثما وجهنا توجهنا يؤخذ من هذه الاية من قوله سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. سيقول اذى كما لا يخفى يتصل بالمستقبل واخبار عن شيء سيقع ولم يقع فان ذلك يكون متوقعا قد تهيأت نفوسهم وتوطنت ارواحهم لي سماعه فلا يكون ذلك صادما للنفوس ومزعجا لها ولا يحصل لهم اضطراب ويكون الجواب مهيئا لانهم قد انتظروا مثل هذا الاعتراض والايراد وفي هذا ايضا من تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين واذا قال الله تبارك وتعالى لهم ذلك بان هذا الاعتراظ سيورد ويوجه اليهم فان ذلك يخففه يخففه في نفوسهم هذا بالاضافة الى ما تضمنه هذا الاخبار من كون هؤلاء من المعترضين انهم سفهاء ان الذين سيعترضون على تحويل القبلة هم السفهاء من الناس اذا لن يكون هذا الاعتراض من ذوي العقول الراجحات وانما هو من قبل اصحاب الخفة في الاحلام والنهى فمثل هؤلاء لا يكترث لاعتراضهم ولا لشغبهم ولا لمقالهم لانهم لا بصر لهم بالامور وانما هم كالدخان يعلو ثم بعد ذلك ما يلبث حتى ينسفل يهوي الى قعر الحضيض الداني فمثل هذا الوصف الذي ذكره الله عز وجل بهذه الاية يهون هذه المقالة والا فلا شك ان تحويل القبلة شديد على النفوس ما لم تتوطن وتتروض بالايمان والاذعان لله جل جلاله وتقدست اسماؤه وفي هذا ايضا سيقول السفهاء اثبات علم الله تبارك وتعالى بما يتصل بالغيوب المستقبلة يعني قاله قبل ان يقولوه فهذا وقع كما اخبرهم الله عز وجل وكذلك ايضا سيقول السفهاء من الناس هذا يدل على عناية الله عز وجل بهذه الامة فهو يشرع لهم ويخبرهم عما سيقول الخصوم والاعداء كل ذلك رعاية لنفوسهم وارواحهم من اجل ان يكون سيرهم على صراطه المستقيم مسددا قويما من غير اضطراب ولا تردد هذا بالاضافة الى ان قوله سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها يدل على حال هؤلاء من المعارضين لشرائع الله جل جلاله انه لا يعارض شريعة الله وحكمه الا سفيه فان احكام الله تبارك وتعالى على وفق الحكمة التي تصدقها العقول الصحيحة وتقر بها الفطر المستقيمة هذا فيما للعقول فيه ادراك وما لا تدركه العقول ولا تصل اليه فانه لا يكون مصادما لها بحال من الاحوال ولهذا قالوا بان الانبياء عليهم الصلاة والسلام جاؤوا بمحارات العقول ولم يأتوا بمحالات العقول جاؤوا بمحارات يعني امور قد تتوقف بها العقول لانهم يأتون بامور من الغيب لا تصل اليها العقول لان العقول في هذا الاطار المحدود من عالم المادة ولا تتوصل الى الغيوب ولم يأتوا بمحالات العقول يعني ما جاءوا بشيء يصادم العقل ويناقضه العقل الصحيح ولهذا فانه لا يوجد نص من الكتاب او السنة يعارض العقل الصحيح ابدا اذا كان الحديث ثابتا صحيحا لا يوجد فهو يوافقها ولهذا ليس من الصواب ان يقابل بين العقل والشرع. يقال دل على هذا العقل والشرع الدليل العقلي والدليل الشرعي. لا لا لان الدليل العقلي هو من جملة ادلة الشرع الادلة الشرعية منها ما هو اصلي الكتاب والسنة الوحي وما يرجع الى ذلك وهو دليلان الاجماع والقياس اذان يعودان الى الدليل الى الاصل الذي هو الكتاب والسنة فهذان دليلان اصليان يرجع اليهما دليلان اخران الاجماع والقياس وكل اجماع له مستند من الكتاب او من السنة والقياس مبناه على اصل دل عليه الكتاب والسنة فيلحق الفرع الاصل ودليلان فرعيا مكملان وهما العقل والفطرة هذه كلها الاربعة يقال لها ادلة شرعية وانما تكون المقابلة بين العقل والنقل فيقال دل على هذا العقل والنقل ولا يقال الشرع والعقل لان العقل ليس بقسيم للشرع بل هو من ادلة الشرع ولهذا كتب شيخ الاسلام كتابه المشهور مطبوع في احد عشر مجلدا درء تعارض العقل والنقل فبين فيه بيانا شافيا بان العقل يوافق النقل ولا يخالفه وكذلك تكلم على هذا المعنى الحافظ ابن القيم في عدد من كتبه ولك ان تطالع ما جاء في كلامه الطويل المفصل في اعلام الموقعين بكلام بديع حينما