ثم قال تعالى ان الله لذو فضل على الناس ولكن اكثر يقص تعالى علينا قصة الذين خرجوا من ديارهم على كثرتهم واتفاق مقاصدهم بان الذي اخرجهم منها حذر الموت من وباء او غيره يقصدون بهذا الخروج السلامة من الموت. ولكن لا يغني حذر عن قدر. فقال لهم الله فماتوا ثم ان الله تعالى احياهم اما بدعوة نبي او بغير ذلك. رحمة بهم ولطفا وحلما وبيانا لاياته لخلقه احياء الموتى ولهذا قال ان الله لذو فضل اي عظيم. على الناس ولكن اكثرهم لا يشكرون. فلا تزيدهم النعمة شكرا ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه. وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة ويقر بها ويصرفها في طاعة المنعم. وقاتلوا في في سبيل الله واعلموا ان الله سميع عليم. من ذا الذي يقرض الله قرضا ثم امر تعالى بالقتال في سبيله وهو قتال الاعداء الكفار لاعلاء كلمة الله ونصره دينه فقال وقاتلوا في سبيل الله واعلموا ان الله سميع عليم. اي فاحسنوا نياتكم واقصدوا بذلك وجه الله. واعلموا انه لا يفيدكم القعود عن القتال شيئا. ولو ظننتم ان في القعود حياتكم وبقاءكم فليس الامر كذلك. ولهذا ذكر القصة السابقة توطئة لهذا الامر فكما لم ينفع الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت خروجهم. بل اتاهم ما حذروا من غير ان يحتسبوا. فاعلموا انكم كذلك. ولما كان القتال في سبيل سبيل الله لا يتم الا بالنفقة وبذل الاموال في ذلك. امر تعالى بالانفاق في سبيله ورغب فيه. وسماه قرضا فقال من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فينفق ما تيسر من امواله في طرق الخيرات. خصوصا في الجهاد والحسن هو الحلال المقصود به وجه الله تعالى. فيضاعف له اضعاف كثيرة. الحسنة بعشرة امثالها الى سبعمائة ضعف. الى اضعاف كثيرة. بحسب حالة المنفق ونيته ونفع نفقته والحاجة اليها. ولما كان الانسان ربما توهم انه اذا انفق افتقر دفعت على هذا الوهم بقوله. والله يقبض ويبسط. ان يوسع الرزق على من يشاء ويقبضه عمن يشاء. فالتصرف كله بيديه ومدار الامور راجع اليه. فالامساك لا يبسط الرزق والانفاق لا يقبضه مع ذلك فالانفاق غير ضائع على اهله. بل لهم يوم يجدون ما قدموه كاملا موفرا مضاعفا. فلهذا قال واليه ترجعون يجزيكم باعمالكم. ففي هذه الايات دليل على ان الاسباب لا تنفع مع القضاء والقدر. وخصوصا الاسباب التي تترك بها اوامر الله. وفيها الاية العظيمة باحياء الموتى اعيانا في هذه الدار. وفيها الامر بالقتال والنفقة في سبيل الله. وذكر الاسباب الداعية لذلك عليه من تسميته قرضا ومضاعفته. وان الله يقبض ويبسط. واليه ترجعون قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا تقاتلوا قالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل من ديارنا وابنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم والله عليم بالظالمين. وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم قالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤتى سعة من المال آآ والله واسع عليم. يقص تعالى على نبيه قصة الملأ من بني اسرائيل وهم الاشراف والرؤساء وخص الملأ بالذكر. لانهم في العادة هم الذين يبحثون عن مصالحهم. ليتفقوا فيتبعهم غيرهم على كما يرونه وذلك انهم اتوا الى نبي لهم بعد موسى عليه السلام. فقالوا له ابعث لنا ملكا اي عين لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ليجتمع متفرقنا ويقاوم بنا عدونا ولعلهم في ذلك الوقت ليس لهم رئيس يجمعهم كما جرت عادة القبائل اصحاب البيوت كل بيت لا يرضى ان يكون من البيت الاخر رئيس. فالتمسوا من نبيهم تعيين ملك يرضي الطرفين. ويكون تعيينه خاصا لعوائدهم. وكانت انبياء بني اسرائيل تسوسهم كلما مات نبي خلفه نبي اخر. فلما قالوا لنبيهم تلك المقالة قال لهم نبيهم هل عسيتم ان كتب عليكم قتال الا تقاتلوا. اي لعلكم تطلبون شيئا. وهو اذا كتب عليكم لا تقومون به. فعرض عليهم العافية فلم يقبلوها. واعتمدوا على عزمهم ونيتهم فقالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا. اي شيء يمنعنا من القتال وقد الجئنا اليه بان اخرجنا من اوطاننا وسبي الذرارينا فهذا موجب لكوننا نقاتل ولو لم يكتب علينا فكيف مع انه فرض علينا وقد حصل ما حصل ولهذا لما لم تكن نياتهم حسنة. ولم يقل توكلهم على ربهم. فلما كتب عليهم القتال تولوا. فجبنوا عن قتال الاعداء يضعف عن المصادمة وزال ما كانوا عزموا عليه واستولى على اكثرهم الخبر والجبن. الا قليلا منهم فعصمهم الله وثبتهم وقوى قلوبهم فالتزموا امر الله ووطنوا انفسهم على مقارعة اعدائه. فحازوا شرف الدنيا والاخرة. واما اكثرهم فظلموا انفسهم وتركوا امر الله. فلهذا قال والله عليم بالظالمين. وقال لهم نبيهم مجيبا لطلبتهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا. فكان هذا تعيينا من الله الواجب عليهم فيه القبول والانقياد وترك الاعتراض. ولكن ابوا الا ان يعترضوا فقالوا انا يكون له الملك علينا ونحن احق منه ولم يؤتى سعة من المال. اي كيف يكون ملكا وهو دوننا في الشرف والنسب؟ ونحن احق بالملك منه. ومع هذا فهو فقير ليس عنده ما يقوم به الملك من الاموال. وهذا بناء منهم على ظن فاسد. وهو ان الملك ونحوه من الولايات مستلزم لشرف النسب وكثرة المال ولم يعلموا ان الصفات الحقيقية التي توجب التقديم مقدمة عليها. فلهذا قال لهم نبيهم ان الله اصطفاه عليكم فلزمكم الانقياد لذلك وزاده الله بسطة في العلم والجسم. اي فضله عليكم بالعلم والجسم. اي بقوة الرأي والجسم. الذين بهما تتم امور الملك لانه اذا تم رأيه وقوي على تنفيذ ما يقتضيه الرأي المصيب حصل بذلك الكمال وماتى فاته واحد من الامرين اختل عليه الامر فلو كان قوي البدن مع ضعف الرأي حصل في الملك خرق وقهر ومخالفة للمشروع. قوة على غير حكمة. ولو كان عالما بالامور وليس له قوة على تنفيذها. لم يفده الرأي الذي لا ينفذه شيئا. والله واسع الفضل. كثير الكرم لا يخص برحمته وبره العام احد احدا عن احد ولا شريفا عن وضيع. ولكنه مع ذلك عليم بمن يستحق الفضل فيضعه فيه. فازال بهذا الكلام ما في قلوبهم من كل ريب وشكل وشبهة لتبيينه ان اسباب الملك متوفرة فيه. وان فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده. ليس له راد ولا لاحسانه صاد وقال لهم نبيهم ان اية ملكه ان التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية ثم ذكر لهم نبيهم ايضا اية حسية يشاهدونها وهي اتيان التابوت الذي قد فقدوه زمانا طويلا. وفي ذلك التابوت سكينة تسكن بها قلوبهم وتطمئن لها خواطرهم. وفيه مما ترك ال موسى وال هارون. فاتت به الملائكة حاملة له وهم يرونه عيانا فشربوا منه الا قليلا منهم ما جاوزه هو والذين امنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. قال الذي والله مع الصابرين ولما برزوا رجال وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين اي لما تملك طالوت بني اسرائيل واستقر له الملك. تجهزوا لقتال عدوهم. فلما فصلت الوت بجنود بني اسرائيل. وكان عددا كثيرا وجما غفيرا. امتحنهم بامر الله ليتبين الثابت المطمئن. ممن ليس كذلك. فقال ان الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني فهو عاص ولا يتبعنا لعدم صبره وثباته ولمعصيته. ومن لم يطعم اي لم يشرب منه فانه مني الا من اقترف غرفة بيده فلا جناح عليه في ذلك. ولعل الله ان يجعل فيه بركة فتكفيه. وفي هذا الابتلاء ما يدل على ان الماء قد قل عليهم ليتحقق الامتحان. فعصى اكثرهم وشربوا من النهر الشرب المنهي عنه. ورجعوا على اعقابهم ونكسوا عن قتال عدوهم. وكان في بعدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة. اكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول. وتحصل فيه المشقة الكبيرة. وكان في رجوعهم عن باقي العسكر ما يزداد به الثابتون توكلا على الله وتضرعا واستكانة وتبرءا من حولهم وقوتهم وزيادة صبر لقلتهم وكثرة فلهذا قال تعالى فلما جاوزه اي النهر هو اي طالوت والذين امنوا معه وهم الذين اطاعوا امر الله ولم من النهر الشرب المنهي عنه. فرأوا قلتهم وكثرة اعدائهم. قالوا اي قال كثير منهم لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده وعددهم وعددهم قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله اي يستيقنون ذلك وهم اهل