الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته نواصل الحديث ايها الاحبة بالكلام على ما يستخرج من الهدايات باواخر هذه السورة الكريمة سورة الفاتحة وذلك في قوله تبارك وتعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين ومن ذلك ان هذا الموضع من هذه السورة بعد قوله تبارك وتعالى اهدنا الصراط المستقيم يبعث المؤمن على الاحتراز والحذر من الوقوع فيما وقع فيه هؤلاء حتى صاروا اهل غضب او اهلا ضلال فان غير المتحقق سلوك الصراط المستقيم ذلك الذي ليس عنده من اليقين والثبات ما يكون سببا بعد هداية الله عز وجل وتوفيقه الى رسوخ قدمه على الصراط فانه قد تزل به قدمه ويصير الى حال الغضب حيث يتخلى عن بعض الحق وقد عرفه او يكون متبعا للباطل على جهل منه وعمى فيكون من اهل من اهل الضلال فالمؤمن يحذر من مواقعة الاعمال والاحوال والاوصاف التي تودي به الى مثل هذه النهايات وهذا ايضا يبعثه على مجانبة هؤلاء من اهل الغضب والضلال ولا يعقل ايها الاحبة بحال من الاحوال ان يكون احد ممن انعم الله عليهم من جملة المنعم عليهم اهل الصراط المستقيم يتخلى عن هذه الحلية والشارة والوسام والتقليد الذي شرفه الله عز وجل به هداية الى الصراط المستقيم من خير امة اخرجت للناس الذين اصطفاهم الله تبارك وتعالى على الناس اجمعين على الامم ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا وهم هذه الامة بطوائفها الثلاث. فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله. هذه الطوائف الثلاث هم اهل الاصطفاء بما فيهم الظالم لنفسه فكيف يتخلى المؤمن عن هذا التشريف وهذا الوصف وهذه الكمالات ويرضى لنفسه ان يكون تابعا لامم يترددون بين حال الغضب وحال الضلال كثير من المسلمين اليوم باقطار المعمورة يقتفون اثار اهل الغضب او اهل الضلال من اليهود والنصارى وهذا امر لا يعقل كيف يكون هؤلاء قدوة وهم بين عارف للحق متنكب له وبين ضال عنه لا يهتدي اليه بحال من الاحوال. والاعمى لا يصح ان يكون قائدا ودليلا للمبصرين ومن جعل الغراب دليله فانه يطوف به على الجيف فما ظنكم بقوم جعلوا هؤلاء دليلا لهم يقتدون بهم ويتشبهون بهم في احوالهم واعمالهم بل وفي خصائصهم الدينية والنبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من ذلك وقال من تشبه بقوم فهو منهم ونهى عن مقاربتهم ومساكنتهم كل ذلك حفظا لتميز اهل الايمان الذين صبغهم الله بصبغته صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون كل قوم لهم صبغة والنصارى يعمدون مواليدهم بماء ما ان اصفر يقال له الماء المعمودية يعتقدون انه يحصل لهم بذلك التطهير وهكذا كل امة تزاول عقائد ما انزل الله بها من سلطان ولكن الله حبا هذه الامة بالحق والهدى الكامل فهذه صبغته التي تصبغ البواطن بالايمان والصدق والاخلاص والتوحيد الصحيح والاعتقاد السليم بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الاخر والقدر وما الى ذلك واما اولئك فهم يتخبطون في انواع الخرافات والدجل والضلالات ينغمسون في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها هؤلاء الذين حجب الله عز وجل عنهم نوره فصاروا في هذه الظلمات كيف يتخذ الواحد منهم او الجمع كيف يتخذ هؤلاء ادلاء وقدوات يقتدى بهم ويتشبه بهم ونحاكيهم في بدعهم واهوائهم وضلالاتهم واعيادهم وازيائهم والبستهم وما الى ذلك هذا امر لا يعقل ويخشى على من لم يعرف قدر هذه النعمة الهداية الى الصراط المستقيم. ان تسلب منه فالمؤمن يخاف امر اخر ايضا ايها الاحبة وهو ان اليهود هم اهل الغضب كما ذكرنا سابقا والنصارى اهل الضلال. هذا علم على هؤلاء بالغلبة فهو وصف يتوجه اليهم مباشرة وان كان يدخل فيه كما ذكرنا من شاكلهم وشابههم ممن عرف الحق وتركه. لكن هؤلاء النصارى بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعدما عرفوا الحق ولم يتبعوه صاروا جامعين بين الغضب والضلال فهم اهل غضب النصارى اليوم وفي القرون السابقة بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم هم اهل غضب وضلال وهم عرفوا الحق عرفوا صدق النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك كابروا كبيرهم هرقل لما بعث له النبي صلى الله عليه وسلم وفي خبر ابي