ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته ايها الاحبة لا زال الحديث متصلا بهذه الايات التي ختم الله تبارك وتعالى بها سورة ال عمران وحديثنا في هذه الليلة عن قوله تبارك وتعالى بعد ان ذكر حال الكافرين وامر بعدم الاغترار بهم لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد يصيرون الى النار ليس لهم مأوى سواها ليس لهم مصير اخر يصيرون اليه سوى الخلود في نار جهنم اعاذنا الله واياكم ووالدينا واخواننا المسلمين منها ثم قال الله تبارك وتعالى بعد ذلك لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للابرار كما هي العادة ايها الاحبة في القرآن اذا ذكر حال السعداء اعقبه بذكر حال الاشقياء والعكس. ليبقى العبد مراوحا بين الحالتين الخوف والرجاء فهما كالجناحين للطائر لا يطير الا بهما فيكون جامعا بين الخوف من الله تبارك وتعالى فيتقي بذلك محارمه ويكون جامعا معه الرجاء فلا يحصل له يأس وقنوط فان ذلك ايضا من صفات الكافرين وليس ذلك من صفات اهل الايمان فهنا ذكر حال اهل الايمان حال المتقين لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار. اتقوا ربهم اتقوا محارمه اتقوا حدوده اتقوه بفعل المأمورات واجتناب المحظورات لهم جنات تجري من تحتها الانهار كما سبق تجري من تحت قصور هذه الجنات ذات الاشجار الكثيفة التي تستر من دخلها تجري من تحتها انهار اللبن والعسل والخمر انهار من الماء غير الاس لم يتغير كل ذلك اعده الله تبارك وتعالى نزلا لهم من عند الله النزل هو الضيافة ما يعد للضيف. وهذه الضيافة هي من عند الله كما سبق في الاية قبلها فاذا اضيف ذلك الى الله تبارك وتعالى فان ذلك يدل على عظمته كما قلنا في قوله تبارك وتعالى ثوابا من عند الله فهذا النزل ايضا هو من عند الله اذا حل الانسان بكريم من الكرام وبجواد من الاجواد فان المتوقع ان يكون نزله كبيرا ان يكون ما اعد لضيافته عظيما الله تبارك وتعالى هو الغني الكريم. الجواد فماذا اعد لاولياءه من النزل اعد لهم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كل ما يمكن ان يتصور من النعيم بانواعه من المساكن والمطاعم والمشارب والفرش والبساتين والانهار وما تلذ له الاعين وتطرب النفوس لا يمكن ان يخطر على بال احد مهما صرحت الفكر فان الذي هناك اعظم واعظم لو جئت احسن قصور الدنيا منذ خلقها الله تبارك وتعالى الى ان يرثها وقرنت ذلك شيء مما يكون لاقل اهل الجنة من النعيم فانه لا يساوي خرابة لا يساوي خرابة اذا كان موضع السوط ليه احد المؤمنين في الجنة خير من الدنيا وما فيها. موضع السوط. موضع السوط لا يمكن ان تبني فيه غرفة ولا يمكن ان يكون موضعا يكفي لجلوس انسان موضع صوت فكيف بالقصور والغرف المبنية هذا امر لا يقادر قدره لكن ما هو الثمن ماذا قدم الانسان جاهد نفسه عن الشهوات من اجل ان يصل الى تلك الملاذ والنعيم المقيم الذي لا حزن فيه ولا صداع ولا تعب ولا هم ولا مشكلات ولا قلق ولا ضيق ولا امراض عافية كاملة ولذات كاملة ومسرات كاملة وغنى كامل لا يحتاج ولا يفتقر ولا تتطلع له نفسه لشيء ولا يستطيع ان يحصله ولا يجوع ولا يعرى ولا يمرض ولا يبتأس ولا يشعر بضيق بحال من الاحوال ليس فيها شيء من الكبد كل شيء مذلل رأينا اين الثمن هذا النزل من عند الله وما عند الله خير للابرار لو ذهب انسان الى احد العظماء من اهل الدنيا واسكنه في جناح كما يقال جناح ملكي في فندق هذا الجناح يكاد الانسان لربما ينغمس بتلك الفرش اذا جلس عليها لا تسأل عن المطاعم الامور التي تتنوع في ذلك الموضع من النعيم مما قد يتذكر معه نعيم الجنة لكن هنا لا من عند الله فماذا عسى ان يكون ماذا عسى ان يكون اسأل الله ان