وكرمه بعباده ولما كان القتال عند مسجد حرام يتوهم ان مفسدة في هذا البلد الحرام اخبر تعالى ان مفسدة بالفتنة عنده بالشرك والصد عن دينه اشد من مفسدة القتل فليس اعوذ بالله من الشيطان الرجيم وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدون المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنة اشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه كذلك الكافرين. فان انتهوا فان الله غفور رحيم وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله اه فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين. الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص. فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم. واتقوا الله واعلموا ان الله مع المتقين. وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة واحسنوا. ان الله يحب المحسنين بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يقول الله سبحانه وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلون ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين هذه الايات يتضمن الامر بالقتال في سبيل الله. وهذا كان بعد الهجرة الى المدينة. لما قوي المسلمون للقتال امرهم الله به بعد ما كانوا مأمورين بكف ايديهم. وبتخصيص القتال في سبيل الله حث على الاخلاص ونهي عن اقتتال في الفتن بين المسلمين الذين يقاتلونكم اي الذين هم مستعدون لقتالكم وهم المكلفون الرجال غير الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال والنهي عن الاعتداء يشمل انواع الاعتداء كلها من قتل من لا يقاتل من قتل من لا يقاتل من النساء والمجانين والاطفال الرهبان ونحوهم والتمثيل بالقتلى وقتل الحيوانات وقطع الاشجار ونحوها. لغير مصلحة تعود للمسلمين. ومن اعتداء مقاتلة من تقبل منهم الجزية اذا بذلوها فان ذلك لا يجوز. واقتلوهم حيث قفتموهم. هذا امر بقتالهم اينما وجدوا في كل وقت وفي كل زمان قتال مدافعة وقتال مهاجمة. ثم استثنى من هذا العموم قتالهم عند المسجد الحرام. وانه لا يجوز ان يبدأوا بالقتال فانهم يقاتلون جزاء لهم على اعتدائهم. وهذا مستمر في كل وقت حتى ينتهوا عن كفرهم فان الله يتوب عليهم ولو حصل منهم ما حصل من الكفر بالله والشرك في المسجد الحرام. وصد الرسول والمؤمنين عنه. وهذا من عليكم ايها المسلمون حرج في قتالهم. ويستدل من هذه الاية على قاعدة مشهورة وهي انه يرتكب اخف المفاتين لدفع كلاهما ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله وانه ليس المقصود به سفك دماء الكفار واخذ اموالهم ولكن المقصود به ان يكون الدين لله تعالى في ظهر دين الله تعالى على سائر الاديان. ويدفع كل ما يعارضه من الشرك وغيره وهو المراد بالفتنة. فاذا حصل فهذا المقصود فلا قتل ولا قتال. فان انتهوا عن قتالكم عند مسجد حرام. فلا عدوان الا على الظالمين. اي فليس عليكم فليس عليهم منكم اعتداء الا من ظلم منهم فانه يستحق المعاقبة بقدر ظلمه ثم يقول تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام يحتمل ان يكون المراد به ما وقع من صد المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم واصحابه عام الحديبية اي الدخول لمكة وقاضوهم على على دخولها من قبل فكان الصد والقضاء في شهر في شهر حرام وهو ذو القعدة يكون هذا بهذا سيكون فيه تطييب لقلوب الصحابة بتمام نسكهم وكماله. ويحتمل ان يكون المعنى انكم ان قاتلتموهم في الشهر الحرام فقد قتلوكم فيه وهم المعتدون فليس عليكم في ذلك حرج. وعلى هذا فيكون قوله والحرمات قصاص من باب عطف العام مع الخاص اي كل شيء يحترم من الشأن الحرام او بلد حرام او احرام او ما هو اعم من ذلك جميع ما امر الشرع باحترامه فمن تجرأ عليها انه يقتص منه. فمن قاتل في الشهر الحرام قوتل. ومن هتك البلد الحرام اخذ منه الحد ولم يكن له حرمة. ومن قتل مكافئا له قتل به ومن جرحه او قطع عضوا منه اقتص منه. ومن اخذ مال غيره من محترم اخذ منه بدله. ولكن هل لصاحب الحق ان يأخذ من ماله بقدر حقه ام لا؟ خلاف بين العلماء. الراجح من ذلك انه ان كان سبب الحق ظاهرا كالضيف اذا لم يقره غيره والزوجة والقريب اذا امتنع من تجب عليه النفقة من انفاق عليه فانه يجوز اخذه من ماله. فان كان السبب خفيا كمن هذا دين غيره او خانه في وديعة او سرق منه ونحو ذلك فانه لا يجوز له ان يأخذ من ماله مقابلة له جمعا بين ادلة ولهذا قال تعالى توكيدا وتقوية لما تقدم فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم هذا تفسير لصفة مقاصة. وانها هي المماثلة في مقابلة المعتدي ولما كانت النفوس في الغالب لا تقف على حدها اذا رخص لها في المعاقبة لطلبها التشفي امر تعالى بلزوم تقواه التي هي الوقوف عند حدوده وعدم تجاوزها. واخبر تعالى انه مع المتقين اي بالعون والنصر والتأييد والتوفيق. ومن كان الله معه حصل له السعادة الابدية. ومن لم يلزم التقوى تخلى عنه وليه وخذله. ووكله الى نفسه فصار هلاك واقرب اليه من حبل الوريد ثم يأمر تعالى عباده بالنفقة في سبيله. وهو اخراج الاموال في الطرق الموصلة الى الله. وهي كل طرق الخير من صدقة على مسكين او قريب او انفاق على من تجب معونته. واعظم ذلك واول ما دخل في ذلك الانفاق في الجهاد في سبيل الله. فان النفقة فيه جهاد بالمال وهو فرض كالجهاد بالبدن وفيها من مصالح عظيمة الاعانة على تقوية المسلمين وتوهين الشرك واهله وعلى اقامة الله واعزازه. فالجهاد في سبيل الله لا يقوم الا على ساق النفقة. فالنفقة له كالروح لا يمكن وجوده بدونها. وفي الانفاق في سبيل الله ابطال للجهاد وتسليط للاعداء وشدة تكالبهم سيكون قوله تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة كالتعليل لذلك. والالقاء باليد التهلكة يرجع الى امرين لترك ما امر العبد اذا كان تركه موجبا او مقاربا لهلاك البدن او الروح وفعل ما هو سبب موصل الى تلف النفس او الروح فيدخل تحت امور كثيرة فمن ذلك من ذلك ترك الجهاد في سبيل الله او النفقة فيه. الموجب تسلط الاعداء. ومن ذلك تغرير الانسان بنفسه في مقاتلة او سفر مخوف او محل موسبعة او محل مسبعة او او يصعد شجرا او بنيانا خطرا او يدخل تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك فهذا ونحوه ممن القى بيدي التهلكة ومن ذلك الاقامة على معاصي الله واليأس من التوبة ومنها ترك ما امر الله به من فرائض التي بترك هذا كل الروح والدين. ولما كانت النفقة في سبيل الله نوعا من انواع الاحسان امر باحسان عموما فقال واحسنوا ان الله يحب المحسنين وهذا يشمل جميعا انواع الاحسان. لانه لم يقيدوا بشيء دون شيء. فيدخل فيه الاحسان بالمال كما تقدم. ويدخل فيه الاحسان بالجاهلية بالشفاعات ونحو ذلك ويدخل في ذلك الاحسان بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم النافع. يدخل في ذلك قضاء حوائج الناس من تفريج كرباتهم وازالة شدائدهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وارشاد ضالهم وارشاد ضالهم واعانة من يعمل عملا والعمل لمن لا يحسن العمل ونحو ذلك مما هو من احسان ذي امر الله به. ويدخل في الاحسان ايضا الاحسان في عبادة الله تعالى. وهو كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. فمن اتصف بهذه الصفات كان من الذين قال الله للذين احسنوا الحسنى وزيادة. وكان الله معه يسدده ويرشده. ويعينه على كل اموره. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والى الحلقة القادمة غدا ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته