الاعظم والموجب الاكبر لثبات المؤمنين على ايمانهم. وعدم تزلزلهم عن ايقانهم. وان ذلك من ابعد الاشياء. فقال وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم ايات الله وفيكم رسوله. ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم. وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم ايات الله وفيكم رسوله؟ اي الرسول بين اظهره فيكم يتلو عليكم ايات ربكم كل وقت وهي الايات البينات التي توجب القطع بموجبها والجزم بمقتضاها وعدم الشك فيما دلت عليه كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل الا ما حرم اسرائيل على نفسه من قبل ان وهذا رد على اليهود بزعمهم الباطل ان نسخ غير جائز فكفروا بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم لانهما قد اتيا بما يخالف بعض احكام التوراة بالتحليل والتحريم فمن تمام الانصاف في المجادلة الزامهم بما في كتابهم التوراة من ان جميع انواع الاطعمة محللة لبني اسرائيل الا ما حرم اسرائيل وهو يعقوب عليه السلام على نفسه اي من غير تحريم من الله تعالى. بل حرمه على نفسه لما اصابه عرق النسا نذر لئن شفاه الله تعالى ليحرمن احب الاطعمة عليه. فحرم فيما يذكرون لحوم الابل والبانها. وتبعه بنوه على ذلك. وكان ذلك قبل نزول التوراة ثم نزل في التوراة اشياء من المحرمات غير ما حرم إسرائيل مما كان حلالا لهم طيبا كما قال تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم. وامر الله رسوله ان انكروا ذلك ان يأمرهم باحضار التوراة. فاستمروا بعد هذا على الظلم العناد فلهذا قال تعالى فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك هم الظالمون وايضا من اعظم من ظلم من يدعى الى تحكيم كتابه. فيمتنع من ذلك عنادا وتكبرا وتجبرا. وهذا من اعظم الادلة على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وقيام الايات البينات المتنوعات على صدقه. وصدق من نبأه واخبره بما اخبره به من الام التي لا يعلمها الا باخبار ربه له بها. فلهذا قال تعالى قل صدق الله اي فيما اخبر به وحكم وهذا امر من الله لرسوله ولمن يتبعه ان يقولوا بالسنتهم صدق الله معتقدين بذلك في قلوبهم عن ادلة يقينية مقيمين هذه الشهادة على من انكرها. ومن هنا تعلم ان اعظم الناس تصديقا لله اعظمهم علما ويقينا بالادلة التفصيلية السمعية والعقلية. ثم امرهم باتباع ملة ابيهم ابراهيم عليه السلام. بالتوحيد وترك الشرك الذي هو مدار السعادة. وبتركه حصول شقاوة وفي هذا دليل على ان اليهود وغيرهم ممن ليس على ملة ابراهيم مشركون غير موحدين. ولما امرهم باتباع ملة ابراهيم في التوحيد وترك الشرك امرهم باتباعه بتعظيم بيته الحرام بالحج وغيره. فقال يخبر تعالى عن شرف هذا البيت الحرام وانه هو اول بيت وضعه الله للناس. يتعبدون فيه لربهم فتغفر اوزارهم. وتقال عثارهم. ويحصل لهم به من الطاعات والقربات. ما ينال به رضا ربهم والفوز بثوابه والنجاة من عقابه. ولهذا قال مباركا اي فيه البركة الكثيرة في المنافع الدينية والدنيوية كما قال الله تعالى ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام. وهدى للعالمين والهدى نوعان. هدى في معرفة وهدى في العمل. فالهدى في العمل ظاهر. وهو ما جعل الله فيه من انواع التعبدات المختصة به. واما هدى العلم فيما يحصل لهم بسبب به من العلم بالحق بسبب الايات البينات التي ذكر الله تعالى في قوله فيه ايات بينات اي ادلة واضحات وبراهين قاطعات على انواع من العلوم الالهية والمطالب العالية. كالادلة على توحيده رحمته وحكمته وعظمته وجلاله وكمال علمه وسعة جوده. وما من به على اوليائه وانبيائه. فمن الايات مقام ابراهيم يحتمل ان المراد به المقام المعروف وهو الحجر الذي كان يقوم عليه الخليل لبنيان الكعبة لما ارتفع البنيان وكان ملصقا في جدار الكعبة فلما كان عمر رضي الله عنه وضعه في مكانه الموجود فيه الان. والاية فيه قيل اثر قدمي ابراهيم قد اثرت في الصخرة ذلك الاثر الى اوائل هذه الامة. وهذا من خوارق العادات. وقيل ان الاية فيهما اودعه الله في القلوب من تعظيمه وتكريمه وتشريفه واحترامه ويحتمل ان المراد بمقام ابراهيم انه مفرد مضاف يراد به مقاماته في مواضع المناسك كلها. فيكون على هذا جميع اجزاء الحج ومفرداته ايات بينات. كالطواف والسعي ومواضعها. والوقوف بعرفة ومزدلفة والرمي. وسائر الشعائر والاية في ذلك ما جعله الله في القلوب من تعظيمها واحترامها. وبذل نفائس النفوس والاموال في الوصول اليها. وتحمل كل مشقة لاجلها وما في ضمنها من الاسرار البديعة والمعاني الرفيعة. وما في افعالها من الحكم والمصالح التي يعجز الخلق عن احصاء بعضها. ومن الايات البينات فيها ان من دخله كان امنا شرعا وقدرا. فالشرع قد امر الله ورسوله ابراهيم ثم رسوله محمد باحترامه وتأمين من دخله والا يهاج حتى ان التحريم في ذلك شمل صيودها واشجارها ونباتها. وقد استدل بهذه الاية من ذهب من العلماء ان من جنى جناية من خارج الحرم ثم لجأ اليه انه يأمن ولا يقام عليه الحد حتى يخرج منه. واما تأمينها قدرا فلان الله تعالى بقضائه وقدره ضعف النفوس حتى نفوس المشركين به. الكافرين بربهم احتراما. حتى ان الواحد منهم مع شدة حميتهم ونعرتهم. وعدم ما لهم للضيم يجد احدهم قاتل ابيه في الحرم فلا يهيجه. ومن جعله حرما ان كل من اراده بسوء فلابد ان يعاقبه عقوبة عاجلة كما فعل باصحاب الفيل. وقد رأيت لابن القيم ها هنا كلاما حسنا. احببت ايراده لشدة الحاجة اليه. قال فائدة ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. حج البيت مبتدأ وخبره في احد المجرورين قبله. والذي يقتضيه المعنى ان يكون في قوله على الناس لانه وجوب والوجوب يقتضي على ويجوز ان يكون في قوله ولله لانه متضمن الوجوب والاستحقاق ويرجح هذا ان الخبر محط الفائدة وموضعها. وتقديمه في هذا الباب في نية التأخير. فكان الاحسن ان يكون ولله على الناس. ويرجح الوجه الاول بان يقال قوله حج البيت على الناس اكثر استعمالا في باب الوجوب من ان يقال حج البيت لله اي حق واسع لله فتأمله. وعلى هذا ففي تقديم المجرور الاول وليس بخبر. فائدتان احداهما انه اسم للموجب للحج. فكان احق بالتقديم من ذكر الوجوب. فتضمنت الاية ثلاثة امور مرتبة بحسب الوقائع. احدها الموجب لهذا الفرض فبدأ بذكره اني مؤدي الواجب وهو المفترض عليه وهم الناس. والثالث النسبة. والحق المتعلق به ايجابا وبهم وجوبا واداء وهو الحج. والفائدة الثانية ان الاسم المجرور من حيث كان اسما لله سبحانه. وجب الاهتمام بتقديمه تعظيما لحرمة هذا الواجب الذي اوجبته وتخويفا من تضييعه اذ ليس ما اوجبه الله سبحانه