المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي الرحمة ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه. الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون. يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المشركين بالله مقررا لهم وملزما بالتوحيد لمن ما في السماوات والارض اي من الخالق لذلك المالك له المتصرف فيه قل لهم لله وهم مقرون بذلك لا ينكرونه. افلا حين اعترفوا بانفراد الله بالملك والتدبير؟ ان يعترفوا له بالاخلاص والتوحيد. وقوله على نفسه الرحمة اي العالم العلوي والسفلي تحت ملكه وتدبيره. وهو تعالى قد بسط عليهم رحمته واحسانه. وتغمدهم برحمته وامتنانه وكتب على نفسه كتابا ان رحمته تغلب غضبه. وان العطاء احب اليه من المنع. وان الله قد فتح لجميع العباد ابواب الرحمة ان لم يغلقوا عليهم ابوابها بذنوبهم. ودعاهم اليها ان لم تمنعهم من طلبها معاصيهم وعيوبهم. وقوله ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه. وهذا قسم منه وهو اصدق المخبرين. وقد اقام على ذلك من الحجج البينة والبراهين. ما اجعله حق اليقين ولكن ابى الظالمون الا جحودا وانكروا قدرة الله على بعث الخلائق فاوضعوا في معاصيه وتجرأوا على الكفر به فخسروا دنياهم واخراهم. ولهذا قال الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون اعلم ان هذه السورة الكريمة قد اشتملت على تقرير التوحيد بكل دليل عقلي نقلي بل كادت ان تكون كلها في شأن التوحيد ومجادلة المشركين بالله المكذبين لرسوله. فهذه الايات ذكر الله فيها ما يتبين به هدى وينقمع به الشرك فذكر ان له تعالى ما سكن في الليل والنهار هو السميع العليم. وذلك هو المخلوقات كلها من ادميها وجنها وملائكتها وحيواناتها وجماداتها فالكل خلق مدبرون وعبيد مسخرون لربهم العظيم القاهر المالك. فهل يصح في عقل ونقل ان يعبد من هؤلاء المماليك الذي لا نفع عنده ولا ضر. ويترك الاخلاص للخالق المدبر المالك. الضار النافع ام العقول السليمة والفطر المستقيمة؟ تدعو الى اخلاص العبادة والحب والخوف والرجاء لله رب العالمين. السميع لجميع الاصوات على اختلاف اللغات بتفنن الحاجات. العليم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون المطلع على الظواهر والبواطن وهو يطعم امرت ان اكون اول من اسلم ولا تكونن من المشركين. قل لهؤلاء المشركين بالله الى الله اتخذ وليا من هؤلاء المخلوقات العاجزة يتولاني وينصرني. فلا اتخذ من دونه تعالى وليا. لانه فاطر السماوات والارض اي خالقهما ومدبرهما. وهو يطعم ولا يطعم. اي وهو الرازق لجميع الخلق. من غير حاجة منه تعالى اليهم. فكيف ان اتخذ وليا غير الخالق الرازق الغني الحميد. قل اني امرت ان اكون اول من اسلم لله بالتوحيد. وانقاد له بالطاعة. لاني اولى من غيري بامتثال اوامر ربي ولا تكونن من المشركين. اي ونهيت ايضا عن ان اكون من المشركين. لا في اعتقادهم ولا في مجالستهم ولا في الاجتماع بهم فهذا افرض الفروض علي. واوجب الواجبات قل اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم. فان المعصية في الشرك توجب الخلود في النار. وسخط وذلك اليوم هو اليوم الذي يخاف عذابه ويحذر عقابه. لانه من صرف عنه العذاب يومئذ فهو المرحوم. ومن نجا فيه فهو الفائز حقا. كما ان من لم ينجو منه فهو الهالك الشقي. ومن ادلة توحيده انه تعالى المنفرد بكشف الضراء وجلب الخير والسراء. ولهذا قال وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يمسسك بخير فهو عليم على كل شيء قدير. وان يمسسك الله بضر من فقر او مرض او عسر او غم او هم او نحوه فلا كاشف له الا هو. وان يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير. فاذا كان وحده النافع الضار فهو الذي يستحق ان يفرد والالهية. وهو القاهر فوق فلا يتصرف منهم متصرف ولا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن الا بمشيئته. وليس للمملوك وغيرهم الخروج عن ملكه وسلطانه بل هم مدبرون مقهورون. فاذا كان هو القاهر وغيره مقهورا. كان هو المستحق للعبادة. وهو الحكيم فيما امر به ونهى واثاب وعاقب. وفيما خلق وقدر. الخبير المطلع على السرائر والضمائر وخفايا الامور. وهذا كله من ادلة التوحيد هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ اانكم لتشهدون ان قل لهم لما بينا لهم الهدى واوضحنا لهم المسالك. اي اي شيء اكبر شهادة على هذا الاصل العظيم. قل الله اكبر شهادة فهو شهيد بيني وبينكم. فلا اعظم منه شهادة ولا اكبر وهو يشهد لي باقراره وفعله فيقرني على ما قلت لكم كما قال تعالى ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين. فالله حكيم قدير. فلا يليق بحكمته وقدرته ان يقر كاذبا عليه. زاعما ان الله ارسله ولم يرسله وان الله امره بدعوة الخلق ولم يأمره. وان الله اباح له دماء من خالفه واموالهم ونساءهم. وهو مع ذلك يصدقه باقراره فعله فيؤيده على ما قال بالمعجزات الباهرة والايات الظاهرة. وينصره ويخذل من خالفه وعاداه. فاي شهادة اكبر من هذه الشهادة وقوله واوحي الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ. اي واوحى الله الي هذا القرآن الكريم لمنفعتكم ومصلحتكم لانذركم به من العقاب الاليم. والنذارة انما تكون بذكر ما ينذرهم به من الترغيب والترهيب. وببيان الاعمال والاقوال الظاهرة والباطنة التي من قام بها فقد قبل النذارة. فهذا القرآن فيه النذارة لكم ايها المخاطبون. وكل من بلغه القرآن الى يوم القيامة. فان فيه بيان كل ما يحتاج اليه من المطالب الالهية. لما بين تعالى شهادته التي هي اكبر الشهادات على توحيده. قال قل لهؤلاء المعارضين لله والمكذبين لرسله اانكم لتشهدون ان مع الله الهة اخرى. قل لا اشهد اي ان شهدوا فلا تشهد معهم فوازن بين شهادة اصدق القائلين ورب العالمين وشهادة ازكى الخلق المؤيدة بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة على توحيد الله وحده لا شريك وشهادة اهل الشرك الذين مرجت عقولهم واديانهم. وفسدت ارائهم واخلاقهم واضحكوا على انفسهم العقلاء. بل خالفوا شهادة فطرهم وتناقضت اقوالهم على اثبات ان مع الله الهة اخرى. مع انه لا يقوم على ما قالوه ادنى شبهة فضلا عن الحجج واختر لنفسك اي الشهادتين ان كنت تعقل. ونحن نختار لانفسنا ما اختاره الله لنبيه. الذي امرنا الله بالاقتداء به. فقال قل انما هو اله واحد. اي منفرد لا يستحق العبودية والالهية سواه. كما انه المنفرد بالخلق والتدبير. وانني بريء مما تشركون به من الاوثان والانداد وكل ما اشرك به مع الله فهذا حقيقة التوحيد. اثبات الالهية لله ونفيها عما عداه الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم. الذين خسروا لما بين شهادته وشهادة رسوله على التوحيد. وشهادة المشركين الذين لا علم لديهم على ضده ذكر ان اهل الكتاب من اليهود والنصارى يعرفونه اي يعرفون صحة التوحيد كما يعرفون ابناءهم اي لا شك لهم فيه بوجه كما انهم لا يشتبهون باولادهم خصوصا البنين الملازمين في الغالب لابائهم. ويحتمل ان الضمير عائد الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وان اهل الكتاب لا يشتبهون بصحة رسالته ولا يمترون بها لما عندهم من البشارات به ونعوته التي تنطبق عليه فيه ولا تصلح لغيره والمعنيان متلازمان. قوله الذين خسروا انفسهم اي فوتوها ما خلقت له من الايمان والتوحيد حرموها الفضل من الملك المجيد. فهم لا يؤمنون. فاذا لم يوجد الايمان منهم فلا تسأل عن الخسارة والشر الذي يحصل لهم. ومن اي لا اعظم ظلما وعنادا ممن كان فيه احد الوصفين. فكيف لو اجتمعا افتراء الكذب على الله؟ او التكذيب باياته التي جاءت بها المرسلون فان هذا اظلم الناس والظالم لا يفلح ابدا. ويدخل في هذا كل من كذب على الله بادعاء الشريك له والعوين اوزعمي انه ينبغي ان يعبد غيره او اتخذ له صاحبة او ولدا. وكل من رد الحق الذي جاءت به الرسل او من قام مقامهم