فجمع لهم بين حصول المحبوب بالجنة. وما فيها من النعيم واندفاع المكروه بتكفير السيئات. ودفع ما يترتب عليها من العقوبات فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل فمن كفر بعد ذلك المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي كرر تعالى احلال الطيبات لبيان الامتنان. ودعوة للعباد الى شكره والاكثار من ذكره. حيث اباح لهم ما تدعوهم الحاجة اليه ويحصل لهم الانتفاع به من الطيبات. وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم. اي ذبائح اليهود والنصارى حلال لكم يا معشر المسلمين دون باقي الكفار فان ذبائحهم لا تحل للمسلمين. وذلك لان اهل الكتاب ينتسبون الى الانبياء والكتب. وقد اتفق كلهم على تحريم الذبح لغير الله. لانه شرك. فاليهود والنصارى يتدينون بتحريم الذبح لغير الله. فلذلك ابيحت ذبائحهم دون غيرهم والدليل على ان المراد بطعامهم ذبائحهم ان الطعام الذي ليس من الذبائح كالحبوب والثمار ليس لاهل الكتاب فيه خصوصية بل مفتاح ذلك ولو كان من طعام غيرهم. وايضا فانه اضاف الطعام اليهم. فدل ذلك على انه كان طعاما بسبب ذبحهم. ولا يقال ان ذلك للتمليك وان المراد الطعام الذي يملكون لان هذا لا يباح على وجه الغصب ولا من المسلمين. وطعامكم ايها المسلمون حن لهم اي يحل لكم ان تطعموهم اياه واحل لكم المحصنات اي الحرائر العفيفات من المؤمنات والحرائر العفيفات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم. اي من اليهود والنصارى. وهذا مخصص لقوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى سيؤمن ومفهوم الاية ان الارقاء من المؤمنات لا يباح نكاحهن للاحرار وهو كذلك. واما الكتابيات فعلى كل حال لا ولا يجوز نكاحهن للاحرار مطلقا. لقوله تعالى من فتياتكم المؤمنات. واما المسلمات اذا كن رقيقات فان انه لا يجوز للاحرار نكاحهن الا بشرطين. عدم الطول وخوف العنت. واما الفاجرات غير العفيفات عن الزنا. فلا يباح نكاحهن وان كنا مسلمات او كتابيات حتى يتبن لقوله تعالى الزاني لا ينكح الا زانية او مشركة. وقوله اذا اتيتموهن اجورهن اي ابحنا لكم نكاحهن اذا اعطيتموهن مهورهن. فمن عزم على الا يؤتيها مهرها فانها لا تحل له وامر بايتائها اذا كانت رشيدة تصلح للايتاء. والا اعطاه الزوج لوليها. واضافة الاجور اليهن دليل على ان المرأة تملك مهلها وليس لاحد منه شيء الا ما سمحت به لزوجها او وليها او غيرهما محصنين غير مسافحين اي حالت كونكم ايها الازواج محصنين لنسائكم بسبب حفظكم لفروجكم عن غيرهن. غير مسافحين اي زانين مع كل احد ولا متخذ اخدان وهو الزنا مع العشيقات. لان الزنا في الجاهلية منهم من يزني مع من كان فهذا المسافح. ومنهم من يزني مع خدنه ومحبه فاخبر الله تعالى ان ذلك كله ينافي العفة. وان شرط التزوج ان يكون الرجل عفيفا عن الزنا. وقوله تعالى ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله. اي ومن كفر بالله تعالى وما يجب الايمان به من كتبه ورسله. او شيء من الشرائع فقد حبط عمله بشرط ان يموت على كفره. كما قال تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر. فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة وهو في الاخرة من الخاسرين. اي الذين خسروا انفسهم واهليهم واموالهم يوم القيامة. وحصلوا على الشقاوة الابدية يا ايها الذين امنوا اذا قمتم من الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق فتيمموا صعيدا طيبا ولكن يريد ليطهركم ولكن يريد ان يطهركم من يتم نعمته عليك هذه اية عظيمة قد اشتملت على احكام كثيرة. نذكر منها ما يسره الله وسهله احدها ان هذه المذكورات فيها امتثالها والعمل بها من لوازم الايمان الذي لا يتم الا به. لانه صدرها بقوله يا ايها الذين امنوا ايا ايها الذين امنوا اعملوا بمقتضى ايمانكم بما شرعناه لكم. الثاني الامر بالقيام بالصلاة لقوله اذا قمتم الى الصلاة. الثالث الامر بالنية للصلاة. لقوله اذا قمتم الى الصلاة اي بقصدها ونيتها اشتراط الطهارة لصحة الصلاة. لان الله امر بها عند القيام اليها. والاصل في الامر الوجوب. الخامس ان الطهارة لا تجب لدخول الوقت وانما تجب عند ارادة الصلاة. السادس ان كل ما يطلق عليه اسم الصلاة من الفرض والنفل وفرض الكفاية صلاة الجنازة تشترط له الطهارة. حتى السجود المجرد عند كثير من العلماء كسجود التلاوة والشكر. السابع الامر بغسل الوجه وهو ما تحصل به المواجهة من منابت شعر الرأس المعتاد الى من حدر من اللحيين والذقن طولا. ومن الاذن الى الاذن عرضا. ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق بالسنة ويدخل فيه الشعور التي فيه لكن ان كانت خفيفة فلابد من ايصال الماء الى البشرة. وان كانت كثيفة اكتفي في ظاهرها الثامن الامر بغسل اليدين. وان حدهما الى المرفقين. والى كما قال جمهور المفسرين. بمعنى مع كقوله تعالى ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم. ولان الواجب لا يتم الا بغسل جميع المرفق. التاسع الامر بمسح الرأس العاشر انه يجب مسح جميعه. لان الباء ليست للتبعيض وانما هي للملاصقة. وانه يعم المسح بجميع الرأس في عشر انه يكفي المسح كيفما كان. بيديه او احداهما او خرقة او خشبة او نحوهما. لان الله اطلق المسح ولم يقيده بصفة فدل ذلك على اطلاقه الثاني عشر ان الواجب المسح فلو غسل رأسه ولم يمر يده عليه لم يكفي لانه لم يأت بما امر الله به. الثالث عشر الامر بغسل الرجلين الى الكعبين. ويقال فيهما ما يقال في اليدين. الرابع عشر فيها الرد على على قراءة الجمهور بالنصب. وانه لا يجوز مسحهما ما دامتا مكشوفتين. الخامس عشر فيه اشارة الى مسح الخفين على قراءة الجر في وارجلكم. وتكون كل من القراءتين محمولة على معنى. فعلى قراءة النصب فيها غسلهما ان كان مكشوفتين وعلى قراءة الجر فيها مسحهما اذا كانتا مسطورتين بالخف. السادس عشر الامر بالترتيب في الوضوء. لان الله تعالى ذكرها مرتبة. ولانه ادخل ممسوحا وهو الرأس بين مغسولين. ولا يعلم لذلك فائدة غير الترتيب. السابع عشر ان ترتيبه مخصوص بالاعضاء الاربعة. المسميات في هذه الاية. واما الترتيب بين المضمضة والاستنشاق والوجه او بين اليمنى واليسرى من اليدين والرجلين فان ذلك غير واجب. بل يستحب تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه. وتقديم اليمنى على اليسرى من اليدين والرجلين. وتقديم مسح الرأس على مسح الاذنين الثامن عشر