بمثابة ما يوجبه غيره. واما قوله من فهي بدل. وقد استهوى طائفة من الناس القول بانها فاعل بالمصدر. كانه قال ان يحج البيت من استطاع اليه سبيلا. وهذا القول يضعف من وجوه. منها ان الحج فرض نعيم ولو كان معنى الاية ما ذكره لافهم فرض الكفاية. لانه اذا حج المستطيعون برأت ذمم غيرهم. لان المعنى يؤول الى ولله الناس يحجوا البيت مستطيعهم. فاذا ادى المستطيعون الواجب لم يبق واجبا على غير المستطيعين. وليس الامر كذلك. بل الحج فرض عين على كل احد حج المستطيعون او قعدوا. ولكن الله سبحانه عذر غير المستطيع بعجزه عن اداء الواجب. فلا يؤاخذه به ولا يطالبه بادائه فاذا حج سقط الفرض عن نفسه وليس حج المستطيعين بمسقط الفرض عن العاجزين. واذا اردت زيادة ايضاح فاذا قلت واجب على اهل هذا الناحية ان يجاهد منهم الطائفة المستطيعون للجهاد. فاذا جاهدت تلك الطائفة انقطع تعلق الوجوب في غيرهم. واذا قلت واجب على الناس كلهم ان يجاهد منهم المستطيع. كان الوجوب متعلقا بالجميع. وعذر العاجز بعجزه. ففي نظم الاية على هذا الوجه دون ان يقال لله حج البيت على المستطيعين. هذه النكتة البديعة فتأملها. الوجه الثاني ان اضافة المصدر الى الفاعل اذا وجد او لا اضافته الى المفعول ولا يعدل عن هذا الاصل الا بدليل من قول. فلو كان من هو الفاعل لاضيف المصدر اليه فكان يقال ولله على الناس حج من استطاع وحمله على باب يعجبني ضرب زيد عمرا. وفيما يفصل فيه بين المصدر وفاعله المضاف اليه بالمفعول والظرف حمل على المكتوب المرجوح وهي قراءة ابن عامر قتل اولادهم شركاءهم فلا يسار اليه. واذا ثبت ان من بذل بعض من كل وجب ان يكون في الكلام ضمير يعود الى الناس. كأنه قيل من استطاع منهم. وحذف هذا الضمير في اكثر الكلام لا يحسن. وحسنه ها هنا امور منها ان من واقعة على من لا يعقل. كالاسم المبدل منه فارتبطت به. ومنها انها موصولة بما هو اخص من الاسم الاول ولو كانت الصلة اعم لقبح حذف الضمير العائد. ومثال ذلك اذا قلت رأيت اخوتك من ذهب الى السوق منهم كان قبيحة لان الذاهب الى السوق اعم من الاخوة. وكذلك لو قلت البس الثياب ما حسن وجمل. يريد منها ولم يذكر الضمير. كان ابعد الجواز لان لفظ ما حسن اعم من الثياب. وباب البعض من الكل ان يكون اخص من المبدل منه. فاذا كان اعم واضفته الى او قيدته بضمير يعود الى الاول ارتفع العموم وبقي الخصوص. ومما حسن حذف المضاف في هذه ايضا مع ما تقدم طول الكلام صلة والموصول واما المجرور من قوله لله فيحتمل وجهين احدهما ان يكون في موضع من سبيل كانه نعت نكرة ان قدم عليها لانه لو تأخر لكان في موضع النعت لسبيل. والثاني ان يكون متعلقا بالسبيل. فان قلت كيف يتعلق به وليس فيه معنى فعل قيل السبيل لما كان عبارة ها هنا عن الموصل الى البيت من قوت وزاد ونحوهما كان فيه رائحة الفعل. ولم يقصد به السبيل الذي هو الطريق فصلح تعلق المجرور به. واقتضى حسن النظم واعجاز اللفظ تقديم المجرور. وان كان موضعه التأخير. لانه ضمير يعود وعلى البيت والبيت هو المقصود به الاعتناء. وهم يقدمون في كلامهم ما هم به اهم. وببيانه اعني هذا تقرير السهيلي. وهذا بعيد جدا بل الصواب في متعلق الجار والمجرور وجه اخر احسن من هذين. ولا يليق بالاية سواه. وهو الوجوب المفهوم من قوله على ان يجب لله على الناس الحج فهو حق واجب لله واما تعليقه بالسبيل وجعله حالا منها ففي غاية البعد فتأمل ولا يكاد يخطر بالبال من الاية. وهذا كما تقول لله عليك الصلاة والزكاة والصيام. ومن فوائد الاية واسرارها انه سبحانه اذا ذكر ما يوجبه ويحرمه بذكره بلفظ الامر والنهي. وهو الاكثر وبلفظ الايجاب والكتابة والتحريم. نحو كتب عليكم الصيام حرمت عليكم الميتة. قل تعالوا اتلوا ما حرم ربكم عليكم. وفي الحج اتى بهذا اللفظ الدال على تأكد الوجوب من عشرة اوجه. احدها انه قدم اسمه تعالى وادخل عليه لام الاستحقاق والاختصاص. ثم ذكر من اوجبه عليهم بصيغة العموم الداخلة عليه حرف على ابدل منه اهل الاستطاعة. ثم نكر السبيل في سياق الشرط ايذانا بانه يجب الحج على اي سبيل تيسرت. من قوت او مال فعلق الوجوه بحصول ما يسمى سبيلا. ثم اتبع ذلك باعظم التهديد بالكفر. فقال ومن كفر اي لعدم التزامه هذا الواجب وتركه. ثم عظم الشأن واكد الوعيد باخباره ما يستغنى به عنه. والله تعالى هو الغني الحميد. ولا حاجة به الى حج احد. وانما في ذكر استغنائه عنه هنا من الاعلام بمقته له وسخطه عليه. واعراضه بوجهه عنه ما هو اعظم التهديد وابلغه؟ ثم اكد ذلك بذكر اسم العالمين عموما ولم يقل فان الله غني عنه. لانه اذا كان غنيا عن العالمين كلهم فله الغنى الكامل التام من كل وجه بكل اعتبار. فكان ادل من مقته لتارك حقه الذي اوجبه عليه. ثم اكد هذا المعنى باداة ان الدالة على التأكيد فهذه عشرة اوجه تقتضي تأكد هذا الفرض العظيم. وتأمل سر البدل في الاية المقتضي لذكر الاسناد مرتين. مرة باسناده الى عموم الناس. ومرة باسناده الى اوصي المستطيعين وهذا من فوائد البدل. تقوية المعنى وتأكيده بتكرر الاسناد. ولهذا كان في نية تكرار العامل واعادته. ثم اكمل ما في الاية من الايضاح بعد الابهام والتفصيل بعد الاجمال. وكيف تضمن ذلك ايراد الكلام في صورتين وخلتين؟ اعتناء به وتأكيد لشأنه ثم تأمل كيف افتتح هذا الايجاب بذكر محاسن البيت وعظم شأنه. بما تدعو النفوس الى قصده وحجه. وان لم يطلب ذلك منها فقال ان اول بيت فوصفه بخمس صفات احدها كونه اسبق بيوت العالم وضع في الارض. الثاني انه مبارك البركة كثرة الخير ودوامه. وليس في بيوت العالم ابرك منه ولا اكثر خيرا ولا ادوم ولا انفع للخلائق. الثالث انه هدى بالمصدر نفسه مبالغة حتى كأنه نفس الهدى. الرابع ما تضمن من الايات البينات التي تزيد على اربعين اية. الخامس الحاصل لداخله وفي وصفه بهذه الصفات دون ايجاب قصده ما يبعث النفوس على حجه وان شطت بالزائرين الديار وتناءت بهم ثم اتبع ذلك بصريح الوجوب المؤكد بتلك التأكيدات. وهذا يدل على الاعتناء منه سبحانه لهذا البيت العظيم. والتنويه بذكره عظيم لشأنك والرفعة من قدره. ولو لم يكن له شرف الا اضافته اياه الى نفسه بقوله. وطهر بيتي لكفى بهذه الاضافة فضلا شرف وهذه الاضافة هي التي اقبلت بقلوب العالمين اليه. وسلبت نفوسهم حياله وشوقا الى رؤيته. فهذه المثابة للمحبين اليه ولا يقضون منه وطرا ابدا. كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له حبا واليه اشتياقا. فلا الوصال يشفيهم. ولا البعاد كما قيل اطوف به والنفس بعد مشوقة اليه وهل بعد الطواف تداني؟ والثم منه الركن اطلب برد ما بقلبي من شوق ومن هيمان. فوالله ما ازداد الا صبابة. ولا القلب الا كثرة الخفقان. فيا جنة المأوى ويا غاية المنى ويا منيتي من دون كل اماني. ابت غلبات الشوق الا تقربا اليك. فما لي بالبعاد يداني؟ وما كان صدي عنك ذو ملامة ولي شاهد من مقلتي ولساني. دعوت اصطباري عنك بعدك والبكاء. فلبى البكا والصبر عنك عصاني قد زعموا ان المحب اذا نأى سيبلى هواه بعد طول زمان. ولو كان هذا الزعم حقا لكان ذا دواء الهوى في الناس كل زماني بلى انه يبلي المحب وانه على حاله لم يبلغ الملوان. وهذا محب قاده الشوق والهوى بغير ما من قائد وعنان اتاك على بعد المزار ولونت مطيته جاءت به القدمان. انتهى كلامه رحمه الله قل يا اهل الكتاب لم تكفرون بايات الله والله شهيد على ما تعملون. قل يا اهل الكتاب وما الله يوبخ تعالى اهل الكتاب من اليهود والنصارى على كفرهم بايات الله التي انزلت نهى الله على رسله التي جعلها رحمة لعباده يهتدون بها اليه. ويستدلون بها على جميع المطالب المهمة والعلوم النافعة. فهؤلاء الكفرة جمعوا بين الكفر بها وصد من امن بالله عنها. وتحريفها وتعويجها عما جعلت له. وهم شاهدون بذلك عالمون بان ما فعلوه اعظم الكفر الموجب لاعظم العقوبة. الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون. فلهذا توعدهم هم هنا بقوله وما الله بغافل عما تعملون. بل محيط باعمالكم ونياتكم ومكركم السيء. فمجازيكم عليه اشر الجزاء ما توعدهم ووبخهم. عطف برحمته وجوده واحسانه. وحذر عباده المؤمنين منهم لان لا يمكروا بهم من حيث لا يشعرون. فقال يا ايها الذين امنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين. وذلك لحسدهم وبغيهم عليكم. وشدة حرصهم على ردكم عن دينكم. كما قال الله تعالى ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق. ثم ذكر تعالى بوجه من الوجوه خصوصا والمبين لها افضل الخلق واعلمهم وافصحهم وانصحهم وارأفهم بالمؤمنين. الحريص على هداية الخلق وارشادهم بكل طريق يقدر عليه. فصلوات الله وسلامه عليه. فلقد نصح وبلغ البلاغ المبين. فلم يبق في نفوس القائلين مقالا. ولم يترك في طلب الخير مجالا. ثم اخبر ان من اعتصم به فتوكل عليه وامتنع بقوته ورحمته عن كل شر. واستعان به على كل خير فقد هدي الى صراط مستقيم. موصل له الى غاية المرغوب. لانه جمع بين اتباع الرسول في اقواله وافعاله واحواله. وبين الاعتصام بالله يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا انتم مسلمون. هذا امر من الله لعباده المؤمنين ان يتقوه حق تقواه. وان يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه اقيموا الى الممات فان من عاش على شيء مات عليه. فمن كان في حال صحته ونشاطه وامكانه مداوم لتقوى ربه وطاعته. منيبا اليه على دوام ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة. وتقوى الله حق تقواه. كما قال ابن مسعود وهو ان يطاع فلا يعصى. ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر. وهذه الاية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى. واما ما يجب على العبد منها فكما قال تعالى فاتقوا الله طه ما استطعتم وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جدا. يجمعها فعل ما امر الله به وترك كل ما نهى الله عنه واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعلم فالف بين قلوبكم فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تهتدون. ثم امرهم تعالى بما يعينهم على التقوى. وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله وكون دعوة المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين. فان في اجتماع المسلمين على دينهم وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم. وبالاجتماع يتمكنون من كل امر من الامور. ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدوها من التعاون على البر والتقوى. كما ان بالافتراق والتعادي يختل نظامهم. وتنقطع روابطهم. ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوته في نفسه ولو ادى الى الضرر العام. ثم ذكرهم تعالى نعمته وامرهم بذكرها. فقال واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء يقتل بعضكم بعضا ويأخذ بعضكم مال بعض. حتى ان القبيلة يعادي بعضهم بعضا. واهل البلد الواحد يقع بينهم التعادي والاقتتال وكانوا في سر عظيم. وهذه حالة العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. فلما بعثه الله وامنوا به واجتمعوا على الاسلام خلفت قلوبهم على الايمان كانوا كالشخص الواحد من تآلف قلوبهم وموالاة بعضهم لبعض. ولهذا قال انقذكم منها. اي قد استحقيتم النار ولم يبق بينكم وبينها الا ان تموتوا فتدخلوها. فانقذكم منها بما من عليكم من الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. كذلك يبين الله لكم اياته ان يوضحها ويفسرها ويبين لكم حق من الباطل والهدى من الضلال. لعلكم تهتدون بمعرفة الحق والعمل به. وفي هذه الاية ما يدل على ان الله يحب من عباده ان يذكر نعمته بقلوبهم والسنتهم ليزدادوا شكرا له ومحبة. وليزيدهم من فضله واحسانه. وان من اعظم ما يذكر من نعمه الهداية الى الاسلام واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. واجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقها امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. واولئك هم المفلحون. اي وليكن منكم ايها المؤمنون الذين من الله عليهم بالايمان والاعتصام بحبله. امة اي جماعة يدعون الى الخير وهو اسم جامع لكل ما يقرب الى الله ويبعد من سخطه. ويأمرون بالمعروف وهو ما عرف بالعقل والشرع حسنه. وينهون عن المنكر وهو ما عرف بالشرع والعقل قبحه. وهذا ارشاد من الله للمؤمنين. ان يكون منهم جماعة متصدية للدعوة الى سبيله وارشاد الخلق الى دينه ويدخل في ذلك العلماء المعلمون للدين. والوعاظ الذين يدعون اهل الاديان الى الدخول في دين الاسلام. ويدعون المنحرفين الى الاستقامة والمجاهدون في سبيل الله والمتصدون لتفقد احوال الناس والزامهم بالشرع كالصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من شرائع الاسلام وكتفقد المكاييل والموازين وتفقد اهل الاسواق ومنعهم من الغش والمعاملات الباطلة. وكل هذه الامور من فروض الكفايات كما تدل عليه الاية الكريمة في قوله ولتكن منكم امة. اي لتكن منكم جماعة. يحصل المقصود بهم في هذه الاشياء المذكورة. ومن المعلوم المتقرر ان الامر بالشيء امر به وبما لا يتم الا به. فكل ما تتوقف هذه الاشياء عليه فهو مأمور به. كالاستعداد للجهاد بانواع العدد التي يحصل بها نكاية الاعداء وعز الاسلام. وتعلم العلم الذي يحصل به الدعوة الى الخير وسائلها ومقاصدها وبناء المدارس للإرشاد والعلم ومساعدة النواب ومعاونتهم على تنفيذ الشرع في الناس بالقول والفعل والمال. وغير ذلك مما تتوقف هذه الامور عليه هذه الطائفة المستعدة للدعوة الى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين. ولهذا قال تعالى عنهم واولئك هم المفلحون الفائزون بالمطلوب الناجون من المرهوب. ثم نهاهم عن التشبه باهل الكتاب في تفرقهم واختلافهم. فقال كونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ومن العجائب ان اختلافهم من بعد ما جاءهم البينات. الموجبة لعدم التفرق والاختلاف. فهم اولى من غيرهم بالاعتصام بالدين. فعكسوا القضية مع بمخالفتهم امر الله فاستحقوا العقاب البليغ. ولهذا قال تعالى واولئك لهم عذاب عظيم فاما الذين اسودت وجوههم لكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. واما الذين وجوههم ففي رحمة الله. ففي رحمة الله هم فيها خالدون يخبر تعالى عن حال يوم القيامة وما فيه من اثار الجزاء بالعدل والفضل. ويتضمن ذلك الترغيب والترهيب الموجب للخوف والرجاء. فقال يوم تبيض وجوه وهي وجوه اهل السعادة والخير. اهل الائتلاف والاعتصام بحبل الله. وتسود وجوه وهي وجوه اهل الشقاوة والشر اهل الفرقة والاختلاف هؤلاء سدت وجوههم بما في قلوبهم من الخزي والهوان والذلة والفضيحة. واولئك بيضت وجوههم لما في قلوبهم من البهجة والسرور والنعيم. والحبور الذي ظهرت اثاره على وجوههم. كما قال الله تعالى ولقاهم نظرة وسرورا. نظرة في وجوههم وسرورا في قلوبهم. وقال تعالى والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة. كانما اغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلمة. اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. واما الذين اسودت وجوههم فيقال لهم على وجه التوبيخ والتقريع اكفرتم بعد ايمانكم؟ اي كيف اثرتم الكفر والضلال على الايمان والهدى؟ وكيف تركتم سبيل الرشاد وسلكتم طريق الغي فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. فليس يليق بكم الا النار. ولا تستحقون الا الخزي والفضيحة والعار. واما الذين ابيضت فيهنئون اكمل تهنئة ويبشرون اعظم بشارة. وذلك انهم يبشرون بدخول الجنات ورضا ربهم ورحمته. ففي رحمة هم فيها خالدون. واذا كانوا خالدين في الرحمة فالجنة اثر من اثار رحمته تعالى. فهم خالدون فيها بما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم في جوار ارحم الراحمين. لما بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الاحكام الامرية والاحكام الجزائية. قال تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين وما الله يريد ظلما للعالمين. تلك ايات الله نتلوها اي نقصها عليك بالحق لان اوامره ونواهيه مشتملة على الحكمة والرحمة. وثوابها وعقابها. كذلك مشتمل على الحكمة والرحمة والعدل الخالي من الظلم هذا قال وما الله يريد ظلما للعالمين. نفى ارادته ظلمهم فضلا عن كونه يفعل ذلك. فلا ينقص احد شيئا من حسناته. ولا يزيد في ظلم الظالمين بل يجازيهم باعمالهم فقط. ثم قال تعالى اي هو المالك لما في السماوات وما في الارض الذي خلقهم ورزقهم ويتصرف فيهم بقدره وقضائه. وفي شرعه وامره واليه يرجعون يوم القيامة. فيجازيهم باعمالهم حسنها وسيئها