اعوذ بالله من الشيطان الرجيم من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله اياه تعبدون انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير لغير الله غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم ان الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب ترون به ثمنا قليلا اولئك ما يأكلون في بطون ولا يكلمهم الله يوم القيامة لا يزكيهم ولهم عذاب اليم. اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة. فما ذلك بان الله نزل الكتاب وان الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول الله سبحانه يا ايها الذين امنوا كلوا من طيب ما رزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون هذا امر للمؤمنين خاصة. بعد الامر العام وذلك انهم هم المنتفعون عن الحقيقة بالاوامر والنواهي بسبب ايمانهم. امرهم الطيبات من الرزق والشكر لله على انعامه باستعمالها بطاعته. التقوي بها على ما يوصل اليه. امرهم بما امر به المرسلين في قوله يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا. فالشكر في هذه الاية هو العمل الصالح وهنا لم يقل حلالا لان المؤمن اباح له الطيبات من الرزق خالصة من التبعة ولان ايمانه يحجزه عن يحجزه ولان ايمانه يحجزه عن تناول ما ليس له. وقوله ان كنتم اياه تعبدون. اي فاشكروه فدل على ان من لم يشكر الله لم يعبده وحده كما ان من شكره فقد عبده واتى بما امر به ويدل ايضا على انك الطيب ساب للعمل الصالح وقبوله والامر بالشكر عقيب النعم لان الشكر يحفظ النعم الموجودة ويجلب النقم ويجلب النعم المفقودة كما ان الكفر ينفر النعم المفقودة. ويزيل النعم الموجودة. فلما ذكر تعالى اباحة الطيبات ذكر تحريم الخبائث فقال ان وحرم عليكم الميتة وهي ما مات بغير تزكية شرعية لان الميتة خبيثة مضرة برداءتها في نفسها ولان الاغلب ان عن مرض فيكون زيادة مرض. واستثنى الشارع من عموم من هذا ميتة الجراد وسمك البحر انه حلال طيب والدم اي المسموح كما قيد في الاية الاخرى. وما اهل به لغير الله اي ذبح لغير الله كالذي يذبح للاصنام من الاحجار والقبور ونحوها وهذا المذكور غير خاص للمحرمات وجيء به وجيء به لبيان اجناس الخبائث. المدلول عليها بمفهوم قوله طيبات فعموم المحرمات تستفاد مئات السابقة من قوله حلالا طيبا كما تقدم. انما حرم علينا هذه الخبائث ونحوها لطفا بنا وتنزيها عن المضر ومع هذا فمن اضطر ان الجأ الى المحرم بجوع وعدم واكراه غير باغ اي غير طالب محرم مع قدرته على الحلال او مع عدم وجود او مع عدم جوعه ولا عاد اي متجاوز الحد في تناول ما ابيح له اضطرارا فلا اثم اي جناح وذنب عليه واذا ارتفع الاثم رجع الامر الى ما والانسان بهذه الحالة مأمور بالاكل بل منهي ان يلقي به ان يلقي بيده الى التهلكة. وان يقتل نفسه فيجب اذا عليه الاكل ترك الاكل حتى مات فيكون قاتلا لنفسه. وهذه اباحة والتوسعة من رحمته تعالى بعباده. فلهذا ختمها اسمين كريمين المناسبين المناسبين غاية المناسبة. فقال ان الله غفور رحيم ولما كان الحل مشروطا بهذين الشرطين. وكان الانسان في هذه الحالة ربما لا يستقصي تمام الاستقصاء في تحقيقها. اخبر ان انه غفور فيغفر ما اخطأ فيه في هذه الحال. خصوصا وقد غلبته الضرورة. واذهبت حواسه المشقة. وفي هذه الاية دليل على المشهورة الضرورات تبيح المحظورات. فكل محظور يضطر اليه الانسان. فقد اباحه له الملك الرحمن. فله الحمد والشكر واخرة وظاهرا وباطنا ثم يقول سبحانه ان الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب ويشرون به ثمنا قليلا الايات هذا وعيد شديد لمن كتم ما انزل الله على رسله من العلم الذي اخذ الله الميثاق على اهله ان يبينوه للناس ولا يكتموه فمن تعوض بالحطام الدنيوي ونبذ امر الله فاولئك ما يأكلون في بطونهم الا النار لان هذا الثمن الذي كسبوه انما حصل لهم اقبح المكاسب واعظم المحرمات. فكما جزاؤهم من جنس عملهم. ولا يكلمهم الله يوم القيامة بل بل قد سخط واعرض عنهم فهذا اعظم عليهم من عذاب النار. ولا يزكيهم اي لا يطهرهم من اخلاق الرذيلة. وليس لهم اعمال تصلح للمدح والرضا والجزاء عليها. وانما لم يزكهم لانهم فعلوا اسباب عدم التزكية. الذي اعظم اسبابها العمل بكتاب الله. والاهتداء به والدعوة فهؤلاء نبذوا كتاب الله واعرضوا عنه واختاروا الضلالة على الهدى والعذاب على المغفرة. فهؤلاء لا يصلح لهم الا النار فكيف يصبرون عليها؟ وانى لهم الجلد عليها؟ ذلك المذكور وهو مجازاة بالعدل ومنعه اسباب الهداية من من اباها واختار سواها لان الله نزل الكتاب بالحق ومن الحق مجازاة المحسن باحسانه والمسيء باساءته. اي ضاف في قوله نزل الكتاب بالحق ما يدل على ان الله انزله لهداية وتبيين الحق من الباطل والهدى من الضلال. فمن صرفه عن مقصوده فهو حقيق بان يجازى باعظم العقوبة. وان الذي اختلف الكتاب لفيه بعيد. اي وان الذين اختلفوا في الكتاب فامنوا ببعضه وكفروا ببعضه. والذين حرفوه وصرفوه على اهوائهم لفي شقاق اي محادة بعيد من الحق. لانهم قد خالفوا الكتاب الذي جاء بالحق الموجب للاتفاق وعدم التناقض فمرج امرهم وكثر شقاقهم وترتب على ذلك افتراقهم. بخلاف اهل الكتاب الذين امنوا به وحكموه في كل شيء ان متفقوا واتفقوا فانهم اتفقوا وارتفقوا بالمحبة والاجتماع عليه قد تضمنت هذه الايات الوعيد للكاتمين لما انزل الله المؤثرين عليه عرض الدنيا بالعذاب والسخط ان الله لا يطهرهم بالتوفيق ولا بالمغفرة. وذكر السبب في ذلك وهو ايثارهم الضلالة على الهدى. فترتب على ذلك اختيار على المغفرة ثم توجه لهم بشدة صبرهم على النار لعملهم باسباب التي يعلمون انها موصلة اليها وان كتاب المشتمل على الحق بموجب الاتفاق عليه وعدم الافتراق ان كل من خالفه فهو في غاية البعد عن الحق والمنازعة والمخاصمة الله اعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والى الحلقة القادمة غدا ان شاء الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته