معنى قوله وهو معكم انه مختلط بالخلق. فان هذا لا توجبه اللغة. وهو خلاف ما اجمع عليه سلف الامة وخلاف ما فطر الله عليه الخلق. بل القمر اية من ايات الله من اصغر مخلوق مخلوقاته وهو موضوع في السماء وهو مع المسافر وغير المسافر اينما كان. هذا المقطع من كلام مؤلف رحمه الله فيه تقرير ان معية الله عز وجل لعباده لا يمكن ان يتطرق اليها ما فهمه بعض من طمس الله بصيرته فظن ان معية تقتضي مخالطته لخلقه جل في علاه فقال رحمه الله وليس معنى قوله وهو معكم قرر ما دلت عليه الادلة في الكتاب والسنة واجمع عليه علماء الامة واقتضته الفطرة ودل عليه العقل من ان الله سبحانه وتعالى عال على خلقه فوق خلقه مباين لهم سبحانه وبحمده مستو على عرشه جل في علاه وما اخبر به من معية هو ما تقدم من معنى انه سبحانه وبحمده محيط بعباده وانه عالم بهم وانه قادر عليهم وسيأتي مزيد تقرير لهذا المعنى ولذلك قال وليس معنى قوله في الاية السابقة وهو معكم انه مختلط بالخلق. فالمعية لا تقتضي ان الله تعالى مختلط بخلقه سبحانه وبحمده فهو العلي الاعلى. كيف ابطل هذا التوهم؟ ابطل هذا التوهم. اولا ما الذي اوجب ان يذكر هذا الكلام. يعني لماذا جاء بهذا التوهم؟ جاء بهذا التوهم لان قوما عمى نظره وانطمست بصائرهم فاعتقدوا ان الله جل في علاه حال في كل مكان سبحانه وبحمده وانه بذاته مع خلقي في كل مكان فلما اعتقدوا ذلك بين علماء السنة واهل البصيرة ما دلت عليه الادلة من ان هذا المعنى لا تقره النصوص بل النصوص على خلافه. كما انه لا تقره الفطر فابطلوا ذلك من جهة اللغة ومن جهة دلالة النص ومن جهة دلالة الفطرة ومن جهة اخرى وهذا فذكره المؤلف رحمه الله هنا حيث قال وليس معنى قوله وهو معكم انه مختلط بالخلق فان هذا لا توجبه اللغة هذا اول وجه لابطال هذا المعنى. ان اللغة لا تقتضي ولا تدل على ان المعية تقتضي المخالطة فان كلمة مع في كلام العرب تدل على الموافقة والاقتران والمصاحبة ولا تستلزم المخالطة والامتزاج ولذلك يقول الله جل وعلا محمد رسول الله والذين معه والذين معه هم من امن به من صحابته الكرام ومن امن به بعد موته صلى الله عليه وسلم ومن امن به في زمانه ممن هو في انأى مكان عنه وابعد محل عنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم. فلما كانت المعية لا تقتضي الممازجة والمخالطة والموافقة في المكان دل ذلك على ان كلمة مع في كلام العرب ليس من الاختلاط ولا الامتزاج. فقوله تعالى وهو معكم لا تقتضي انه مخالط لخلقه سبحانه وبحمده ولذلك ذكر المؤلف رحمه الله في ابطال هذا الوجه دلالة اللغة. ولا ريب ان دلالة اللغة من اقوى الادلة ذلك ان دلالة اللغة هي بيان وايظاح لما جاء في الكتاب المبين الذي انزله الله تعالى بلسان عربي مبين. ولذلك جميع استعمال في القرآن والسنة لا توجب امتزاجا ولا اتصالا ولا اختلاطا. فاذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على ذلك المعنى الذي اقترض اقترنت به. فاذا جئت في سياق الاحاطة بالعلم دلت على انها معية علم. اذا جئت في سياق النصرة دلت على انها معية نصر اذا جاء جيئت في سياق التأييد دلت على التأييد وهلم جر هذا هو الوجه الاول الذي ذكره المؤلف رحمه الله في ابطال ان قوله وهو معكم تقتضي المخالطة وتقتضي عدم علوه جل في علاه. الثاني قوله وهو ما اجمع عليه سلف الامة. هذا هو الوجه الثاني من الاوجه التي تبطل هذا المعنى انه لم يقل بهذا المعنى احد من الائمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم. ومن تبعهم باحسان. فهذا قول محدث. قال به المنحرفون الضالون الذين اخطأوا السبيل وضلوا عن عن الصراط المستقيم. اما الثالث من الاوجه التي ابطل المؤلف رحمه الله بها هذا الامر او هذا المعنى ان الفطرة تستلزم وتقتضي وتقر بان الله تعالى مباين لخلقه. وهذا العلم من اهم العلوم التي تدل على صحة ما دل عليه الكتاب والسنة من علو الله تعالى على خلقه وانما وانه سبحانه وبحمده منزه عن ان يكون في شيء من خلقه او ان يكون فيه شيء من خلقه. فان الله تعالى فطر الخلق على اعتقاد انه سبحانه فوق العالم. وعلم الخلق بهذا علم ضروري فطري. فالخلق كلهم اذا اشتد عليهم امر ونزل بهم كرب وحزبهم خطو فانهم يوجهون قلوبهم الى الله في العلو سبحانه وبحمده. حتى الصبيان الذين لم يبلغوا يجدون في انفسهم ضرورة عندما يسألون او يدعون ان يتوجهوا الى الله عز وجل ولذلك لما كانت هذه الضرورة قائمة في قلوب الخلق لم هؤلاء المكذبون لعلو الله على خلقه. الا ان يقولوا ان الله جعل السماء قبلة الداعي كما كعبة قبلة المصلي. فنحن نتوجه الى السماء في الدعاء ونرفع ايدينا وقلوبنا الى الله في جهة السماء لا ان الله في السماء كما يزعمون بل لان السماء قبلة الداعي وهذا تحريف للكلم عن مواضع وهو مكابرة لما اقتضته الفطرة ودلت عليه من ان الله سبحانه وبحمده عال على خلقه. فما من احد يقول يا الله صغير او كبير مسلم او كافر الا ويجد في قلبه ضرورة التوجه الى العلو لما فطن الله تعالى القلوب على ذلك ومما يؤيد هذا ما ذكره الله في قصة فرعون عندما اخبره موسى عن ربه اين طلب فرعون رب موسى؟ هل طلبه في سفن حفر الارض يبحث عن الله؟ او التفت يمنة او يسرة او بين يديه او خلفه لا قال يا هامان ابني لي صرحا لعلي ابلغ الاسباب فاطلع الى اله موسى واني لاظنه كاذبة فلم يطلب هذا الرب الذي جاء موسى يدعو اليه ويأمر فرعون قومه بعباده الا في جهة العلو. فدل ذلك على ان علوه سبحانه وبحمده مركوز في فطر البشر. مسلمهم وكافرهم. ومما يدل على ان معية الله عز وجل التي ذكرها في كتابه لا تقتضي ولا تدل على مخالطة الله لخلقه ولا تنافي علوه سبحانه وبحمده ان الله عندما ذكر المعية ذكرها على نحوين. معية الله في كتابه جاءت عامة وخاصة. عامة في نحو قوله تعالى وهو معكم اينما كنتم. وخاصة كذلك في نحو قوله جل وعلا ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اينما كانوا. فهذه معية عامة لجميع خلقه سبحانه بحمده. اما المعية الخاصة ففي نحو قوله لا تحزن ان الله معنا. انني اسمع انني معكما اسمع وارى ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. ان الله مع الصابرين. فكل هذه المعيات معيات خاصة باشخاص او باوصاف وايهما اكثر ذكرا في القرآن؟ الاكثر ذكرا في القرآن هي معية الله الخاصة. فدل ذلك على ان المعية المذكورة في القرآن المضافة لله عز وجل لا تقتضي المخالطة لانها معية تفهم وتعرف ويدرك معناها من سياقاتها وما اقترن بها لما في ذلك من ايضاح المعاني في سباق وسياق الايات. ولهذا كان ذكر المعية الخاصة يدل على ان المعية المذكورة في القرآن ليست معية اختلاط ولا امتزاز ولا آآ والاتحاد في مكان فالله علي عن ذلك سبحانه وبحمده فهو العلي الاعلى جل في اما خامس الادلة التي تبطل هذا الفهم هو ما ذكره المؤلف رحمه الله في المثال المضروب حيث ذكر رحمه الله في المثال المضروب القمر. فالقمر في السماء في العلو. لا تطاله الايدي ولا يبلغه الناس ومع ذلك تقول العرب سرنا والقمر معنا وهو في علوه ليس ممازجا ولا مخالطا للبشر ومع ذلك يقال وهو من اصغر المخلوقات السماوية يقال معنا فلم فلا تنافي بين علو الله عز وجل وهو العلي الاعلى وبين معيته لخلقه اذا كان هذا يتصور في هذه المخلوقات كالقمر ونحوه يقال هو معنا وهو فوقنا فكيف لا يدرك ذلك في حق العلي الاعلى الذي له المثل الاعلى سبحانه وتعالى فالله جل في علاه ليس فوقه شيء وهو العلي العظيم سبحانه وبحمده ومع ذلك هو مع عباده سبحانه وبحمده علمه وقدرته وسائر معاني ربوبيته