خير للمتصدق ويتضمن ذلك حصول الثواب. قال ويكفر عنكم من سيئاتكم. ففيه دفع العقاب. والله بما تعملون من خير وشر قليل وكثير. والمقصود من ذلك المجازاة وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون الا ابتغاء يا ايها الذين امنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما اخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم باخذيه الا ان تغمض واعلموا ان الله غني حميد. الشيطان يعدكم الفقر ويأمن والله يعدكم مغفرة منه وفضل والله واسع عليم. يأمر تعالى عباده المؤمنين بالنفقة من طيبات ما يسر لهم من المكاسب. ومما اخرج لهم من الارض فكما من عليكم بتسهيل تحصيله. فانفقوا منه شكرا لله واداء لبعض حقوق اخوانكم عليكم. وتطهيرا لاموالكم اقصد في تلك النفقة الطيب الذي تحبونه لانفسكم. ولا تيمم الرديء الذي لا ترغبونه ولا تأخذونه الا على وجه الاغماض والمسامحة واعلموا ان الله غني حميد. فهو غني عنكم. ونفع صدقاتكم واعمالكم عائد اليكم. ومع هذا فهو حميد على ما يأمركم به من اوامر الحميدة والخصال السديدة. فعليكم ان تمتثلوا اوامره. لانها قوت القلوب وحياة النفوس ونعيم الارواح. واياكم ان تتبعوا عدو الشيطان الذي يأمركم بالامساك ويخوفكم بالفقر والحاجة اذا انفقتم. وليس هذا نصحا لكم. بل هذا غاية الغش. انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. بل اطيعوا ربكم الذي يأمركم بالنفقة على وجه يسهل عليكم ولا يضركم. ومع هذا فهو يعدكم مغفرة لذنوبكم وتطهيرا لعيوبكم. وفضلا واحسانا اليكم في الدنيا والاخرة. من الخلف العاجل وانشراح الصدر ونعيم القلب والروح قبر وحصول ثوابها وتوفيتها يوم القيامة. وليس هذا عظيما عليه. لانه واسع الفضل عظيم الاحسان. عليم بما يصدر منكم من النفقات وكثيرها سرها وعلنها. فيجازيكم عليها من سعته وفضله واحسانه. فلينظر العبد نفسه الى اي الداعيين يميل. فقد تضمنت هاتان الايتان امور عظيمة. منها الحث على الانفاق ومنها بيان الاسباب الموجبة لذلك. ومنها وجوب الزكاة من النقدين التجارة كلها لانها داخلة في قوله من طيبات ما كسبتم. ومنها وجوب الزكاة في الخارج من الارض من الحبوب والثمار والمعادن ومنها ان الزكاة على من له الزرع والثمر لا على صاحب الارض. لقوله اخرجنا لكم فمن اخرجت له وجبت عليه. ومنها ان الاموال المعدة للاقتناء من العقارات والاواني ونحوها ليس فيها زكاة. وكذلك الديون والغصوب ونحوهما. اذا كانت مجهولة او عند من لا يقدر ربها على استخراجها منه. ليس فيها زكاة لان الله اوجب النفقة من الاموال التي يحصل فيها النماء الخارج من الارض. واموال التجارة مواساة من نمائها. واما الاموال التي غير معدة لذلك ولا مقدورا عليها. فليس فيها هذا المعنى. ومنها ان الرديء ينهى عن اخراجه ولا يجزئ في الزكاة ثم قال تعالى الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا. فقد اوتي خيرا كثيرا وما لما امر تعالى بهذه الاوامر العظيمة المشتملة على الاسرار والحكم. وكان ذلك لا يحصل لكل احد بل لمن من الله عليه واتاه الله الحكمة. وهي العلم النافع والعمل الصالح. ومعرفة اسرار الشرائع وحكمها. وان من اتاه الله الحكمة فقد اتاه خيرا كثيرا. واي خير اعظم من خير فيه سعادة الدارين. والنجاة من شقاوتهما. وفيه التخصيص بهذا الفضل وكونه من ورثة الانبياء. فكمال العبد متوقف على الحكمة. اذ كماله بتكميل قوتيه العلمية والعملية. فتكميل قوته العلمية بمعرفة الحق ومعرفة المقصود به وتكميل قوته العملية بالعمل بالخير وترك الشر. وبذلك يتمكن من الاصابة بالقول والعمل الامور منازلها في نفسه وفي غيره. وبدون ذلك لا يمكنه ذلك. ولما كان الله تعالى قد فطر عباده على عبادته ومحبة الخير والقصد الحق فبعث الله الرسل مذكرين لهم بما ركز في فطرهم وعقولهم. ومفصلين لهم ما لم يعرفوه. انقسم الناس قسمين. قسم اجابوا دعوتهم فتذكروا ما ينفعهم ففعلوه. وما يضرهم فتركوه. وهؤلاء هم اولوا الالباب الكاملة. والعقول التامة. وقسم لم يستجيبوا لدعوتهم. بل اجابوا ما عرض لفطارهم من الفساد وتركوا طاعة رب العباد. فهؤلاء ليسوا من