يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة كتاب رسالة في الحث على اجتماع كلمة المسلمين وذم التفرق والاختلاف رسالة في الحث على اجتماع كلمة المسلمين وذم التفرق والاختلاف تأليف الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. وبه استعين وعليه اتوكل الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على محمد واله وصحبه اجمعين. اما بعد فان الله تعالى خلق خلقه من العدم واوجدهم بعد ان لم يكونوا شيئا مذكورا ليعبدوه وحده لا شريك له ويطيعوه ويتقوه ومدار ذكره ومرجعه على اداء حقوقه وحقوق عباده اللازمة والمستحبة التي شرعها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهي شعب كثيرة واقسام فمنها ما هو اصول ومنها ما هو احكام ومنها ما هو قواعد كلية تندرج تحت كثير من الاحكام الجزئية ومنها مقاصد ومطالب ومنها ما هو موصل اليها وكلها ترجع الى تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها فمن اعظم الاوامر الالهية والشرائع السماوية والوصايا النبوية الاعتصام بحبل الله جميعا واتفاق كلمة المسلمين واجتماعهم وائتلافهم والحث على هذا بكل طريق موصل اليه من الاعمال والاقوال والتعاون على ذلك قولا وفعلا. والنهي عن التفرق والاختلاف وتشتيت شمل المسلمين والزجر عن جميع الطرق الموصلة اليه بحسب القدرة والامكان وقد دل على هذا الاصل العظيم الكتاب والسنة واجماع الانبياء والمرسلين واتباعهم الى يوم الدين قال تعالى امرا عباده بالتمسك بحبله الذي هو دينه والاجتماع عليه ناهيا عن التفرق والاختلاف ممتنا على عباده بتوفيقه لهم لذلك يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمة اخوانا وقال تعالى ناهيا عن التنازع والاختلاف مخبرا انه سبب للفشل وعدم النصر على الاعداء ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وقال مذكرا عباده بنعمته التي لا يقدر عليها الا العزيز الحكيم والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم وقال ذا من المنافقين بتباغضهم وتفرق قلوبهم ولو اجتمعت اجسامهم تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى وقال جل جلاله ممتنا على رسوله بلينه للمخالطين الداعي لتأليفهم واجتماعهم وعدم تفرقهم فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ووصف الله المؤمنين بانهم رحماء بينهم ووصف رسوله بانه رؤوف رحيم وقال لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة وقال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ومن اعظم البر السعي في جمع كلمة المسلمين واتفاقهم بكل طريق كما ان السعي في تفريق كلمة المسلمين من اعظم التعاون على الاثم والعدوان وقد قص الله علينا في كتابه سيرة الرسل الذين بعثهم لتبليغ رسالاته وذكر نصحهم لاممهم وحرصهم على اجتماعهم على الاسلام ونهيهم عن التفرق والاختلاف مما هو كثير في القرآن وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قد ابدى في هذا الاصل واعاد وامر باجتماع العباد ونهى عن التفرق المفضي الى الفساد فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه وفي صحيح مسلم عن تميم الداري انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ومن اعظم النصيحة للمسلمين السعي في تأليف قلوبهم واجتماعهم ونهيهم عن التفرق وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه للانصار منبها لهم بمنة الله عليهم بهدايتهم واجتماعهم وغناهم بسببه يا معشر الانصار الم اجدكم ضلالا فهداكم الله بي متفرقين فجمعكم الله بي عالة فاغناكم الله بي كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله امن وقال النبي صلى الله عليه وسلم محذرا لاصحابه عن تبليغه الكلام المغير للقلوب لا يبلغني احد عن احد شيئا فاني احب ان اخرج اليكم وانا سليم الصدر وقال لما شاوره بعض اصحابه في قتل بعض المنافقين لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه اي لما فيه من التنفير عن الاسلام لمن لم يسلم فتركهم وهم مستحقون للقتل تأليفا وكان صلى الله عليه وسلم يوصي من يبعثه للدعاية لدين الاسلام وتعليم الشرائع فيقول بشروا ولا تنفروا. ويسروا ولا تعسروا. وتطاوعوا ولا تختلفوا وقال ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم فاخبر ان الاختلاف الظاهر سبب لاختلاف الباطن وقال صلى الله عليه وسلم انما اهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على انبيائهم وكل هذه الاحاديث في الصحيح وتواتر عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن الخروج على ولاة الامور والسمع والطاعة لهم وان ظلموا وعصوا وما ذاك الا لما في الخروج عليهم من الشر العظيم وقد امر الله ورسوله باجتماع المسلمين في كثير من العبادات كالحج والاعياد والجمعة والجماعة لما في اجتماعهم من التوادد والتواصل وعدم التقاطع ونهى الله ورسوله عن الغيبة والنميمة والسعاية والتقاطع والخيانة والحسد والحقد ونحوها لما فيها من الفساد وتشتت العباد وامر بالاصلاح بين الناس بكل طريق. حتى انه اباح الكذب المتوصل به للاصلاح لما فيه من الصلاح وبالجملة فمن تأمل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملاته للخلق مسلمهم وكافريهم قريبهم وبعيدهم. من لين الجانب والسماحة التامة والخلق العظيم بالعفو عن اهل الجرائم وتأليف الخلق للدخول في دين الاسلام واعطاء المؤلفة قلوبهم ليسلموا ويقوى ايمانهم وتركه كل ما فيه تنفير. حتى انه صلى الله عليه وسلم يترك الافضل الاكمل ويفعل ما دونه مراعاة لقلوب الخلق وقد كان هم في بنيان الكعبة على قواعد ابراهيم فقال لعائشة لولا ان قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وجعلتها على قواعد ابراهيم فمن تأمل هذا عرف انه صلى الله عليه وسلم بعث بالحنيفية السمحة فاذا علمت ذلك عرفت ان من اهم قواعد الدين واجل شرائع المرسلين النصيحة لكافة الامة والسعي في جمع كلمة المسلمين وحصول التآلف بينهم وازالة ما بينهم من التباغض والتشاحن والاحن وان هذا الاصل من اعظم معروف يؤمر به واضاعته من اعظم منكر ينهى عنه وان هذا من فروض الاعيان اللازمة لكل الامة علمائها وولاتها وعوامها بل هي قاعدة لا يتم الايمان الا بها فتجيب مراعاتها علما وعملا. وانما كان الامر كذلك لما في ذلك من المصالح الدينية والدنيوية التي لا يمكن حصرها وفي اضاعته من المضار الدينية والدنيوية ما لا يمكن عدها فلذلك عقدت لهذا فصلين