زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين من النساء والبنين القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرص يخبر تعالى ان وزين للناس حب الشهوات الدنيوية وخص هذه الامور المذكورة لانها اعظم شهوات الدنيا وغيرها تبع لها. قال الله تعالى انا جعلنا ما على الارض زينة لها. فلما زينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات. تعلقت بها نفوسهم ومالت اليها قلوبهم وانقسموا بحسب الواقع الى قسمين. قسم جعلوها هي المقصود. فصارت افكارهم وخواطرهم واعمالهم الظاهرة والباطنة لها عما خلقوا لاجله وصحبوها صحبة البهائم السائمة. يتمتعون بلذاتها ويتناولون شهواتها. ولا يبالون على اي وجه حصلوها ولا فيما انفقوها وصرفوها. فهؤلاء كانت زادا لهم الى دار الشقاء والعناء والعذاب. والقسم الثاني عرفوا المقصود منها الله جعلها ابتلاء وامتحانا لعباده. ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته. فجعلوها وسيلة لهما طريقا يتزودون منها فلاخرتهم ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته. قد صحبوها بابدانهم وفارقوها بقلوبهم. وعلموا ان انها كما قال الله تعالى ذلك متاع الحياة الدنيا فجعلوها معبرا الى الدار الاخرة ومتجرا يرجون بها الفوائد الفاخرة. فهؤلاء اولئك صارت لهم زادا الى ربهم. وفي هذه الاية تسلية للفقراء الذين لا قدرة لهم على هذه الشهوات التي يقدر عليها الاغنياء. وتحذير مغترين بها وتزهيد لاهل العقول النيرة بها. وتمام ذلك ان الله تعالى اخبر بعدها عن دار القرار. ومصير المتقين الابرار اخبر انها خير من ذلكم المذكور للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وازواج مطهرة ورضوان من الله الا وهي الجنات العاليات ذات المنازل للانيقة والغرف العالية والاشجار المتنوعة المثمرة بانواع الثمار والانهار الجارية على حسب مرادهم والازواج المطهرة من كل قلب ودنس وعيب ظاهر وباطن. مع الخلود الدائم الذي به تمام النعيم. مع الرضوان من الله الذي هو اكبر نعيم. فقس هذه الدار الجليلة بتلك الدار الحقيرة ثم اختر لنفسك احسنهما واعرض على قلبك المفاضلة بينهما. والله بصير بالعباد. اي عالم بما فيه من الاوصاف الحسنة والاوصاف القبيحة. وما هو اللائق باحوالهم يوفق من شاء منهم ويخذل من شاء. فالجنة التي ذكر الله وصفها ونعتها باكمل نعد، وصف ايضا المستحقين لها وهم الذين اتقوه بفعل ما امر به وترك ما نهى عنه. وكان من دعائهم ان قالوا حين يقولون ربنا اننا امنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار توسلوا بمنة الله عليهم بتوفيقهم للايمان ان يغفر لهم ذنوبهم. ويقيهم شر اثارها وهو عذاب النار. ثم فصل اوصاف التقوى فقال الصابرين والصادقين والقانتين منفقين والمستغفرين بالاسحار الصابرين انفسهم على ما يحبه الله من طاعته وعن معصيته وعلى اقداره المؤلمة. والصادقين في ايمانهم واقوالهم واحوالهم. والمنفقين مما رزقهم الله بانواع النفقات على المحاويج من الاقارب وغيرهم والمستغفرين بالاسحار. لما بين صفاتهم الحميدة ذكر احتقارهم لانفسهم. وانهم لا يرون لانفسهم حالا ولا مقاما. بل يرون انفسهم مذنبين مقصرين. فيستغفرون ربهم ويتوقعون اوقات الاجابة وهي السحر. قال حسن مدوا الصلاة الى السحر. ثم جلسوا يستغفرون ربهم. فتضمنت هذه الايات حالة الناس في الدنيا وانها متاع ينقضي. ثم وصف الجنة وما فيها من النعيم. وفاضل بينهما وفضل الاخرة على الدنيا تنبيها على انه يجب ايثارها والعمل لها. ووصف اهل الجنة وهم المتقون ثم فصل خصال التقوى فبهذه الخصال يزن العبد نفسه هل هو من اهل الجنة ام لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قاض لا اله الا هو العزيز الحكيم. هذا تقرير من الله تعالى التوحيد باعظم الطرق الموجبة له. وهي شهادته تعالى. وشهادة خواص الخلق وهم الملائكة واهل العلم. اما شهادته تعالى فيما ما اقامه من الحجج والبراهين القاطعة على توحيده. وانه لا اله الا هو. فنوع الادلة في الافاق والانفس على هذا الاصل العظيم. ولو لم لكم في ذلك الا انه ما قام احد بتوحيده الا ونصره على المشرك الجاحد المنكر للتوحيد. وكذلك انعامه العظيم الذي