الايمان الثابت واليقين الراسخ مثبتين لباقيهم مطمئنين لخواطرهم وامرين لهم بالصبر. كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله. اي بارادته ومشيئته الامر لله تعالى والعزيز من اعزه الله والذليل من اذله الله. فلا تغني الكثرة مع خذلانه ولا تضر القلة مع نصره. والله مع الصابرين بالنصر والمعونة والتوفيق. فاعظم جالب لمعونة الله صبر العبد لله. فوقعت موعظته في قلوبهم واثرت معهم. ولهذا فلما برزوا رجالك وجنودك قالوا جميعهم ربنا افرغ علينا صبرا اي قوي قلوبنا واوزعنا الصبر وثبت اقدامنا عن التزلزل والفرار وانصرنا على القوم الكافرين. منها هنا نعلم ان جالوت وجنوده كانوا كفارا. فاستجاب الله لهم ذلك الدعاء لاتيانهم بالاسباب الموجبة لذلك ونصرهم عليهم حكمة وعلمه مما يشاء. ولولا دفع الله الناس بعضهن ببعض فهزموهم باذن الله وقتل داوود عليه السلام وكان مع جنود طالوت جالوت اي باشر قتلى ملك الكفار بيده بشجاعته وقوته وصبره. واتاه الله اي اتى الله داود الملك والحكمة اي من عليه بتملكه على بني اسرائيل مع الحكمة. وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم. ولهذا قال علمه مما يشاء من العلوم الشرعية والعلوم السياسية. فجمع الله له الملك والنبوة وقد كان من قبله من الانبياء. يكون الملك لغيرهم فلما نصرهم الله تعالى اطمأنوا في ديارهم وعبدوا الله امنين مطمئنين. لخذلان اعدائهم وتمكينهم من الارض. وهذا كله من اثار الجهاد في سبيله فلو لم يكن لم يحصل ذلك فلهذا قال تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض اي لولا انه يدفع من يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الارض باستيلاء الكفار عليها واقامتهم شعائر الكفر ومنعهم من عبادة الله تعالى واظهار دينه. ولكن الله ذو فضل على العالمين. حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم. والمدافعة عنهم ومكنهم من الارض لاسباب يعلمونها واسباب لا يعلمونها. ثم قال تعالى تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق انك لمن المرسلين. تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق. اي بالصدق الذي لا ريب فيه. المتضمن للاعتبار والاستبصار وبيان حقائق الامور. وانك لمن المرسلين. فهذه شهادة من الله لرسوله برسالته. التي من جملة ادلتها ما قصه الله علينا من اخبار الامم السابقين والانبياء واتباعهم واعدائهم. التي لولا خبر الله اياه لما كان عنده علم بذلك. بل لم يكن في قومه من عنده شيء من هذه الامور فدل انه رسول الله حقا ونبيه صدقا الذي بعثه بالحق ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره مشركون وفي هذه القصة من الايات والعبر ما يتذكر به اولو الالباب. فمنها ان اجتماع اهل الكلمة والحل والعقد وبحثهم في الطريق الذي تستقيم به امورهم وفهمه. ثم العمل به اكبر سبب لارتقائهم وحصول مقصودهم. كما وقع لهؤلاء الملأ حين راجعوا نبيهم في تعيين ملك تجتمع به كلمتهم ويلم متفرقهم. وتحصل له الطاعة منهم. ومنها ان الحق كلما عرض واوردت عليه الشبه وضوحا وتميز وحصل به اليقين التام كما جرى لهؤلاء لما اعترضوا على استحقاق طالوت للملك اجيبوا باجوبة حصل بها الاقناع زوال الشبه والريب. ومنها ان العلم والرأي مع القوة المنفذة بهما كمال الولايات. وبفقدهما او فقد احدهما نقصانها وضررها ومنها ان الاتكال على النفس سبب للفشل والخذلان. والاستعانة بالله والصبر والالتجاء اليه سبب النصر. فالاول كما في قولهم لنبيه وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا. فكأنه نتيجة ذلك انه لما كتب عليهم القتال تولوا والثاني في قوله ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبرا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم باذن الله ومنها ان من حكمة الله تعالى تمييز الخبيث من الطيب. والصادق من الكاذب والصابر من الجبان. وانه لم يكن ليذر العباد على ما ما هم عليه من الاختلاط وعدم التمييز. ومنها ان من رحمته وسنته الجارية ان يدفع ضرر الكفار والمنافقين بالمؤمنين المقاتلين. وانه لولا ذلك لفسدت الارض باستيلاء الكفر وشعائره عليها