الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته نواصل الحديث ايها الاحبة عن هذه الاية التي تتحدث بجملة ما جاء في موضوع القبلة ولان اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل اية ما تبعوا قبلتك وما انت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك اذا لمن الظالمين تحدثنا عن صدر هذه الاية ثم نواصل الحديث ايها الاحبة بالكلام على قوله تبارك وتعالى ولان اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك اذا لمن الظالمين هذا فيه زيادة في التحذير من اتباع اهواء هؤلاء فيه ايضا استفظاع حال من ترك الحق البين والدليل الظاهر اتباعا لهواه وفيه ايضا حث وحض وتحريض على لزوم الحق والثبات عليه ولئن اتبعت اهواءهم هذا بعد بيان حاله الثابتة المستقرة وما انت بتابع قبلتهم فحاشا النبي صلى الله عليه وسلم ان يتبع اهواءهم ولهذا فان القاعدة ان التعليق على الشرط لا يقتضي امكان الوقوع كقوله تعالى قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين يمكن ان يكون هذا من المحال ان يكون لله تبارك وتعالى ولد فالتعليق في الشرط لا يقتضي امكان الوقوع ولئن اتبعت اهواءهم كقوله لئن اشركت ليحبطن عملك وحاشى النبي صلى الله عليه وسلم ان يقع منه الاشراك هذا لا يكون ولكن هذا على سبيل الفرض والتقدير فيكون ذلك من قبيل التحظيظ على لزوم الحق والثبات عليه والتحذير من الباطل و اهله واهوائهم هذا بالاضافة الى ان النبي صلى الله عليه وسلم قد يوجه اليه الخطاب كما ذكرنا في مناسبات سابقة ويكون ذلك خطابا لامته لان الامة تخاطب في شخصي قدوتها عليه الصلاة والسلام فيكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويراد به الامة من بعده هذا لا شك انه ابلغ حينما يوجه الى شخصه عليه الصلاة والسلام ابلغ بالتحذير تخويف ثم ايضا ولئن اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك اذا لمن الظالمين لكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتبع اهواءهم فهو ليس من الظالمين بشيء ولكن اذى التركيب وما تضمنه من الالفاظ فيه منصور التشديد والتأكيد والتحذير الشيء الكثير انظر الى ما اشتمل عليه مجموع الشرط والجزاء من المؤكدات التي منها القسم المدلول عليه باللام ولئن اتبعت اهواءهم والله لان اتبعت اهواءهم والقسم يفيد توكيد الكلام كما هو معلوم هذا المؤكد الاول مؤكد اخر وهو اللام هذه الموطئة للقسم ولان اتبعت اهواءهم فهي تزيد هذا القسم تأكيدا وكذلك ايضا حرف التوكيد في جملة الجزاء ولئن اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك فجاء بان المؤكدة وهي بمنزلة اعادة الجملة مرتين من المؤكدات عند العرب اعادة الكلام تقول للانسان مثلا اسمع اسمع اقرأ اقرأ تعال تعال احذر احذر ونحو ذلك او تأتي بان فهي بمنزلة اعادته مرتين كذلك ايضا الاتيان به اذا الدالة على الجزائية وان اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك اذا لمن الظالمين فهذه اكدت ربط الجزاء بالشرط تحقق هذا فانك اذا بناء عليه تكون بهذه الصفة وكذلك ايضا يمكن ان يؤخذ من جملة هذه المؤكدات او المقويات لهذا النص الاجمال ثم التفصيل في قوله من بعد ما جاءك من العلم فانه يدل على الاهتمام وجعل ما نزل عليه ونفس العلم ولئن اتبعت اهواءهم ثم بعد ذلك جاء التفصيل من بعد ما جاءك من العلم ففي الاول اجمل طباع الهوى ثم بعد ذلك فصل فذكر اخطر صوره واشد هذه الصور فظاعة ان يكون ذلك من بعد مجيء العلم فمن يتبع اهواء المضلين بعد علمه ليس كالذي يتبع ذلك جهلا منه وغفلة وليس عنده علم في ذلك وتأمل ايضا قوله ولئن اتبعت اهواءهم ما قال ولئن اتبعت دينهم وذلك ان ما هم عليه هي اهواء هي مجرد اهواء ولذلك قد لا يصح ان يقال الديانات السماوية مثلا غير الاسلام هذه