المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ذلكم الله يخبر تعالى عن كماله وعظمة سلطانه وقوة اقتداره وسعة رحمته عموم كرمه وشدة عنايته بخلقه. فقال ان الله فالق الحب والنوى شامل لسائر الحبوب التي يباشر الناس زرعها والتي لا يباشرونها كالحبوب التي يبثها الله في البرار والقفار. فيفلق الحبوب عن الزروع والنوابت على اختلاف انواعها واشكالها ويفلق النوى عن الاشجار من النخيل والفواكه وغير ذلك. فينتفع الخلق من الادميين والانعام والدواب. ويرتعون فيما فلق الله من الحب والنوى ويقتاتون وينتفعون بجميع انواع المنافع التي جعلها الله في ذلك. ويريهم الله من بره واحسانه ما يظهر العقول يذهل الفحول ويريه من بدائع صنعته وكمال حكمته. ما به يعرفونه ويوحدونه. ويعلمون انه هو الحق. وان ما سواه باطلة يخرج الحي من الميت. كما يخرج من المني حيوانا. ومن البيضة فرخا. ومن الحب والنوى زرعا وشجرا مخرج الميت وهو الذي لا نمو فيه او لا روح. من الحي كما يخرج من الاشجار والزروع النوى والحب. ويخرج من الطائر بيضا نحو ذلك. ذلكم الذي فعل ما فعل وانفرد بخلق هذه الاشياء وتدبيرها. الله ربكم الذي له الالوهية والعبادة عليه الى خلقه اجمعين. وهو الذي ربى جميع العالمين بنعمه. وغذاهم بكرمه. فانى تؤفكون. اي فانى تصرفون وتصدون عن عبادة لمن هذا شأنه الى عبادة من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ولما ذكر تعالى مادة خلق الاقوال ذكر منته بتهيئة المساكن وخلقه كل ما يحتاج اليه العباد من الضياء والظلمة وما يترتب على ذلك من انواع المنافع والمصائب فقال وجعل الليل سكنا فالق الاصباح اي كما انه فالق الحب والنوى. كذلك هو فالق ظلمة الليل الداجي الشامل لما على وجه الارض. بالضياء الصبح الذي يفلقه شيئا فشيئا حتى تذهب ظلمة الليل كلها ويخلفها الضياء والنور العام. الذي يتصرف به الخلق في مصالحهم ومعايشهم. ومنافع دينهم ودنياهم. ولما كان الخلق محتاجين الى السكون والاستقرار والراحة. التي لا تتم بوجود النهار والنور. جعل الله الليل سكنا يسكن فيه الادميون الى دورهم ومنامهم والانعام الى مأواها والطيور الى اوكارها. فتأخذ نصيبها من الراحة ثم يزيل الله ذلك ابن ضياء وهكذا ابدا الى يوم القيامة. وجعل تعالى الشمس والقمر حسبانا. بها تعرف الازمنة والاوقات فتنضبط بذلك اوقات عبادات واجال المعاملات. ويعرف بها مدة ما مضى من الاوقات. التي لولا وجود الشمس والقمر وتناوبهما واختلافهما. لما عرف ذلك عامة الناس واشتركوا في علمه. بل كان لا يعرفه الا افراد من الناس بعد الاجتهاد. وبذلك يفوت من المصالح الضرورية ما يفوت ذلك التقدير المذكور. تقدير العزيز العليم الذي من عزته انقادت له هذه المخلوقات العظيمة. فجرت مذللة مسخرة بامره بحيث لا تتعدى ما حده الله لها ولا تتقدم عنه ولا تتأخر. العليم الذي احاط علمه بالظواهر والبواطن والاوائل واخر ومن الادلة العقلية على احاطة علمه تسخير هذه المخلوقات العظيمة على تقدير ونظام بديع تحير العقول في حسنه ماله وموافقته للمصالح والحكم وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر حين تشتبه عليكم المسالك