المتر الى الذي ابراهيم في ربه ان اتاه الله الملك. اذ قال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال انا احيي واميت. قال ابراهيم فان الله الشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر. والله لا يهدي القوم الظالمين يقول تعالى الم تر الى الذي حاجة ابراهيم في ربه اي الى جرائته وتجاهله وعناده ومحاجته فيما لا يقبل التشكيك وما حمله على ذلك الا ان اتاه الله الملك. فطغى وبغى ورأى نفسه مترأسا على رعيته. فحمله ذلك على ان حاج ابراهيم في ربوبية الله. فزعم انه يفعل كما يفعل الله. فقال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت. اي هو المنفرد بانواع التصرف ورخص منه الاحياء والاماتة لكونهما اعظم انواع التدبير. ولان الاحياء مبدأ الحياة الدنيا والاماتة مبدأ ما يكون في الاخرة فقال ذلك المحاج انا احيي واميت ولم يقل انا الذي احيي واميت لانه لم يدعي الاستقلال بالتصرف وانما كما انه يفعل كفعل الله ويصنع صنعه. فزعم ما انه يقتل شخصا فيكون قد اماته. ويستبقي شخصا فيكون قد احياه. فلما رآه ابراهيم في مجادلته. ويتكلم بشيء لا يصلح ان يكون شبهة. فضلا عن كونه حجة. اضطرد معه في الدليل. فقال ابراهيم فان ان الله يأتي بالشمس من المشرق اي عيانا يقر به كل احد حتى ذلك الكافر. فات بها من المغرب وهذا الزام له بطرد بدليله ان كان صادقا في دعواه. فلما قال له امرا لا قوة له في شبهة تشوش دليله. ولا قادحا يقدح في سبيله. بهت الذي كفر اي تحير فلم يرجع اليه جوابا وانقطعت حجته وسقطت شبهته. وهذه حالة المبطل المعاند. الذي يريد ان من حقه ان يغالبه فانه مغلوب مقهور. فلهذا قال تعالى والله لا يهدي القوم الظالمين. بل يبقيهم على كفرهم وضلالهم وهم الذين اختاروا لانفسهم ذلك. والا فلو كان قصدهم الحق والهداية لهداهم اليه ويسر لهم اسباب الوصول اليه. فبهذه الاية برهان قاطع على التفرد الرب بالخلق والتدبير. ويلزم من ذلك ان يفرد بالعبادة والانابة والتوكل عليه في جميع الاحوال. قال ابن القيم رحمه الله وفي هذه المناظرة نكتة لطيفة جدا. وهي ان شرك العالم انما هو مستند الى عبادة الكواكب والقبور. ثم طورت الاصنام على صورها فتضمنت دليلان اللذان استدل بهما ابراهيم ابطال الهية تلك جملة بان الله وحده هو الذي يحب ويميت ولا يصلح الحي الذي يموت للالهية لا في حال حياته ولا بعد موته. فان له ربا قادرا قاهرا متصرفا فيه احياء واماته ومن كان كذلك فكيف يكون الها حتى يتخذ الصنم على صورته ويعبد من دونه. وكذلك الكواكب اظهرها اكبرها للحس هذه الشمس وهي مربوبة مدبرة مسخرة لا تصرف لها بنفسها بوجه ما بل ربها وخالقها سبحانه يأتي بها من فتنقاد لامره ومشيئته. فهي مربوبة مسخرة مدبرة. لا اله يعبد من دون الله. ثم قال تعالى الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال انا يحيي هذه الله بعد موته فاماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبث قال لبثت يوما او وانظر الى العظام كيف فلما تبين له قال اعلم ان الله على كل شيء وهذا ايضا دليل اخر على توحيد الله بالخلق والتدبير والاماتة والاحياء. فقال او كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها اي قد باد اهلها وفني سكانها وسقطت حيطانها على عروشها فلم يبق بها انيس بل بقيت موحشة من اهلها فوقف عليها ذلك الرجل متعجبا. وقال انى يحيي هذه الله بعد موتها؟ استبعادا لذلك وجهلا بقدرة الله تعالى ما اراد الله به خيرا اراه اية في نفسه وفي حماره وكان معه طعام وشراب فاماته الله مئة عام ثم بعثه. قال كم لبث قال لبثت يوما او بعض يوم استقصارا لتلك المدة التي مات فيها. لكونه قد زالت معرفته وحواسه. وكان عهد حاله قبل موته فقيل له بل لبثت مئة عام فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنه اي لم يتغير بل بقي على حاله على تطاول السنين واختلاف عليه ففيه اكبر دليل على قدرته. حيث ابقاه وحفظه عن التغير والفساد. مع ان الطعام والشراب من اسرع الاشياء فسادا. وانظر الى وكان قد مات وتمزق لحمه وجلده. وانتثرت عظامه وتفرقت اوصاله. ولنجعلك اية للناس على قدرة الله وبعث الاموات من لتكون انموذجا محسوسا مشاهدا بالابصار. فيعلم بذلك صحة ما اخبرت به الرسل. وانظر الى العظام كيف ننجزها؟ اي ندخل بعضها في بعض ونركب بعضها ببعض. ثم نكسوها لحما فنظر اليها عيانا كما وصفها الله تعالى. فلما تبين له ذلك وعلم قدرة الله تعالى قال اعلم ان الله على كل شيء قدير. والظاهر من سياق الاية ان هذا رجل منكر للبعث. اراد الله به خيرا وان يجعله اية ودليلا للناس لثلاثة اوجه احدها قوله ان يحيي هذه الله بعد موتها ولو كان نبيا او عبدا صالحا لم يقل ذلك. والثاني ان الله اراه اية في طعامه وشرابه وحماره ونفسه. ليراه بعينه فيقر بما انكره. ولم يذكر في ان القرية المذكورة عمرت وعادت الى حالتها. ولا في السياق ما يدل على ذلك. ولا في ذلك كثير فائدة. ما الفائدة الدالة على احياء الله للموت في قرية خربت ثم رجع اليها اهلها او غيرهم فعمروها. وانما الدليل الحقيقي في احياءه واحياء حماره وابقاء عامه وشرابه بحاله. والثالث في قوله فلما تبين له اي تبين له امر كان يجهله ويخفى عليه. فعلم بذلك صحة ما ذكرناه والله اعلم ثم قال تعالى واذ قال ابراهيم رب ارني كيف تحيي الموتى قال او لم تؤمن قال فخذ اربعة من الطير فصرهن ان اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن ثم دعهن ان يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم. وهذا فيه ايضا اعظم دلالة حسية على قدرة الله واحياءه الموتى للبعث والجزاء. فاخبر تعالى عن خليله ابراهيم انه سأله ان يريه ببصره كيف يحيي الموتى لانه قد تيقن ذلك بخبر الله تعالى. ولكنه احب ان يشاهده عيانا. ليحصل له مرتبة عين اليقين. فلهذا قال الله له ولم تؤمن. قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. وذلك انه بتوارد الادلة اليقينية. مما يزداد به الايمان. ويكمل به الايقان ويسعى في نيله اولو العرفان. فقال له ربه فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك. اي ضمهن ليكون ذلك بمرئى منك ومشاهدة وعلى يديك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا. اي مزقهن اخلط اجزائهن بعضها ببعض. واجعل على كل جبل اي من الجبال التي في القرب جزءا من تلك الاجزاء ثم ادعهن يأتينك سعيا. اي تحصل لهن حياة كاملة. ويأتينك بهذه القوة وسرعة الطيران. ففعل عليه السلام ذلك وحصل له ما اراد. وهذا من ملكوت السماوات والارض. الذي اراه الله اياه في قوله. وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين. ثم قال واعلم ان الله عزيز حكيم. اي ذو قوة عظيمة سخر بها المخلوقات. فلم يستعصي عليه منها بل هي منقادة لعزته خاضعة لجلاله. ومع ذلك فافعاله تعالى تابعة لحكمته. لا يفعل شيئا عبثا