الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته نواصل الحديث ايها الاحبة فيما يستخرج من الهدايات من هذه الايات التي تتحدث عن تحويل القبلة وما تلا ذلك من حديث عن بني اسرائيل يتصل بحديث طويل قبله يقول الله تبارك وتعالى حينما قرر معنى في غاية الوضوح ولان اتيت الذين اوتوا الكتاب بكل اية ما تبيعوا قبلتك فهم باقون على ضلالهم وكفرهم لا يتحولون عنه مهما جاءهم من الايات وكما ذكرنا سابقا ان المسألة ليست بسبب عدم علمهم بحقيقة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم او ان ذلك بلغهم مشوها وانما كما سيأتي الامر اكبر من ذلك فهنا يقول الله تبارك وتعالى بعد ان قرر تلك الحقيقة بين مرتبة علمهم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم اولئك مهما اتاهم من الايات لن يؤمنوا. اذا القضية ليست بسبب نقص في المعلومات وانما الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون. الذين اتيناهم الكتاب التوراة انجيل احبار اليهود وعلماء النصارى يعرفون ان محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله باوصافه المحددة الواضحة في كتبهم معرفة تامة لا يلتبس معها بغيره كما يعرفون ابناءهم فابناؤهم لا يلتبسون عليهم بحال من الاحوال وان فريقا من هؤلاء ليكتمون الحق وهم يعلمون صدقه وما جاء في كتبهم من الشهادة له بالنبوة والرسالة عليه الصلاة والسلام. يؤخذ من هذه الاية قوله تبارك وتعالى الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه يحتمل ان يكون الضمير في قوله يعرفونه اي تحويل القبلة التي جاءت في هذه الايات وكان الحديث عنها واعترضوا عليها ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه يعرفون هذا الامر معروفة عند اهل العلم ايضا يمكن ان يؤخذ من قوله تبارك وتعالى كما يعرفون ابناءهم ان ذلك من باب يمكن ان يوجه هذا يعني ذكر الابناء خاصة انه من باب التغليب وهو تحويل القبلة وانه حق ثابت من الله ويحتمل ان يكون ذلك الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه اي دين الاسلام كما يعرفون ابناءهم ويحتمل ان يكون المراد امر النبي صلى الله عليه وسلم الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه. يعني الرسول عليه الصلاة والسلام وانه مرسل من الله وهذه المعاني بينها ملازمة فان دين الاسلام انما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضوع تحويل القبلة انما هو جاء بوحي من الله الى رسوله صلى الله عليه وسلم فهم يعرفون ذلك جميعا يعرفونه كما يعرفون ابنائهم تعالى القول بان الضمير يرجع الى الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يسبق له ذكر يعرفونه فيمكن ان يؤخذ من هذا تفخيم امر النبي صلى الله عليه وسلم وانه بمنزلة من الشهرة ينصرف الضمير مباشرة اليه ولو لم يكن له ذكر قبله يعرفونه يعرفون من ايفون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ايضا يؤخذ من قوله الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم هنا يوجد التفات وعرفنا الالتفات انه تحويل الكلام من المخاطب الى الغائب او بالعكس او من المفرد الى الجمع او العكس او غير ذلك من صور تحويل الكلام من صيغة الى صيغة اخرى. فلاحظ هنا قد نرى تقلب وجهك خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم مباشرة وجهك بكاف الخطاب. فلنولينك بكاف الخطاب فولي وجهك تطرى المسجد الحرام. كل ذلك جاء بصيغة الخطاب ثم قال الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه بالغائب اذا كان المراد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى يعرفونه فحول الخطاب تحول الكلام من صيغة المخاطب الى صيغة الغائب وهذا فيه تنشيط للسمع وتفنن في الصياغة وهو من دروب البلاغة يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وهذا افخم على كل حال ايضا كما هو ملاحظ وكأنه والله تعالى اعلم لما فرغ من الاقبال عليه بالخطاب اقبل على الناس فقال الذين اتيناهم الكتاب واخترناهم لتحمل العلم والوحي يعرفون هذا الذي خاطبناه في الاية السابقة وامرناه ونهيناه لا يشكون في معرفته يعني كانه ينوه به عند الناس فجاء بضمير الغائب يعني هو تحويل الكلام هذه التي يقال لها الالتفات وهذا الذي يقال له الالتفات هو في كل مقام تتلمس حكمته في ذلك المقام. لكن مثل هذه الاشياء بطبيعة الحال اللطائف البلاغية في الالتفات والمناسبات ونحو هذا هي امور ظنية لا نقطع بها ولكن يعرض منها ما كان قريب المأخذ اما المتكلف فلا يصح الاشتغال به كما انه لا يصح اشغال الناس بمثل هذه اللطائف على حساب المعنى الاساس الذي نزلت الاية من اجله ولذلك في كل مرة نذكر المعنى العام للاية لئلا يضيع المقصود الاول من نزولها ثم ندخل في هذه الجوانب التي قد يدق بعضها يؤخذ من قوله كما يعرفون ابناءهم كما قال بعض اهل العلم ما قال كما يعرفون انفسهم تعرفونه كما يعرفون انفسهم. لماذا قال كما يعرفون ابنائهم قالوا بان الانسان اذا ولد فانه لا يعرف نفسه ويحتاج الى مدة بعد ذلك يدرك ما حوله ويتعرف على الاشياء ويعرف نفسه بينما الولد يعرفه ابوه منذ ان تقع عينه عليه فقال كما يعرفون ابناءهم طيب والبنات الابن هو الذكر فما وجه ذكر الابناء يحتمل ان يكون ذلك باعتبار انهم اكثر حفاوة بالابناء ويعرفه معرفة ادق لشدة حفاوته به وكذلك ايضا لربما كان ذلك لكثرة ملازمتهم الابناء ومخالطتهم وملابستهم لهم وقد قال بعض اهل العلم وان كان هذا المعنى فيه نظر لكن من باب ان الشيء بالشيء يذكر. في الفقه في التعليل للنضح من بول الغلام يعني الذي ما اكل الطعام في مدة الرضاعة ينضح من بوله يعني نجاسته مخففة ويغسل من بول الجارية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. الفقهاء رحمهم الله تكلموا عن هذا بتعليلات متعددة الذي يذكر هنا في هذا المقام يعني من باب ان الشيب الشي يذكر بصرف النظر هذا ذا المعنى صحيح او لا لا اقصد هذا قالوا ان الولد يكثر الاحتفاء به فالكل يحمله لا يكاد يوضع على الارض فيصعب التحرز فيقع بوله على اهله وعلى فخفف لكثرة الملابسة لذلك قالوا المشقة تجلب التيسير اكد قال بعضهم مع ان هذا التعليل يوجد تعليلات اخرى غير هذا غلب الابناء على البنات والمقصود الجميع يعني ذكر احد القسمين ليدل على الاخر يعني كما يعرفون الابناء والبنات هذا يحتمل ويؤخذ ايضا من قوله تبارك وتعالى الحق من ربك فلا تكونن من الممترين. الاية التي بعدها يعني الحق الذي انزل اليك من ربك هذا هو الحق فالزمه واثبت عليه ولا يقع لديك شك وامتراء فيه بحالة من الاحوال فان كان ذلك موجها للنبي صلى الله عليه وسلم وحاشاه ان يكون من الممترين شاكين فهو خطاب اليه يتوجه الى امته كما ذكرنا في مناسبات سابقة ان الامة تخاطب في شخص قدوتها ومقدمها عليه الصلاة والسلام وفي قوله الحق من ربك فلا تكونن من الممترين لا يخلو هذا من مبالغة وتأكيد النهي عن كونه منهم يعني حينما يقول فلا تكونن من الممترين يعني لا تكون في جملتهم ابلغ مما لو قال فلا تمتري فلا تكونن من الممترين فهذا نهي عن الكون معهم بهذه الصفة وهو ابلغ من النهي عن الصفة نفسها ويؤخذ من قوله الحق من ربك عناية الله تبارك وتعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم بتثبيته وتقوية عزمه وقلبه على لزوم الحق الحق من ربك يعني فاثبت عليه لا تتضعضع فلا تكونن من الممترين يقتضي الثبات على هذا الامر والبعد عن الامتراء وهذا تأييد للنبي صلى الله عليه وسلم من ربه تبارك وتعالى كذلك يؤخذ من قوله الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ان كل شيء خالف ما جاء عن الله تبارك وتعالى فهو باطل واهله من اهل الامتراء كذلك ايضا اضافة النبي صلى الله عليه وسلم الى اسم الرب الحق من ربك هذا يدل على مزيد عناية برسول الله عليه الصلاة والسلام. وحاشاه ان يكون من المبترين فهو اثبت الناس واهداهم واعلمهم بربه تبارك وتعالى فمثل هذا النهي لا يقتضي الكون معهم بحال من الاحوال وانما يمكن ان يقال ذلك من باب المبالغة بالزجر والنهي او ان ذلك من باب خطاب النبي صلى الله عليه وسلم والمقصود الامة من بعده. والله تعالى اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه نعم تفضل نعم صحيح كتمانهم للحق مع علمهم به وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون نعم ايضا لا اله الا الله نعم كيف لا الممتري ليس هو المفتري المرية والامتراء بمعنى الشك والتردد في الشيء ابى المريح ولذلك اخبر الله عن اهل الكتاب بانهم في مرية بخلاف الثبات واليقين والوثوق بالشيء طيب لا اله الا الله. السلام عليكم