الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته نواصل الحديث ايها الاحبة بهذه الليلة بالكلام على الاحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح والمساء ومن ذلك ما جاء عن شداد ابن اوس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال سيد الاستغفار ان تقول اللهم انت ربي لا اله الا انت خلقتني وانا عبدك وانا على عهدك ووعدك ما استطعت اعوذ بك من شر ما صنعت ابوء لك بنعمتك علي وابوء لك بذنبي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب الا انت يقول من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل ان يمسي فهو من اهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل ان يصبح فهو من اهل فهو من اهل الجنة اذى الحديث اخرجه الامام البخاري رحمه الله في صحيحه وقوله صلى الله عليه وسلم سيد الاستغفار السيد في كلام العرب يقال للرئيس المقدم الذي يقصد في الحوائج وهذا الحديث قيل له سيد الاستغفار والله تعالى اعلم بالنظر الى ما تضمنه من المعاني العظيمة التي سيأتي الحديث عنها فاذا ما قورن بقول العبد استغفر الله استغفر الله استغفر الله او نحو ذلك فان هذا الحديث او ما جاء في هذا الحديث بلا ريب اتم واوفى من جهة المعنى والمضمون لما فيه من الاقرار للمعبود تبارك وتعالى بجملة من الامور العظيمة وكذلك ايضا اقرار العبد بامور على نفسه مع ذكر رجوعه الى ربه واعترافه بنعمته كل هذا سيأتي بيانه ان شاء الله فهنا يقول بهذا الذكر الذي هو سيد الاستغفار يقول اللهم انت ربي وعرفنا ان قوله اللهم يعني يا الله يا الله اللهم انت ربي لا اله الا انت خلقتني وانا عبدك هنا يتذلل العبد لربه تبارك وتعالى ويخضع وينكسر بين يديه فهو يقر له تبارك وتعالى بربوبيته انت ربي والهيته فكأنه يقول انت ربي لا رب لي سواك ولا خالق غيرك فالرب هو السيد المدبر المربي خلقه بما يغزوهم به من النعم الظاهرة والباطنة الحسية والمعنوية. كل هذا داخل فيه فهو يصرفهم ويدبر شؤونهم فهذا العبد يعترف ويقول يا الله انت ربي انت سيدي ومولاي انت مدبر شؤون انت خالقي انت الذي تتصرف بي. كيف شئت فهذا ايها الاحبة اقرار بتوحيد الربوبية ثم اعقبه بعد ذلك بالاقرار بتوحيد الالهية لان من كان متصرفا مدبرا خالقا محيا مميتا فانه ينبغي ان تتوجه اليه القلوب والنفوس والارواح بكليتها فتقر له بالالهية انه المعبود وحده دون من سواه اذا كان الذي يملك هذا جميعا فلا ينبغي ان يتوجه الى احد سواه فهنا يقول خلقتني انت ربي خلقتني انت ربي الذي خلقتني ليس لي خالق سواك لا اله الا انت لا اله الا انت ولذلك نجد كثيرا في القرآن تقرير توحيد الربوبية من اجل التوصل بذلك الى الالزام بتوحيد الالهية الذي خالف فيه من خالف من اعداء الرسل فهنا يقول لا اله الا انت لا معبود بحق سواك فانت وحدك المستحق للعبادة فهو يعلن توحيد الالهية ولهذا قال بعد بعده وانا عبدك انا عابد لك توجه اليك باعمالي مما اتقرب به فانت المعبود بحق لا معبود بحق سواك انت ربي لا اله الا انت لا معبود سواك وانا عبدك فهو يضيف الربوبية الى الرب ويعلن انه مربوب وان الله هو الذي خلقه في صرف طاعته وعبادته الى من خلق ورزق واعطى وانعم فهذا توحيد الى الهية ولذلك كانت الشرك بالله عز وجل اظلم الظلم لانه يصرف عبادته وشكره الى غير من خلق ولذلك نجد كثيرا في القرآن الربط بين العبادة والخلق اول امر في القرآن يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون. هذا اول امر ولو فتبعت ذلك في القرآن لوجدته كثيرا يأمر بالعبادة ويضيف ذلك او يعلل هذا الامر بان الخالق هو الذي ينبغي ان تصرف له العبادة دون من سواه يخلق ويرزق ويعطي وينعم ثم يصرف الشكر لغيره فهذا لا يليق بحال من الاحوال وهو اظلم الظلم ان الشرك لظلم عظيم ثم يقول بعد ذلك وانا على عهدك ووعدك يعني انا على عهدك اي مقيم على الوفاء بعهدك ما هذا العهد بعض اهل العلم قال عهد الميثاق واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قال قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين وقد استخرج الله عز وجل من