المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي لزعمهم وهذا لشركائنا. فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان ما يحكمون. يخبر تعالى عما عليهن المشركون المكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم. من سفاهة العقل وخفة الاحلام والجهل البليغ. وعدد تبارك وتعالى شيئا من خرافاتهم لينبه بذلك على ضلالهم والحذر منهم. وان معارضة امثال هؤلاء السفهاء للحق الذي جاء به الرسول. لا تقدحوا فيه اصلا. فانهم لا اهلية لهم في مقابلة الحق. فذكر من ذلك انهم جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا. ولشركائهم من ذلك نصيبا قالوا ان الله تعالى هو الذي ذراه للعباد واوجده رزقا فجمعوا بين محظورين محظورين بل ثلاثة محاذير منتهم على الله في له نصيبا. مع اعتقادهم ان ذلك منهم تبرع. واشراك الشركاء الذين لم يرزقوهم. ولم يوجدوا لهم شيئا في ذلك. وحكمهم الجائر لان ما كان لله لم يبالوا به ولم يهتموا. ولو كان واصلا الى الشركاء وما كان لشركائهم واعتنوا به واحتفظوا به ولم يصل الى الله منه شيء وذلك انهم اذا حصل لهم من زروعهم وثمارهم وانعامهم التي اوجدها الله لهم شيء جعلوه قسمين. قسما قالوا هذا لله بقولهم بزعمهم والا فالله لا يقبل الا ما كان خالصا لوجهه. ولا يقبل عمل من اشرك به. وقسما جعلوه حصة شركائه من الاوثان والانداد ان وصل شيء مما جعلوه لله واختلط بما جعلوه لغيره لم يبالوا بذلك. وقالوا الله غني عنه فلا يردونه. وان وصل شيء مما جعلوه لالهتهم الى ما جعلوه لله ردوه الى محله. وقالوا انها فقراء لابد من رد نصيبها. فهل اسوأ من هذا الحكم واظلم حيث جعلوا ما للمخلوق يجتهد فيه وينصح ويحفظ. اكثر مما يفعل بحق الله. ويحتمل ان تأويل الاية الكريمة ما ثبت في في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال عن الله تعالى انه قال انا اغنى الشركاء عن الشرك. من اشرك معي شيئا تركته وشركه وان معنى الاية ان ما جعلوه وتقربوا به لاوثانهم فهو تقرب خالص لغير الله. ليس لله منه شيء. وما جعلوه لله على فانه لا يصل اليه لكونه شركا. بل يكون حظ الشركاء والانداد لان الله غني عنه. لا يقبل العمل الذي اشرك به معه احد من الخلق ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون. ومن تفاه المشركين وضلالهم انه زين لكثير من المشركين شركاؤهم. اي رؤساؤهم وشياطينهم قتل اولادهم. وهو الوأد. الذين يدفنون اولادهم الذكور خشية الافتقار والاناث خشية العار. وكل هذا من خدع الشياطين الذين يريدون ان يرضوهم بالهلاك يلبس عليهم دينهم فيفعلون الافعال التي في غاية القبح. ولا يزال شركاؤهم يزينونها لهم حتى تكون عندهم من الامور الحسنة والخصال المستحسنة ولو شاء الله ان يمنعهم ويحول بينهم وبين هذه الافعال. ويمنع اولادهم عن قتل الابوين لهم ما فعلوه. ولكن اقتضت حكمته التخلية بينهم وبين افعالهم استدراجا منه تعالى لهم وامهالا لهم. وعدم مبالاة بما هم عليه. ولهذا قال فذرهم وما يفترون اي دعهم مع كذبهم وافترائهم ولا تحزن عليهم فانهم لن يضروا الله شيئا بزعمهم وانعام حرمت ظهورها وانعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه. سيجزين بما كانوا يفترون ومن انواع سفاهتهم ان الانعام التي احلها الله لهم عموما وجعلها رزقا ورحمة يتمتعون بها وينتفعون قد اخترعوا فيها اقوالا من تلقاء انفسهم فعندهم اصطلاح في بعض الانعام والحرث انهم يقولون فيها هذه انعام وحرث حجر. اي محرم لا يطعمها الا من نشاء. اي لا يجوز ان يطعمه احد. الا من اردنا ان يطعمه او وصفناه بوصف من عندهم. وكل هذا لا مستند لهم ولا حجة الا اهويتهم واراؤهم الفاسدة. وانعام