المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. الله ربكم اي المألوف المعبود الذي يستحق نهاية الذل ونهاية الحب. الرب الذي ربى جميع الخلق بالنعم وصرف عنهم صنوف النقم لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه. اي اذا استقر وثبت انه الله الذي لا اله الا هو فاصرفوا له مع انواع العبادة واخلصوها لله. واقصدوا بها وجهه. فان هذا هو المقصود من الخلق الذي خلقوا لاجله. وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وهو على كل شيء وكيل. اي جميع الاشياء تحت وكالة الله وتدبيره. خلقا وتدبيرا وتصريفا. ومن المعلوم ان الامر المتصرف ففيه يكون استقامته وتمامه وكمال انتظامه. بحسب حال الوكيل عليه. ووكالته تعالى على الاشياء ليست من جنس وكالة الخلق. فان وكالة وكالة نيابة والوكيل فيها تابع لموكله. واما الباري تبارك وتعالى فوكالته من نفسه لنفسه. متضمنة لكمال العلم وحسن التدبير والاحسان فيه والعدل. فلا يمكن لاحد ان يستدرك على الله ولا يرى في خلقه خللا ولا فطورا ولا في تدبيره نقصا عيب ومن وكالته انه تعالى توكل ببيان دينه وحفظه عن المزيلات والمغيرات وانه تولى حفظ المؤمنين وعصمتهم عما يزيل ايمانه ودينهم لا تدركه الابصار لعظمته وجلاله وكماله. اي لا تحيط به الامصار. وان كانت تراه وتفرح بالنظر الى وجهه الكريم فنفي الادراك لا ينفي الرؤية بل يثبتها بالمفهوم. فانه اذا نفى الادراك الذي هو اخص اوصاف الرؤية. دل على ان الرؤية رؤية ثابتة فانه لو اراد نفي الرؤيا لقال لا تراه الابصار ونحو ذلك. فعلم انه ليس في الاية حجة لمذهب المعطلة الذين ينفون رؤية ربهم في الاخرة بل فيها ما يدل على نقيض قولهم. وهو يدرك الابصار اي هو الذي احاط علمه بالظواهر والبواطن وسمعه بجميع الاصوات الظاهرة والخفية. وبصره بجميع المبصرات. صغارها وكبارها. ولهذا قال وهو اللطيف الخبير الذي لطف علمه وخبرته ودق حتى ادرك السرائر والخفايا والخبايا والبواطن. ومن لطفه انه يسوق عبده الى مصالح دينه. ويصيب اليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد ولا يسعى فيها. ويوصله الى السعادة الابدية والفلاح السرمدي. من حيث لا يحتسب. حتى انه يقدم عليه الامور التي يكرهها العبد ويتألم منها. ويدعو الله ان يزيلها. لعلمه ان دينه اصلح. وان كماله متوقف عليها. فسبحان سبحان اللطيف لما يشاء الرحيم بالمؤمنين قد جاءكم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما انا عليكم بحفيظ. لما تعالى من الايات البينات والادلة الواضحات الدالة على الحق في جميع المطالب والمقاصد. نبه العباد عليها واخبر ان هدايتهم وضدها فقال قد جاءكم بصائر من ربكم اي ايات تبين الحق وتجعله للقلب بمنزلة الشمس للابصار لما اشتملت عليه من فصاحت اللفظ وبيانه ووضوحه ومطابقته للمعاني الجليلة والحقائق الجميلة لانها صادرة من الرب الذي ربى خلقه بصلوف نعمه القاهرة والباطنة التي من افضلها واجلها تبيين الايات وتوضيح المشكلات. فمن ابصر بتلك الايات مواقع العبرة وعمل بمقتضاها لنفسه فان الله هو الغني الحميد. ومن عمي بان بصر فلم يتبصر. وزجر فلم ينزجر. وبين له الحق. فمن قاد له تواضع فانما عماه مضرته عليه. وما انا ايها الرسول عليكم بحفيظ احفظ اعمالكم واراقبها على الدوام. انما علي المبين وقد اديته وبلغت ما انزل الله الي فهذه وظيفتي وما عدا ذلك فلست موظفا فيه صنفوا الايات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون ولو شاء ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا ثم الى ربهم ينهى الله المؤمنين عن امر كان جائزا بالمشروع في الاصل وهو سب الهة المشركين. التي اتخذت اوثانا والهة مع الله. التي يتقرب الى الله باهانتها وسبها ولكن لما كان هذا السب طريقا الى سب المشركين لرب العالمين الذي يجب تنزيه جنابه العظيم عن كل عيب وافة وسب وقدح نهى الله سب الهة المشركين لانهم يحمون لدينهم ويتعصبون له. لان كل امة زين الله لهم عملهم. فرأوه حسنا وذبوا عنه ودافعوا او بكل طريق حتى انهم لا يسبون الله رب العالمين. الذي رسخت عظمته في قلوب الابرار والفجار. اذا سب المسلمون الهتهم. ولكن الخلق كلهم مرجعهم ومآلهم الى الله يوم القيامة. يعرضون عليه وتعرض اعمالهم. فينبئهم بما كانوا يعملون من خير وشر. وفيها هذه الاية الكريمة دليل للقاعدة الشرعية. وهي ان الوسائل تعتبر بالامور التي توصل اليها. وان وسائل المحرم ولو كانت جائزة تكون محرمة اذا كانت تفضي الى الشر اي واقسم المشركون المكذبون للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالله جهد ايمانهم اي قسما اجتهدوا فيه واكدوه بان جاءتهم اية تدل على صدق محمد صلى الله عليه عليه وسلم ليؤمنن بها وهذا الكلام الذي صدر منهم لم يكن قصدهم فيه الرشاد. وانما قصدهم دفع الاعتراض عليهم. ورد ما جاء الرسول قطعا فان الله ايد رسوله صلى الله عليه وسلم بالايات البينات والادلة الواضحات التي عند الالتفات لها لا تبقي ادنى شبهة ولا اشكال في صحة ما جاء به. فطلبهم بعد ذلك للايات من باب التعنت. الذي لا يلزم اجابته. بل قد يكون المنع من اجابتهم اصلح لهم فان الله جرت سنته في عباده ان المقترحين للايات على رسلهم اذا جاءتهم فلم يؤمنوا بها انه يعادلهم بالعقوبة. ولهذا قال قال قل انما الايات عند الله. اي هو الذي يرسلها اذا شاء. ويمنعها اذا شاء. ليس لي من الامر شيء. فطلبكم مني الايات ظلم وطلب لما لا املك. وانما توجهون الي توضيح ما جئتكم به وتصديقه. وقد حصل. ومع ذلك فليس معلوما انهم اذا جاءتهم ايات يؤمنون ويصدقون. بل الغالب ممن هذه حاله انه لا يؤمن. ولهذا قال وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ونذرهم في ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. ونذرهم في طغيانهم يعمى اي ونعاقبهم اذا لم يؤمنوا اول مرة يأتيهم فيه الداعي. وتقوم عليهم الحجة بتقليب القلوب والحيلولة بينهم وبين الايمان وعدم التوفيق لسلوك الصراط المستقيم. وهذا من عدل الله وحكمته بعباده. فانهم الذين جنوا على انفسهم. وفتح لهم الباب يدخلوا وبين لهم الطريق فلم يسلكوا. فبعد ذلك اذا حرموا التوفيق كان مناسبا لاحوالهم اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ولكن اكثرهم يجهلون. وكذلك تعليقهم الايمان بارادتهم ومشيئتهم وحدهم. وعدم الاعتماد على الله من اكبر الغلط فانهم لو جاءتهم الايات العظيمة من تنزيل الملائكة اليهم يشهدون للرسول بالرسالة وتكليم الموتى وبعثهم بعد موتهم وحشر كل شيء اليهم حتى يكلمهم قبلا ومشاهدة ومباشرة. بصدق ما جاء به الرسول ما حصل منهم الايمان. اذا لم يشأ الله ايمانهم ولكن اكثرهم يجهلون. فلذلك رتبوا ايمانهم على مجرد اتيان الايات. وانما العقل والعلم ان يكون العبد مقصوده اتباع الحق. ويطلب بالطرق التي بينها الله ويعمل بذلك. ويستعين ربه في اتباعه. ولا يتكل على نفسه وحوله وقوته. ولا يطلب من الايات الاقتراحية لا فائدة فيه