يرد على الموغلين في القياس او الذين يردون النصوص من الكتاب والسنة حجة انها تخالف الاصل او الاصول يعني القياس فبين ان ذلك جميعا مما يحتجون به انه يوافق القياس بل قالوا بانه لا يوجد نقل ثابت عن احد الصحابة رضي الله تعالى عنهم يخالف العقل لا يوجد عن الصحابة يخالف العقل فهذه الشريعة ما جاءت بشيء يخالف العقول. لكن قد يتصور ان من مقررات العقل ما يخالف النص والواقع ان هذا الذي يعزى الى العقل انه ليس بصحيح اصلا في اصله او يقال هذه قواعد عقلية او نحو ذلك اقس عقليا اصول عقلية الواقع انها باطلة انها غير صحيحة اصلا في نفسها وشيخ الاسلام رحمه الله كان يبين هذا ويهدم هذه الاصول العقلية بطريقة اقناعية قوية نتمنى ان هؤلاء من المفتونين بالعقل من الشباب وغيرهم ممن ينتسبون الى الثقافة ونحو هذا انهم يطلعون على بعض كلامه او يقرب كلامه بطريقة مبسطة يفهمونها ليعرفوا ان في الزوايا خبايا الشاهد انه يؤخذ من هذه الاية ان من عارض الوحي وامر الله تبارك وتعالى فانه سفيه ولو ادعى ان هذه المعارضة يقتضيها العقل فان العقل في الواقع لا يعارض ذلك والله تبارك وتعالى جعل هؤلاء حكم عليهم بالسفه واذا حكم الله على احدا بالسفه فهو سفيه بامتياز الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فهذا كما يقال في القبلة كذلك يقال في بغيرها بسائر المعارضات وفي هذا ايضا عناية عناية الله عز وجل بهذه الامة حيث هداهم الى قبلة ابيهم ابراهيم الى اول بيت وضع للناس في الارض ثم ايضا لاحظوا طريقة الرد في القرآن فان مناهج الجدل والرد في القرآن متنوعة فتارة يورد من الحجج العقلية في مضامين الرد وتارة يكتفي ببيان ان الامر له وان الحكم له وحده دون ان يدخل في هذه التفاصيل وهذا من هذا النوع قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء الى صراط مستقيم انتهى فليس لنا الا التسليم لماذا الكعبة ما هي المبررات؟ ما هي المعطيات لم يقل لهما اخترنا الكعبة اولا من اجل كذا ثانيا من اجل كذا ثالثا من اجل كذا رابعا من اجل كذا وترك بيت الاستقبال بيت المقدس اولا من اجل كذا ثانيا من اجل كذا رابعا عاشرا الى اخره. لا قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء الى صراط مستقيم انتهى وهؤلاء المعترضون سفهاء والسلام وانظروا ايضا في الربا حينما قلبوا القياس مكابرة فقالوا انما البيع مثل الربا هؤلاء المشركون انما البيع مثل الربا الاصل ان يقال انما الربا مثل البيع لان البيع متفق عليه فيلحقون به الفرع المتنازع فيه هو الربا تراجع فيه بين اهل الايمان واهل الاشراك لكن هؤلاء لشدة المكابرة جعلوا الربا اصلا والبيع طرعا وقالوا انما البيع مثل الربا كيف جاء الرد؟ ما ذكر لهم مفاسد الربا مفاسد الاقتصادية المفاسد الاجتماعية والمفاسد الشرعية الدينية والمفاسد الاخروية والمفاسد التربوية والنفسية وانما قال لهم واحل الله البيع وحرم الربا ومن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وامره الى الله. ومن عاد فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون لاحظ الجواب واحل الله البيع وحرم الربا هذا الجواب اذا ما كل قضية يحتاج معها الى طرق عقلية واقناعية وما الى ذلك فهذا الذي يحاج يجاب عنه وعن حجاجه بالطرق المناسبة في كل مقام بحسب القضايا العارضة وبحسب ايضا هؤلاء المعترظين ومن الناس كما قال شيخ الاسلام رحمه الله ومن المسائل ما جوابه السكوت من المسائل اما لان هذا الانسان لا يريد الحق اصلا او انه يريد تقرير الباطل او ان هذا الانسان او يريد الظهور والشهرة فيدفن لانه لو رد عليه تحقق مراده واشتهر وانتفش فيكبت او لان هذه القضية لا تستحق اصلا الوقوف معها او غير ذلك من الاسباب التي قد يكون السكوت هو الاولى في ذلك المقام ترتب على الرد احيانا من المفاسد الكبيرة ثم ايضا يؤخذ من هذه الاية اصل الرد انه مشروع