ليست محرمة من كل وجه. بل يحرمون ظهورها. اي بالركوب والحمل عليها ويحمون ظهرها ويسمونها الحام. وانعام لا يذكرون اسم الله عليها. بل يذكرون اسم اصنامهم وما كانوا يعبدون من دونه بسم الله عليها وينسبون تلك الافعال الى الله وهم كذبة فجار في ذلك. سيجزيهم بما كانوا يفترون على الله من احلال الشرك وتحريم الحلال من الاكل والمنافع. ومن ارائهم السخيفة انهم يجعلون بعض الانعام ويعينوها محرما ما في بطنها على دون الذكور فيقولون ازواجنا واياكم ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا اي حلال لهم لا فيها النساء ومحرم على ازواجنا اي نسائنا. هذا اذا ولد حيا وان يكن ما في بطنها يولد ميتا فهم فيه شركاء. اي فهو حلال للذكور والاناث. سيجزيهم الله وصفهم حيث وصفوا ما احله الله بانه حرام. ووصفوا الحرام بالحلال فناقضوا شرع الله وخالفوه ونسبوا ذلك الى الله. انه حكيم حيث امهل لهم. ومكنهم مما هم فيه من الضلال. عليم بهم لا تخفى عليه خافية وهو تعالى يعلم بهم وبما قالوه عليه وافتروه. وهو يعافيهم ويرزقهم جل جلاله. ثم بين خسرانهم وسفاهة عقولهم فقال قد خسر الذين قتلوا اولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افترا اي خسروا واولادهم وعقولهم وصار وصفهم بعد العقول الرزينة السفه المرضية والضلال. وحرموا ما رزقهم الله اي ما جعله رحمة لهم وساقه رزقا لهم. فردوا كرامة ربهم ولم يكتفوا بذلك. بل وصفوها بانها حرام. وهي من احل الحلال. وكل هذا افتراء على الله اي كذبا يكذب به كل معاند كفار. قد ضلوا وما كانوا مهتدين. اي قد ضلوا ضلالا بعيدا. ولم يكونوا مهتدين في شيء من امورهم النخل والزرع مختلفا اكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره اذا اسمر واتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين. لما ذكر تعالى تصرف المشركين في كثير مما احله الله لهم من الحروف والانعام ذكر تبارك وتعالى نعمته عليهم بذلك. ووظيفتهم اللازمة عليهم في الحروف والانعام فقال وهو الذي انشأ جنات اي بساتين فيها انواع الاشجار المتنوعة والنباتات المختلفة. معروشات وغير معروشات. اي بعض تلك الجنات مجعون له عرش تنتشر عليه الاشجار ويعاونها في النهوض عن الارض. وبعضها خال من العروش تنبت على ساق او تنفرش في الارض. وفي هذا تنبيه على كثرة منافعها خيراتها وانه تعالى علم العباد كيف يعيشونها وينمونها. وانشأت عالنخل والزرع مختلفا اكله. اي كله في محل واحد ويشرب من ماء واحد. ويفضل الله بعضه على بعض في الاكل. وخاصة على النخلة والزرع على اختلاف انواعه لكثرة منافعها. ولكونها هي القوت لاكثر الخلق. وانشأ تعالى الزيتون والرمان متشابها في شجره. وغير متشابه في ثمره وطعمه. كانه قيل في شيء انشأ الله هذه الجنات وما عطف عليها فاخبر انه انشأها لمنافع العباد فقال كلوا من ثمره اي النخل والزرع اذا اثمر واتوا حقه يوم حصاده. اي اعطوا حق الزرع. وهو الزكاة ذات الانصباء المقدرة في الشرع. امرهم ان يعطوها يوم حصادها وذلك لان حصاد الزرع بمنزلة حولان الحول. لانه الوقت الذي تتشوف اليه نفوس الفقراء. ويسهل حينئذ اخراجه على اهل الزروع يكون الامر فيها ظاهرا لمن اخرجها. حتى يتميز المخرج ممن لا يخرج. وقوله ولا تسرفوا يعم النهي عن الاسراف في الاكل وهو مجاوزة الحد والعادة. وان يأكل صاحب الزرع اكلا يضر بالزكاة. والاسراف في اخراج حق الزرع بحيث يخرج فوق الواجب عليه. ويضر نفسه له او عائلته او غرماءه فكل هذا من الاسراف الذي نهى الله عنه. الذي لا يحبه الله بل يبغضه ويمقت عليه. وفي هذه الاية دليل على وجوب الزكاة في الثمار. وانه لا حول لها بل حولها حصادها في الزروع. وجذاذ النخيل وانه لا تتكرر فيها الزكاة. لو مكثت عند عدي احوالا كثيرة اذا كانت لغير التجارة. لان الله لم يأمر بالاخراج منه الا وقت حصاده. وانه لو اصابها افة قبل ذلك بغير تفريط من صاحب الزرع والثمر انه لا يضمنها. وانه يجوز الاكل من النخل والزرع قبل اخراج الزكاة منه. وانه لا يحسب ذلك من الزكاة بل يزكى المال الذي يبقى بعده. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث خالصا يخلص للناس ثمارهم. ويأمره ان يدع لاهلها الثلث او الربع بحسب ما يعتريها من الاكل وغيره من اهلها وغيرهم كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا ايها خلق وانشأ من الانعام حمولة وفرشا اي بعضها تحملون عليه وتركبونه. وبعضها لا تصلح للحمل والركوب عليها. لصغرها. كالفصلان ونحوها الفرش فهي من جهة الحمل والركوب تنقسم الى هذين القسمين. واما من جهة الاكل وانواع الانتفاع فانها كلها تؤكل وينتفع بها ولهذا قال كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان. اي طرقه واعماله التي من جملتها ان تحرموا بعض ما رزقكم الله انه لكم عدو مبين. فلا يأمركم الا بما فيه مضرتكم وشقاؤكم الابدي. وهذه الانعام التي امتن الله بها على عباده جعلها كلها حلالا طيبا. فصلها بانها قل ما اشتملت عليه ارحام الانثيين. نبئوني بعلم ان ثمانية ازواج من الضأن اثنين. ذكر وانثى ومن المعز اثنين كذلك. فهذه اربعة كلها داخلة فيما احل الله لا فرق بين شيء منها فقل لهؤلاء المتكلفين الذين يحرمون منها شيئا دون شيء او يحرمون بعضها على الاناث دون الذكور ملزما لهم بعدم وجود الفرق بينما اباحوا منها وحرموا. الذكرين من الضأن والمعز حرم الله. فلستم تقولون بذلك وتطردونه ام الانثيين حرم الله من الضأن والمعز؟ فليس هذا قولكم لا تحريم الذكور الخلص ولا الاناث الخلص من الصنفين. بقي اذا اذا كان الرحم مشتملا على ذكر وانثى او على مجهول فقال ام تحرمون ما اشتملت عليه ارحام الانثيين؟ اي انثى الضأن وانثى المعز من غير فرق بين ذكر وانثى فلستم تقولون ايضا بهذا القول. فاذا كنتم لا تقولون باحد هذه الاقوال الثلاثة. التي حصلت الاقسام الممكنة في ذلك. فالى اي شيء تذهبون؟ نبئوني بعلم ان كنتم صادقين في قولكم ودعواكم. ومن المعلوم انهم لا ان يقولوا قولا سائغا في العقل الا واحدة من هذه الامور الثلاثة وهم لا يقولون بشيء منها انما يقولون ان بعض الانعام التي عليها اصطلاحات من عند انفسهم. حرام على الاناث دون الذكور. او محرمة في وقت من الاوقات. او نحو ذلك من الاقوال التي يعلم علما لا شك فيه ان مصدرها من الجهل المركب والعقول المختلة المنحرفة والاراء الفاسدة. وان الله ما انزل بما قالوه من سلطان. ولا لهم عليه حجة ولا برهان. ثم ذكر في الابل والبقر مثل ذلك فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا فلما بين بطلان قولهم وفسادا قال لهم قولا لا حيلة لهم في الخروج من تبعته الا في اتباع شرع الله ام كنتم شهداء اذ وصاكم الله ان لم يبقى عليكم الا دعوا لا سبيل لكم الى صدقها وصحتها. وهي ان تقولوا ان الله اوصانا بذلك واوحى الينا كما اوحى الى رسله. بل اوحى الينا وحيا مخالفا لما دعت اليه الرسل. ونزلت به الكتب وهذا افتراء لا يجهله احد. ولهذا قال فمن اظلم ممن افترى على الله في كذبا ليضل الناس بغير علم. اي مع كذبه وافتراءه على الله. قصده بذلك اضلال عباد الله عن سبيل الله. بغير بينة منه ولا برهان ولا عقل ولا نقل. ان الله لا يهدي القوم الظالمين. الذين لا ارادة لهم في غير الظلم والجور والافتراء على الله تجد فيما اوحي الي محرما على طاعمين يطعمه الا ان يكون ميتة او دما مسفوحة اهل لغير الله به. فمن