الديانات المحرفة ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا وكما سبق في الايات حيث ان ابراهيم صلى الله عليه وسلم وصى ابناءه ويعقوب وهو اسرائيل وصى ابناءه ايضا ان الله اصطفى لكم الدين الا تموتن الا وانتم مسلمون ان الدين عند الله الاسلام وما عداه فهي اهواء فموسى صلى الله عليه وسلم لم يكن يهوديا وعيسى صلى الله عليه وسلم لم يكن نصرانيا وانما كانوا على الاسلام الذي هو الدين جميع الانبياء فالاديان المحرفة لا تنسب الى الله اديان سماوية نعم يمكن ان يقال هذا قبل التحريف هذا صحيح لانها منزلة من السماء او يمكن ان يقال الاديان السماوية في اصلها ثم بعد ذلك دخلها ما دخلها من التبديل والتحريف فصارت اهواء فقال هنا ولئن اتبعت اهواءهم فما قال دينهم لان ما هم عليه هي مجموعة من الاهواء وهم يعلمون ذلك وكل من ترك الحق فهو متبع لي الهوا ولابد افرأيت من اتخذ الهه هواه يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله قل ان ضللت فانما اضل على نفسي وفي المقابل قال بالاهتداء فبما يوحي الي ربي ايضا ولئن اتبعت اهواءهم لاحظ انه جاء هنا بصيغة الجمع اهواءهم هنا لان هؤلاء لهم اهواء لا تتناهى فاليهود طوائف فرق يكفر بعضها بعضا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم افترقت اليهود الى احدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى الى اثنتين وسبعين فرقة فهؤلاء اهواء ولهم اسماء هذه الفرق معروفة من نظر في كتب الاديان وجد فرق اليهود وفرق النصارى كل ذلك اهواء واذا نظرت الى المجموعين يعني اليهود بفرقهم والنصارى بفرقهم فهذان اثنان فجاء بالجمع يمكن ان يكون باعتبار ان اقل الجمع اثنان كما ذكرنا في مناسبات سابقة ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى فان كان له اخوة يعني الميت ولامه السدس وهي تحجب من الثلث الى السدس باثنين من الاخوة فاكثر فعبر بي الجمع وكذلك في قوله تبارك وتعالى الحج اشهر معلومات مع ان الحج شوال و ذو القعدة وعشر من ذي الحجة فيكون ذلك باعتبار ان اقل الجمع اثنان او باعتبار جبر الكسر العشر من ذي الحجة فيجبر ذلك بالشهر كله كما هي طريقة العرب ثم ايضا اقتران الظلم والعدل ب الحقائق والاعمال وما يكون عليه الناس حقيقة بعيدا عن الالقاب والاسماء والدعاوى فكل طائفة تدعي انها على الحق كل طائفة تدعي انها على الحق لكن الواقع ان من خالف الحق فهو متبع للهوى وهو ظالم والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه فكل من وضع شيئا في غير موضعه فهو ظالم هذا اصله في اللغة وقائلة ظلمت لكم سقائي وهل يخفى على العكد الظليل العقد عصب اللسان ظلمت لكم سقاي. يعني ضرب اللبن قبل ان اوانه قبل ان يروب يكون هذا الضرب في غير موضعه وهكذا الحفر الذي يكون للقبر في ارض لم يكن ذلك فيها يقال لها الحفرة هذه القبر يقال لها مظلومة بلغة العرب مظلومة وهذا جاء في كلامهم وفي اشعارهم على كل حال فكل من وضع الشيء في غير موضعه فهو ظالم. كل من ترك الحق فهو ظالم واعظم ذلك الاشراك ان الشرك لظلم عظيم لانه وضع للعبادة في غير من خلق بغير من خلق ولهذا قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ولئن اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك اذا لمن الظالمين. فالمسألة ليست مرتبطة بدعاوى يدعيها الانسان او نسبة ينتسب اليها وانما هي بلزوم الحق واتباعه والعمل به ايضا في قوله تبارك وتعالى من بعد ما جاءك من العلم الهنا هذه العلم العلم الذي جاءه ما هو والعلم الشرعي علم الوحي الذي اوحى الله به اليه فما احتاج ان يقيده من بعد ما جاءك من علم الوحي او علم الدين او علم الشرع فجاء بهذا الاطلاق فدل على ان العلم اذا اطلق وهو العلم الشرعي والعلم الاعظم العلم الاكمل العلم الاشرف