المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. ومن المحرمات في النكاح الا ما ملكت ايمانك خير مسافرين والمحصنات من النساء اي ذوات الازواج فانه يحرم نكاحهن ما دمنا في ذمة الزوج حتى تطلق وتنقضي عدتها الا ما ملكت ايمانكم اي بالسبي. فاذا سبيت الكافرة ذات الزوج حلت للمسلمين بعد ان تستبرأ. واما اذا بيعت الامة المزوجة او ووهبت فانه ولا ينفسخ نكاحها لان المالك الثاني نزل منزلة الاول. ولقصة بريرة حين خيرها النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله كتاب الله عليكم اي الزموه واهتدوا به فان فيه الشفاء والنور وفيه تفصيل الحلال من الحرام. ودخل في قوله واحل لكم ما وراء ذلكم كل ما لم يذكر في هذه الاية فانه حلال طيب فالحرام محصور والحلال ليس له حد ولا حصر. لطفا من الله ورحمة وتيسيرا للعباد قوله ان تبتغوا باموالكم اي تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم. من اللاتي اباحهن الله لكم حالة كونكم محصنين. اي مستعفين عن زنا ومعفين نساءكم غير مسافحين والسفح سفح الماء في الحلال والحرام فان الفاعل لذلك لا يحسن زوجته لكونه وضع شهوته وفي الحرام فتضعف داعيته للحلال فلا يبقى محصنا لزوجته وفيها دلالة على انه لا يزوج غير العفيف. لقوله تعالى الزاني لا الا زانية او مشركة. والزانية لا ينكحها الا زان او مشرك. فما استمتعتم به منهن. اي ممن تزوجتموها فاتوهن اجورهن اي الاجور في مقابلة الاستمتاع. ولهذا اذا دخل الزوج بزوجته تقرر عليه صداقها فريضة. اي ايتاؤكم اياهن اجورهن فرضه الله عليكم ليس بمنزلة التبرع الذي ان شاء امضاه وان شاء رده او معنى قوله فريضة اي مقدرة قد قدرتموها فوجبت عليكم فلا تنقصوا منها شيئا ولا جناح عليكم فيما ترضيتم به من بعد الفريضة. اي بزيادة من الزوج او اسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس هذا قول كثير من المفسرين. وقال كثير منهم انها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالا في اول الاسلام. ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم وانه يؤمر بتوقيتها واجرها. ثم اذا انقضى الامد الذي بينهما فتراضيا بعد الفريضة فلا حرج عليهما. والله اعلم. ان الله كان عليما حكيما. اي كامل العلم واسعه. كامل الحكمة. فمن علمه وحكمته شرع لكم هذه الشرائع. وحد لكم هذه الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام ثم قال تعالى اه ان اجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات اخدان اي ومن لم يستطع القول الذي هو المهر لنكاح المحصنات اي الحرائر المؤمنات وخاف على نفسه العنت. اي الزنا او المشقة الكثيرة. فيجوز له نكاح الاماء المملوكات المؤمنات. وهذا فبحسب ما يظهر والا فالله اعلم بالمؤمن الصادق من غيره. فامور الدنيا مبنية على ظواهر الامور. واحكام الاخرة مبنية على ما في البواطن فانكحوهن اي المملوكات باذن اهلهن. اي سيدهن واحدا او متعددا. واتوهن اجورهن بالمعروف. اي ولو كنا اماء فانه كما يجب المهر للحرة. فكذلك يجب للامة. ولكن يجوز نكاح الاماء الا اذا كن محصنات. اي عفيفات عن الزنا غير مسافحات علانية ولا متخذات اخدان. اي اخلاء في السر. فالحاصل انه لا يجوز للحر المسلم نكاح امة الا باربعة شروط ذكرها الله الايمان بهن والعفة ظاهرا وباطنا. وعدم استطاعة طول الحرة وخوف العنت. فاذا تمت هذه الشروط جاز له نكاحهن ومع هذا فالصبر عن نكاحهن افضل. لما فيه من تعريض الاولاد للرق. ولما فيه من الدنائة والعيب. وهذا اذا امكن الصبر. فان لم يمكن الصبر عن المحرم الا بنكاحهن وجب ذلك. ولهذا قال وان تصبروا خير لكم. والله غفور رحيم. وقوله فاذا احصن اي او اسلم اي الاماء فعليهن نصف ما على المحصنات اي الحرائر من العذاب. وذلك الذي يمكن تنصيفه. وهو الجلد فيكون عليهن خمسون جلدة. واما الرجم فليس على الاماء رجم. لانه لا يتنصف. فعلى القول الاول اذا لم يتزوجن فليس عليهن حد. انما عليهن تعذير يردعهن عن فعل الفاحشة. وعلى القول الثاني ان الاماء غير المسلمات. اذا فعلن فاحشة ايضا عزرن. وختم هذه الاية هذين الاسمين الكريمين الغفور والرحيم. لكون هذه الاحكام رحمة بالعباد وكرما واحسانا اليهم. فلم يضيق عليهم بل وسع غاية السعة ولعل في ذكر المغفرة بعد ذكر الحج اشارة الى ان الحدود كفارات يغفر الله بها ذنوب عباده كما ورد بذلك الحديث. وحكم ابن العبد الذكر في الحد المذكور حكم الامة. لعدم الفارق بينهما يخبر تعالى بمنته العظيمة. ومنحته الجسيمة وحسن تربيته لعباده المؤمنين. وسهولة دينه. فقال يريد الله ليبين لكم اي جميع ما تحتاجون الى بيانه من الحق والباطل والحلال والحرام ويهديكم سنن الذين من قبلكم اي الذين انعم الله عليهم من النبيين واتباعهم في كريم حميدة وافعالهم السديدة وشمائلهم الكاملة وتوفيقهم التام. فلذلك نفذ ما اراده ووضح لكم وبين بيانا ما بين من قبلكم وهداكم هداية عظيمة في العلم والعمل ويتوب عليكم ان يلطف بكم في احوالكم ومشرعه لكم حتى تمكنوا من الوقوف على ما الله والاكتفاء بما احله. فتقل ذنوبكم بسبب ما يسر الله عليكم. فهذا من توبته على عباده. ومن توبته عليهم انهم اذا اذنبوا فلهم ابواب الرحمة واوزع قلوبهم الانابة اليه والتذلل بين يديه ثم يتوب عليهم بقبول ما وفقهم له فله الحمد والشكر على ذلك. وقوله والله عليم حكيم. اي كامل الحكمة. فمن علمه ان علمكم ما لم تكونوا تعلمون. ومنها هذه الاشياء والحدود. ومن حكمته انه يتوب على من اقتضت حكمته ورحمته التوبة عليه. ويخذل من اقتضت حكمته وعدله من لا يصلح للتوبة. وقوله والله يريد ان يتوب اي توبة تلم شعثكم وتجمع متفرقكم وتقرب بعيدكم ويريد الذين يتبعون الشهوات اي يميلون معها حيث مالت ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم. ويعبدون اهواءهم من اصناف الكفرة والعاصين. المقدمين لاهوائهم على طاعة ربهم. فهؤلاء دون ان تميلوا ميلا عظيما اي ان تنحرفوا عن الصراط المستقيم الى صراط المغضوب عليهم والضالين. يريدون ان يصرفوكم عن طاعة الرحمن الى طاعة الشيطان وعن التزام حدوده من السعادة كلها في امتثال اوامره. الى من الشقاوة كلها في اتباعه. فاذا عرفتم ان الله تعالى يأمركم بما فيه فلاحكم وفلاحكم وسعادتكم. وان هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء. فاختاروا لانفسكم اولى الداعيين وتخيروا احسن الطريقتين يريد الله ان يخفف عنكم اي بسهولة ما امركم به وما نهاكم عنه. ثم مع حصول المشقة في بعض الشرائع اباح لكم ما تقتضيه حاجتكم كالميتة والدم ونحوهما للمضطر. وكتزوج الامة للحر بتلك الشروط السابقة. وذلك لرحمته التامة واحسانه الشامل وعلمه وحكمته بضعف الانسان من جميع الوجوه. ضعف البنية وضعف الارادة وضعف العزيمة وضعف الايمان وضعف الصبر. فنسبه ذلك ان يخفف الله عنه ما يضعف عنه وما لا يطيقه ايمانه وصبره وقوته ينهى تعالى عباده المؤمنين ان يأكلوا اموالهم بينهم بالباطل. وهذا يشمل اكلها بالغصوب والسرقات. واخذها بالقمار والمكاسب الرديئة. بل لعله يدخل في ذلك اكل مال نفسك على وجه البطر والاصرار لان هذا من الباطل وليس من الحق. ثم انه لما حرم اكلها بالباطل اباح لهم اكلها بالتجارات والمكاسب الخالية من الموانع. المشتملة على الشروط من التراضي وغيره. ولا تقتلوا انفسكم اي لا يقتل بعضكم بعضا. ولا يقتل الانسان نفسه. ويدخل في ذلك الالقاء بالنفس الى التهلكة وفعل الاخطار المفضية الى التلف والهلاك. ان الله كان بكم رحيما. ومن رحمته انصانا نفوسكم واموالكم. ونهاكم عن اضاعتها واتلافها ورتب على ذلك ما رتبه من الحدود. وتأمل هذا الايجاز والجمع في قوله لا تأكلوا اموالكم ولا تقتلوا انفسكم. كيف شمل اموال على غيرك ومال نفسك. وقتل نفسك وقتل غيرك. بعبارة اخسر من قوله لا يأكل بعضكم مال بعض. ولا يقتل بعضكم بعضا. مع قصور بهذه العبارة على مال الغير ونفس الغير فقط. مع ان اضافة الاموال والانفس الى عموم المؤمنين فيه دلالة على ان المؤمنين في توادهم وتراحمهم امهم وتعاطفهم ومصالحهم كالجسد الواحد. حيث كان الايمان يجمعهم على مصالحهم الدينية والدنيوية. ولما نهى عن اكل الاموال بالباطل التي فيها غاية الضرر عليهم على الاكل ومن اخذ ماله اباح لهم ما فيه مصلحتهم من انواع المكاسب والتجارات وانواع الحرف والايجارات فقال الا ان تكون تجارة عن تراض منكم. اي فانها مباحة لكم. وشرط التراضي مع كونها تجارة. لدلالة انه يشترط ان يكون العقد غير وعقد ربا لان الربا ليس من التجارة بل مخالف لمقصودها وانه لابد ان يرضى كل المتعاقدين ويأتي به اختيارا. ومن تمام الرضا ان يكون المعقود وعليه معلومة لانه اذا لم يكن كذلك لا يتصور الرضا مقدورا على تسليمه. لان غير المقدور عليه شبيه ببيع القمار. فبيع الغرر بجميع انواعه خال من الرضا فلا ينفذ عقده. وفيها انه تنعقد العقود بما دل عليها من قول او فعل. لان الله شرط الرضا فباي طريق فبه الرضا انعقد به العقد ثم ختم الاية بقوله ان الله كان بكم رحيما. ومن رحمته ان عصم دماءكم واموالكم وصانها. ونهى عن انتهاكها. ثم قال ومن يفعل ذلك اي اكل الاموال بالباطل وقتل عدوانا وظلما اي لا جهلا ونسيانا فسوف نصليه نارا. اي عظيمة كما يفيده التنكير. وكان ذلك على الله وهذا من فضل الله واحسانه على عباده المؤمنين. وعدهم انهم اذا اجتنبوا الكبائر المنهية غفر لهم جميع الذنوب والسيئات وادخلهم مدخلا كريما كثير الخير وهو الجنة المشتملة على ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويدخل في اجتناب الكبائر فعل الفرائض. التي يكون تاركها مرتكبا كبيرة كالصلوات الخمس والجمعة وصوم رمضان. كما قال النبي صلى الله الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهما ما اجتنبت الكبائر. واحسن ما حدت به الكبائر ان الكبيرة ما فيه حد في الدنيا او وعيد في الاخرة او نفي ايمان او ترتيب لعنة او غضب عليه