الامر بتجديد الوضوء عند كل صلاة. لتوجد صورة المأمور به. التاسع عشر الامر بالغسل من الجنابة العشرون انه يجب تعميم الغسل للبدن. لان الله اضاف التطهر للبدن ولم يخصصه بشيء دون شيء. الحادي العشرون الامر بغسل ظاهر الشعر وباطنه في الجنابة. الثاني والعشرون انه يندرج الحدث الاصغر في الحدث الاكبر. ويكفي من هما عليه ان ينوي ثم يعمم بدنه. لان الله لم يذكر الا التطهر. ولم يذكر انه يعيد الوضوء. الثالث والعشرون ان الجنب يصدق على من انزل المني يقظة او مناما او جامع ولو لم ينزل. الرابع والعشرون ان من ذكر انه احتلم ولم يجد بللا فان انه لا غسل عليه لانه لم تتحقق منه الجنابة. الخامس والعشرون ذكر منة الله تعالى على العباد بمشروعية التيمم. السادس والعشرين عشرون ان من اسباب جواز التيمم وجود المرض الذي يضره غسله بالماء فيجوز له التيمم. السابع والعشرون ان من جملة اسباب جوازه السفر والاتيان من البول والغائط اذا عدم الماء. فالمرض يجوز التيمم مع وجود الماء لحصول التضرر به. وباقيها العدم للماء ولو كان في الحضر. الثامن والعشرون ان الخارج من السبيلين من بول وغائط ينقض الوضوء. التاسع والعشرون استدل بهذا من قال لا ينقض الوضوء الا هذان الامران. فلا ينتقض بلمس الفرج ولا بغيره. الثلاثون استحباب التكنيك عما يستقذر التلفظ به لقوله تعالى او جاء احد منكم من الغائط. الحادي والثلاثون ان لمس المرأة بلذة وشهوة ناقض للوضوء. الثاني والثلاثون اشتراط عدم الماء لصحة التيمم. الثالث والثلاثون انه مع وجود الماء ولو في الصلاة يبطل التيمم لان الله انما اباحه مع عدم الماء. الرابع والثلاثون انه اذا دخل الوقت وليس معه ماء فانه يلزمه في رحله وفيما قرب منه لانه لا يقال لم يجد لمن لم يطلب. الخامس والثلاثون ان من وجد ماء لا يكفي بعض فانه يلزمه استعماله. ثم يتيمم بعد ذلك. السادس والثلاثون ان الماء المتغير بالطاهرات مقدم على التيمم ان يكون طهورا لان الماء المتغير ماء فيدخل في قوله فلم تجدوا ماء. السابع والثلاثون انه لابد من نية التيمم لقوله فتيمموا اي اقصدوا. الثامن والثلاثون انه يكفي التيمم بكل ما تصاعد على وجه الارض من تراب وغيره. فيكون كونوا على هذا قوله فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه. اما من باب التغليب وان الغالب ان يكون له غبار يمسح منه. ويعلق بالوجه واليدين واما ان يكون ارشادا للافضل. وانه اذا امكن التراب الذي فيه غبار فهو اولى. التاسع والثلاثون انه لا يصح التيمم بالتراب النجس. لانه لا يكون طيبا بل خبيث. الاربعون انه يمسح في التيمم. الوجه واليدان فقط دون بقية الاعضاء الحادي والاربعون ان قوله بوجوهكم شامل لجميع الوجه وانه يعممه بالمسح الا انه معفو عن ادخال التراب في الفم والانف. وفيما تحت الشعور ولو خفيفة. الثاني والاربعون ان اليدين تمسحان الى الكوعين فقط. لان اليدين عند الاطلاق كذلك. فلو كان يشترط ايصال المسح الى الذراعين لقيده الله بذلك كما قيده في الوضوء. الثالث والاربعون ان الاية عامة في جواز التيمم لجميع الاحداث كلها. الحدث الاكبر والاصغر. بل ولنجاسة البدن. لان الله جعلها بدلا عن طهارة الماء واطلق في الاية فلم