ويتحير في سيره السالك. فجعل الله النجوم هداية للخلق الى السبل. التي يحتاجون الى سلوكها صالحهم وتجاراتهم واسفارهم. منها نجوم لا تزال ترى ولا تسير عن محلها. ومنها ما هو مستمر السير. يعرف سيره اهل المعرفة بذلك ويعرفون به الجهات والاوقات. ودلت هذه الاية نحوها على مشروعية تعلم سير الكواكب ومحالها. الذي يسمى علم التسيير فانه لا تتم الهداية ولا تمكن الا بذلك. قد فصلنا الايات اي بيناها ووضحناها وميزنا كل جنس نوع منها عن الاخر بحيث صارت ايات الله بادية ظاهرة لقوم يعلمون اي لاهل العلم والمعرفة فانهم الذين يوجه اليهم الخطاب ويطلب منهم الجواب بخلاف اهل الجهل والجفاء. المعرضين عن ايات الله وعن العلم الذي جاءت به الرسل. فان البيان لا يفيد شيئا والتفصيل لا يزيل عنهم ملتبسا. والايضاح لا يكشف لهم مشكلا نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم وهو الذي انشأكم من نفس واحدة وهو ادم عليه السلام انشأ الله منه هذا العنصر الادمي الذي قد ملأ الارض ولم يزل في زيادة ونمو. الذي قد تفاوت في اخلاقه وخلقه واوصافه تفاوتا لا يمكن ضبطه. ولا يدرك وجعل الله لهم مستقرا. اي منتهى ينتهون اليه. وغاية يساقون اليها. وهي دار القرار التي لا مستقر وراءها. ولا فوقها فهذه الدار هي التي خلق الخلق لسكناها. واوجدوا في الدنيا ليسعوا في اسبابها. التي تنشأ عليها وتعمر بها اودعهم الله في اصلاب ابائهم وارحام امهاتهم. ثم في دار الدنيا ثم في البرزخ. كل ذلك على وجه الوديعة التي لا تستقر ولا تثبت بل ينتقل منها حتى يوصل الى الدار التي هي المستقر. واما هذه الدار فانها مستودع وممر. قد فصلنا الايات لقوم من يفقهون عن الله اياته ويفهمون عنه حججه وبيناته فاخرجنا به نبات كل شيء فاخرجنا منه خضرا والزيتون والرمان مشتبها لقوم يؤمنون. وهذا من اعظم منته العظيمة التي يضطر اليها الخلق من الادميين وغيرهم. وهو انه انزل من السماء ماء متتابعا وقت حاجة الناس اليه. فانبت الله به كل شيء مما يأكل الناس والانعام. فرتع الخلق بفضل الله وانبسطوا رزقه وفرحوا باحسانه وزال عنهم الجدب واليأس والقحط. ففرحت القلوب واسفرت الوجوه وحصل للعباد من رحمة الرحيم الرحمن هذه يتمتعون وبه يرتعون. ما يوجب لهم ان يبذلوا جهدهم في شكر من اسدى النعم. وعبادته والانابة اليه والمحبة له. ولما ذكر عموم ما ينبت بالماء من انواع الاشجار والنبات. ذكر الزرع والنخل لكثرة نفعهما وكونهما قوت لاكثر الناس فقال فاخرجنا منه نخرج منه اي من ذلك النبات الخضر حبا متراكبا. بعضه فوق بعض من بر وشعير وذرة وارز. وغير ذلك من اصناف الزروع وفي وصفه بانه متراكب. اشارة الى ان حبوبه متعددة. وجميعها تستمد من مادة واحدة وهي لا تختلط. بل هي متفرقة الحبوب مجتمعة الاصول. واشارة ايضا الى كثرتها وشمول ريعها وغلتها. ليبقى اصل البذر. ويبقى بقية كثيرة والادخار ومن النخل اخرج الله من طلعها. وهو الكفراء والوعاء قبل ظهور القنو منه. فيخرج من ذلك الوعاء. قنوان دانية اي قريبة سهلة التناول. متدلية على من ارادها. بحيث لا يعصر التناول من النخل وان طالت. فانه يوجد فيها كرب ومراقي يسهل وعودها واخرج تعالى