اولي الالباب. فلهذا قال تعالى وما يذكر الا اولوا الالباب باب وما انفقتم من نفقة او نذرتم من نذر فان الله يعلمه وما الظالمين من انصار. وهذا فيه المجازات على النفقات. واجبها ومستحبها. قليلها وكثيرها. التي امر الله بها والنذور التي الزمها المكلف نفسه. وان الله تعالى يعلمها فلا يخفى عليه منها شيء. ويعلم ما صدرت عنه. هل هو الاخلاص او غيره فان صدرت عن اخلاص وطلب لمرضاة الله جازى عليها بالفضل العظيم والثواب الجسيم. وان لم ينفق العبد ما وجب عليه من النفقات. ولم يوفي ما اوجبه على نفسه من المنظورات او قصد بذلك رضا المخلوقات. فانه ظالم قد وضع الشيء في غير موضعه. واستحق العقوبة البليغة ولم ينفعه احد من الخلق ولم ينصره. فلهذا قال وما للظالمين من انصار تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم. فهو خير لكم ويكفر عنكم من اي ان تبدوا الصدقات فتظهروها وتكون علانية حيث كان القصد بها وجه الله اه فنعماه اي في نعم الشيء هي لحصول المقصود بها. وان تخفوها اي تسروها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ففي هذا ان صدقة السر على الفقير افضل من صدقة العلانية. واما اذا لم تؤتى الصدقات الفقراء فمفهوم الاية ان السر ليس خيرا من علانية فيرجع في ذلك الى المصلحة. فان كان في اظهارها اظهار شعائر الدين وحصول الاقتداء ونحوه. فهو افضل من الاصرار. ودل قوله وتؤتوها الفقراء على انه ينبغي للمتصدق ان يتحرى بصدقته المحتاجين. ولا يعطي محتاجا وغيره احوج منه. ولما ذكر تعالى ان الصدقة فاليكم وانتم لا تظلمون. يقول وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ليس عليك هدى الخلق وانما عليك البلاغ المبين. والهداية بيد الله تعالى ففيه دلالة على ان النفقة كما تكون على المسلم تكون على الكافر ولو لم يهتدي فلهذا قال وما تنفقوا من خير اي قليل او كثير على اي في شخص كان من مسلم وكافر فلانفسكم اي نفعه راجع اليكم. وما تنفقون الا ابتغاء وجه الله. هذا اخبار عن نفقات المؤمن الصادرة عن ايمانهم انها لا تكون الا لوجه الله تعالى. لان ايمانهم يمنعهم عن المقاصد الردية. ويوجب لهم الاخلاص. وما تنفق ومن خير يوفى اليكم يوم القيامة. تستوفون اجوركم وانتم لا تظلمون. اي تنقصون من اعمالكم شيئا ولا مثقال ذرة. كما لا يزداد في سيئاتكم. ثم ذكر مصرف النفقات الذين هم اولى الناس بها لله لا يستطيعون ضربا في الارض. يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف ان الله به عليم. فوصفهم بست صفات احدها الفقر. والثاني قوله احصروا في سبيل الله. اي على طاعة الله من جهاد وغيره. فهم مستعدون لذلك محبوسون له. الثالث عجزهم عن الاسفار لطلب الرزق. فقال لا يستطيع ضربا في الارض اي سفرا للتكسب. الرابع قوله يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف. وهذا بيان لصدق صبرهم وحسن الخامس انه قال تعرفهم بسيماهم اي بالعلامة التي ذكر الله في وصفهم وهذا لا ينافي قوله يحسبهم اغنياء فان الجاهل بحالهم ليس له فطنة يتفرس بها ما هم عليه. واما الفطن المتفرس فبمجرد ما يراهم يعرفهم بعلامتهم سادس قوله لا يسألون الناس الحافا اي لا يسألونهم سؤال الحاف اي الحاح بل ان صدر منهم سؤال اذا احتاجوا لذلك لم يلح على من سألوا فهؤلاء اولى الناس واحقهم بالصدقات. لما وصفهم به من جميل الصفات. واما النفقة من حيث هي على اي شخص كان. فهي واحسان وبر يثاب عليها صاحبها ويؤجر. فلهذا قال وما تنفقوا من خير فان الله به عليم. ثم ذكر حالة المتصدقين في جميع الاوقات على جميع الاحوال فقال فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله. اي طاعته وطريق مرضاته. لا في المحرمات والمكروهات والشهوات انفسهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم اجرهم عند ربهم. اي اجر عظيم من خير عند الرب الرحيم. ولا خوف عليهم اذا خاف المقصرون ولا هم يحزنون اذا حزن المفرطون. ففازوا بحصول المقصود المطلوب. ونجوا من الشرور والمرهوب. ولما كملت على المحسنين الى عباده بانواع النفقات. ذكر حالة الظالمين المسيئين اليهم غاية الاساءة. فقال