يجعلنا واياكم ووالدينا واخوانا المسلمين منها وما عند الله خير للابرار ما الذي عند الله ان الابرار لفي نعيم هم في نعيم. ما هذا النعيم على الارائك ينظرون تعرف في وجوههم نظرة النعيم. النعيم يظهر على الوجه. الانسان المرفه المنعم يظهر على وجهه اثر النعيم لو رأيتهم بين الناس عرفت ان هذا الانسان ابن نعمة كما يقال يظهر ذلك على تقاسيم وجهه هنا تعرف في وجوههم نظرة النعيم يسقون من رحيق مختوم خمر ممزوج مختوم اما في اخره او على قول بعض المفسرين انه قد ختم بحيث لا يدخله تبديل ولا تغيير ولا شيء اخر هم الذين يفتضون تلك الاوعية من الخمر وان كان الاشهر والارجح ان اخره ختامه مسك يجدون رائحة المسك بخلاف خمر الدنيا ذات الرائحة المنتنة هناك شيء اخر ختامه مسك ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا الناس اللي ربما يذهبون الى اخر الدنيا من اجل ان ينظروا الى شلال تتفجر مياهه بسفح جبل او نحو ذلك ابي عين يفجرونها تفجيرا لكن من هؤلاء يوفون بالنذر هذولا الابرار يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا شعارهم انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا. خوفهم هذا افعالهم هذه فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نظرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا جزاهم بما صبروا عن المعاصي موبقات والشهوات المحرمة وجزاهم بما صبروا على الطاعات وجزاهم بما صبروا على اقداره المؤلمة وعلى اذى الناس لهم في سبيل الله تبارك وتعالى. جزاهم بما صبروا جنة وحريرا كما يقول شيخ الاسلام الصبر فيه حرارة وضيق وخشونة فقابله بثلاثة اشياء جزاهم بمن صبروا جنة الجنة فيها السعة وفيها البرودة والحرير فيه الليونة والنعومة في الدنيا عانوا من هذه الامور الثلاثة الضيق بحبس النفس والصبر الحرارة الخشونة هناك في الجنة يقابلون الجزاء من جنس العمل وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الارائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا قطوف الثمار اليانعة نصل اليهم ما يحتاج ان يتسلق ولا يحتاج ان يتعب ولا يحتاج ان يبذل في سبيل الوصول اليها كما قال الله عز وجل ولكم فيها ما تدعون. فسر بان المراد ما تدعون كل ما ادعيت فهو لك هذي احد الاقوال المشهورة للسلف في ذلك كل ما يدعي فهو له شيء هائل لا يمكن ان يقادر قدره وقد وصف الله هذا النعيم في مواضع كثيرة من كتابه ولكن الغفلة تبقى حائلة وحاجزة دون التبصر في مثل هذه الحياة الكبرى الحياة الحقيقية التي نسأل الله عز وجل ان يرزقنا واياكم جنته ووالدينا واخوانا المسلمين ثم بعد ذلك لما ذكر هذا الجزاء وهذا النعيم قال في اواخر هذه الايات وان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل اليهم خاشعين لله لا يشترون بايات الله ثمنا قليلا اولئك لهم اجرهم عند ربهم ان الله سريع الحساب الحديث هنا ليس عن كل اهل الكتاب هذه الاية لربما يتعلق بها بعض الناس فيلبس جريا على عادتهم بالاخذ بالمتشابهات وترك المحكمات بل ربما اجترأ من يجترئ ويقول عنا هؤلاء من اليهود والنصارى انهم يصيرون الى الجنة وانهم مؤمنون ويحتجون بمثل هذه الايات من هنا تبعيضية من اهل الكتاب من هؤلاء لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل اليهم. اذا هؤلاء هم الذين دخلوا في الاسلام اما الذين لم يدخلوا في الاسلام فهم ليسوا ليسوا كذلك هؤلاء المذكورون في هذه الاية هم الذين امنوا بكتابهم وبانبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام وامنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما اوحى ربه اليه من هذا القرآن وهم في حال من الخشوع واذا