والباقي يقال له علوم وهي علوم نافعة تتفاوت في نفعها ولكنها ليست كالعلم بالله وليست كالعلم شرعه وليست كالعلم بالدار التي يصير الناس اليها. فهذه العلوم حتى العلوم الشرعية تتفاوت في شرفها وفضلها ومكانتها لكن لا شك ان علوم الشريعة افضل من غيرها من العلوم فجاء بهذا الاطلاق من بعد ما جاءك من العلم اذا اطلق العلم فهذا هو العلم اما ما يعبر به كثيرون بمثل هذه الاوقات يقولون للعلوم التجريبية مثلا العلمي والعلوم الشرعية يقل لها الادبي هذي تسمية ليس لها اصل وليس لها اساس اطلاقا ولا وجه يعني ليس لها وجه اصلا لا تبنى على وجه صحيح لان علوم الفقه والحديث والتفسير والاعتقاد وما الى ذلك ليست من الادب او الاداب او العلوم الادبية ادبي فما المقصود بعلم الادب يعني؟ الذي هو جزء من علوم اللغة النحو ليس من الادب يعني ليس من علوم الادب الادب يقال بمنزلة يعني ازاء الخلق كذا ليس هذا هو المقصود المقصود الادب الادب الذي هو احد علوم فروع علوم اللغة فتسمية هذه العلوم كلها ما يتعلق بالسلوك الذي يسمونه التربية او ما يتعلق بالفقه والحديث والتفسير العقيدة وعلوم الالة مثل اصول الفقه والنحو ونحو هذا هذه ما ما علاقتها هذه التسمية الادب ادبي فهذا هذي تسمية لا اعلم كيف نشأت وكيف وجدت وهذي المباينة بين العلم و اطلاق لفظ العلم اذا اطلق توجه للعلوم التجريبية والمادية فهذا غير صحيح اطلاقا بل اول ما يتبادر اذا اطلق العلم او العلم بالله كتابه وب سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما اشبه ذلك ولئن اتبعت اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم هذا العلم هو الذي العلم الشرعي جاء فيه الثناء بالنصوص الكثيرة المتكاثرة لكن فيما يتعلق بالثناء على اهله فكما قال اهل العلم كابن رجب والشاطبي وغير هؤلاء كالحافظ ابن الجوزي قالوا كل النصوص الواردة في الثناء على اهل العلم انما المقصود به اولئك الذين يعملون به والا فان العلم وحده ليحمد صاحبه اذا كان بعيدا عن العمل ولهذا ذم الله تبارك وتعالى احبار اليهود كما قيل لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله احبار اليهود فلابد من العمل ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. فالمشتغل بالعلوم الشرعية ينبغي ان يكون ربانيا كذلك ايضا يدل قوله تبارك وتعالى من بعد ما جاءك من العلم يدل على ان مؤاخذة من وقع في المخالفة وهو يعلم اشد واعظم وهذا فيه تحذير للعلماء الذين يقع منهم المخالفة بعد العلم فليس ذلك الجهال لا سيما ان ذلك يكون فتنة للناس والناس ينظرون اليه يقتدون به كما قال بعضهم كفوفة الظفر تخفى من حقارتها ومثلها في سواد العين مشهور بوفة الظفر مثل الاشياء الوسخ الذي يكون تحت الاظفار تخفى من حقارتها ومثلها في سواد العين سواد العين لو وجدت فيها مثل هذي كل الناس يقولون ما بعينك بسواد العين مشهور وخطأ العالم المشهور مشهور وخطأ الجاهل المغمور مغمور الناس لا ينظرون الى اخطاء الجاهلين وانما ينظرون الى اخطاء العالم فاذا اخطأ تحدث الناس بهذا وقالوا انظروا ماذا صنع مع انه يصنع هذا الصنيع لربما الملايين من العامة لكن لا يلتفتون اليهم وكذلك ايضا بهذا تحذير للامة من اتباع اهواء اهل الكتاب وترك محاكاة هؤلاء انك اذا لمن الظالمين واذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصف بهذا وحاشاه فان غيره من باب او لا كذلك بالتعبير لمن الظالمين الدخول في جملتهم فهذا والواقع انه اشد مع ان بعض اهل العلم قال هذا الطف في الخطاب حيث لم يوجهه للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول انت ظالم. اذا اتبعت اهواءهم وانما قال لمن الظالمين وكذلك ايضا التعريف في الظالمين هذا يدل على ان هذا الوصف الظالمين الذين استحقوا الحالة الاكمل من الظلم