اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم الله يعلم وانتم لا تعلمون. يسألونك عن الشهر الحرام والقتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله. والفتنة اكبر من ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ومن يرتدد منكم عن دينه فيموت وهو كافر فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والآخرة. واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول الله سبحانه كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون هذه الاية فيها فرض القتال في سبيل الله بعد ما كان المؤمنون مأمورين بتركه لضعفهم وعدم احتمالهم لذلك فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة وكثر المسلمون امرهم الله تعالى بالقتال واخبر انه مكروه للنفوس لما فيه من التعب والمشقة وحصول انواع المخاوف والتعرض للمتالف ومع هذا فهو خير محض لما فيه من الثواب العظيم والتحرز من العقاب الاليم والنصر على الاعداء بالغنائم وغير ذلك مما هو مرض على ما فيه من الكراهة وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم. وذلك مثل القعود عن الجهاد لطلب الراحة فانه شر لانه يعقب الخذلان وتسلطا الاعداء على الاسلام واهله وحصول الذل والهوان وفوات الاجر العظيم وحسن العقاب. وهذه الايات عامة مطردة في ان افعال الخير التي تكرهها النفوس لما فيها هذه المشقة انها خير بلا شك وان افعال الشر التي تحبها النفوس لما تتوهم فيها من راحة واللذة فهي شر بلا شك. واما احوال الدنيا فليس الامر مطردا ولكن الغالب على العبد المؤمن انه اذا احب امرا من الامور فقيض الله له من اسباب ما يصرف انه خير له فالاوفق له في ذلك ان يشكر الله ويعتقد الخير في الواقع لانه يعلم ان الله تعالى الارحم بالعبد من نفسه. واقدر على مصلحة عبده منه. واعلم بمصلحته منه. كما قال تعالى والله يعلم انتم لا تعلمون اللائق بكم ان تتمشوا مع اقداره. سواء سرتكم او سأتكم. ولما كان الامر بالقتال لو لم يقيد من الاشهر الحرم وغيرها استثنى تعالى القتال في الاشهر الحرم فقال يسألونك عن الشهر الحرام الاية الجمهور على ان تحريم القتال في الاشهر في الاشهر الحرم منسوخ بالامر بقتال المشركين حيثما وجدوا. وقال بعض المفسرين انه لم ينسخ لان المطلق محمول على المقيد. وهذه الاية مقيدة لعموم الامر بالقتال مطلقا ولان من جملة مزية اشهر الحرم بل اكبر مزاياها تحريم القتال فيها. وهذا انما هو في قتال الابتداء. واما قتال الدفع فانه يجوز في الاشهر الحرم كما يجوز في البلد الحرام. ولما كانت هذه الاية نازلة بسبب ما حصل لسرية عبدالله بن جحش وقتلهم عمرو بن حضرمي. واخذهم اموالهم وكان ذلك على ما قيل في شهر رجب عيره المشركون بالقتال بالاشهر الحرم وكانوا في تعيينهم ظالمين. اذ فيهم من القبائح ما بعضه اعظم مما عيروا به المسلمين. قال تعالى في بيان ما فيهم صد عن سبيل الله. اي صد المشركين من يريد الايمان بالله وبرسوله. وفتنتهم من امن به وسعيهم في ردهم عن دينهم وكفرهم الحاصل في الشهر الحرام والبلد الحرام الذي هو بمجرده كاف بالشر. فكيف وقد كان في شهر حرام وبلد حرام اخراج اهله اي اهل المسجد الحرام وهم النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه لانهم احق به من المشركين وهم عماره على فاخرجوهم منه ولم يمكنوهم من الوصول اليه. مع ان هذا البيت سواء العاكف فيه والبادئ فهذه الامور كل واحد منها اكبر من القتل في الشهر الحرام. فكيف وقد اجتمعت فيهم؟ فعلم انهم فسقة ظلمة في تعيينهم المؤمنين ثم اخبر تعالى انهم لن يزالوا يقاتلون المؤمنين وليس غرضهم في اموالهم وقتلهم وانما غرضهم ان يرجعوا عن دينهم ويكونوا كفارا بعد ايمانهم حتى يكونوا من اصحاب السعير. فهم باذلون قدرتهم في ذلك. ساعون بما ان كانهم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. وهذا الوصف عام لكل الكفار لا يزالون يقاتلون غيرهم حتى يردوهم عن دينهم. فخصوصا اهل الكتاب من اليهود والنصارى الفوا الجمعيات ونشروا الدعاة وبثوا الاطباء وبنوا المدارس لجذب الامم الى دينهم. وادخالهم عليهم كل ما يمكنهم من الشبه التي تشككهم في دينهم ولكن مرجو من الله تعالى الذي من على المؤمن بالاسلام واختار لهم دينه القيم واكمل لهم دينه ان يتم عليهم نعمته بالقيام به اتم قيام وان يخذل كل من اراد ان يطفئ نوره ويجعل كيدهم في نحورهم وينصر دينه ويعلي وتكون هذه الاية صادقة على هؤلاء الموجودين من الكفار كما صدقت على من قبلهم ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا الى جهنم يحشرون ثم اخبر تعالى ان من ارتد عن الاسلام بان اختار بان اختار عليه الكفر واستمر على ذلك حتى مات كافرا فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة. لعدم وجود شرطها وهو الاسلام. واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون دلت الاية بمفهومها ان من ارتد ثم عاد الى الاسلام انه يرجع اليه عمله. وكذلك من تاب من المعاصي فانها لا تعود اليه اعماله المتقدمة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. والى الحلقة قدمت غدا ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته