يتضمن هذا الدعاء التوفيق لفعل الخير وترك الشر. الذي به يكون العبد من الابرار والاستمرار عليه والثبات الى الممات ربنا واتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب تعالى ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب. وفي ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها والتبصر اياتها وتدبر خلقها وابهم قوله ايات ولم يقل على المطلب الفلاني اشارة لكثرتها وعمومها وذلك فيها من الايات العجيبة ما يبهر الناظرين ويقنع المتفكرين ويجذب افئدة الصادقين. وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الالهية اما تفصيل ما اشتملت عليه فلا يمكن لمخلوق ان يحصره ويحيط ببعضه. وفي الجملة فما فيها من العظمة والسعة وانتظام السير والحركة يدل على عظمة خالقها وعظمة سلطانه وشمول قدرته وما فيها من الاحكام والاتقان وبديع الصنع ولطائف الفعل يدل على حكمة الله ووضعه الاشياء مواضعها وسعة علمه وما فيها من المنافع للخلق يدل على سعة رحمة الله وعموم فضله وشمول بره ووجوب شكره وكل ذلك يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها وبذل الجهد في مرضاته. والا يشرك به سواه مما لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الارض ولا في السماء وخص الله بالايات اولي الالباب وهم اهل العقول لانهم هم المنتفعون بها. الناظرون اليها بعقولهم لا بابصارهم ثم وصف اولي الالباب بانهم وقعودا جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا. سبحانك فقنا عذاب النار. يذكرون الله في جميع احوالهم قياما وقعودا وعلى جنوبهم. وهذا يشمل جميع انواع الذكر بالقول والقلب ويدخل في ذلك الصلاة قائما فان لم يستطع فقاعدا فان لم يستطع فعلى جنب وانهم يتفكرون في خلق السماوات والارض اي ليستدلوا بها على المقصود منها. ودل هذا على ان التفكر عبادة من صفات اولياء الله العارفين. فاذا تفكروا بها عرفوا ان الله لم يخلقها عبثا. فيقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا. سبحانك عن كل ما لا يليق بجلالك. بل خلقتها بالحق وللحق مشتملة على الحق. فقنا عذاب النار بان تعصمنا من السيئات. وتوفقنا للاعمال الصالحات. لننال بذلك النجاة من النار ويتضمن ذلك سؤال الجنة لانهم اذا وقاهم الله عذاب النار حصلت لهم الجنة ولكن لما قام الخوف بقلوبهم دعوا الله باهم عندهم ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته. اي لحصوله على السخط من الله ومن ملائكته واوليائه ووقوع الفضيحة التي لا نجاة منها ولا منقذ منها. ولهذا قال وما للظالمين من انصار ينقذونهم من عذابه وفيه دلالة على انهم دخلوها بظلمهم ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي الايمان ان امنوا بربكم فامنا ربنا خوف لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار. ربنا اننا مناديا ينادي للايمان وهو محمد صلى الله عليه وسلم ان يدعو الناس اليه ويرغبهم فيه في اصوله وفروعه فامنا اي اجبناهم مبادرة وسارعنا اليه. وفي هذا اخبار منهم بمنة الله عليهم. وتبجح بنعمته وتوسل اليه بذلك. ان يغفر ذنوبه ثم يكفر سيئاتهم. لان الحسنات يذهبن السيئات. والذي من عليهم بالايمان سيمن عليهم بالامان التام. وتوفنا مع الابرار ولما ذكروا توفيق الله اياهم للايمان وتوسلهم به الى تمام النعمة. سألوه الثواب على ذلك وان ينجز لهم ما وعدهم به على السنة رسله من النصر والظهور في الدنيا ومن الفوز برضوان الله وجنته في الاخرة. فانه تعالى لا يخلف الميعاد. فاجاب الله دعاءهم وقبل تضرعهم فلهذا قال فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم لاكفرن عن كن سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار. ثوابا اي اجاب الله دعاءهم دعاء العبادة ودعاء وقال اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى. فالجميع سيلقون ثواب اعمالهم كاملا موفرا. بعضكم من بعض اي كلكم على حد سواء في الثواب والعقاب. فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي. وقاتلوا وقتلوا. فجمعوا بين الايمان والهجرة مفارقة المحبوبات من الاوطان والاموال طلبا لمرضاة ربهم وجاهدوا في سبيل الله لاكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله. الذي يعطي عبده الثواب الجزيل على العمل القليل. والله عنده حسن الثواب. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فمن اراد ذلك فليطلبه من الله بطاعته والتقرب اليه. بما يقدر عليه العبد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المياه. لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأوىهم جهنم ثم ومأواهم جهنم وبئس المهانئ. وهذه الاية المقصود منها التسلية عما يحصل للذي الذين كفروا من متاع الدنيا وتنعمهم فيها وتقلبهم في البلاد بانواع التجارات والمكاسب واللذات. وانواع العز والغلبة في بعض الاوقات فان هذا كله متاع قليل. ليس له ثبوت ولا بقاء بل يتمتعون به قليلا. ويعذبون عليه طويلا. هذه اعلى حالة تكون للكافر وقد رأيت ما تؤول اليه. واما المتقون لربهم المؤمنون به. فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للابرار نزلا من عند الله وما عند الله خير للابرار لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها. فلو قدر انهم في دار الدنيا قد حصل لهم كل بؤس وشدة اناء ومشقة لكان هذا بالنسبة الى النعيم المقيم والعيش السليم. والسرور والحبور والبهجة نزرا يسيرا. ومنحة في صورة محنة ولهذا قال تعالى وما عند الله خير للابرار. وهم الذين برت قلوبهم فبرت اقوالهم وافعالهم. فاثابهم البر الرحيم من بر به اجرا عظيما وعطاء جسيما وفوزا دائما حزن اليكم وما انزل اليهم خاشعين لله. خاشعين لله لا يشترون بايات الله ثمنا قليلا اولئك لهم اجرهم عند ربهم ان الله اي وان من اهل الكتاب طائفة موفقة للخير. يؤمنون بالله ويؤمنون بما انزل اليكم ما انزل اليهم وهذا الايمان النافع لا كمن يؤمن ببعض الرسل والكتب ويكفر ببعض. ولهذا لما كان ايمانهم عاما حقيقيا صار فاحدث لهم خشية الله وخضوعهم لجلاله الموجب للانقياد لاوامره ونواهيه والوقوف عند حدوده. وهؤلاء اهل الكتاب والعلم الحقيقة كما قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء. ومن تمام خشيتهم لله انهم لا يشترون بايات الله ثمنا قليلا فلا يقدمون الدنيا على الدين كما فعل اهل الانحراف الذين يكتمون ما انزل الله ويشترون به ثمنا قليلا. واما هؤلاء فعرفوا الامر على الحقيقة وعلموا ان من اعظم الخسران الرضا بالدون عن الدين. والوقوف مع بعض حظوظ النفس السفلية. وترك الحق الذي هو اكبر حظ وفوز في الدنيا والاخرة. فاثروا الحق وبينوه ودعوا اليه. وحذروا عن الباطل. فاثابهم الله على ذلك بان وعدهم الاجر الجزيل. والثواب الجميل امرهم بقربه وانه سريع الحساب فلا يستبطئون ما وعدهم الله. لان ما هو ات محقق حصوله فهو قريب ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله واتقوا الله ثم حض المؤمنين على ما يوصلهم الى الفلاح. وهو الفوز والسعادة والنجاح وان الطريق الموصل الى ذلك لزوم الصبر الذي هو حبس النفس على ما تكرهه من ترك المعاصي ومن الصبر على المصائب وعلى الاوامر الثقيلة على النفوس فامرهم بالصبر على جميع ذلك. والمصابرة اي الملازمة والاستمرار على ذلك على الدوام. ومقاومة الاعداء في جميع الاحوال المرابطة وهي لزوم المحل الذي يخاف من وصول العدو منه. وان يراقبوا اعداءهم ويمنعوهم من الوصول الى مقاصدهم. لعلهم يفلحون يفوزون بالمحبوب الديني والدنيوي والاخروي. وينجون من المكروه كذلك. فعلم من هذا انه لا سبيل الى الفلاح بدون الصبر والمصابرة والمرابة المذكورات فلم يفلح من افلح الا بها ولم يفت احدا الفلاح الا بالاخلال بها او ببعضها. والله الموفق ولا حول ولا قوة الا به