تحبونهم ما لا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله. واذا لقوكم قالوا امنا واذا ها انتم اولئك تحبونهم ولا يحبونكم. وتؤمنون بالكتاب كله. اي جنس الكتب التي انزلها الله على انبيائه وهم لا يؤمنون والتقوى لم يضركم مكرهم بل يجعل الله مكرهم في نحورهم. لانه محيط بهم علمه وقدرته. فلا منفذ لهم عن ذلك ولا يخفى عليه منهم شيء كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ولو امن اهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون هم الفاسقون. يمدح تعالى هذه الامة ويخبر انها خير الامم التي اخرجها الله للناس. وذلك بتكميلهم لانفسهم بالايمان المستلزم للقيام بكل ما امر الله به. وبتكميلهم لغيرهم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. المتضمن دعوة الخلق الى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم. فبهذا كانوا خير امة اخرجت للناس. لما كانت الاية السابقة وهي فقوله ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. امرا منه تعالى لهذه الامة والامر قد يمتثله ويقوم به وقد لا يقوم به. اخبر في هذه الاية ان الامة قد قامت بما امره الله بالقيام به. وامتثلت امر ربها واستحقت الفضل عليه كسائر الامم ولو امن اهل الكتاب لكان خيرا لهم. وفي هذا من دعوته بلطف الخطاب ما يدعوهم الى الايمان. ولكن لم يؤمن منهم الا قليل واكثرهم الفاسقون الخارجون عن طاعة الله. المعادون لاولياء الله بانواع العداوة. ولكن من لطف الله بعباده المؤمنين انه رد كيدهم في نحورهم فليس على المؤمنين منهم ضرر في اديانهم ولا ابدانهم. وانما غاية ما يصلون اليه من الاذى. اذية الكلام لا سبيل الى السلامة منها من كل معادي. فلو قاتلوا المؤمنين لو الادبار فرارا. ثم تستمر هزيمتهم ويدوم ذلهم. ولا هم ينصرون في وقت من الاوقات ولهذا اخبر تعالى انه عاقبهم بالذلة في بواطنهم المسكنة على ظواهرهم الا بحبل من الله بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة. ذلك بانهم هم كانوا يكفرون بايات الله ويقتلون الانبياء بغير حق. ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. فلا يستقرون ولا يطمئنون الا بحبل اي عهد من الله وحبل من الناس. فلا يقول اليهود الا تحت احكام المسلمين وعهدهم تؤخذ منهم الجزية او يستذلون او تحت احكام النصارى. وقد باؤوا مع ذلك بغضب من الله وهذا اعظم العقوبات. والسبب الذي اوصلهم الى هذه الحال ذكره الله بقوله التي انزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الموجبة لليقين والايمان فكفروا بها بغيا ويقتلون الانبياء بغير حق. اي يقابلون انبياء الله الذين يحسنون اليهم اعظم احسان. باشر مقابلة وهو القتل هل بعد هذه الجراءة والجناية شيء اعظم منها؟ وذلك كله بسبب عصيانهم واعتدائهم. فهو الذي جرأهم على الكفر بالله وقتل انبياء الله ثم قال تعالى ليسوا سواء من اهل الكتاب امة الليل وهم يسجدون. لما بينت على الفرقة الفاسقة من اهل الكتاب. وبين افعالهم وعقوباتهم. بين ها هنا الامة المستقيمة. وبين افعالها وثوابها. فاخبر انهم لا عنده بل بينه من الفرق ما لا يمكن وصفه. فاما تلك الطائفة الفاسقة فقد مضى وصفهم. واما هؤلاء المؤمنون. فقال تعالى من امة قائمة اي مستقيمة على دين الله. قائمة بما الزمها الله به من المأمورات. ومن ذلك قيامها بالصلاة. يتلون ايات الله اناء الليل وهم يسجدون. وهذا بيان لصلاتهم في اوقات الليل. وطول تهجدهم وتلاوتهم لكتاب ربهم. وايثارهم الخضوع والركوع والسجود يؤمنون بالله واليوم الاخر ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في يؤمنون بالله واليوم الاخر اي عن المؤمنين ايمانا يوجب لهم الايمان بكل نبي ارسله. وكل كتاب انزله الله وخص الايمان باليوم الاخر. لان الايمان الحقيقي باليوم اخر يحث المؤمن به على ما يقربه الى الله وترك كل ما يعاقب عليه في ذلك اليوم. ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر حصل منهم تكميل انفسهم بالايمان ولوازمه. وتكميل غيرهم بامرهم بكل خير. ونهيهم عن كل شر. ومن ذلك حثهم اهل دينهم وغيرهم على الايمان عثمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. ثم وصفهم بالهمم العالية وانهم يسارعون في الخيرات. اي يبادرون اليها فينتهزون الفرصة فيها ويفعلونها في اول وقت امكانها. وذلك من شدة رغبتهم في الخير ومعرفتهم بفوائده. وحسن عوائده. فهؤلاء الذين وصفهم الله بهذا هذه الصفات الجميلة والافعال الجليلة من الصالحين الذين يدخلهم الله في رحمته ويتغمدهم بغفرانه وينيلهم من فضله واحسانه وما يفعل من خير فلن يكفر والله عليم بالمتقين وانهم مهما فعلوا من خير قليلا كان او كثيرا فلن يكفروه اي لن يحرموه ويفوتوا اجره بل يثيبهم الله على ذلك اكثر الثواب ولكن الاعمال ثوابها تبع لما يقوم بقلب صاحبها من الايمان والتقوى. فلهذا قال والله عليم بالمتقين. كما قال الله تعالى انما يتقبل الله من المتقين يا اولادهم من الله شيئا واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون يخبر تعالى ان الذين كفروا لن تغني عنهم اموالهم ولا اولادهم من الله شيئا. اي لا تدفع عنهم شيئا من عذاب الله. ولا عليهم شيئا من ثواب الله. كما قال الله تعالى وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى. الا من امن وعمل صالحا بل تكون اموالهم واولادهم زادا الى النار. وحجة عليهم في زيادة نعم الله عليهم. تقتضي منهم شكرها ويعاقبون على عدم القيام بها وعلى كفرها. ولهذا قال اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. مثل ما ينفقون في هذه الحياة دنيا كمثل ريح فيها سر اصابت حرث قوم ظلموا انفسهم فاهلكت ما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون. ثم ضرب مثلا لما ينفقه الكفار من اموالهم التي بها عن سبيل الله ويستعينون بها على اطفاء نور الله بانها تبطل وتضمحل كمن زرع زرعا يرجو نتيجته ويأمل ادراك ريعه فبينما هو كذلك اذ اصابته ريح فيها صر. اي برد شديد محرق فاهلكت زرعه ولم يحصل له الا التعب والعناء وزيادة الاسف ذلك هؤلاء الكفار الذين قال الله فيهم ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون. وما ظلمهم الله بابطال اعمالهم. ولكن كانوا انفسهم يظلمون. حيث كفروا بايات الله وكذبوا رسوله حرصوا على اطفاء نور الله. هذه الامور هي التي احبطت اعمالهم وذهبت باموالهم. ثم قال تعالى الذين امنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا. ودوا ما عنتم قد وما تخفي صدورهم اكبر قل ايات ان كنتم تعقلون. ينهى تعالى عباده المؤمنين ان يتخذوا بطانة من المنافقين من اهل الكتاب وغيرهم يظهرونهم على سرائرهم او يولونهم بعض الاعمال الاسلامية. وذلك انهم هم الاعداء الذين امتلأت قلوبهم من العداوة والبغضاء. فظهرت على افواههم وما تخفي صدورهم اكبر مما يسمع منهم. فلهذا لا يألونكم خبالا. اي لا يقصرون في حصول الضرر عليكم والمشقة وعمل الاسباب التي فيها ضرركم ومساعدة الاعداء عليكم. قال الله للمؤمنين قد بينا لكم الايات اي التي فيها مصالحكم حكم الدينية والدنيوية لعلكم تعقلون. فتعرفونها وتفرقون بين الصديق والعدو. فليس كل احد يجعل بطانة وانما العاقل من اذا ابتلي بمخالطة العدو ان تكون مخالطة في ظاهره. ولا يطلعه من باطنه على شيء. ولو تملق له واقسم انه من اولياءه. قال الله مهيجا للمؤمنين على الحذر من هؤلاء المنافقين من اهل الكتاب. ومبينا شدة عداوتهم بكتابكم بل اذا لاقوكم اظهروا لكم الايمان واذا لقوكم قالوا امنا واذا خلوا عضوا عليكم الانامل وهي اطراف الاصابع من شدة غيظهم عليكم قل موتوا بغيظكم ان الله عليم بذات الصدور. وهذا فيه بشارة للمؤمنين ان هؤلاء الذين ضرركم لا يضرون الا انفسهم وان غيظهم لا يقدرون على تنفيذه. بل لا يزالون معذبين به حتى يموتوا. فينتقلوا من عذاب الدنيا الى الاخرة اصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا. ان الله بما يعملون محيط انت امسسكم حسنة كالنصر على الاعداء وحصول الفتح والغنائم تسؤهم اي تغمهم وتحزنهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا. ان الله بما يعملون محيط. فاذا اتيتم بالاسباب التي وعد الله عليها النصر. وهي الصبر