بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واصلي واسلم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه واتباعه باحسان الى يوم الدين اما بعد فقد تقدم ان صيام شهر رمضان واجب بكتاب الله عز وجل وبسنة رسوله صلى الله عليه سلم وباجماع المسلمين ومما يدل على وجوبه قول الله عز وجل يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون في هذه الاية الكريمة صدر الله عز وجل الخطاب للمؤمنين. بوصف الايمان يا ايها الذين امنوا اي لايمانكم وهذا يدل على ان امتثال ما وجه اليهم من الخطاب من مقتضيات الايمان. وانه سبب في زيادة الايمان وان مخالفته نقص في الايمان وقوله يا ايها الذين امنوا اي صدقوا واذعنوا امنوا بما يجب الايمان به من الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. والايمان بالقدر خيره وشره. كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم كتب اي فرض واوجب الصيام كما كتب على الذين من قبلكم اي ككتابته على الذين من قبلكم وهذا التشبيه في قوله كما كتب على الذين من قبلكم تشبيه لاصل الفرظ باصل الفرظ. لا بصفته قد يكون صيام من قبلنا مخالفا لصيامنا من حيث المدة ومن حيث الصفة كما ختم على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. وفي قوله عز وجل كما كتب على الذين من قبلكم في هذا فائدتان الفائدة الاولى تسلية هذه الامة. وان الله عز وجل لم يكتب عليها الصيام من بين سائر الامم بل قد كتبه على الامم قبلنا. والفائدة الثانية ان تستكمل هذه الامة الفضائل التي الله تعالى بها الامم السابقة. ثم بين سبحانه وتعالى الحكمة من فرضية الصيام فقال لعلكم تتقون. اي لاجل ان تتقوا فهذا هو الغاية من فرضية الصيام وهي تحقيق التقوى لله تعالى. لان الصائم مأمور بان يفعل الواجبات العامة والخاصة. وان يدع المحرمات العامة والخاصة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه اي ان الله عز وجل لم يرد من عباده ان يدعوا الطعام والشراب وانما اراد اراد منهم تحقيق ما هو ذلك وهو تقوى الله تعالى. وتقوى الله تعالى هي ان يتخذ العبد وقاية من عذابه. بفعل اوامره بنواهيه فلا يفقدك حيث امرك. ولا يجدك حيث نهاك. وقيل في التقوى هي ان تعمل بطاعة الله على نور من الله تخشى عقاب الله ان تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وان تترك كما نهى الله على نور من الله تخشى عقاب الله. ثم قال عز وجل اياما معدودات. اي صوموا اياما معدودات. فمن منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر فمن كان منكم الخطاب هنا لجميع الامة مريضا والمرض هو خروج البدن عن حد الاعتدال الانسان اذا كان مريضا يشق عليه الصيام او يتضرر بالصيام فان فان له الفطر بل يجب عليه ان يفطر اذا كان يتضرر بذلك. وذلك ان المرظ من حيث الصوم على اقسام ثلاثة. القسم الاول قل ان يكون المرض يسيرا كوجع الضرس والصداع اليسير فهذا لا يبيح الفطر. والقسم الثاني ان هنا المرض مما يشق على الانسان ولكن لا يضره لو صام. فالصوم في حقه مكروه. لان في صومه عدولا عن رخصة الله عز وجل. والقسم الثالث ان يتضرر المريض بالصوم. بحيث انه لو صام لزاد او تأخر برؤه ونحو ذلك. فالصوم في حقه محرم. لانه يلقي بنفسه الى التهلكات وقد قال الله تعالى ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما. وقال عز وجل ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة ثم قال فمن كان منكم مريضا او على سفر. والسفر هو مفارقة محل الاقامة على وجه يسمى سفرا. فمتى فارق محل اقامته على وجه يسمى سفرا ولم يقصد بذلك التحيل بسفره على الفطر فله ان يفطر. والصيام بالنسبة للمسافر لا يخلو من ثلاث حالات الحال الاولى ان يشق عليه الصوم مشقة عظيمة لا تحتمل. فالصيام في حقه في هذه الحال محرم لانه معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. ففي حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ان بعض الناس قد شق عليهم الصيام انهم ينظرون فيما فيما تفعل فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون لما قيل له عليه الصلاة والسلام ان بعض الناس قد صام يعني مع هذه المشقة قال اولئك العصاة اولئك العصاة. وثبت في الحديث الصحيح ايضا ان النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه. قال ما هذا؟ قالوا صائم فقال عليه الصلاة والسلام ليس من البر الصيام في السفر الحال الثانية من احوال المسافر ان يشق عليه الصوم مشقة يسيرة محتملة. فالصيام في حقه لان في صومه عدولا الرخصة الله تعالى. والله عز وجل يحب ان تؤتى رخصه كما يكره ان تؤتى معصية والحال الثالث ان يستوي عنده الامران الفطر والصوم. بحيث يكون فطره وصومه على حد سواء فقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه الحال فالمشهور من مذهب الامام احمد رحمه الله ان الفطر افضل اخذا بالرخصة. وقيل ان الصوم افضل في هذه الحال. وهذا القول هو الراجح ان المسافر اذا لم يكن عليه مشقة في الصوم بحيث كان صومه وفطره على حد سواء فان الصوم في حقه افضل بوجوه او اولا ان ذلك هو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. ففي حديث ابي الدرداء رضي الله عنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر حتى ان كان احدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم الا رسول صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة. ومعلوم ان النبي عليه الصلاة والسلام لا يفعل الا ما هو اكمل وافضل. والوجه الثاني انه يدرك الزمن الفاضل. لان الصوم في رمضان ليس كالصوم في غيره. وثالثا ان انشط للمكلف ضاربا. لان كون الانسان يصوم مع الناس انشط له. ورابعا انه اسرع في لانه اذا افطر فربما تتراكم عليه الايام فيتكاسل عن قضائها ثم يشق عليه قضاؤها. فاذا لم يكن على المسافر مشقة في الصوم فان الصوم في حقه افضل. ولكن لو انه افضل حتى مع عدم المشقة فلا حرج عليه ولا ينكر عليه. لان الفطر رخصة من الله عز وجل. ولهذا قال افمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر يعني فالواجب عدة من ايام اخر. وهذه الايام الاخر سواء صامها متتابعة ام متفرقة بعد رمضان ام بعد اشهر؟ لان رمضان يكون موسعا. ولهذا ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها انها قالت كان يكون علي الصوم من رمضان فما استطيع ان اقضيه الا في شعبان. ثم قال عز وجل يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر لان ما شرعه الله عز وجل لعباده يريد بذلك التيسير عليهم لا المشقة والتعسير لان في الشريعة بحمد الله شريعة ميسرة من اصلها. وعند حدوث عارض او طارق. قال النبي صلى الله عليه وسلم ان هذا الدين يسر. وقال يسروا ولا تعسروا. وبشروا ولا تنفروا. وقال لن يشاد الدين احد الا غلبة وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله واصحابه واتباعه باحسان الى يوم