صلب ادم ذريته كهيئة الذر واشهدهم واخذ عليهم الميثاق فبعض اهل العلم حمله على على هذا انا على عهدك ووعدك وفسروا الوعد بي يوم الحشر والبعث والنشور هكذا قال بعض اهل العلم واحسن من هذا ما قاله الحافظ ابن القيم رحمه الله بان المقصود بالعهد والوعد ان ذلك يعني اعلانه انه ملتزم بشرعه وامره ودينه وهو عهده الذي عهده الى عباده وهو مصدق بوعده وهو جزاؤه ثوابه فتضمن ذلك التزام الامر والتصديق بالموعود وهو الايمان هذا العهد والاحتساب وذلك بالنظر الى الوعد ويحتسب جزاء ذلك من الثواب والجنة وما الى ذلك ثم لما علم العبد انه لا يستطيع ان يوفي هذا المقام حقه الذي يصلح له بما يليق بالمعبود جل جلاله علق ذلك بالاستطاعة والقدرة فقال ما استطعت يعني بقدر بقدر طاقتي. بقدر طاقتي بقدر جهدي بقدر امكاني فانا مقيم على ذلك من الايمان والاخلاص ب ما استطيع متمسك بذلك محتسب الاجر والثواب والجزاء عندك لكن هو في ضمن ذلك يعترف بعجزه وضعفه عن القيام بحق ربه ومالكه ومعبوده جل جلاله. فيقول انا لا اقدر ان اعبدك حق عبادتك لكن بقدر طاقتي بقدر طاقتي هذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن القيم اوضح مما قاله ابن الاثير رحم الله الجميع من ان المقصود بقوله ما استطعت يعني ما جرى به القدر الا يقع ولا يتحقق وذلك لا يكون فاستثنى ذلك والاول احسن ومثل الذي قال الحافظ ابن القيم رحمه الله ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله يقول انا اقوم بذلك بقدر استطاعتي لا بقدر ما تستحق فانا لا اطيق هذا ولا اوفي حقك مهما بذلت ومهما عملت ومهما اجتهدت ثم يقول اعوذ بك من شر ما صنعت. الان هو يقول انا على عهدك انا مقيم على عهدك ووعدك ما استطعت قدر استطاعتي ثم يقول اعوذ بك من شر ما صنعت. عرفنا ان العوذ بمعنى الالتجاء الى من يحتمي به يعتصم بالله تبارك وتعالى من شر الذي صنع شر محبته وسوء عاقبته من حلول نقمته يعوذ بالله من ذلك كله كما انه يعوذ من بالله تبارك وتعالى من الرجوع الى ذلك ومعاودته او الاستمرار والاصرار عليه ويستعيذ بذلك من هذه الامور والمدنسات والمساوئ التي تصدر منه يستعيذ بالله منها لانها تهبط بالعبد في الدنيا وتهبط بمرتبته في الاخرة. وقد تكون سببا للتسليط عليه في الدنيا كما تكون سببا ايضا للعذاب في الاخرة فيستعيذ بالله من ذلك. ثم يقول ابوء لك يعني ارجع اقر التزم ابوء لك بنعمتك علي وابوء بذنبي وهنا يعترف اولا بان الله منعم عليه فهو خاضع له تبارك وتعالى لا ينسى انعام الله تبارك وتعالى عليه. ونعم الله كثيرة. لا تحصى ولا تعد. وكما قال جاء عن بعض السلف اذا اردت ان تعرف نعمة الله عليك فاغمض عينيك اغمض عينيك حتى تستحضر بعض هذه النعم. انظر الى البصر وحده وما بكم من نعمة فمن الله فهنا يعترف بان الله انعم عليه ولم يقيد ذلك ولك بنعمتك والنعمة مفرد مضاف فهذا للعموم يعني يشمل جميع النعم مقر بجميع النعم الظاهرة والباطنة ما علمت وما لم اعلم ابوء لك بنعمتك علي وايضا هذا يتضمن الاعتراف بالتقصير لكونه لا يؤدي شكرها وكذلك ايضا وابوء بذنبي يعترف بذنوبه مع ان الله تبارك وتعالى اكرمه واعطاه واولاه وانعم عليه وهو ربه ومولاه وخالقه. ومع ذلك تقع منه الذنوب بانواعها بفعل المعاصي وكذلك ايضا بالتقصير في اداء الطاعات لا يأتي بها على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته فهو يقول يا رب انا معترف لك بانعامك علي واني انا المذنب فمنك الاحسان ومني الاساءة فانا احمدك على نعمك وانت اهل لان تحمد واستغفر لذنبي. تصور الانسان يشهد هذه المعاني والحقائق وتقوم بقلبه في كل صباح وفي كل مساء كيف تكون حاله مع ربه تبارك وتعالى كيف يكون هذا الانسان في سلوكه في عمله كيف يكون قلبه؟ وكيف يكون لسانه؟ كيف يكون بصره؟ كيف يكون تعامله مع هذه النعم هذا لا يمكن ان يصدر منه الاشهر ولا البطر ولا يمكن ان يحصل منه البغي ولا يمكن ان يجاهر بمعصية الله تبارك وتعالى ولا يمكن ان يحصل عنده تعاظم او التفات الى عمله فيحصل له العجب في العمل او يحصل عنده الكبر او يحصل عنده الزهو او نحو ذلك يقول انا المقصر انا الضعيف انا العاجز انا المذنب وانت الرب المنعم المتفضل كل ذلك يستحضره يستحضره بقلبه. فمتى شهد العبد هذين الامرين كما يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله استقامت له العبودية وترقى في درجات المعرفة والايمان وتصاغرت اليه نفسه وتواضع لربه تبارك وتعالى وهذا هو كمال العبودية به يبرأ من العجب والتفات الى النفس والتزين بالعمل والكبر والتعاظم وما الى ذلك ثم يقول بعد ان يبوء ويعترف بهذه النعم ويرجع من ذنوبه وهذه توبة يقول فاغفر لي. لاحظ هذه المقدمة كلها الاعتراف بالتوحيد وبانعام الله عز وجل وافضاله وبتقصير العبد والاخبار عن نفسه انه مقيم على عهده ووعده بقدر استطاعته الاعتراف بالنعم الاعتراف بالذنوب ثم يقول فاغفر لي والفاء هنا تدل على ترتيب ما بعدها على ما قبلها انا معترف بهذا كله انا مقصر انا مقيم على طاعتك انا اوحدك انا اعبدك انت ربي انت الهي فاغفر لي اغفر لي جميع الذنوب فان رحمتك واسعة انت صاحب العفو لا يتعاظمك ذنب انت الغفور الرحيم الرؤوف فانه لا يغفر الذنوب الا انت اغفر لي فانه لا يغفر الذنوب الا انت الفائدة تدل على التعليل هذا الذي يسمى بدلالة الايماء والتنبيه عند الاصوليين بما انه لا يغفر الذنوب الا انت فاغفر لي اغفر لي انه لا يغفر الذنوب فانه لا يغفر الذنوب الا انت والله تبارك وتعالى يقول والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. فهؤلاء هم الذين وعدهم بالمغفرة اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم نكر المغفرة هنا للتعظيم وهنا فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب الا انت يقول من قالها من النهار يعني في بعض اجزائه من النهار ونحن عرفنا ان النهار يبدأ من طلوع الشمس الى غروبها. كل هذا يقال له نهار وينقسم الى قسمين. صباح ومساء اليوم يبدأ من طلوع الفجر شرعا وينتهي بغروب الشمس وليلته تسبقه اليوم والليلة اليوم يبدأ من الفجر الى غروب الشمس الليلة تسبقه من غروب الشمس الى طلوع الفجر. يعني نحن اليوم انصرم يوم الاثنين. ليس لا يصح ان نقول يوم الاثنين بعد العشاء الان لا وانما نقول ليلة الثلاثاء يوم الاثنين طوي بغروب الشمس هذا اليوم. وليلته هي التي مضت فابتدأت ليلة الثلاثاء من غروب الشمس. فاذا طلع الفجر فهذا يوم الثلاثاء فاذا طلعت الشمس فهذا النهار فيستمر اليوم الى غروب الشمس والنهار من طلوعها الى غروبها فهنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم من قالها من النهار قال سيد الاستغفار هذا من النهار طلوع الشمس الى غروبها فهذا باي جزء من اجزائه؟ يعني لو قالها في اول النهار في وسطه بعد الظهر بعد العصر فهذا اعم من ان يكون من اذكار الصباح والمساء وانما يصلح ان يكون من اذكار اليوم والليلة اذكار اليوم والليلة هذا يصلح مثال مثالا على اذكار اليوم والليلة. وهناك فرق بين اذكار الصباح والمساء واذكار اليوم والليلة على ما ذكرنا في الكلام على المساء في مبدأه ومنتهاه فهنا يقول من قالها من النهار يعني في اي جزء من اجزائه موقنا بها ما تضمنته من انواع التوحيد والتوبة والاقرار بالذنب والاعتراف بالتقصير بالنعمة من الله تبارك وتعالى فاعتقد جميع مدلول هذه الكلمة اجمالا وتفصيلا فمات من يومه يعني قبل غروب الشمس فهو من اهل الجنة من اهل الجنة هذا وعد من الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم. ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل ان يصبح فهو ومن اهل الجنة لاحظ من قالها من الليل الليل يبدأ من غروب الشمس واذا قلتها بعد المغرب قلتها بعد العشاء قلتها الساعة اثنعش الساعة وحدة لكن يحرص الانسان ان يقولها من اول الليل لانه لا يدري في اي لحظة يموت ويقولها من اول النهار لانه لا يدري باي لحظة يموت. فاذا حافظ المؤمن على مثل هذا ولا شك ان ذلك من التوفيق للعبد وهذا الجزاء المرتب على ذلك وللحديث بقية في الكلام على كوني هذا سيد الاستغفار اسأل الله عز وجل ان ينفعنا واياكم بما سمعنا وان يجعلنا واياكم هداة مهتدين. والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه