يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة كتاب رسالة في الحث على اجتماع كلمة المسلمين وذم التفرق والاختلاف فائدة مهمة اعلم انه ينبغي للمعلم ان يفتح للمتعلمين باب البحث والمراجعة والانتقاء في المسائل العلمية فان في ذلك من المصالح الدينية ما لا يدخل تحت الحصر فمنها ان ذلك من باب التعاون على البر والتقوى لان مصالح الدارين لا تتم الا بالتعاون عليها فالمسائل العلمية لا تتم الا بذلك وهي بدونه في غاية النقص ومنها ان ذلك يوجب لهم التهذب والتدرب على المعارضة والاستدلال والترجيح والتضعيف فتتقد بذلك افكارهم ويحصل لهم ملكة يقتدرون بها على الايراد والجواب فبالامتحان تنصقل الاذهان ومنها ان في اهمال المعلم لهذا وجبل المتعلمين على تلقي جميع ما يقوله بالقبول وعدم المعارضة له فيما تحققوا وظنوا او شكوا فيه فيه غلقا لباب الفائدة للمعلم والمتعلم اما المتعلم فظاهر فانه اذا لم يعارض ويبحث لم يهتدي الى الصواب الا في المسائل الواضحة البسيطة واما المسائل التي تحتاج الى تحرير وتقرير وجواب وايراد فبابها عليه مسدود بل ربما ان المتعلم الذي قد تقررت عنده المسألة على صوابها اذا رأى معلمه قد خالف ما عنده ولم تحصل منه المباحثة المذكورة قد يشك فيما علمه او يعتقد خلاف ما ظنه من الصواب كما هو الواقع وهذه الحالة اذا استمر عليها المتعلمون خمدت اذهانهم وافكارهم فيكون الذكي الفطن جامد الذهن خالي القريحة وذلك ان القوة المفكرة اذا لم تشتغل بالتفكر والتذكر واعمالها فيما هي مهيئة له بطل عملها بمنزلة بقية الجوارح التي اذا توالى عليها السكون والكسل لم تنفع صاحبها واسرع اليها الفساد فاذا اعملت فيما هي مستعدة له ترتبت وازدادت وترقت على الدوام واما غلقه لباب الفائدة عن المعلم فاظهر واظهر فانه يسد على نفسه ابوابا وطرقا من الخير قد كان يمكنه تحصيلها باسهل شيء فانه اذا حصلت المباحثة والمراجعة المذكورة بينه وبين المتعلمين لم يعدم بذلك ان يستفيد منهم علما حادثا او يتذكر علما منسيا او يتضح له ما كان مشكلة او يتوقف بسبب ذلك عن قول كان يجزم به على خلاف الصواب ومنها انه يوجب له التيقظ والاحتراز فيما يقوله وينقله فانه اذا علم انه اذا قال قولا او نقل شيئا لم يعارض ولم يوقف بوجهه بل يقبل على اي وجه كان تساهل في ذلك فقال ونقل ما اتفق له غير مراع للصواب فيحصر منه الخطأ والغلط شيء كثير واذا علم انه يعارض تنبه وتحرز وتحرى في قوله ونقله بحسب قدرته ومنها انه يوجب له كثرة المطالعة والبحث والتفتيش والتنبه لكل ما يخطر بباله انه سيتكلم به ومنها انه يتحسن بذلك خلقه ويصير له ملكة لتحمل ما يرد عليه من الاعتراضات فان صاحب المنصب العالي على غير الذي يرد غيره تبعا له لا يكاد يتحمل ممن دونه اذا عارضه بل منصبه يوجب له النفرة من الاعتراض عليه ممن هو مثله او فوقه فكيف بمن هو دونه فيخاف عليه لسبب ذلك من رد الحق ونصر الباطل الذي يعلمه ويغلب هذا السبب ما هو عليه من الديانة كما هو مشاهد ولهذا من ادب المعارض لمن هذه حاله اذا استبان للمعارض ان الصواب معه الا يكون ذلك بصورة المعارضة بل بصورة السؤال والاسترشاد والتنبيه على الصواب بالطف الطرق التي توجب القبول فاذا وطن نفسه على حصول المعارضة وعدم المبالاة بها بل الحرص عليها واوعز للمتعلمين ان يعارضوه بما يرون انه معارض لقوله تدرب بذلك وصار له ملكة قوية على ذلك بحيث لا يبالي بالمعارضة من صغير وكبير بل قد تراه يقول القول في الملأ جازما به ثم يظهر له عكس ما جزم به فيبديه غير خجل ولا مكترث بل قصده الوصول الى الحق والنصيحة للخلق وحبذا حالة توصل العبد الى هذا الخلق الذي لا الا ذو حظ عظيم ومنها ان المعلم اذا هذب المتعلمين على هذه الطريقة الحسنة او غيرها من الطرق الحسنة صار سببا لاستمرار هذه الحال في من تعلم منهم وتربى بهم لانهم يربونه على ما تربوا عليه ويحصر له من الخير ما لا يعلمه الا الله ومنها انه يعرف بذلك مراتبهم ودرجاتهم في التحصيل. ومعرفة مراتب الناس من اهم الامور خصوصا من له التدبير فيهم فانه يحتاج بل يضطر الى ذلك لاجل عمله فيهم لان عمله لا يتم الا بتنزيلهم منازلهم واعطاء كل ما يستحقه ومنها ان ذلك يوجب الثقة بقوله لان من وفق لهذه الحالة وفق للصواب واما من سد على نفسه هذا الباب فقد حصل على غاية الحرمان من العلم والعمل والثواب والخطر العظيم بسبب سوء الخلق الذي يؤثر ما يؤثر وسوء التعليم وقلة النتيجة وعدم النصيحة التي هي اس التعليم بل اس كل عمل والاعجاب بالنفس وعدم الثقة بقوله وغير ذلك فنسأل الله توفيقا يوفقنا الى الصواب ويصرفنا عن كل شر تم الكتاب والحمدلله على يد معلقه الفقير الى الله عبدالرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين اللهم صل على محمد وسلم