في الاصل اذا دعت الحاجة اليه في الشبهات ان يرد على الملبسين والمبطلين كما رد القرآن على كثير من دعاوى هؤلاء من اليهود وطوائف المشركين لكن ليس ذلك يعني ان يرد على كل مجادل ومبطل وانما ذلك يختلف كما سبق لا سيما في مثل هذه الاوقات مع وسائل الاتصال فان الكثيرين لربما يسعى الواحد منهم الى تحقيق الشهرة وهو يريد ان يقول اعرفوني كذاك الذي بال في بئر زمزم ولما سئل عن هذا قال اردت ان اذكر يريد ان يتحدث الناس عنه ولو بهذا الفعل المشين فمن الناس من لا يملك فضائل ولا مقومات وعلوم ومعارف ونحو ذلك وانما يملك ان يتسلق بالقدح بالشرع او بحملة الشريعة من الانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام المبلغين عن الله او من اتباعهم من العلماء والهداة مثل هذا ينبغي ان ينظر في حاله فقد يكون الرد عليه سببا لي نشر باطله يكون مغمورا فيشتهر فنكون بذلك مروجين لهذا الباطل ننشره على اوسع نطاق بعد ان كان محصورا محدودا بين افراد لا يجاوزهم اوصلناه الى العمق الى ابعد مدى ننشر ونتناقل فاوصلناه الى الاسماع فسمعه الصغير والكبير ونحن الحملة والنقلة بهذا الباطل للاسف الشديد وهذا لا يصح بحال من الاحوال والعلماء رحمهم الله تكلموا عن الرد ومتى يكون الرد فذكروا من ذلك ان تكون هذه الشبهة قذاعت وراجة وانتشرت فخيفة على العامة فهنا يرد من هو مؤهل للرد وليس كل احد ليس كل من هب ودب ودرج يرد ولابد من مواصفات معينة في الرد في اختيار الحال والوقت والاسلوب واليوم الكل يهرول فراشق بسهم وطاعن برمح وضارب بسيف وحامل لعصا وغير ذلك مما تشاهد فهذا غير صحيح كذلك ايضا تحدثوا عن حال ثانية وهي ما اذا كان هذا المبطل قد عرظ هذه الشبهة في مجلس في وانت حاضر تصرف وجوه الناس عنه فان عرض ذلك ان يجيب من يعرف ويحسن الجواب وليست المسألة ملاسنة ولا معاركة وانما هي اقناع ورد وحجة بعلم فلا يتكلم من لا يحسن وذكروا حالات حالة اخرى وهي اذا كان الذي يعرض الشبهة يريد الحق فيسأل فهنا يستمع اليه ويجاب عن شبهته باقرب طريق اذا كان يريد الحق اما الملبس والمبطل فهؤلاء لا يمكنون من ترويج باطلهم فان ذلك في غاية الضرر حينما يتاح لهم فرصة لبث هذه الشبهات واسوأ من ذلك اذا كنا نحن الحملة لها فيفرق فلا يقال هذا باطلاق كل من تكلم بباطل ان ينشر على اوسع نطاق هذا لا يصح ولا يحتج بما جاء في القرآن لنشر كل باطل واذاعته فان المنكر يجب ان يطوى ومن الاباطيل ما يكون رده بوأده ونرده بوأده لكن نحن نبعثه للاسف ونذيعه وننشره وهكذا ايضا في قوله سيقول السفهاء من الناس معلوم ان هؤلاء السفهاء ليسوا من البهائم وانما من الناس لكن هذا فيه فائدة السفهاء من الناس كانه لا يوجد سفهاء غير هؤلاء يعني الصنف الذي هم سفهاء هم الذين سيقولون ذلك فصار الصنف بني ادم ينقسمون الى سفهاء وعقلاء. فالسفهاء هم اهل المعارضة لي الشرع وهنا هذا الاستفهام ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها هذا الاسلوب استفهام يقصد به الاستهزاء والسخرية وايضا التعريظ بالتخطئة ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فهذا خلاف حال اهل الايمان وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم انما كان قول المؤمنين اذا يدعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا. فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت. ويسلموا تسليما. هذه اهل الايمان التي وصفها الله تبارك وتعالى. فنسأل الله عز وجل ان يجعلنا واياكم منهم والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه لكان لديكم اضافة او سؤال او نعم لا اله الا لا اله الا كيف يؤخذ من الاية احسنت سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم مسألة النسخ وانه واقع وسيأتي ما هو اصلح من ذلك فول وجهك شطر المسجد الحرام نسخ للقبلة لكن هنا خبر عن الاعتراظ قبل وقوعه