المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها الذين امنوا اوفوا بالعقوب ان الله يحكم ما يريد. هذا امر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الايمان بالوفاء بالعقود اي باكمالها واتمامها وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه من التزام عبوديته والقيام بها اتم قيام وعدم الانتقاص من حقوقها شيئا والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه التي بينه وبين الوالدين والاقارب ببرهم وصلتهم وعدم قطيعتهم. والتي بينه وبين اصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر واليسر والعسر والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات كالبيع والاجارة ونحوهما وعقود التبرعات كالهبة ونحوها بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله انما المؤمنون اخوة بالتناسل على الحق والتعاون عليه بين المسلمين وعدم التقاطع. فهذا الامر شامل لاصول الدين وفروعه. فكلها داخلة في العقود التي امر الله بالقيام بها ثم قال ممتنا على عباده احلت لكم اي لاجلكم رحمة بكم بهيمة الانعام من الابل والبقر والغنم بل ربما دخل في ذلك الوحشي منها والظباء حمر الوحش ونحوها من الصيود. واستدل بعض الصحابة بهذه الاية على اباحة الجنين الذي يموت في بطن امه بعدما تذبح الا ما يتلى عليكم تحريمه منها في قوله حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير الى اخر الاية فان هذه المذكورات وان كانت من بهيمة الانعام فانها محرمة. ولما كانت اباحة بهيمة الانعام عامة في جميع الاحوال والاوقات استثنى منها الصيد في حال الاحرام فقال غير محل الصيد وانتم حرم. اي احلت لكم بهيمة الانعام في كل حال الا حيث كنتم متصفين بانكم غير محل الصيد وانتم حرم. اي متجرؤون على قتله في حال الاحرام. وفي الحرم فان ذلك لا يحل لكم اذا كان صيدا كالظباء ونحوه. والصيد هو الحيوان المأكول المتوحش اي فمهما اراده تعالى حكم به حكما موافقا لحكمته. كما امركم بالوفاء بالعقود لحصول مصالحكم ودفع المضاج عنكم واحل لكم بهيمة الانعام رحمة بكم وحرم عليكم ما استثنى منها من ذوات عوانظ من الميتة ونحوها صونا لكم واحتراما صيد الاحرام احتراما للاحرام واعظاما ولا آآ اعتلوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب. يقول تعالى يا ايها الذين امنوا لا تحلوا شعائر الله. اي محرماته التي امركم بتعظيمها. وعدم فعلها. والنهي يشمل النهي عن فعلها والنهي عن اعتقاد حلها. فهو يشمل النهي عن فعل القبيح وعن اعتقاده. ويدخل في ذلك النهي عن محرمات الاحرام. ومحرمات الحرم ويدخل في ذلك ما نص عليه بقوله ولا الشهر الحرام اي لا تنتهكوهم بالقتال فيه وغيره من انواع الظلم كما قال تعالى ان الشهور عند الله اثنى عشر شهرا في كتاب الله. يوم خلق السماوات والارض منها اربعة حرم. ذلك الدين القيم فلا فيهن انفسكم والجمهور من العلماء على ان القتال في الاشهر الحرم منسوخ بقوله تعالى فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا حيث وجدتموهم وغير ذلك من العمومات التي فيها الامر بقتال الكفار مطلقا. والوعيد في التخلف عن قتالهم مطلقا. وبان ان النبي صلى الله عليه وسلم قاتل اهل الطائف في ذي القعدة وهو من الاشهر الحرم. وقال اخرون ان النهي عن القتال في الاشهر الحرم غير منسوخ لهذه الاية وغيرها. مما فيه النهي عن ذلك بخصوصه. وحملوا النصوص المطلقة الواردة على ذلك. وقالوا المطلق على المقيد وفصل بعضهم فقال لا يجوز ابتداء القتال في الاشهر الحرم. واما استدامته وتكميله اذا كان اوله