يقيد. وقد يقال ان نجاسة البدن لا تدخل في حكم التيمم. لان السياق في الاحداث وهو قول جمهور العلماء الرابع والاربعون ان محل التيمم في الحدث الاصغر والاكبر واحد وهو الوجه واليدان. الخامس والاربعون انه لو نوى من عليه حدثان التيمم عنهما فانه يجزئ اخذا من عموم الاية واطلاقها. السادس والاربعون انه يكفي المسح باي شيء كان بيده او غيرها لان الله قال فامسحوا ولم يذكر الممسوح به. فدل على جوازه بكل شيء. السابع والاربعون اشتراط الترتيب في طهارة التيمم. كما يشترط ذلك في الوضوء. ولان الله بدأ بمسح الوجه قبل مسح اليدين. الثامن والاربعون ان الله تعالى فيما شرعه لنا من الاحكام. لم يجعل علينا في ذلك من حرج ولا مشقة ولا عسر. وانما هو رحمة منه بعباده ليطهرهم. وليتم ان نعمته عليهم وهذا هو التاسع والاربعون. ان طهارة الظاهر بالماء والتراب تكميل لطهارة الباطن بالتوحيد. وتوبة النصوح الخمسون ان طهارة التيمم وان لم يكن فيها نظافة وطهارة تدرك بالحس والمشاهدة فان فيها طهارة معنوية ناشئة عن امتثال لا لامر الله تعالى الحادي والخمسون انه ينبغي للعبد ان يتدبر الحكم والاسرار في شرائع الله في الطهارة وغيرها ليزداد معرفة وعلما ويزداد شكرا لله ومحبة له على ما شرع من الاحكام التي توصل العبد الى المنازل العالية الرفيعة واتقوا يأمر تعالى عباده بذكر نعمه الدينية والدنيوية بقلوبهم والسنتهم. فان في استدامة ذكرها داعيا لشكر الله تعالى ومحبته. وامتلاء القلب من احسانه. وفيه زوال للعجب من النفس بالنعم الدينية وزيادة لفضل الله واحسانه. وميثاقه. اي واذكروا ميثاقه. الذي واثقكم به. اي عهده الذي اخذه عليكم وليس المراد بذلك انهم لفظوا ونطقوا بالعهد والميثاق. وانما المراد بذلك انهم بايمانهم بالله ورسوله. قد التزموا طاعتهما لهذا قال اذ قلتم سمعنا واطعنا. اي سمعنا ما دعوتنا به من اياتك القرآنية والكونية سمع فهم واذعان وانقياد. واطعت انا ما امرتنا به بالامتثال وما نهيتنا عنه بالاجتناب. وهذا شامل لجميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة. وان المؤمنين يذكرون في ذلك عند الله وميثاقه عليهم. وتكون منهم على بال ويحرصون على اداء ما امروا به كاملا غير ناقص ان الله عليم بذات الصدور. واتقوا الله في جميع احوالكم. ان الله عليم بذات الصدور اي بما تنطوي عليه من الافكار والاسرار والخواطر. فاحذروا ان يطلع من قلوبكم على امر لا يرضاه. او يصدر منكم ما يكرهه. واعمروا قلوبكم معرفته ومحبته والنصح لعباده. فانكم ان كنتم كذلك غفر لكم السيئات وضاعف لكم الحسنات. لعلمه بصلاح قلوبكم بالقسط ايجرمنكم شنئان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى. واتقوا اي يا ايها الذين امنوا بما امروا بالايمان به قوموا بلازم ايمانكم بان تكونوا قوامين لله شهداء بالقسط. بان تنشط للقيام بالقسط حركاتكم الظاهرة والباطنة. وان يكون ذلك القيام لله وحده لا لغرض من الاغراض الدنيوية. وان تكونوا قاصدين للقسط الذي هو العدل. لا الافراط ولا التفريط. في اقوالكم ولا بافعالكم وقوموا بذلك على القريب والبعيد. والصديق والعدو. ولا يجرمنكم ان يحملنكم بغض قوم على الا تعدلوا. كما يفعل