المتر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون الى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون. يخبر تعالى عن حال اهل الكتاب الذين انعم الله عليهم بكتابه. فكان يجب ان يكونوا وما الناس به واسرعه من قيادا لاحكامه. فاخبر الله عنهم انهم اذا دعوا الى حكم الكتاب تولى فريق منهم وهم معرضون. تولوا واعرضوا بقلوبهم وهذا غاية الذم. وفي ضمنها التحذير لنا ان نفعل كفعلهم. فيصيبنا من الذم والعقاب ما اصابهم هل الواجب على كل احد اذا دعي الى كتاب الله ان يسمع ويطيع وينقاد. كما قال تعالى انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا. والسبب الذي غر اهل الكتاب بتجرؤهم على معاصي الله. وقولهم ذلك بان وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون. افتروا هذا القول فظنوه حقيقة. فعملوا على ذلك ولم ينزجروا عن المحارم. لان انفسهم منتهم ثم غرتهم ان مآلهم الى الجنة. وكذبوا في ذلك فان هذا مجرد كذب وافتراء. وانما مآلهم شر مآل. وعاقبتهم عاقبة فخيمة. فلهذا قال تعالى فكيف اذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون. فكيف اذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه؟ اي كيف يكون حالهم ووخيم ما يقدم عليه حالة لا يمكن وصفها ولا يتصور قمحها لان ذلك اليوم يوم توفية النفوس ما كسبت ومجازاتها بالعدل بالظلم وقد علم ان ذلك على قدر الاعمال وقد تقدم من اعماله ما يبين انهم من اشد الناس عذابا وتنزع الملك ممن تشاء آآ وتعز من تشاء وتذل من تشاء آآ بيدك الخير انك على كل شيء قدير. يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قل اللهم ما لك الملك اي انت الملك المالك لجميع الممالك. فصفة الملك المطلق لك. والمملكة كلها علويها وسفليها لك. والتصريح التدبير كله لك. ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها. فقال تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وفيه الاشارة الى ان الله تعالى سينزع الملك من الاكاسرة والقياصرة. ومن تبعهم ويؤتيه امة محمد. وقد فعل ولله الحمد الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى. ولا ينافي ذلك ما اجرى الله به سنته من الاسباب الكونية والدينية. التي هي سبب بقاء الملك رسوله وسبب زواله فانها كلها بمشيئة الله لا يوجد سبب يستقل بشيء. بل الاسباب كلها تابعة للقضاء والقدر. ومن الاسباب بالتي جعلها الله سببا لحصول الملك والايمان والعمل الصالح. التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم. واعدادهم الالات التي يقدرون عليها والصبر وعدم التنازع. قال الله تعالى وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم فاخبر ان الايمان والعمل الصالح سبب للاستخلاف المذكور. وقال تعالى هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. واطيعوا الله ورسوله ولا سوف تفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين. فاخبر ان ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب نصلي على الاعداء وانت اذا استقرأت الدول الاسلامية وجدت السبب الاعظم في زوال ملكها ترك الدين والتفرق الذي اطمع فيهم الاعداء وجعل بأسهم بينهم ثم قال تعالى وتعز من تشاء بطاعتك وتذل من تشاء بمعصيتك انك على كل شيء قدير لا يمتنع عليك امر من الامور. بل الاشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي. وترزق من تشاء تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل. اي تدخل هذا على هذا وهذا على هذا فينشأ عن ذلك من الفصول والضياء والنور والشمس والظل والسكون والانتشار. ما هو من اكبر الادلة على قدرة الله عظمته وحكمته ورحمته. وتخرج الحي من الميت كالفرخ من البيضة وكالشجر من النوى. وكالزرع من بذره وكالمؤمن من الكافر وتخرج الميت من الحي كالبيضة من الطائر وكالنوى من الشجر وكالحب من الزرع وكالكافر من المؤمن. وهذا اعظم دليل على قدرة الله وان جميع الاشياء مسخرة مدبرة لا تملك من التدبير شيئا. فخلقه تعالى الاضداد والضد من ضده بيان انها مقهورة وترزق من تشاء بغير حساب. اي ترزق من تشاء رزقا واسعا من حيث لا يحتسب ولا يكتسب. ثم قال تعالى لا اتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ويحذركم الله نفسه المصير وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن موالاة الكافرين بالمحبة والنصرة والاستعانة بهم على امر من امور المسلمين وتوعد على ذلك. فقال ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء. اي فقد انقطع عن الله وليس له في دين الله نصيب. لان الكافرين لا تجتمع مع الايمان. لان الايمان يأمر بموالاة الله وموالاة اوليائه المؤمنين. المتعاونين على اقامة دين الله وجهاد قال الله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض فمن والى الكافرين من دون المؤمنين الذين يريدون ان يطفئوا نور الله ويفتنوا