في غيرها فانه يجوز وحملوا قتال النبي صلى الله عليه وسلم لاهل الطائف على ذلك. لان اول قتالهم في حنين في شوال وكل هذا لا في القتال الذي ليس المقصود منه الدفع. فاما قتال الدفع اذا ابتدأ الكفار المسلمين بالقتال فانه يجوز للمسلمين القتال دفعا عن انفسهم في الشهر الحرام وغيره باجماع العلماء. وقوله ولا الهدي ولا القلائد. اي ولا تحل الهدي الذي يهدى الى بيت الله في حج او عمرة او غيرهما من نعم وغيرها فلا تصدوه عن الوصول الى محله. ولا تأخذوه بسرقة او غيرها. ولا تقصروا به او خشبة او هدم شيء عليها بقصد او بغير قصد. والمتردية اي الساقطة من علو كجبل او جدار او سطح ونحوه تموت بذلك والنطيحة وهي التي تنطحها غيرها فتموت. وما اكل السبع من ذئب او اسد او نمر. او من الطيور التي تفترس ما لا يطيق خوفا من تلفه قبل وصوله الى محله. بل عظموه وعظموا من جاء به. ولا القلائد هذا نوع خاص من انواع الهدي وهو الهدي الذي يفتل له قلائد او عرى. فيجعل في اعناقه اظهارا لشعائر الله. وحملا للناس على الاقتداء وتعليما لهم للسنة وليعرف انه هدي فيحترم. ولهذا كان تقليد الهدي من السنن والشعائر المسنونة من البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ولامين البيت الحرام اي قاصدين يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا. اي من قصد هذا البيت الحرام وقصده فضل الله بالتجارة والمكاسب المباحة. او قصده الله بحجه وعمرته والطواف به. والصلاة وغيرها من انواع العبادات. فلا تتعرضوا له بسوء. ولا تهينوه. بل اكرموه عظموا الوافدين الزائرين لبيت ربكم. ودخل في هذا الامر الامر بتأمين الطرق الموصلة الى بيت الله. وجعل القاصدين له مطمئنين ومستريحين غير خائفين على انفسهم من القتل فما دونه. ولا على اموالهم من المكث والنهب ونحو ذلك. وهذه الاية الكريمة مخصوصة قوله تعالى يا ايها الذين امنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا. فالمشرك لا يمكن من الدخول الى الحرم والتخصيص في هذه الاية بالنهي عن التعرض لمن قصد البيت ابتغاء فضل الله او رضوانه. يدل على ان من قصده ليلحد فيه بالمعاصي فان من تمام احترام الحرم صد من هذه حاله عن الافساد ببيت الله. كما قال الله تعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم من عذاب اليم. ولما نهاهم عن الصيد في حال الاحرام قال واذا حللتم فاصطادوا اي اذا حللتم من الاحرام بالحج والعمرة وخرجتم من الحرم حل لكم الاصطياد وزال ذلك التحريم والامر بعد التحريم يرد الاشياء الى ما كانت عليه من قبل. ولا يجرمنكم شنآن قوم ان صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا. اي ليحملنكم بغض قوم وعداوتهم ثم اعتداؤهم عليكم حيث صدوكم عن المسجد على الاعتداء عليهم طلبا للاشتفاء منهم. فان العبد عليه ان يلتزم امر الله ويسلك طريق العدل. ولو جني عليه او ظلم واعتدي عليه. فلا يحل له ان يكذب على من كذب عليه. او يخون من خانه وتعاونوا على البر والتقوى اي ليعن بعضكم بعضا على البر. وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه. من الاعمال الظاهرة والباطنة من حقوق الله وحقوق الادميين والتقوى في هذا الموضع اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله. من الاعمال الظاهرة والباطنة. وكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها او خصلة من خصال الشر المأمور بتركها. فان العبد مأمور بفعلها بنفسه. وبمعاونة غيره من اخوانه عليها بكل قول يبعث عليها وينشط لها. وبكل فعل كذلك. ولا تعاونوا على الاثم. وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها ويحرج والعدوان وهو التعدي على الخلق في دمائهم واموالهم واعراضهم. فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنا ثم اعانة غيره على تركه شديد العقاب على من عصاه. وتجرأ على محارمه. فاحذروا المحارم. لئلا يحل بكم عقابه العاجل والاجل وما اكل السمع الا هذا الذي حولنا الله عليه في قوله الا ما يتلى عليكم. واعلم ان الله تبارك وتعالى لا يحرم ما يحرم الا صيانة لعباده. وحماية له من الضرر وجودي في المحرمات وقد يبين للعباد ذلك وقد لا يبين. فاخبر انه حرم الميتة والمراد بالميتة ما فقدت حياته بغير شرعية فانها تحرم لضررها. وهو احتقان الدم في جوفها ولحمها. المضر باكلها. وكثيرا ما تموت بعلة تكون سببا لهلاكها فتضر بالاكل. ويستثنى من ذلك ميتة الجراد والسمك. فانه حلال والدم اي المسفوح. كما قيد في اية اخرى ولحم الخنزير وذلك شامل لجميع اجزائه. وانما نص الله عليه من بين سائر الخبائث من السباع. لان طائفة من للكتاب من النصارى يزعمون ان الله احله لهم. اي فلا تغتروا بهم بل هو محرم من جملة الخبائث. وما اهل لغير الله به اي ذكر عليه اسم غير الله تعالى من الاصنام والاولياء والكواكب وغير ذلك من المخلوقين. فكما ان ذكر الله تعالى يطيب الذبيحة ذكر اسم غيره عليها يفيدها خبثا معنويا. لانه شرك بالله تعالى والمنخنقة. اي الميتة بخنق بيد او حبل او ادخالها رأسها بشيء ضيق. فتعجز عن اخراجه حتى تموت. والموقوذة اي الميتة بسبب الضرب بعصا او حصى. او قيود فانها اذا ماتت بسبب اكل السبع فانها لا تحل. وقوله الا ما ذكيتم راجع لهذه المسائل. من منقلب ثقة وموقوذة ومتردية ونطيحة. واكيلة سبع اذا ذكيت وفيها حياة مستقرة لتتحقق الذكاة فيها. ولهذا قال لو ابانا السبع او غيره حشوتها او قطع حلقومها كان وجود حياتها كعدمه. لعدم فائدة الذكاة فيها. وبعضهم من لم يعتبر فيها الا وجود الحياة. فاذا ذكاها وفيها حياة حلت ولو كانت مبانت الحشوة. وهو ظاهر الاية الكريمة. وان تستقسموا الازلام اي وحرم عليكم الاستقسام بالازلام ومعنى الاستقسام طلب ما يقسم لكم ويقدر بها وهي قداح ثلاثة كانت تستعمل في مكتوب على احدها افعل وعلى الثاني لا تفعل. والثالث غفل لا كتابة فيها. فاذا هم احدهم بسفر او عرس او ونحوهما اجال تلك القداح المتساوية في الجرم. ثم اخرج واحدا منها فان خرج المكتوب عليه افعل مضى في امره. وان ظهر المكتوب عليه لا تفعل لم يفعل ولم يمضي في شأنه. وان ظهر الاخر الذي لا شيء عليه اعادها حتى يخرج احد القدحين. فيعمل فحرمه الله عليهم الذي في هذه الصورة. وما يشبهه وعوضهم عنه بالاستخارة لربهم في جميع امورهم. ذلكم فسق. الاشارة لكل ما تقدم من المحرمات التي حرمها الله صيانة لعباده. وانها فسق اي خروج عن طاعته الى طاعة الشيطان. ثم امتن على عباده بقوله فمن اضطر في مخمصة غير واليوم المشار اليه يوم عرفة. اذ اتم الله دينه ونصر عبده ورسوله. وانخذل اهل الشرك خذالا بليغا. بعدما كانوا حريصين ان على رد المؤمنين عن دينهم طامعين في ذلك. فلما رأوا عز الاسلام وانتصاره وظهوره. يئسوا كل اليأس من المؤمنين ان يرجعوا الى دينهم وصاروا يخافون منهم ويخشون. ولهذا في هذه السنة التي حج فيها النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر. حجة الوداع لم يحج فيها ولم يطف بالبيت عريا. ولهذا قال فلا تخشوهم واخشون. اي فلا تخشوا المشركين. واخشوا الله الذي نصركم عليهم لهم ورد كيدهم في نحورهم الاسلام دينا. اليوم اكملت لكم دينكم بتمام النصر وتكميل الشرائع الظاهرة والباطنة. الاصول والفروع ولهذا كان الكتاب والسنة كافيين كل الكفاية في احكام الدين اصوله وفروعه. فكل متكلف يزعم انه لا بد للناس في معرفة عقائدهم واحكامهم الى علوم غير علم الكتاب والسنة من علم الكلام وغيره. فهو جاهل مبطل في دعواه. قد زعم ان حين لا يكمن الا بما قاله ودعا اليه. وهذا من اعظم الظلم والتجهيل لله ورسوله. واتممت عليكم نعمتي الظاهرة والباطنة لكم الاسلام دينا. اي اخترته واصطفيته لكم دينا. كما ارتضيتكم له. فقوموا به شكرا لربكم. واحمدوا الذي من عليكم بافضل الاديان واشرفها واكملها فمن اضطر اي الجأته الضرورة الى اكل شيء من المحرمات السابقة في قوله حرمت عليكم الميتة في مخمصة اي مجاعة غير متجانس اي مائل لاثم بان لا يأكل حتى يضطر ولا يزيد في الاكل على كفايته فان ان الله غفور رحيم. حيث اباح له الاكل في هذه الحال. ورحمه بما يقيم به بنيته من غير نقص يلحقه في دينه كما احل لهم قل احل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمون اتقوا الله ان الله سريع حسابه. يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. يسألونك اذا احل لهم من الاطعمة. قل احل لكم الطيبات وهي كل ما فيه نفع او لذة. من غير ضرر بالبدن او بالعقل. فدخل في ذلك جميع الحبوب والثمار التي في القرى والبراري. ودخل في ذلك جميع حيوانات البحر. وجميع حيوانات البر الا ما استثناه الشارع. كالسباع الخبائث منها ولهذا دلت الاية بمفهومها على تحريم الخبائث. كما صرح به في قوله تعالى ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم وما علمتم من الجوارح اي احل لكم ما علمتم من الجوارح. دلت هذه الاية على امور. احدها لطف الله بعباده ورحمته لهم حيث وسع عليهم طرق الحلال واباح لهم ما لم يذكوه مما صادته الجوارح. والمراد بالجوارح الكلاب والفهود والصقر نحو ذلك مما يصيد بنابه او بمخلبه. الثاني انه يشترط ان تكون معلمة بما يعد في العرف تعليما. بان يسترسل اذا ارسل وان زجر اذا زجر واذا امسك لم يأكل. ولهذا قال تعلمونهن مما علمكم الله اسم الله عليه واتقوا الله ان الله سريع الحساب. فكلوا مما امسكنا عليكم اي امسكنا من الصيد لاجلكم. وما اكل منه الجارح فانه لا يعلم انه امسكه على صاحبه. ولعله ان يكون امسكه على نفسه. الثالث اشتراط ان يجرحه الكلب او الطير ونحوهما. لقوله من الجوارح مع ما تقدم من تحريم المنخنقة. فلو الكلب او غيره او قتله بثقله لم يبح. هذا بناء على ان الجوارح اللاتي يجرحن الصيد بانيابها او مخالبها. والمشهور ان وارحب بمعنى الكواسب اي المحصلات للصيد والمدركات لها فلا يكون فيها على هذا دلالة والله اعلم. الرابع جواز كلب الصيد كما ورد في الحديث الصحيح مع ان اقتناء الكلب محرم. لان من لازم اباحة صيده وتعليمه جواز اقتنائه. الخامس طهارة ما اصابه فم الكلب من الصيد. لان الله اباحه ولم يذكر له غسلا. فدل على طهارته. السادس فيه فضيلة العلم وان الجارح المعلم بسبب العلم يباح صيده. والجاهل بالتعليم لا يباح صيده. السابع ان الاشتغال بتعليم الكلب او الطير او نحوه ليس مذموما وليس من العبث والباطل. بل هو امر مقصود لانه وسيلة لحل صيده والانتفاع به. الثامن فيه حجة من اباح بيع كلب الصيد قال لانه قد لا يحصل له الا بذلك. التاسع فيه اشتراط التسمية عند ارسال الجارح. وانه ان لم يسمي متعمدا لم يبح ما قتل الجارح العاشر انه يجوز اكل ما صاده الجارح سواء قتله الجارح ام لا وانه ان ادركه صاحب وفيه حياة مستقرة فانه لا يباح الا بها. ثم حث تعالى على تقواه وحذر من اتيان الحساب في يوم القيامة. وان ذلك امر قد دنى واقترب فقال