سمعوا ايات الله تبارك وتعالى فهم كما قال الله جل جلاله ترى اعينهم تفيض من الدمع. فهم مؤمنون ايمانا حقيقيا مطيعون لله خاضعون متذللون لجلاله وعظمته لا يشترون بايات الله ثمنا قليلا. ليسوا ككفار اهل الكتاب الذين يكتمون الحق كما قال الله تبارك وتعالى الم تر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا. اولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا الى ان قال ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها هؤلاء لم يؤدوا الامانة بل كتموا الشهادة وخانوا وشهدوا بالكذب والزور لشدة عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولاتباعه من هذه الامة فهؤلاء الذين وصفهم الله بهذه الايات لا يشترون بايات الله ثمنا قليلا بشارات التي عندهم بمحمد صلى الله عليه وسلم تدخل في ذلك دخولا اوليا فهم يعلنون بها ويصدقون ويشهدون بالحق طلبا لما عند الله. ومهما اخذ الاخذون على كتمان الحق او على الشهادة بالزور والباطل فهو ثمن قليل. لان التبعة ايها الاحبة لان التكاليف التي تكون من جراء ذلك باهظة كبيرة فهذا الذي يأخذه من عرض الدنيا هو قليل ولو كان بالملايين او المليارات هو قليل بجانب ما اعد الله عز وجل لهم ولامثالهم الله تبارك وتعالى ذكر صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم. وذكر مبعثه وذكر مهاجره وهم يعرفون ذلك على سبيل التفصيل هؤلاء الذين امنوا شهدوا بذلك واذعنوا لهذا الحق كما قال الله تبارك وتعالى الذين اتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون واذا يتلى عليهم قالوا امنا به انه الحق من ربنا. انا كنا من قبله مسلمين اولئك يؤتون اجرهم مرتين بما صبروا فهؤلاء هم الذين مدحهم الله عز وجل اما الذين لم يدخلوا في الاسلام فليسوا كذلك اولئك لهم اجرهم عند ربهم ان الله سريع الحساب فقدم ما لهم من الاجر للاهتمام والعناية به وهذا الاجر عند ربهم الذي خلقهم ورباهم وحباهم وهداهم واكرمهم بهذه الهداية حيث ضل الكثيرون وخاب سعيهم وصاروا في حال من الغمرة والغفلة والكفر هانوا على الله عز وجل فاهانهم واذلهم. ان الله سريع سريع الحساب يحاسب النفوس جميعا على كثرة الخلق وعلى كثرة اعمالهم كما يحاسب نفسا واحدة فهو كما قال ابن جرير رحمه الله لا يحتاج الى عد وحسب واحصاء كما يفعل اهل الدنيا وانما يحاسبهم جميعا كما يحاسب النفس الواحدة فهذه الاية ايها الاحبة جاء في الصحيحين ان النجاشي لما مات نعاه النبي صلى الله عليه وسلم الى اصحابه وقال ان اخا لكم حبشة قد مات فصلوا عليه فخرج بهم الى الصحراء فصفهم وصلى عليه وصح من حديث انس انها نزلت حين قالوا نصلي على عبد حبشي فهذا هو سبب نزول هذه الاية. اذا هي في من امن في النجاشي. ومن كان على شاكلته فهو داخل في هذا وقد جاء ذلك عن جماعة من السلف كما جاء عن مجاهد انها في مسلمة اهل الكتاب وجاء عن الحسن قال هم اهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم فاتبعوه وعرفوا الاسلام فاعطاهم الله اجرا اثنين للذي كانوا عليه من الايمان قبل محمد صلى الله عليه وسلم وبالذي اتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم بقي بقية يسيرة بهذه الايات اتركها في الليلة الاتية ان شاء الله واسأل الله عز وجل ان يجعلنا واياكم ممن يتدبر القرآن. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وذهاب احزاننا وجلاء همومنا. اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا. وارزقنا تلاوته اناء الليل واطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا نسأل الله عز وجل ان يعيننا واياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته