الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فهذا باب الدعاء عند الفراغ من الطعام واورد فيه المؤلف حديثين الاول ما جاء عن معاذ بن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اكل طعاما فقال الحمد لله الذي اطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه هذا الحديث اخرجه اصحاب السنن الا النسائي وسكت عنه ابو داوود وقال الترمذي حسن غريب وحسنه الحافظ ابن القيم والحافظ ابن حجر ومن المعاصرين سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز والشيخ ناصر الدين الالباني رحم الله الجميع قوله صلى الله عليه وسلم من اكل طعاما فقال الحمد لله الذي اطعمني هذا ورزقنيه. من اكل طعاما من هذه تفيد العموم وذلك يشمل الرجل والمرأة على حد سواء من اكل طعاما كما يشمل البر والفاجر من اكل طعاما فقال ظاهره ان من اكل الطعام من اجل التغذي به او اكله من اجل التداوي او لاي غرض كان فانه يدخل في ذلك. يقول الحمد لله الذي اطعمني هذا الطعام ورزقنيه فان من اكل طعاما لاجل التداوي فانه يكون من قبيل الطعام يشمله لفظ الطعام فقال الحمد لله الذي اطعمني هذا الطعام ورزقنيه رزقنيه اطعمني هذا الطعام الحمد عرفنا انه اضافة المحامد اوصاف الكمال الى الله تبارك وتعالى وان اعادة الحمد ثانيا هذا الذي يقال له الثناء وان المجد والتمجيد هو كثرة اوصاف الكمال والسعة في ذلك الحمدلله الذي اطعمني هذا الطعام فهذا حمد لله تبارك وتعالى الذي تفضل وانعم اطعمني هذا الطعام ورزقنيه. فهذا من قبيل عطف العام على الخاص. رزقنيه اطعمني رزقني قد يرزق الانسان الشيء ولا يطعمه اطعمني هذا الطعام وحينما يأكل الانسان من هذا الطعام فهذا رزق من الله تبارك وتعالى فانما يطعمه الانسان هو من جملة الرزق والرزق اوسع من ذلك ورزقنيه من غير حول يعني من غير حيلة مني ليس ذلك بذكائي ومعرفتي بطرق التحصيل تحصيل المكاسب وما الى ذلك ولا بقوة فان ذلك لم يحصل بقوة والناس القوي قد يأخذ وينتزع بالقوة والضعيف يأخذ بالحيلة قد يحصل للانسان ما يحصل له من مطالبه بالوان من الحيلة في طلبه والتماسه وقد يحصل ذلك بي القوة فينتزع ذلك بها فالشاهد انه لم يحصل هذا الطعام لك لا بقوتك ولا بحيلتك وانما هو رزق من الله تبارك وتعالى رزقك به فيستحق الحمد على ذلك والا لو وكل الانسان الى نفسه وحيلته ودهائه وذكائه وفطنته خبرته في انواع المكاسب ودراسته لي هذه العلوم فانه قد لا يخرج بشيء من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه غفر له ما تقدم من ذنبه هذا حمله اهل العلم على الصغائر وان الكبائر تحتاج الى توبة لكن هذا العمل اليسير ان يقول هذه الجملة بعد الاكل الحمد لله الذي اطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ثم ذلك يغفر له ما تقدم من ذنبه فهذا يدل على سعة فضل الله تبارك وتعالى وكثرة الاسباب التي بها يحصل غفران الذنوب فان هذا له اسباب كثيرة كالتوبة وغيرها وبعض هذه الاسباب هو في غاية اليسر الذنوب قد تكفر بالتوبة وقد تكفر بحسنات ماحية وقد تكفر بمصائب تقع للانسان وقد تكفر بشفاعة وقد تكفر بمثل هذا الصلاة الى الصلاة الوضوء وكذلك ما يقوله بعد الطعام ونحو ذلك مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءت صيغ اخرى للحمد غير هذه الصيغة فكل ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شرع ان يقال ويمكن ان ينوع المسلم تارة يقول هذا وتارة يقول هذا ومن ذلك ما جاء في حديث ابي امامة رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا رفع مائدته قال الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا وفي لفظ ربنا يقوله اذا رفع مائدته. هذا الحديث اخرجه البخاري في صحيحه. وقوله كان اذا رفع مائدته عرفنا ان مثل هذا التركيب يدل على التكرار والمداومة وفي لفظ اذا فرغ من طعامه اذا فرغ من طعامه هذا ظاهر لا اشكال فيه ولكن قوله اذا رفع مائدته المائدة هنا فسرها بعضهم بالخوان ويقال ايضا بالضم الخوان الخوان والخوان وهو ما يوضع عليه الطعام وجاء من حديث انس رضي الله تعالى عنه بانه قال بان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل على خوان قط ما اكل على خوان قط بكمال تواضعه صلى الله عليه وسلم فهل المائدة هنا خوان عليه طعام بعضهم قال نعم واما حديث انس فقالوا انما اخبر بحسب ما كان يعلم فلم يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم يأكل على خوان والمثبت مقدم على النافي في الاصل فهذا حفظ واثبت ذلك بعضهم يقول في الجواب عن هذا بان المائدة تطلق على ما يوضع عليه الطعام مطلقا فالسفرة يقال لها ذلك يعني لا يشترط ان يكون الخوان لا يشترط ان تكون المائدة ان تفسر بالخوان فقد تكون المائدة بصفتي الخوان وقد تكون بغيره بغيره كما لو وضعت على سفرة كما يفعل الناس واما الخوان فهو فوق ذلك يعني الخوان مثل ما يوضع من طاولة طعام وقد تكون طاولة الطعام قد تكون لربما يجلس عليها المتربع او الجالس على الارض فتكون طاولة طعام لكنها قصيرة القوائم يجلس الناس على الارض ويأكلون منها. هذا الذي كان معروفا في السابق. الناس وهم جلوس على الارض يأكلون على طاولة ما يمكن ان نسميه طاولة نعم لكنها قصيرة القوائم بحيث تكون على قدر الجالس على الارض يقال لها خوان فهذه كان الناس يجلسون عليها النبي صلى الله عليه وسلم لكمال تواضعه يقول انس رضي الله عنه ما جلس على خوان قط. اما المائدة فقد تكون هي ما يوضع تحت الطعام الشراح لكن هذه المعاني هي مبنية على انه مهموز انكفأ او غير مهموز من الكفاية من الكفاية. ولذلك من فسره بانه مهموز قالوا غير مكافأ مكفي. يعني لا نستطيع ان نكافئه فسهلت الهمزة او الطعام فما يوضع ويوضع فوقه الطعام فقد تكون هذه عبارة عن سفرة متواضعة وقد تكون خوانا. وهنا كان اذا رفع مائدته فيكون هذا وجه في الجمع بان النفي الوارد عن انس رضي الله عنه وكون النبي صلى الله عليه وسلم اذا رفع مائدته قال الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه عرفنا معنى الحمد اضافة اوصاف الكمال الى الله ذكر الله باوصاف الكمال. ذكره بالجميل الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كثيرا لا نهاية له كما انه لا احد يحصي نعمه وافضاله على خلقه. طيبا طيبا ليس فيه لفظ يعاب وليس فيه نقص من جهة المعنى وليس فيه ايضا خلل من جهة القصد الرياء والسمعة فقد يكثر الانسان من الحمد بحضرة الناس لكنه يرائي او يسمع فمثل هذا لا يكون من الحمد الطيب وقد يكون حمده قليلا لا يكاد يحمد الله عز وجل. يأكل ويقوم تغلب عليه الغفلة ولكن هذا حمد كثير ومبارك يعني انه عرفنا البركة انها الكثرة تدل على الكثرة والنماء في الخير ونحو ذلك قال مباركا فيه هذا يرجع الى الحمد يعني حمدا ذا بركة دائما لا ينقطع لان نعم الله عز وجل تترى لا تنقطعوا عن عباده فكذلك ينبغي ان يكون الحمد كذلك ينبغي ان يكون الحمد غير مكفي غير مكفي ما المراد بذلك هذه الجملة غير مكفي تحتمل ان تكون من كفاءة الاناء كفأت الاناء يعني اذا قلبته كفأت الاناء. هذا يحتمل ويكون المعنى بهذا الاعتبار يعني غير مردود عليه انعامه تقول فلان كفأ نعمته بلهجة العوام اليوم كب النعمة لا زال بعظ الناس يستعملون مثل هذه العبارة يقولون فلان كب نعمته. بمعنى كفأها من كفاءة الاناء فهذا معنى ذكره بعض اهل العلم ويحتمل ان يكون من الكفاية يعني ان الله تبارك وتعالى غير مكفي يعني غير مكفي ماذا؟ غير مكفي رزق العباد لانه لا يكفي بذلك احد سواه. من الذي يعطيهم وينعم عليهم؟ هل يمكن ان يقوم احد مقام الله في هذا ومن اسمائه تبارك وتعالى الرزاق والغني والقيوم والكريم والواسع ونحو ذلك من الاسماء الدالة على سعة غناه وعطائه وكثرة انعامه وافضاله غير مكفي الرزق العباد فلا يكفي في ذلك احد سي واحد تقول احيانا انا اكفيك هذا العمل انا اكفيك فلانا وقد تقول للواحد من الناس انا اكفيك رزقك انا اكفيك المؤونة التي تحتاج اليها فهذا على كل حال الله تبارك وتعالى لا يكفي احد خلقه سواه وبعضهم فسره بانه بمعنى غير يعني يقول انا يا رب غير مكتف بنفسي عن كفايتك غير مكفي انا. فيصير الضمير يرجع الى المتكلم غير مكفي يا رب انا غير مكفي ولا مستغنى عنه اي الله فاعاد الضمير في مكفي الى المتكلم الى المخلوق القائل معناه لم اكتفي يعني بنفسي وبعضهم يقول معناه لم اكتف من فضل الله ونعمته. يعني انا اطلب المزيد اطلب المزيد غير مكفي وهذا لا يخلو من بعد والله تعالى اعلم فالمقصود ان ذلك من اهل العلم من اعاده الى الطعام و منهم من اعاده الى الله تبارك وتعالى وهذا هو الاقرب قد ذكر جمع من اهل العلم هذه المعاني منهم الحافظ ابن القيم رحمه الله لكن كان هذا هو الاقرب الله تعالى اعلم وذلك ان القاعدة ان توحيد مرجع الضمائر اولى من تفريقها توحيد مرجع الضمائر اولى من تفريقها. فلو نظرنا الى لفظ الحديث الحمد لله هذا قطعا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي اي الله ولا مودع اي الله ولا مستغنى عنه اي الله قال ربنا يعني يا يا ربنا فكان هذا هو الاقرب والله اعلم. وهذه القاعدة تؤيد ذلك غير مكفي غير مكفي يعني الرزق والانعام والافضال والعطاء وما الى ذلك لكن من اهل العلم من اعتبر ذلك من قبيل المهموز كفأ ففسره بهذا الاعتبار وهي رواية ولكن الرواية المشهورة انه بغير همس بغير همز كان شيخ الاسلام في ظاهر كلامه يميل الى المهموز يميل الى المهموز ومن اهل العلم من رد هذا ومنهم الحافظ ابن القيم في ظاهر كلامه انه ليس بالهمز ان غير الهمز ارجح. وهذا هو الاشهر وهو الذي مشى عليه عامة لا نكافئ الله عز وجل على الانعام والافضال الذي امتن به علينا وبعضهم يقول هذا الذي اكلنا ليس فيه كفاية لما بعده بحيث انه ينقطع ويكون هذا اخر العهد بالطعام بل هو غير منقطع عنا بعد هذا بل تستمر هذه النعمة وتترى وتتابع لا تنقطع غير مكفي ولا مودع اسر ولا مودع يعني ولا متروك الرغبة والطلب والتوجه اليه تبارك وتعالى بطلب انعامه ورزقه وفضله لا غنى عن نعمته تبارك وتعالى والى من يلجأ الخلق فلا يكفيهم احد سواه ولا مودع ولا مستغنا عنه لا مستغنى عنه معناها ان الله تبارك وتعالى هو المنعم والمطعم والكافي وليس بمطعم ولا مكفي كما قال الله عز وجل وهو يطعم ولا يطعم ولا مستغنى عنه لا احد يستطيع ان يستغني عن نعمة الله عز وجل ويقول انا عندي ارصدة وعندي اموال وعندي خزائن من الطعام ونحو ذلك من اين جاءت ويمكن ان يذهب ذلك جميعا بلحظة وليس في ليلة بلحظة قبل ان يتم كلامه هذا يمكن ان وقد قص الله عز وجل علينا خبر صاحب الجنة دخل جنته وهو ظالم لنفسه فماذا قال؟ ما اظن ان تبيد هذه ابدا. وحمله ذلك لشدة وثوقه بهذه الجنة لما تفجر النهر خلال هذه الاشجار والنخيل ظن ان هذا غير قابل للزوال فانها ليست بعين فتنقطع ولا ببئر فيجف ولا بمطر ينتظر فقد يتأخر ثم بعد ذلك تيبس وانما هو نهر يتفجر بينها فماذا قال ما اظن الساعة قائمة حمل هذا على الغرور ثم بعد ذلك ايضا انه على فرض قيام الساعة لو رد الى الله تبارك وتعالى قال لاجدن خيرا منها منقلبا مساجد افضل منها الذي اعطاني هنا سيعطيني هناك افضل من هذه الجنة. كلا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى. فالحاصل ان هذا الانعام وهذا الافضال لا يمكن لاحد ان يستغني عنه طرفة عين. فذاك الذي اغتر بثمره الله تبارك وتعالى اهلك ذلك الثمر فاصبح يقلب كفيه على ما انفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم اشرك بربي احدا هذا كله يمكن ان يفسر به هذه الجملة والله تعالى اعلم كل احد يمكن ان تستغني عنه الا الله جل جلاله واذا انعم ادام النعم وهو اغنى واقنى ولا يستغني عنه مخلوق بحال من الاحوال ولا مستغنى عنه ربنا ربنا هذا يمكن ان يكون قد نصب على الاختصاص او يكون على المدح او يكون تأكيدا كانه قال يا ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا بعضهم يقول ان ذلك يرجع الى ما ذكر قبله يرجع الى الحمد كأنه قال الحمد لله حمدا كثيرا غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عن هذا الحمد ربنا واما على الرفع ربنا فهذا على القطع فكأنه من قبيل الخبر كأنه قال ذلك ربنا او انت ربنا انت ربنا ونحو ذلك من العبارات. هذه الصيغة ايضا من صيغ الحمد ثابتة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم المؤلف ذكر هاتين الصيغتين لو ان احدا قال بعد الاكل الحمد لله فان ذلك يجزيه لكن الابلغ ان يأتي بمثل هذه الصيغ والله تعالى اعلم تربية النفس على مثل هذا استشعار النعمة والمنعم بعد الفراغ من الطعام كل ذلك داخل في قوله تبارك وتعالى لئن شكرتم لازيدنكم فان الشكر يكون باللسان ويكون ايضا بالقلب ويكون بالجوارح اعملوا ال داوود شكرا اعملوا فالعمل يكون شكرا كما قال الشاعر افادتكم النعماء مني ثلاثة وذكر هذه المواضع الثلاث التي يقع عليها الشكر فيدي ولساني والضمير المحجب. يعني ان الشكر يكون باليد العمل في الخدمة وباللسان فيلهج بالحمد وبالقلب فيستحضر ذلك يقوم ذلك بالقلب. والله تعالى اعلم لا اله الا الله. السلام عليكم ورحمة الله