اولياءه. خرج من حزب المؤمنين وصار من حزب الكافرين. قال الله تعالى ومن يتولهم منكم فانه منهم في هذه الاية دليل على الابتعاد عن الكفار وعن معاشرتهم وصداقتهم. والميل والركون اليهم وانه لا يجوز ان يولى كافر ولاية من ولاية ايات المسلمين ولا يستعان به على الامور التي هي مصالح لعموم المسلمين. قال الله تعالى الا ان تتقوا منهم تقاة اي تخافوهم على انفسكم فيحل لكم ان تفعلوا ما تعصمون به دمائكم من التقية باللسان واظهار ما به تحصل التقية. ثم قال تعالى ويحذر الله نفسه اي فلا تتعرضوا لسخطه بارتكاب معاصيه. فيعاقبكم على ذلك والى الله المصير. اي مرجع العباد ليوم التناد يحسن اعمالهم ويحاسبهم عليها ويجازيهم. فاياكم ان تفعلوا من الاعمال القبيحة ما تستحقون به العقوبة. واعملوا ما به يحصل الاجر والمثوبة ثم اخبر عن سعة علمه لما في النفوس خصوصا. ولما في السماء والارض عموما وعن كمال قدرته ويعلم ما في السماوات وما في الارض والله على كل شيء ففيه ارشاد الى تطهير القلوب واستحضار علم الله في كل وقت. فيستحي العبد من ربه ان يرى قلبه محلا لكل فكر بل يشغلوا افكارهم فيما يقرب الى الله من تدبر اية من كتاب او سنة من احاديث رسول الله او تصور وبحث في علم ينفعه او تفكر في مخلوقات الله ونعمه او نصح لعباد الله. وفي ضمن اخبار الله عن علمه وقدرته. الاخبار بما هو لازم ذلك من المجازات على الاعمال ومحل ذلك يوم القيامة فهو الذي توفى به النفوس باعمالها. فلهذا قال وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينهم يوم كل نفس ما عملت من خير محضرا. اي كاملا موفرا. لم ينقص مثقال ذرة. كما قال تعالى. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره والخير اسم جامع لكل ما يقرب الى الله من الاعمال الصالحة صغيرها وكبيرها. كما ان السوء اسم جامع لكل ما يسخط الله من الاعمال السيئة صغيرها وكبيرها. وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا. اي مسافة بعيدة وشدة حزنها فليحذر العبد من اعمال السوء التي لابد ان يحزن عليها اشد الحزن وليتركها وقت الامكان قبل ان يقول يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض. ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. حتى اذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين فوالله لترك كل شهوة ولذة. وان عسر تركها على النفس في هذه الدار. ايسر من معاناة تلك الشدائد واحتمال تلك الفضائح ولكن العبد من ظلمه وجهله لا ينظر الا الامر الحاضر. فليس له عقل كامل يلحظ به عواقب الامور. فيقدم على ما ينفعه عاجلا واجلا ويحجم عما يضره عاجلا واجلا. ثم اعاد تعالى تحذيرا نفسه رأفة بنا ورحمة. لئلا يطول علينا الامد فتقسو قلوبنا وليجمع لنا بين الترغيب الموجب للرجاء والعمل الصالح. والترهيب الموجب للخوف وترك الذنوب. فقال ويحذركم الله نفسه. والله رؤوف بالعباد. فنسأله ان يمن علينا بالحذر منه على الدوام. حتى لا نفعل ما يسخطه ويغضبه. قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. والله غفور رحيم وهذه الاية فيها وجوب محبة الله. وعلاماتها ونتيجتها وثمراتها. فقال قل ان كنت انكم تحبون الله اي ادعيتم هذه المرتبة العالية والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى بل لا بد من الصدق فيها علامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع احواله في اقواله وافعاله في اصول الدين وفروعه في الظاهر والباطن فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى. واحبه الله وغفر له ذنبه. ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته. ومن لم من يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى. لان محبته لله توجب له اتباع رسوله. فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وانه كاذب ان ادعاها مع انها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها. وبهذه الاية يوزن جميع الخلق فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون ايمانهم وحبهم لله. وما نقص من ذلك نقص. قل اطيعوا الله والرسول وهذا امر من الله تعالى لعباده باعمار اوامر وهو طاعته وطاعة رسوله التي يدخل بها الايمان والتوحيد. وما هو من فروع ذلك من الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة. بل يدخل في وطاعة رسوله اجتناب ما نهى عنه. لان اجتنابه امتثالا لامر الله هو من طاعته. فمن اطاع الله ورسوله فاولئك هم المفلحون فان تولوا اي اعرضوا عن طاعة الله ورسوله فليس ثم امر يرجعون اليه الا الكفر وطاعة كل شيطان مريد. كتب عليه انه من تولاه فانه يضله ويهديه الى عذاب السعير. فلهذا قال فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين. بل يبغضهم ويمقتهم عقبهم اشد العقوبة. وكأن في هذه الاية الكريمة بيانا وتفسيرا لاتباع رسوله. وان ذلك بطاعة الله وطاعة رسوله. هذا هو الاتباع حقيقية