اضطر غيره لما ذكر تعالى ذم المشركين على ما من الحلال ونصبوه الى الله. وابطل قولهم امر تعالى رسوله ان يبين للناس ما حرمه الله عليهم. ليعلموا ان ما عدا ذلك حلال من نسب تحريمه الى الله فهو كاذب مبطل. لان التحريم لا يكون الا من عند الله على لسان رسوله. وقد قال لرسوله قل لا اجد فيما الي محرما على طاعم. اي محرما اكله. بقطع النظر عن تحريم الانتفاع بغير الاكل وعدمه. الا ان يكون ميتة والميتة من مات بغير زكاة شرعية فان ذلك لا يحل. كما قال تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير. او دما مسفوحا وهو الدم الذي يخرج من الذبيحة عند زكاتها فانه الدم الذي يضر احتباسه في البدن. فاذا خرج من البدن زال الضرر باكل اللحم. ومفهوم هذا اللفظ ان الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح انه حلال طاهر او لحم خنزير فانه رجس اي فان هذه الاشياء الثلاثة رجز اي خبث نجس مضر حرمه الله لطفا بكم ونزاهة لكم عن مقاربة الخبائث. او الا ان يكون فسقا اهل لغير الله به اي الا ان تكون الذبيحة مذبوحة لغير الله من الاوثان والالهة التي يعبدها المشركون. فان هذا من الفسق الذي هو الخروج عن طاعة الله الى معصيته اي ومع هذا فهذه الاشياء المحرمات من اضطر اليها اي حملته الحاجة والضرورة الى اكل شيء منها بان لم يكن عنده شيء وخاف على نفسه التلف غير باغ ولا عاد اي غير باغ اي مريد لاكلها من غير اضطرار ولا متعد اي متجاوز للحد بان يأكل زيادة عن حاجته. فمن اضطر غير باغ ولا عادل فان ربك غفور رحيم. اي فالله قد سامح من كان بهذه الحال واختلف العلماء رحمهم الله في هذا الحصر المذكور في هذه الاية مع ان ثم محرمات لم تذكر فيها كالسباع وكل ذي مخلب من الطير ونحو ذلك فقال بعضهم ان هذه الاية نازلة قبل تحريم ما زاد على ما ذكر فيها فلا ينافي هذا الحصر المذكور فيها التحريم المتأخر بعد لانه لم يجده فيما اوحي اليه في ذلك الوقت. وقال بعضهم ان هذه الاية مشتملة على سائر المحرمات. بعضها صريحا يؤخذ من المعنى وعموم العلة. فان قوله تعالى في تعليل الميتة والدم ولحم الخنزير. او الاخير منها فقط فانه رجز. وصف شامل لكل محرم فان المحرمات كلها رجس وخبث. وهي من الخبائث المستقذرة التي حرمها الله على عباده. صيانة لهم وتكرمة عن مباشرة الخبيث ويؤخذ تفاصيل المحرم من السنة. فانها تفسر القرآن وتبين المقصود منه. فاذا كان الله تعالى لم يحرم من المطاعم الا ما ذكر والتحريم لا يكون مصدره الا شرع الله. دل ذلك على ان المشركين الذين حرموا ما رزقهم الله مفترون على الله. متقولون عليه ما لم يقل وفي الاية احتمال قوي لولا ان الله ذكر فيها الخنزير وهو ان السياق في نقض اقوال المشركين المتقدمة في تحريمهم احله الله وخوضهم بذلك بحسب ما سولت لهم انفسهم وذلك في بهيمة الانعام خاصة. وليس منها محرم الا ما ذكر في الاية الميتة منها وما اهل لغير الله به. وما سوى ذلك فحلال. ولعل مناسبة ذكر الخنزير هنا على هذا الاحتمال. ان بعض الجهال قد يدخله في بهيمة الانعام. وانه نوع من انواع الغنم. كما قد يتوهمه جهلة النصارى واشباههم. فينمونها كما ينمون المواشي ويستحلونها ولا يفرقون بينها وبين الانعام. فهذا المحرم على هذه الامة كله من باب التنزيه لهم والصيانة. واما ما حرم على اهل الكتاب فبعضه طيب ولكنه حرم عليهم عقوبة لهم. ولهذا قال وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر. وذلك كالابل وما اشبهها وحرمنا عليه من البقر والغنم. بعض اجزائها وهو شحومهما وليس المحرم جميع الشحوم منها. بل شحم الالية والثرب. ولهذا استثنى الشحم الحلال من ذلك. فقال الا ما حملت ظهورهما او الحوايا اي الشحمة