بالماء جنات من اعناب والزيتون والرمان فهذه من الاشجار الكثيرة النفع العظيمة الوقع. فلذلك خصصنا الله بالذكر بعد ان عم جميع الاشجار والنوابت. وقوله مشتبها وغير متشابه. يحتمل ان يرجع الى الرمان والزيتون. اي مشتبها في بشجره وورقه غير متشابه في ثمره. ويحتمل ان يرجع ذلك الى سائر الاشجار والفواكه. وان بعضها مشتبه يشبه بعضه بعضا ويتقارب في بعض اوصافه. وبعضها لا مشابهة بينه وبين غيره. والكل ينتفع به العباد ويتفكهون. ويقتاتون ويعتبرون. ولهذا امر تعالى بالاعتبار به فقال انظروا نظر فكر واعتبار الى ثمره اي الاشجار كلها خصوصا النخل اذا اثمر وينعث اي انظروا اليه وقت اطلاعه ووقت نضجه وايناعه. فان في ذلك عبرا وايات يستدل بها على رحمة الله. وسعة احسانه وجوده كمال اقتداره وعنايته بعباده. ولكن ليس كل احد يعتبر ويتفكر. وليس كل من تفكر ادرك المعنى المقصود. ولهذا قيد الانتفاع بالايات بالمؤمنين. فقال ان في ذلكم لايات لقوم يؤمنون. فان المؤمنين يحملهم ما معهم من الايمان على العمل بمقتصد ولوازمه التي منها التفكر في ايات الله والاستنتاج منها ما يراد منها. وما تدل عليه عقلا وفطرة وشرعا الجن وخلقهم وخلقوا له بنين وبنات سبحانه وتعالى عما يصفون تعالى انه مع احسانه لعباده وتعرفه اليهم باياته البينات وحججه الواضحات. ان المشركين به من قريش وغيرهم جعلوا له يدعونهم ويعبدونهم من الجن والملائكة. الذين هم خلق من خلق الله ليس فيه من خصائص الربوبية والالوهية شيء. فجعلوها شركاء لمن انه الخلق والامر وهو المنعم بسائر اصناف النعم. الدافع لجميع النقم. وكذلك خرق المشركون. اي اتفقوا وافتروا من تلقاء انفسهم بنين وبنات بغير علم منهم. ومن اظلم ممن قال على الله بلا علم. وافترى عليه اشنع النقص. الذي يجب تنزيه الله عنه لهذا نزه نفسه عما افتراه عليه المشركون. فقال سبحانه وتعالى عما يصفون. فانه تعالى الموصوف بكل كمال. المنزه عن كل لنقص وافة وعيب. بديع السماوات والارض انا يكون له ولد ولم تكن له وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم. بديع السماوات والارض اي خالقهما ومتقن صنعتهما. على غير مثال سابق باحسن خلق ونظام وبهاء. لا تقترح عقول اولي الالباب مثله وليس له في خلقهما مشارك انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة اي كيف يكون لله الولد وهو الاله السيد الصمد الذي الى صاحبة له اي لا زوجة وهو الغني عن مخلوقاته وكلها فقيرة اليه. مضطرة في جميع احوالها اليه. والولد لا بد ان يكون من جنس والده والله خالق كل شيء وليس شيء من المخلوقات مشابها لله بوجه من الوجوه. ولما ذكر عموم خلقه للاشياء ذكر احاطة علمه بها فقال وهو بكل شيء عليم. وفي ذكر العلم بعد الخلق اشارة الى الدليل العقلي الى ثبوت علمه. وهو هذه مخلوقات وما اشتملت عليه من النظام التام والخلق الباهر. فان في ذلك دلالة على سعة علم الخالق وكمال حكمته. كما قال تعالى الا اعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. وكما قال تعالى وهو الخلاق العليم لا اله الا هو لا اله الا هو خالقك وهو على كل شيء وكيد ذلكم الذي خلق ما خلق وقدر ما قدر