نسأله من لا عدل عندهم ولا قسط. بل كما تشهدون لوليكم فاشهدوا عليه. وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له. ولو كان كافرا او مبتدأ فانه يجب العدل فيه وقبول ما يأتي به من الحق لانه حق لا لانه قاله ولا يرد الحق لاجل قوله فان هذا ظلم للحق اعدلوه هو اقرب للتقوى. اي كلما حرصتم على العدل واجتهدتم في العمل به كان ذلك اقرب لتقوى قلوبكم. فان تم العدل التقوى ان الله خبير بما تعملون فمجازيكم باعمالكم خيرها وشرها. صغيرها وكبيرها. جزاء عاجلا واجلا الذين امنوا وعملوا واجر عظيم اي وعد الله الذي لا يخلف الميعاد وهو اصدق القائلين المؤمنين به وبكتبه ورسله واليوم الاخر وعملوا الصالحات من واجبات مستحبات بالمغفرة لذنوبهم بالعفو عنها وعن عواقبها وبالاجر العظيم الذي لا يعلم عظمه الا الله تعالى فلا تعلم نفس ما لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون. والذين كفروا وكذبوا باياتنا اولئك والذين كفروا وكذبوا باياتنا الدالة على الحق المبين. فكذبوا بها بعدما الحقائق اولئك اصحاب الجحيم الملازمون لها ملازمة الصاحب لصاحبه واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون. يذكر تعالى عباده المؤمنين بنعمه العظيمة ويحثهم على تذكرها بالقلب واللسان. وانهم كما انهم يعدون قتلهم لاعدائهم. واخذ اموالهم وبلادهم وسبيهم نعمة عدوا ايضا انعامه عليهم بكف ايديهم عنهم. ورد كيدهم في نحورهم نعمة. فان الاعداء قد هموا بامر. وظنوا انهم قادرون عليه فاذ لم يدركوا بالمؤمنين مقصودهم فهو نصر من الله لعباده المؤمنين. ينبغي لهم ان يشكروا الله على ذلك ويعبدوه ويذكروه. وهذا يشمل كل من هم بالمؤمنين بشر من كافر ومنافق وباغ كف الله شره عن المسلمين. فانه داخل في هذه الاية. ثم امرهم بما به على الانتصار من عدوهم وعلى جميع امورهم. فقال وعلى الله فليتوكل المؤمنون ان يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية ويتبرأ من حولهم وقوتهم ويثق بالله تعالى في حصول ما يحبون. وعلى حسب ايمان العبد يكون توكله. وهو من واجبات القلب المتفق عليها يخبر تعالى انه اخذ على بني اسرائيل الميثاق الثقيل المؤكد. وذكر صفة الميثاق واجرهم ان قاموا به. واثمهم ان لم يقوموا به ثم ذكر انهم ما قاموا به وذكر ما عاقبهم به. فقال ولقد اخذ الله ميثاق بني اسرائيل اي عهدهم المؤكد الغليظ وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا. اي رئيسا وعريفا على من تحته. ليكون ناظرا عليهم حاثا لهم على القيام بما امروا به مطالبا يدعوهم وقال الله للنقباء الذين تحملوا من احبائي ما تحملوا اني معكم اي بالعون والنصر. فان المعونة بقدر المؤنة. ثم ذكر ما وثقهم عليه فقال لان اقمتم لا تظاهرا وباطنا. بالاتيان بما يلزم وينبغي فيها. والمداومة على ذلك. واتيتم الزكاة لمستحقيها. وامنتم برسلي الذين افضلهم واكملهم محمد صلى الله عليه وسلم. وعزرتموهم اي عظمتموهم واديتم ما يجب لهم من الاحترام والطاعة واقرضتم الله قرضا حسنا وهو الصدقة والاحسان. الصادر عن الصدق والاخلاص وطيب المكسب. فاذا قمتم بذلك العهد والميثاق المؤكد بالايمان والالتزامات المقرون بالترغيب بذكر ثوابه. فقد ضل سواء السبيل. اي عن عمد وعلم. فيستحق ما يستحقه الضالون من حرمان الثواب وحصول العقاب. فكأنه قيل ليت شعري ماذا فعلوا؟ وهل وفوا بما عاهدوا الله عليه؟ ام نكث فبين انهم نقضوا ذلك فقال فبما نقضهم ميثاقهم اي بسببه عاقبناهم بعدة عقوبات. الاولى انا لعناهم اي طردناهم وابعدناهم من رحمتنا. حيث اغلقوا على انفسهم ابواب الرحمة. ولم يقوموا بالعهد الذي اخذ عليهم. الذي هو سببها الاعظم الثانية قوله وجعلنا قلوبهم قاسية. اي غليظة لا تجدي فيها المواعظ. ولا تنفعها الايات والنذر. فلا يرغبهم تشويق ولا يزعجهم تخويف وهذا من اعظم العقوبات على العبد ان يكون قلبه بهذه الصفة التي لا يفيده الهدى والخير الا شراء. الثالثة انهم يحرفون الكلمة عن مواضعه. اي ابتلوا بالتغيير والتبديل. فيجعلون للكلم الذي اراد الله معنى غير ما اراده الله ولا رسول الرابعة انهم نسوا حظا مما ذكروا به. فانهم ذكروا بالتوراة وبما انزل الله على موسى. فنسوا حظا منه. وهذا شامل نسيان علمه وانهم نسوه وضاع منهم ولم يوجد كثير مما انساهم الله اياه عقوبة منه لهم. وشامل لنسيان العمل الذي هو والترك فلم يوفقوا للقيام بما امروا به. ويستدل بهذا على ان اهل الكتاب بانكارهم بعض الذي قد ذكر في كتابهم او وقع في زمانهم انه مما نسوه. الخامسة الخيانة المستمرة التي لا تزال تطلع على خائنة منهم. اي خيانة لله ولعباده المؤمنين ومن اعظم الخيانة منهم كتمهم عن من يعظهم ويحسن فيهم الظن الحق. وابقاؤهم على كفرهم فهذه خيانة عظيمة هذه الخصال الذميمة حاصلة لكل من اتصف بصفاتهم. فكل من لم يقم بما امر الله به. واخذ به عليه الالتزام كان له نصيب من من اللعنة وقسوة القلب والابتلاء بتحريف الكلم وانه لا يوفق للصواب. ونسيان حظ مما ذكر به وانه لا بد ان يبتلى بالخيانة نسأل الله العافية. وسمى الله تعالى ما ذكروا به حظا. لانه هو اعظم الحظوظ. وما عداه فانما هي حظوظ دنيوية. كما قال تعالى فخرج على قومه في زينته. قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون. انه لذو حظ عظيم وقال في الحظ النافع وما يلقاها الا الذين صبروا. وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. وقوله الا قليلا منهم. اي فانهم وفوا بما عاهدوا الله عليه. فوفقهم وهداهم للصراط المستقيم فاعف عنهم واصفح اي لا تؤاخذهم بما يصدر منهم من الاذى الذي يقتضي ان يعفى عنهم واصفح فان ذلك ان الاحسان ان الله يحب المحسنين والاحسان هو ان تعبد الله كأنك تراه. فان لم تكن تراه فانه يراك. وفي حق المخلوقين بذل النفع الديني والدنيوي لهم فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء اي وكما اخذنا على يهودي العهد والميثاق. فكذلك اخذنا على الذين قالوا انا نصارى لعيسى ابن مريم. وزكوا انفسهم بالايمان بالله ورسله. وما جاءوا به فنقضوا العهد فنسوا حظا مما ذكروا به. نسيانا علميا ونسيانا عمليا. فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة اي سلطنا بعضهم على بعض. وصار بينهم من الشرور والاحان ما يقتضي بغض بعضهم بعضا. ومعاداة بعضهم بعضا الى يوم القيامة وهذا امر مشاهد. فان النصارى لا يزالون في بغض وعداوة وشقاق فيعاقبهم عليه