المخالطة للامعاء او ما اختلط بعظم. ذلك التحريم على اليهود جزيناهم ببغيهم. اي ظلمهم وتعدهم في حقوق الله وحقوق عباده. فحرم الله عليهم هذه الاشياء عقوبة لهم ونكالا. وانا لصادقون في كل ما نقول ونفعل ونحكم به ومن اصدق من الله حديثا ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون اي فان كذبك هؤلاء المشركون فاستمر على دعوتهم بالترغيب والترهيب واختم بان الله ذو رحمة واسعة. اي عامة شاملة لجميع المخلوقات كلها. فسارعوا الى رحمته باسبابها. التي رأسها واسها ومادتها تصديق محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به. ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين. اي الذين كثر اجرامهم وذنوبهم فاحذروا الجرائم الموصلة لبأس الله. التي اعظمها ورأسها تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوننا قل فلله الحجة البالغة هذا اخبار من الله ان المشركين سيحتجون على شركهم وتحريمهم ما احل الله بالقضاء والقدر. ويجعلون مشيئة الله الشاملة لكل شيء من الخير والشر. حجة لهم في دفع اللوم عنهم. وقد قالوا ما اخبر الله وانهم سيقولون كما قال في الاية الاخرى وقال الذين اشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء. فاخبر تعالى ان هذه الحجة لم تزل الامم المكذبة تدفع بها عنهم دعوة الرسل ويحتجون بها. فلم تجد فيهم شيئا ولم تنفعهم. فلم يزل هذا دأبهم حتى اهلكهم الله واذاقهم بأسه. فلو كانت حجة صحيحة لدفعت عنهم العقاب. ولما احل الله بهم العذاب. لانه لا يحل بأسه الا لمن استحقه فعلم انها حجة فاسدة وشبهة كاسدة من عدة اوجه. منها ما ذكر الله من انها لو كانت صحيحة لم تحل بهم العقوبة ومنها ان الحجة لا بد ان تكون حجة مستندة الى العلم والبرهان. فاما اذا كانت مستندة الى مجرد الظن والخرس الذي لا يغني من الحق شيئا فانها باطلة. ولهذا قال قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ فلو كان لهم علم وهم خصوم الداء لاخرجوه. فلما لم يخرجوه علم انه لا علم عندهم. ان تتبعون الا الظن وان انتم الا تخرصون. ومن ثنى حججه على الخرس والظن فهو مبطل خاسر. فكيف اذا بناها على البغي والعناد والشر والفساد؟ ومنها ان الحجة لله التي لم تبق لاحد عذرا. التي اتفقت عليها الانبياء والمرسلون والكتب الالهية. والاثار النبوية والعقول الصحيحة والفطرة المستقيمة والاخلاق القويمة. فعلم بذلك ان كل ما خالف هذه الادلة القاطعة باطل. لان نقيض الحق لا يكون الا باطلا. ومنها ان الله تعالى اعطى كل مخلوق قدرة وارادة يتمكن بها من فعل ما كلف به. فلا اوجب الله على احد ما لا يقدر على فعله. ولا حرم على احد ما لا يتمكن على تركه. فالاحتجاج بعد هذا بالقضاء والقدر. ظلم محض وعناد صرف. ومنها ان الله تعالى لم يجبر ماذا على افعالهم؟ بل جعل افعالهم تبعا لاختيارهم. فان شاءوا فعلوا وان شاءوا كفوا. وهذا امر مشاهد لا ينكره الا من كابر ترى المحسوسات فان كل احد يفرق بين الحركة الاختيارية والحركة القسرية. وان كان الجميع داخلا في مشيئة الله ومندرجا تحت ارادته ومنها ان المحتجين على المعاصي بالقضاء والقدر يتناقضون في ذلك. فانهم لا يمكنهم ان يطردوا ذلك. بل لو اساء اليهم مسيء ضرب او اخذ مال او نحو ذلك. واحتج بالقضاء والقدر لما قبلوا منه هذا الاحتجاج. ولغضبوا من ذلك اشد الغضب. فيا عجبا كيف يحتجون به على معاصي الله ومساخطه. ولا يرضون من احد ان يحتج به في مقابلة مساخطهم. ومنها ان احتجاجهم بالقضاء والقدر ليس مقصودا ويعلمون انه ليس بحجة. وانما المقصود منه دفع الحق. ويرون ان الحق بمنزلة الصائل فهم يدفعونه بكل ما يخطر بباله من الكلام وان كانوا يعتقدونه خطأ