ما بالعباد من نعمة الا منه ولا يدفع النقم الا هو. والخلق كلهم عاجزون عن المنافع والمضار لانفسهم ولغيرهم. ففي هذا برهان قاطع على وجوب التوحيد وبطلان الشرك. واما شهادة الملائكة بذلك فنستفيدها باخبار الله لنا بذلك واخبار رسله. واما شهادة اهل العلم انهم هم المرجع في جميع الامور الدينية. خصوصا في اعظم الامور واجلها واشرفها. وهو التوحيد. فكلهم من اولهم الى اخرهم قد اتفقوا على ذلك ودعوا اليه وبينوا للناس الطرق الموصلة اليه. فوجب على الخلق التزام هذا الامر المشهود عليه والعمل به. وفي هذا دليل على ان اشرف الامور علم التوحيد. لان الله شهد به بنفسه. واشهد عليه خواص خلقه. والشهادة لا تكون الا عن علم ويقين. بمنزلة المشاهدة ففيه دليل على ان من لم يصل في علم التوحيد الى هذه الحالة فليس من اولي العلم. وفي هذه الاية دليل على شرف العلم من وجوه كثيرة منها ان الله خصهم بالشهادة على اعظم مشهود عليه دون الناس. ومنها ان الله قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته وكفى بذلك فضلا. ومنها انه جعلهم اولي العلم فاضافهم الى العلم. اذ هم القائمون به المتصفون بصفته. ومنها انه تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس. والزم الناس العمل بالامر المشهود به. فيكونون هم السبب في ذلك. فيكون كل من عمل بذلك لهم من اجره وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ومنها ان اشهاده تعالى اهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم وتعديلهم. وانهم امناء علامة استرعاهم عليه. ولما قرر توحيده قرر عدله فقال قائما بالقسط. اي لم يزل متصفا بالقسط في افعاله وتدبيره بين عبادة فهو على صراط مستقيم فيما امر به ونهى عنه. وفيما خلقه وقدره ثم اعاد تقرير توحيده فقال لا اله الا الله هو العزيز الحكيم. واعلم ان هذا الاصل الذي هو توحيد الله وافراده بالعبودية. قد دلت عليه الادلة النقلية والادلة العقلية. حتى صار لذوي المصائب اجلى من الشمس. فاما الادلة النقلية فكل ما في كتاب الله وسنة رسوله. من الامر به وتقريره ومحبة اهله وبغض من لم به وعقوباتهم وذم الشرك واهله فهو من الادلة النقلية على ذلك. حتى كاد القرآن ان يكون كله ادلة عليه. واما الادلة التي تدرك بمجرد فكر العقل وتصوره للامور. فقد ارشد القرآن اليها ونبه على كثير منها. فمن اعظمها الاعتراف بربوبيته فان من عرف انه هو الخالق الرازق المدبر لجميع الامور. انتج له ذلك انه هو المعبود الذي لا تنبغي العبادة الاله. ولما كان هذا من اوضح الاشياء واعظمها. اكثر الله تعالى من الاستدلال به في كتابه. ومن الادلة العقلية على ان الله هو الذي يؤله دون غيره. انفراده بالنعم ودفع النقم فان من عرف ان النعم الظاهرة والباطنة القليلة والكثيرة كلها من الله وانه ما من نقمة ولا شدة ولا كربة الا وهو الذي ينفرد بدفعها وان احدا من الخلق لا يملك لنفسه فضلا عن غيره جلب نعمة ولا دفع نقمة. تيقن ان عبودية ما سوى الله من عن الباطل وان العبودية لا تنبغي الا لمن انفرد بجلب المصالح ودفع المضار. فلهذا اكثر الله في كتابه من التنبيه على هذا الدليل جدا ومن الادلة العقلية ايضا على ذلك ما اخبر به تعالى عن المعبودات التي عبدت من دونه. بانها لا تملك نفعا ولا ضرا ولا تنصر غيرها ولا تنصر نفسها وسلبها الاسماع والابصار. وانها على فرض سماعها لا تغني شيئا. وغير ذلك من الصفات الدالة على نقصها غاية النقص. وما وبه عن نفسه العظيمة من الصفات الجليلة والافعال الجميلة. والقدرة والقهر وغير ذلك من الصفات التي تعرف بالادلة السمعية والعقلية من عرف ذلك حق المعرفة عرف ان العبادة لا تليق ولا تحسن الا بالرب العظيم. الذي له الكمال كله والمجد كله والحمد كله القدرة كلها والكبرياء كلها لا بالمخلوقات المدبرات الناقصات. الصم البكم الذين لا يعقلون. ومن الادلة العقلية على ذلك كما شاهده العباد بابصارهم من قديم الزمان وحديثه. من الاكرام لاهل التوحيد والاهانة والعقوبة لاهل الشرك. وما ذاك الا لان التوحيد جعله الله موصلا الى كل خير دافع لكل شر ديني ودنيوي. وجعل الشرك به والكفر سببا للعقوبات الدينية والدنيوية. ولهذا اذا ذكر تعالى قصص الرسل مع امم المطيعين والعاصين. واخبر عن عقوبات العاصين ونجاة الرسل ومن تبعهم. قال عقب كل قصة ان في ذلك لاية. اين عبرة يعتبر بها المعتبرون؟ فيعلمون ان توحيده هو الموجب للنجاة. وتركه هو الموجب للهلاك. فهذه من الادلة كبار العقلية النقلية الدالة على هذا الاصل العظيم. وقد اكثر الله منها في كتابه وصرفها ونوعها. ليحيى من حي عن بينة. ويهلك من هلك عن بينة فله الحمد والشكر والثناء. ولما قرر انه الاله الحق المعبود. بين العبادة والدين الذي يتعين ان يعبد به ويدان ان الدين عند الله الاسلام. وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم. ومن يكفر بايات الله فان الله ستر سريع الحساب. وهو الاسلام الذي هو الاستسلام لله بتوحيده وطاعته. التي دعت اليها رسله وحثت عليها كتبه وهو الذي لا يقبل من احد دين سواه. وهو متضمن للاخلاص له في الحب والخوف والرجاء والانابة والدعاء. ومتابعة رسوله في ذلك هذا هو دين الرسل كلهم. وكل من تبعهم فهو على طريقهم. وانما اختلف اهل الكتاب بعدما جاءتهم كتبهم تحثهم على الاجتماع على دين الله بغيا بينهم وظلما وعدوانا من انفسهم. والا فقد جاءهم السبب الاكبر الموجب ان يتبعوا الحق ويتركوا الاختلاف. وهذا من كفرهم لهذا قال وما اختلف اهل الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم. ومن يكفر بايات الله فان الله سريع الحساب. فيجاز لكل عامل بعمله وخصوصا من ترك الحق بعد معرفته فهذا مستحق للوعيد الشديد والعقاب الاليم. ثم امر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عند محاجة النصارى وغيرهم ممن يفضل غير دين الاسلام عليه ان يقول لهم وقل للذين اوتوا الكتاب قد اسلمت وجهي لله ومن اتبعني. اي انا ومن اتبعني قد اقررنا وشهدنا واسلمنا وجوهنا لربنا وتركنا ما سوى دين الاسلام وجزمنا ببطلانه. ففي هذا تأييس لمن طمع فيكم وتجديد لدينكم عند ورود الشبهات. وحجة على من اشتبه ما عليه الامر لانه قد تقدم ان الله استشهد على توحيده باهل العلم من عباده ليكونوا حجة على غيرهم وسيد اهل العلم وافضلهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ثم من بعده اتباعه على اختلاف مراتبهم وتفاوت درجاتهم. فلهم من العلم الصحيح والعقل الرجيح ما ليس لاحد من الخلق ما يساويهم او يقاربهم. فاذا ثبت وتقرر توحيد الله ودينه بادلته الظاهرة. وقام به اكمل الخلق واعلمهم حصل بذلك اليقين وانتفى كل شك وريب وقادح. وعرف ان ما سواه من الاديان باطلة. فلهذا قال وقل للذين اوتوا الكتاب من النصارى واليهود والاميين مشركي العرب وغيرهم ااسلمتم فان اسلموا اي بمثل ما امنتم به فقد اهتدوا كما ابتديتم وصاروا اخوانكم لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. وان تولوا عن الاسلام ورضوا بالاديان التي تخالفه. فانما عليك البلاغ فقد وجب اجرك على ربك وقامت عليهم الحجة ولم يبق بعد هذا الا مجازاتهم بالعقاب على جرمهم. فلهذا قال والله بصير بالعباد ان الذين يكفرون بايات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم هؤلاء الذين اخبر الله عنهم في هذه الاية اشد الناس جرما واي جرم اعظم من الكفر بايات الله التي تدل دلالة قاطعة على الحق الذي من كفر بها فهو في غاية الكفر والعناد. ويقتلون انبياء الله الذين حقهم اوجبوا الحقوق على العباد بعد حق الله. الذين اوجب الله طاعتهم والايمان بهم وتعزيرهم وتوقيرهم ونصرهم. وهؤلاء قابلوهم بضد ذلك. ويقتلون ايضا الذين يأمرون الناس بالقسط الذي هو العدل وهو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي حقيقته احسان الى المأمور ونصح له. فقابلوهم شر مقابلة. فاستحقوا بهذه الجنايات المنكرات اشد العقوبات وهو العذاب المؤلم البالغ في الشدة الى غاية ما يمكن وصفها. ولا يقدر قدرها المؤلم للابدان والقلوب والارواح اولئك الذين حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة وبطلت اعمالهم بما كسبت ايديهم. وما لهم احد ينصرهم من عذاب الله ولا يدفع عنهم من نقمته مثقال ذرة من قد ايسوا من كل خير. وحصل لهم كل شر وضير. وهذه الحالة صفة اليهود ونحوهم. قبحهم الله ما اجرأهم على الله على انبيائه وعباده الصالحين