ثم قال تعالى مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم. هذا بيان للمضاعفة التي ذكرها الله في قوله. من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له واضعاف كثيرة. وهنا قال مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله اي في طاعته ومرضاته. واولاها انفاقها في الجهاد في سبيل كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة. وهذا احضار لصورة المضاعفة بهذا المثل. الذي كان العبد يشاهده ببصر فيشاهد هذه المضاعفة ببصيرته. فيقوى شاهد الايمان مع شاهد العيان. فتنقاد النفس مذعنة للانفاق. سامحة بها مؤملة لهذه مضاعفة الجزيلة والمنة الجليلة. والله يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء. اي بحسب حال المنفق واخلاصه وصدقه. وبحسب حال النفقة وحلها ونفعها ووقوعها موقعها. ويحتمل ان يكون والله يضاعف اكثر من هذه المضاعفة لمن يشاء. فيعطيهم اجر والله واسع الفضل. واسع العطاء. لا ينقصه نائل ولا يحفيه سائل. فلا يتوهم المنفق ان تلك المضاعفة فيها نوع مبالغة لان الله تعالى لا يتعاظمه شيء. ولا ينقصه العطاء على كثرته. ومع هذا فهو عليم بمن يستحق هذه المضاعفة. ومن لا ايستحقها فيضع المضاعفة في موضعها لكمال علمه وحكمته لله الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا ما انه ولا اذى لهم اجرهم. لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون اي الذين ينفقون اموالهم في طاعة الله وسبيله. ولا يتبعونها بما ينقصها ويفسدها من المن بها على المنفق عليه بالقلب او باللسان بان يعدد عليه احسانه. ويطلب منه مقابلته. ولا اذية له قولية او فعلية. فهؤلاء لهم اجرهم اللائق بهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فحصل لهم الخير واندفع عنهم الشر. لانهم عملوا عملا خالصا لله سالما من المفسدات قول معروف اي تعرفه القلوب ولا تنكره ويدخل في ذلك كل قول كريم. فيه ادخال السرور على قلب المسلم. ويدخل فيه رد السائل بالقول الجميل والدعاء عائلة ومغفرة لمن اساء اليك بترك مؤاخذته والعفو عنه. ويدخل في العفو عما يصدر من السائل مما لا ينبغي. فالقول المعروف لستر اشجارها ما فيها. وهذه الجنة بربوة اي محل مرتفع ضاح للشمس في اول النهار. ووسطه واخره. فثماره اكثر الثمار واحسنها ليست بمحل نازل عن الرياح والشمس فاصابها اي تلك الجنة التي بربوة وابل وهو المطر الغزير خير من الصدقة التي يتبعها اذى. لان القول المعروف احسان قولي والمغفرة احسان ايضا لترك المؤاخذة. وكلاهما احسان ما فيه افسد فهما افضل من الاحسان بالصدقة. التي يتبعها اذى بمن او غيره. ومفهوم الاية ان الصدقة التي لا يتبعها اذى. افضل من القول بالمعروف والمغفرة وانما كان المن بالصدقة مفسدا لها محرما. لان المنة لله تعالى وحده والاحسان كله لله. فالعبد لا يمنع الله واحسانه وفضله. وهو ليس منه. وايضا فان المال مستعبد لمن يمن عليه. والذل والاستعباد لا ينبغي الا لله. والله غني بذاته عن جميع مخلوقاته. وكلها مفتقرة اليه بالذات في جميع الحالات والاوقات. فصدقتكم وانفاقكم وطاعاتكم يعود مصلحتها الى اليكم ونفعها اليكم. والله غني عنها. ومع هذا فهو حليم على من عصى. لا يعاجله بعقوبة مع قدرته عليه. ولكن واحسانه وحلمه يمنعه من معاجلته للعاصين. بل يمهلهم ويصرف لهم الايات لعلهم يرجعون اليه وينيبون اليه. فاذا علم على انه لا خير فيهم. ولا تغني عنهم الايات. ولا تفيد بهم المثلات. انزل بهم عقابه وحرمهم جزيل ثوابه الذين امنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذي ينفق ما له رئاس ولا يؤمن بالله واليوم الاخر. فمثله كمثل صفوان عليه تراب فاصابه وابد فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا. والله لا يهدي القوم الكافرين ينهى عباده تعالى لطفا بهم ورحمة عن ابطال صدقاتهم بالمن والاذى. ففيه ان المن والاذى يبطل الصدقة. ويستدل بهذا على ان الاعمال السيئة تبطل الاعمال الحسنة. كما قال تعالى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض. ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون. فكما ان يذهبن السيئات. فالسيئات تبطل ما قابلها من الحسنات. وفي هذه الاية مع قوله تعالى ولا تبطلوا اعمالكم. حث على من الاعمال وحفظها من كل ما يفسدها. لان لا يضيع العمل سدى. وقوله كالذي ينفق ما له رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الاخر اي انتم وان قصدتم بذلك وجه الله في ابتداء الامر. فان المنة والاذى مبطلان لاعمالكم. فتصير اعمالكم بمنزلة الذي يعمل لامراءات الناس ولا يريد به الله والدار الاخرة. فهذا لا شك ان عمله من اصله مردود. لان شرط العمل ان يكون لله وحده. وهذا في الحقيقة عمل للناس لا فاعماله باطلة وسعيه غير مشكور. فمثله المطابق لحاله كمثل صفوان وهو الحجر الاملس الشديد. عليه تراب فاصابه اي مطر غزير فتركه صلدا اي ليس عليه شيء من التراب. فكذلك حال هذا المرائي قلبه غليظ قاس بمنزلة الصفوان وصدقته ونحوها من اعماله بمنزلة التراب الذي على الصفوان. اذا رآه الجاهل بحاله ظن انه ارض ذكية قابلة للنبات اذا انكشفت حقيقة حاله زال ذلك التراب وتبين ان عمله بمنزلة السراب وان قلبه غير صالح لنبات الزرع وزكائه عليه بل الرياء الذي فيه والايرادات الخبيثة تمنع من انتفاعه بشيء من عمله. فلهذا لا يقدرون على شيء من اعمالهم التي اكتسبوها. لانهم وضعوها في غير موضعها وجعلوها لمخلوق مثلهم. ولا يملك لهم ضررا ولا نفعا. وانصرفوا عن عبادة من تنفعهم عبادته. فصرف الله قلوبهم عن الهداية. فلهذا قال والله لا يهدي القوم الكافرين ومثل الذين ينفقون اموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من انفسهم كمثل جنة كمثل جنة بربوة اصابها وابل فاتت اكلها هذا مثل المنفقين اموالهم على وجه تزكو عليه نفقاتهم. وتقبل به صدقاتهم. فقال الله تعالى ومثل الذين ينفقون اموالهم وابتغاء مرضات الله. اي قصدهم بذلك رضا ربهم والفوز بقربه. وتثبيتا من انفسهم. اي صدر الانفاق على وجه منشرحة له النفس سخية به لا على وجه التردد وضعف النفس في اخراجها. وذلك ان النفقة يعرض لها افتان. اما ان يقصد الانسان بها محمدة الناس ومدحهم وهو الرياء او يخرجها على خور وضعف عزيمة وتردد. فهؤلاء سلموا من هاتين الافتين فانفقوا ابتغاء مرضات الله لا ذلك من المقاصد وتثبيتا من انفسهم فمثل نفقة هؤلاء كمثل جنة اي كثيرة الاشجار غزيرة الظلال من الاجتنان وهو الستر اتت اكلها ضعفين. اي تضاعفت ثمراتها لطيب ارضها ووجود الاسباب الموجبة لذلك. وحصول الماء الكثير الذي ينميها ويكملها. فان لم يصبها وابل فطل. اي مطر قليل يكفيها لطيب منبتها. فهذه حالة المنفقين. اهل النفقات الكثيرة والقليلة. كل على حسب بحاله وكل ينم له ما انفق اتم تنمية واكملها. والمنمي لها هو الذي ارحم بك من نفسك. الذي يريد مصلحتك حيث لا تريدها. فيا لله لو قدر وجود بستان في هذه الدار بهذه الصفة لاسرعت اليه الهمم. وتزاحم عليه كل احد. ولحصل الاقتتال عنده مع انقضاء هذه الدار وفنائها وكثرة افاتها وشدة نصبها وعنائها. وهذا الثواب الذي ذكره الله كأن المؤمن ينظر اليه بصيرة الايمان دائم مستمر. فيه انواع المسرات والفرحات. ومع هذا تجد النفوس عنه راقدة والعزائم عن طلبه خامدا اترى ذلك زهدا في الاخرة ونعيمها؟ ام ضعف ايمان بوعد الله ورجاء ثوابه؟ والا فلو تيقن العبد ذلك حق اليقين وباشر الايمان به بشاشة قلبه لانبعثت من قلبه مزعجات الشوق اليه وتوجهت همم عزائمه اليه وطوعت نفسه له بكثرة النفقات رجاء ولهذا قال تعالى والله بما تعملون بصير. فيعمل عمل كل عامل ومصدر ذلك العمل. فيجازيه عليه اتم الجزاء ثم قال تعالى ايود احدكم ان تكون له جنة من نخيل واعناب تجري واصابه الكبر وله اعصار فيه نار. فاصابها اعصار فيه نار وهذا المثل لمن عمل عملا لوجه الله تعالى من صدقة او غيرها ثم عمل اعمالا تفسده. فمثله كمثل صاحب هذا البستان الذي فيه من كل الثمرات وخص منها النخل والعنب لفضلهما وكثرة منافعهما. لكونهما غذاء وقوتا وفاكهة وحلوى. وتلك الجنة فيها الانهار الجارية التي تسقيها من غير مؤنة. وكان صاحبها قد اغتبط بها وسرته. ثم انه اصابه الكبر. فضعف عن العمل وزاد حرصه. وكان له ذرية ضعفاء ما فيهم معاونة له. بل هم كل عليه ونفقته ونفقتهم من تلك الجنة. فبينما هو كذلك اذ اصاب تلك الجنة اعصار وهو الريح القوية التي تستدير. ثم ترتفع في الجو وفي ذلك الاعصار نار. فاحترقت تلك الجنة. فلا تسأل عما لقي ذلك الذي اصابه الكبر من الهم والغم والحزن. فلو قدر ان الحزن يقتل صاحبه لقتله الحزن. كذلك من عمل عملا لوجه الله فان اعماله بمنزلة البذر للزروع ثمار ولا يزال كذلك حتى يحصل له من عمله جنة موصوفة بغاية الحسن والبهاء. وتلك المفسدات التي تفسد الاعمال بمنزلة الاعصار الذي فيه نار والعبد احوج ما يكون لعمله اذا مات. وكان بحالة لا يقدر معها على العمل. فيجد عمله الذي يؤمل نفعه هباء منثورا ووجد الله عنده فوفاه حسابه. والله سريع الحساب. فلو علم الانسان وتصور هذه الحال وكان له ادنى مسكة من عقل. لم يقدم على ما فيه مضرته ونهاية حسرته ولكن ضعف الايمان والعقل وقلة البصيرة يصير صاحبه الى هذه الحالة التي لو صدرت من مجنون لا اعقل لكان ذلك عظيما. وخطره جسيما. فلهذا امر تعالى بالتفكر وحث عليه فقال كذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون