بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واصلي واسلم على نبينا محمد خاتم النبيين. وامام المتقين وعلى اله واصحابه واتباعه باحسان الى يوم الدين اما بعد فاننا في هذه الايام نودع عاما ماضيا شهيدا ونستقبل عاما مشرقا جديدا وشهرا مفظلا حميدا نودع عاما مضى بما فيه من خيرات وشرور واحزان وسرور نودع عاما حمل احداثا كثيرة اورثت الهموم والغموم احيانا واورثت السرور والانشراح احيانا وهكذا الايام تمضي سريعا وتنصدم جميعا وليس للانسان من عمره الا ما امضاه في طاعة الله تعالى وما سوى ذلك فهو اما وبال عليه واما خسارة عليه فان امضاه في اللهو والغفلة فهو خسارة عليه وان امضاه فيما يسخط الله تعالى فهو وبال عليه ايها الاخوة ان هذه الايام مراحل نقطعها الى الدار الاخرة فكل يوم فالكل لحظة فانها تبعدنا من الدنيا وتقربنا الى الاخرة فكل يوم يدني من القبور ويبعد عن عامل الدور والقصور كما قال الشاعر انا لنفرح بالايام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الاجل فليحاسب العاقل نفسه ولينظر في امره فان كان قد فرط في شيء من الواجبات فليتب الى الله عز وجل وليستدرك ما فات وان كان ظالما لنفسه بفعل المحرمات فليقلع عنها قبل حلول الاجل والفوات وان كان ممن من الله تعالى عليه بالاستقامة فليحمد الله عز وجل على ذلك وليسأله الثبات الى الممات اننا في هذه الايام نستقبل شهر الله المحرم وهو احد الاشهر الاربعة الحرم التي امر الله تعالى ان تعظم وتحترم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان هذه الاشهر الاربعة الحرم معظمة في الجاهلية والاسلام خصهن الله تعالى بالنهي عن ظلم النفس فيها فقال عز وجل ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض منها اربعة حرم والنهي عن ظلم النفس يشمل جميع الاحوال والازمان لكن هذه الاشهر الاربعة لها خصوصية يكون ظلم النفس فيها اعظم واشد وظلم النفس يدور على امرين اما ترك واجب واما فعل محرم فمن ترك واجبا فقد ظلم نفسه ومن فعل محرما فقد ظلم نفسه فالواجب على المؤمن احترام ما امر الله تعالى باحترامه وتعظيمه من الازمنة والامكنة لان ذلك من تعظيم حرمات الله وقد قال الله تعالى ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ولان هذا من تعظيم شعائر الله واحترامها وقد قال الله تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب وقد ذكر اهل العلم ان لهذه الاشهر الحرم خصائص منها اولا مضاعفة الحسنات والسيئات فثواب الحسنات يضاعف في كل زمان ومكان فاضل وعقوبة السيئات تعظم في كل زمان ومكان فاضل وقد دل على هذا قول الله عز وجل يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه والقتال فيه كبير وقال عز وجل في حرم مكة ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم ومن خصائصها تحريم القتال فيهن ابتداء لقول الله عز وجل يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ومن خصائصها ان فيها مناسك الحج ومن خصائصها ان فيها عشر ذي الحجة ويوم عرفة ويوم عاشوراء ايها الاخوة ان شهر الله المحرم هو فاتحة شهور العام وهو اعظم الاشهر الاربعة الحرام سماه النبي صلى الله عليه وسلم شهر الله فاضافه اليه ففي صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال افضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم وافضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل فاضافته الى الله تعالى تدل على فضله وشرفه لان الله عز وجل لا يضيف اليه الا خواص مخلوقاته وهذا الحديث يدل على ان افضل ما يتطوع به من الصيام بعد رمضان هو صيام شهر الله المحرم وذلك لان التطوع بالصيام على نوعين النوع الاول تطوع مطلق فهذا افضله المحرم كما ان افضل التطوع المطلق بالصلاة هو قيام الليل والنوع الثاني من التطوع بالصيام ما صيامه تبع لصيام شهر رمضان اما قبله واما بعده فهذا ليس من التطوع المطلق بل صيامه سبع لصيام رمضان وملحق به كصيام ستة ايام من شوال وصيام شعبان فهذا يلتحق بصيام رمظان لقربه منه وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض اما قبلها واما بعدها وانما كان لشهر الله المحرم هذه الخصيصة لانه لما كان مضافا الى الله تعالى وكان الصيام من بين سائر الاعمال مضافا الى الله عز وجل ناسب ان يختص هذا الشهر المضاف الى الله تعالى بالعمل المضاف اليه المختص به وهو الصيام وافضل ايام هذا الشهر من حيث الصيام هو يوم عاشوراء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صومه على سائر الايام ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما انه سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يتحرى فظله على الايام الا هذا يوم يعني عاشوراء فيوم عاشوراء له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة عند الانبياء عليهم الصلاة والسلام وقد كان للرسول صلى الله عليه وسلم في صيامه اربع مراحل المرحلة الاولى ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصومه في مكة ولا يأمر الناس بصيامه ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه المرحلة الثانية ان الرسول صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم ويعظمونه وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به صامه عليه الصلاة والسلام وامر الناس بصيامه واكد الامر بصيامه وحث على ذلك حتى كان الصحابة رضي الله عنهم يصومون صبيانهم في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا اليوم الذي تصومونه قالوا هذا يوم صالح نجى الله فيه موسى وقومه واغرق في العون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن احق واولى بموسى منكم فصامه وامر بصيامه وعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت ارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء الى قرى الانصار التي حول المدينة من كان اصبح صائما هل يتم صومه ومن كان اصبح مفطرا فليصم بقية يومه قالت فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار ونذهب بهم الى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فاذا سألوا الطعام اعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم المرحلة الثالثة انه لما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم امر اصحابه بصيامه وتأكيده فيه ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وامر بصيامه فلما فرض رمضان ترك ذلك وفي حديث معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وانا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر المرحلة الرابعة ان الرسول صلى الله عليه وسلم عزم في اخر حياته على الا يصومه مفردا بل يضم اليه يوما اخر مخالفة لاهل الكتاب في صيامه ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وامر بصيامه قالوا يا رسول الله انه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا كان العام المقبل ان شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأتي العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لان بقيت الى قابل لاصومن التاسع وصيام عاشوراء فيه فضل عظيم فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ابي قتادة الانصاري رضي الله عنه ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية وسئل عليه الصلاة والسلام عن صوم يوم عاشوراء فقال يكفر السنة الماضية وفي رواية ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال صيام يوم عرفة احتسب على الله ان يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصيام يوم عاشوراء احتسب على الله ان يكفر السنة التي قبله. وانما كان صيام يوم عرفة كفارة سنتين وصيام يوم عاشوراء كفارة السلام لي امرين الامر الاول ان يوم عرفة في شهر محرم وقبله شهر محرم وبعده شهر محرم وهو في اشهر الحج بخلاف يوم عاشوراء فانه في شهر محرم وقبله شهر محرم وليس بعده شهر محرم الامر الثاني ان صيام يوم عرفة من خصائص شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يكن معروفا قبل ذلك بخلاف صوم يوم عاشوراء فصومه كان معروفا قبل الاسلام ولهذا كانت قريش تصومه في الجاهلية فمن اجل هذا ظوعف ثواب صيام يوم عرفة ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم وصيام يوم عرفة له اربع مراتب المرتبة الاولى ان يصوم يوما قبله ويوما بعده عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده وفي رواية صوموا يوما قبله او يوما بعده وفي صوم هذه الايام الثلاثة اعني ان يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر فيه فائدتان الفائدة الاولى امتثال امر الرسول صلى الله عليه وسلم والفائدة الثانية الحصول على صيام ثلاثة ايام من كل شهر فمن كانت عادته ان يصوم ثلاثة ايام من كل شهر وصام التاسع والعاشر والحادي عشر فان ذلك يكفيه المرتبة الثانية من مراتب صيام يوم عاشوراء ان يصوم التاسع والعاشر المرتبة الثالثة ان يصوم العاشر والحادي عشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم صوموا يوما قبله او يوما بعده اليوم الذي قبله هو التاسع واليوم الذي بعده هو الحادي عشر المرتبة الرابعة ان يصوم العاشر فقط سيقتصر على صيام عاشوراء وهذا جائز ولا كراهة فيه على القول الراجح فينبغي للمؤمن ان يحرص على صيام هذا اليوم لاجل ان يحصل هذه الفضيلة وهو ان صيامه يكفر سنة واعلم ان بعض الناس قد احدث في يوم عاشوراء بدعا ما انزل الله تعالى بها من سلطان ولا دل عليها سنة ولا قرآن فمن ذلك الاحتفال بهذا اليوم بان يحتفل في يوم عاشوراء او ان يحيي ليلة عاشوراء او ان يعتمر في هذا اليوم وان يخصه بالعمرة فان هذا من الامور المحدثة التي لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن اصحابه ومن البدع المحدثة ايضا في هذا اليوم التوسعة على الاهل والعيال بناء على حديث موضوع في هذا وهو من وسع على اهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته فهذا الحديث موضوع مكذوب لا يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن البدع ايضا ان يخص هذا اليوم في الصدقة او بعيادة المرظى او بزيارة القبور او ان يقرأ فيه سورا معينة من القرآن او الاكتحال والاختضاب والاغتسال كل هذا لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم والشرع بالاتباع لا بالابتداع وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وليعلم ايضا ان بعض الناس قد احدث في نهاية العام بدعا ما انزل الله تعالى بها من سلطان فمن ذلك تخصيص اول يوم من السنة الصيام بنية افتتاح العام الجديد او ان يصوم اخر يوم من العام بنية ان يختم العام الماضي في حديث من صام اخر يوم من ذي الحجة واول يوم من المحرم ختم السنة الماضية وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعل الله له كفارة خمسين سنة فهذا الحديث موضوع مكذوب لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فاحياء اول ليلة العام او ان يخص اول يوم او اخر يوم بصيام او بعبادة كل هذا من البدع والواجب على المؤمن ان يكون متبعا ان لا مبتدعا اسأل الله تعالى ان يصلح قلوبنا واعمالنا وان يهب لنا منه رحمة انه هو الوهاب. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد. وعلى اله واصحابه واتباعه باحسان الى يوم الدين