فاليتم ليس مانعا من اكتساب المعاني وفي ذلك يقول القائل كن ابن من شئت واكتسب ادبا يغنيك محموده عن النسب ان الفتى من يقول ها انا ذا ليس الفتى من يقول كان ابي فحفظ معظم كتاب الحاوي الصغير للقزويني وهو في الثامنة من عمره وهذا يدل على نبوغ مبكر وهمة عالية اتصف بها رحمه الله تعالى وبدأ بتحصيل علم القراءات لكن احد مشايخه وهو الشيخ العز ابن جماعة قال له انه علم كثير التعب اي ان علم القراءات علم كثير التعب قليل الجدوى وانت متوقد الذهن واصرف همتك الى الحديث وهذه نصيحة من استاذه وشيخه اتم الحافظ العراقي رحمه الله تعالى حفظ القرآن الكريم وشرع يحفظ كتاب التنبيه بالفقه الشافعي وهو من المتون المهمة للعلامة ابي اسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى كما حفظ ايضا معظم كتاب الحاوي الصغير يلقى زوينين وكتاب الحاوي الصغير ايضا من المتون المهمة بالفقه الشافعي وانما يسمى بالحاوي الصغير تمييزا له عن كتاب اخر اسمه الحاوي يوصف بالكبير وهو من تأليف الماوردي المتوفى سنة اربعمائة وخمسين هجرية القيام بترجمة مشاهير المحدثين. وبيان ابرز اللفتات في حياتهم العلمية والحديث عن اصحاب الكتب منهم مع بيان موجز لمناهجهم فيها وتأثيرهم في العلمية والمعرفية للامة. برنامج مشاهير المحدثين العصور تقديم الدكتور لبيب نجيب بسم الله الرحمن الرحيم ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الرسالة وادى الامانة ونصح الامة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى اتاه اليقين اما بعد فلا زلنا في هذه السلسلة المباركة باذن الله تعالى ضمن هذا البرنامج مشاهير المحدثين عبر العصور وهذه هي الحلقة السابعة والعشرون التي نقف فيها مع الحافظ الكبير الشهير الحافظ العراقي رحمه الله تعالى رحمة واسعة اه واسمه عبدالرحمن بن الحسين بن عبدالرحمن ابن ابي بكر ابن ابراهيم الزين العراقي قال ولده انتسابا لعراق العرب اي نسبة العراقيين انتسابا لعراق العرب وهو القطر الاعم والا فهو كردي الاصل كنيته رحمه الله ابو الفضل ولقبه زين الدين كان اسلافه مقيمين في اربيل في العراق ثم تحول والده لمصر وهو صغير مع بعض اقاربه تزوج والده من امرأة مصرية صالحة عابدة صابرة قانعة مبتهدة في انواع القربات والعبادات فولدت فولدت له الحافظ العراقيين وكان من مولده رحمه الله تعالى سنة سبع مئة وخمسة وعشرين هجرية نشأ الحافظ العراقي رحمه الله تعالى يتيما اذ مات ابوه وهو ابن ثلاث سنين ومع ذلك اقبل الحافظ العراقي رحمه الله على حفظ القرآن الكريم وحفظ متون العلم ولعل ذلك كان بتوجيه من امه وهي امرأة صالحة او ارشاد من صديق والده الذي كان يعتني به ايضا ولم يكن اليتم مانعا له من التعلم وبلوغ المراتب العليا وكم هم الائمة الذين نشأوا ايتاما واعلى الله عز وجل ذكرهم كالشافعي واحمد وغيرهما ولقد نشأ سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يتيما فامتثلها الحافظ العراقي رحمه الله تعالى وغيرت بذلك منحى حياته العلمية فانصرف رحمه الله تعالى بكليته الى علم الحديث وايضا لم ينسى بقية العلوم كعلم الفقه فانصرف الى مجالس الفقه ايضا ولازم شيخه جمال الدين الاسناوي احد كبار فقهاء عصره صاحب كتاب المهمات وكان الاسناوي رحمه الله تعالى معجبا بالحافظ العراقي يكثر الثناء عليه ويقول عنه ذهنه صحيح لا يقبل الخطأ ولمكانته العالية عند شيخه جمال الدين الاسناوي وقد نقل عنه شيخه في بعض مصنفاته ككتاب المهمات بل وترجم له في كتابه طبقات الشافعية ولم يترجم لاحد من الاحياء غيره ولقد كان من رد الجميل ان قام الحافظ العراقي رحمه الله تعالى بتصنيف ترجمة مستقلة لشيخه جمال الدين الاسناوي فرحمهما الله تعالى رحمة واسعة وابتدأ الحافظ العراقي رحمه الله تعالى يتوسع في طلب العلم وتشاغل بتخريج احاديث احياء علوم الدين واحياء علوم الدين كتاب كبير للعلامة ابي حامد الغزالي رحمه الله تعالى وبدأ الاشتغال بتخريج احاديث احياء علوم الدين وكان عمر العراقي انذاك نحو عشرين سنة وكان له زميل يشاركه نفس الاهتمام وهو تخريج الاحاديث جميله هذا هو الحافظ جمال الدين الزيلعي الذي كان يخرج احاديث الهداية واحاديث الكشاف وكانا يتعاونان اي يعين بعضهما بعضا الحافظ العراقي والحافظ الزيلعي رحمهما الله تعالى رحمة واسعة وبعد ذلك شمر عن ساعدي الهمة وانطلق راحلا في طلب العلم فطاف معظم مدن الشام وقصد مكة المكرمة حاجا والتقى فيها بعدد من العلماء والمحدثين واخذ عنهم وصار علم الحديث شغله الشاغل وهمه الاول حتى قال عنه تلميذه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى لم نرى في هذا الفن اتقن منه وعليه تخرج غالب علماء عصره ولمنزلته ومكانته العلمية فقد تولى الحافظ العراقي رحمه الله تعالى التدريس في عدد من المدارس بل وتولى منصب القضاء في المدينة النبوية كما تولى الامامة والخطابة فيها كذلك مدة تزيد على الثلاث سنوات وكان رحمه الله تعالى مع تمكنه في العلوم ومهامه في التدريس والامامة والخطابة على قدر عظيم من العبادة ولندع المجال لتلميذه المقرب الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله ليصف كيف كان حال شيخه الحافظ العراقي علما ان الحافظ ابن حي العسقلاني قد لازم شيخه الحافظ العراقي نحو عشر سنوات يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله كان الشيخ يقصد الحافظ العراقي كان الشيخ منور الشيبة جميل الصورة كثير الوقار نزر الكلام قارحا للتكلف شديد التوقي في الطهارة لا يعتمد الا على نفسه او على الشيخ نور الدين الهيثمي وهو تلميذه وصهره لان الحافظ نور الدين الهيثمي كان متزوجا بابنة الحافظ العراقي وكان لطيف المزاح سليم الصدر كثير الحياء قل ان يواجه احدا بما يكرهه ولو اذاه وكان متواضعا منجمعا حالا حسن النادرة والفكاهة وقد لازمته مدة فلم اره ترك قيام الليل بل صار له كالمألوف وكان غالبا اذا صلى الصبح استمر في مجلسه مستقبل القبلة تاليا للقرآن ذاكرا الله عز وجل الى ان تطلع الشمس وكان يتطوع بصيام ثلاثة ايام من كل شهر وصيام ست من شوال وكان كثير التلاوة اذا ركب وكان عيشه ضيقا هذا الحافظ العراقي في وصف الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله كان للحافظ العراقي رحمه الله تعالى اولاد صالحون فمن اولاده علم عالم فقيه محدث اسمه احمد بن عبدالرحيم ابن الحسين وكنيته ابو زرعة له مؤلفات في الحديث وفي اصول الفقه وفي الفقه وفي غيرها من العلوم ولقبه ولي الدين يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله عن ولدي الحافظ العراقي قال وقد انجب ولده القاضي ولي الدين احمد ورزق السعادة في رفيقه نور الدين الهيثمي وله اي للحافظ العراقي بنت اسمها خديجة تزوجها تلميذ الحافظ العراقي نور الدين الهيثمي رحمه الله وقد تقدم الاشارة الى هذا وله بنات اخريات صالحات ترجم لهن الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى في كتابه الضوء اللامع لقد تنوعت مؤلفات الحافظ العراقي بين الحديث والفقه واصول الفقه وعلوم القرآن وله العديد من المنظومات كالفية في غريب القرآن ونظمن منهاج للبيضاوي في اصول الفقه ونظم مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث المسماة التبصرة والتذكرة والتي تعد من اشهر المنظومات في علم مصطلح الحديث ومع كثرة تآليفه الا ان بعضها ما زال مفقودا وبعضها الاخر لا زال مخطوطا الى يومنا هذا لم يخرج الى عالم المطبوعات كان للحافظ العراقي رحمه الله تعالى مجلس لاملاء الحديث كما هو شأن المحدثين وكانت هذه العادة قد انقرضت من بعد موت الحافظ ابي عمرو بن الصلاح الذي تقدمت سيرته معنا في حلقة ماضية الا ان الحافظة العراقي رحمه الله اعاد احياء هذه العادة والسنة لدى المحدثين. فاملى حديث النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في سنة سبعمية وستة وتسعين هجرية فاملى ما يزيد عن اربعمائة مجلس واستمر ذلك الى ان مات سنة ثمانمائة وستة هجرية والعجيب ان ثلاثة من العلماء المتعاصرين ولد كل واحد منهم بعد الاخر بسنة وتوفي كل واحد منهم بعد الاخر بسنة وهم ابن الملقن والبلقينين والعراقيين. صاحب هذه الترجمة فابن الملقن رحمه الله ولد سنة سبعمائة واربعة وعشرين والبلقينين ولد سنة سبعمائة وخمسة وعشرين والعراقي ولد سنة سبعمية وستة وعشرين واما الوفاة فان ابن الملقن توفي سنة ثمانمائة واربعة والبلقيني توفي سنة ثمانمائة وخمسة. والحافظ العراقي توفي سنة ثمانمائة وستة وكان كل واحد من هؤلاء الثلاثة مبدعا في مجال من المجالات فكان ابن الملقن رحمه الله تعالى مبدعا في كثرة التصانيف والبلقيني كان متوسعا في دقائق الفقه الشافعي. واما الحافظ العراقي رحمه الله تعالى فكان متفن في معرفة الحديث فرحمهم الله تعالى رحمة واسعة واعلى درجاتهم في الجنان والى لقاء ان قادم مع علم اخر من اعلام المحدثين. استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته القيام بترجمة مشاهير المحدثين. وبيان ابرز اللفتات في حياتهم العلمية والحديث عن اصحاب الكتب منهم مع بيان موجز لمناهجهم فيها. وتأثيرهم في ايات العلمية والمعرفية للامة. برنامج مشاهير المحدثين العصور تقديم الدكتور لبيب نجيب