سفيان وهو في الصحيح لما سأله عن تلك السؤالات عرف صدقه واحقية ما جاء به صلى الله عليه وسلم ولكنه شح بملكه فمن كان بهذه المثابة فهو من اهل من اهل الغضب. ما الفرق بين هذا وبين اليهود. اما النصارى الذين مدحهم الله عز وجل ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق. هؤلاء الجواب بعده يقولون ربنا اتمنى فاكتبنا مع الشاهدين. هؤلاء هم الذين تبعوا النبي صلى الله عليه وسلم. وليس اولئك الذين بقوا على كفرهم فهؤلاء لهم من الضلال الوصف الكامل ولهم ايضا من الغضب شعبة يستحقون بها ان يوصفوا به مع اليهود اهل غضب وضلال ثم ايضا نلاحظ هنا في قوله غير المغضوب عليهم انه قدم اليهود. قدم اهل الغضب فما هو سر هذا التقديم يمكن ان يقال هذا باعتبار القرب في المكان فاليهود كانوا في المدينة. قريظة النظير مع بني قينقاع ويمكن ان يكون ذلك للاسبقية ان اليهود قبل النصارى. فجاء ذلك على الترتيب غير المغضوب عليهم او باعتبار الشدة والثقل فان وصف الغضب اغلظ من وصف الضلال. فان من عرف الحق ثم تركه لا شك انه اعظم واشد جرما من ذلك التائه الذي لم يعرف الحق اصلا ولم يهتدي اليه فيمكن ان يكون هذا التقديم والله تعالى اعلم لهذه العلة او لغيرها والعلم عند الله عز وجل كذلك ايضا مما يؤخذ من هذا الموضع غير المغضوب عليهم بعد قوله صراط الذين انعمت عليهم انه عند اهل البلاغة من قبيل الالتفات. نحن ذكرنا التفاتا قبله حيث جاء بضمائر الغائب في اول السورة. الحمد لله هو رب العالمين الرحمن هو الرحمن الرحيم مالكي هو مالك يوم الدين ثم كانه حضر واقترب بين يديه لمناجاته وسؤاله ودعائه بعد هذا الثناء فقال اياك نعبد واياك نستعين كانه صار بحضرة من يسأله ويثني عليه ويدعوه فقال اياك نعبد واياك فخاطبه تحول من الغائب الى الخطاب. هذا يقال له التفات تنويع الاسلوب بالضمائر ونحوها ويوجد منه اشياء غير هذا ايضا. لكن ايضا بعده صراط الذين انعمت عليهم انعمت فهذا للمخاطب ثم قال غير المغضوب عليهم فلم يذكر ضمير الخطاب وانما ابهم ذلك وبنى الفعل للمفعول المغضوب وقلنا هذا فيه من التأدب في الخطاب بحيث لم ينسب اليه الغضب وانما نسب اليه الى الانعام. وذكرنا نظائر هذا في كتاب الله تبارك وتعالى ثم يلاحظ ايضا هنا في قوله تبارك وتعالى الحمد لله رب العالمين لاحظ اخر الاية حرف النون هذه الفاصلة الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. لاحظ الرحيم بالميم والدين بالنون اياك نعبد واياك نستعين بالنون اهدنا الصراط المستقيم بالميم. صراط الذين انعمت عليهم بالميم. غير المغضوب عليهم بالميم ولا الضالين بالنون فهنا اهدنا الصراط المستقيم الرحمن الرحيم تناسبت هذه الفواصل ورب العالمين ويوم الدين اياك نستعين ولا الضالين هذه متناسبة النون. فالفواصل في هذه السورة على حرفين الميم والنون. بعض سور القرآن على حرف واحد قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد وبعض السور على اكثر من ذلك فهذا التنويع حينما ينوع بمثل هذا يكون فيه من تشنيف الاسماع ومع اتفاق ذلك الكلم في حروفه الاخيرة لاحظ الرحمن الرحيم قبله ياء قبل الميم الرحمن الرحيم مالك يوم الدين هي مقاربة لها الا ان الحرف الاخير هو الذي تغير. فوقعها في السمع متقارب فمثل هذا هو من صروف البلاغة كذلك ايضا نحن نجد في القرآن اشياء تكون مجملة ثم يأتي تفصيلها في مواضع اخرى يعني مثلا في قوله تبارك وتعالى وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل. هذا في سورة النحل ما هذا الذي قصه؟ وما الذي حرمه اجمله وابهمه فجاء ذلك مبينا في السورة الاخرى المكية وهي سورة الانعام. وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت ظهورهما او الحوايا او ما اختلط بعظم بعد تفصيل لقوله في سورة النحل وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل. ما الذي قصه؟ في سورة الانعام. فالقرآن يفسر بعضه بعضا وكما قال الشاطبي رحمه الله بان السور المكية محمول بعضها على بعض. يعني يفسر بعضها بعضا. فهذه سورة الانعام نزلت قبل سورة النحل فنجد فيها تفسيرا لاشياء في سورة النحل والقرآن المدني محمول على المكي ايضا فهو يبين مجملات فيه كما قال الله عز وجل مثلا في سورة الانعام وهي مكية واتوا حقه يوم حصاده هذا الزكاة على الارجح ما هذا الحق وما القدر المخرج فيه جاء ذلك مبينا ومفصلا في مواضع اخرى بعد ذلك فالقرآن المدني يحمل على القرآن المكي يكون ذلك بيانا له وتفصيلا لمجملاته ونحو ذلك هذه السورة سورة الفاتحة العلماء رحمهم الله يقولون بانها اشتملت على مضامين القرآن الكريم وعلى مقاصده وموضوعاته الفرق بين مقصود السورة وموضوع السورة تجدون مقصود السورة وتجد المفسرين يقولون موضوع السورة. السورة قد تكون ذات موضوع واحد وقد تكون ذات موضوعات متعددة يعني حينما ننظر في صورة كسورة الفلق فانها تتحدث عن موضوع واحد وهو الاستعاذة من الشرور كلها سورة الناس تتحدث عن موضوع واحد وهو شر هذا الذي يوسوس بصدور الناس لكن حينما ننظر مثلا في سورة القيامة نجد انها في صدرها تتحدث عن القيامة ثم بعد ذلك تحدثت عن قضايا اخرى كالوحي لا تحرك به لسانك لتعجل به. ان علينا جمعه وقرآنه. فاذا قرأناه فاتبع قرآنه. ثم انا علينا بيانه ثم تحدثت بعد ذلك عن موضوع اخر كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الاخرة ثم بعد ذلك ذكر احوال الناس في ذلك اليوم الاخر فهي تتحدث عن موضوعات متعددة هذه السورة سورة الفاتحة اشتملت على القظايا الكبرى على الموضوعات فموضوع السورة قد تكون ذات موضوع واحد هي القضايا التي تناولتها السورة هذا موضوعات السورة واما مقصود السورة فذلك هو الجامع المشترك ان وجد بين اجزاء السورة كلها او يكون ذلك متعددا باعتبار ان السورة لها اكثر من مقصد يكون لها مقاصد متعددة فالجامع المشترك الغاية الرسالة في النهاية هذا يقال له مقصود السورة فحينما مثلا نقرأ سورة الممتحنة مقصود السورة ما هو تقرير عقيدة الولاء والبراء سورة الجمعة بيان الاجتباء والاصطفاء الذي حصل لهذه الامة مثلا والجامع المشترك بين القظايا المذكورة فيها ابن القيم رحمه الله يتحدث عن سورة العنكبوت ويتحدث عن مقصودها الاوحد وهو الابتلاء طيب جاء هذا في صدرها لكن ذكر الله فيها قصص الانبياء قال قصص الانبياء هذه سير في الابتلاء ان هؤلاء خيار الناس وقد وقع لهم ما وقع من هذه نماذج من ابتلاء خيار الخلق. فهذا الفرق بين موضوع السورة ومقصود السورة. فسورة الفاتحة هذه جاء فيها اجمال لموضوعات القرآن ولمقاصده ايضا وذكر فيها انواع التوحيد لله تبارك وتعالى وذكر فيها ما يتصل بالايمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الاخر وتحدث فيها عن احوال الناس في الدنيا وعن احوالهم في الاخرة الى غير ذلك من القضايا والموضوعات الاصول الكبار موجودة في هذه بهذه السورة وتفاصيل الصراط المستقيم يعني بيان الشريعة من اولها الى اخرها موجود في هذه السورة من اين يؤخذ تفاصيل الشريعة من اولها الى اخرها؟ اهدنا الصراط المستقيم ما هو الصراط المستقيم هو الذي رسمه الله لعباده من اجل سلوكه. ما الذي رسمه الله لعباده من اجل سلوكه الشريعة بكاملها هذا صراطه المستقيم فكل ما في القرآن من بيان الشريعة وما يشرحها من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي تفاصيل هذه الجملة الصراط المستقيم لاحظتم هذه السورة اللي نقرأها في كل ركعة كيف اشتملت على هذه القضايا جميعا من مقاصد القرآن وموضوعاته وفي سورة البقرة تجد التفاصيل لهذه المجملات في كثير منها وكذلك ال عمران وقد ذكر الله تبارك وتعالى في هذه السور الفرائض والشرائع العظام وذكر فيها ايضا القرون المكذبة هذا جاء بالانعام ايضا وكذلك ايضا تجده في سور كالاعراف وغيرها. الشاهد ان هذه السور هي تفصيل لما اجمل في سورة الفاتحة. فحق في سورة بهذه المثابة ان تقرأ في كل ركعة وان يرددها المسلمون في كل يوم سبع عشرة مرة فرضا وحق للقلوب ان تخضع وتخشع عند قراءتها لا ان يتعجب ممن خشع وهو يقرأ سورة الفاتحة ويأتي ذلك السؤال البائس لماذا بكى؟ الامام حينما قرأ سورة الفاتحة وهل يبكي احد عند قراءة سورة الفاتحة هذا السؤال لا يرد بحال من الاحوال ممن عرف ما تضمنته هذه السورة من الهدايات والحقائق هذا ما اردت ذكره في هذا المجلس كنت ذكرت في ليلة مضت اننا نتذاكر المواضع التي دلت فيها هذه السورة على اصول الايمان الوقت انتهى لكني اترك ذلك الليلة الاتية مع اسئلتكم ان شاء الله السلام عليكم