وبالمرسلين تبلع النفس زرورا تشر حق بنا ملئات حكما وعلما علما بالمرسلين فاحفظوها وافهموها. واصنعوا جيلا حصين حديث البخاري. انتقينا الاربعين نقلت الينا رياح الماضي اخبارا واثارا لاعلام من ذهب كان لهم حضور ووزن سكنوا بها في قلوب الناس. والامام البخاري هو احد العظماء الذين ندى التاريخ جهودهم واثارهم البخاري. انتقينا الاربعين الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين. سيدنا محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين اما بعد لقد الف الامام البخاري رحمه الله عدة مصنفات مباركة في علوم وفنون شتى قد صنف في التفسير والحديث والفقه والعقيدة والتاريخ. هيأه لذلك سعة اطلاعه وقوة حفظه ومعرفته الواسعة بالحديث النبوي. وقد وضع الله القبول لمصنفاته والبركة في بمؤلفاته حتى قال القسطلاني سارت مؤلفات البخاري مسير الشمس. ودارت الدنيا فما يجحد فضلها الا الذي يتخبطه الشيطان من المس وفي مقدمة تلك المصنفات كتابه الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخاري الذي اقبل عليه العلماء عبر العصور باعتباره اصح كتاب بعد القرآن لذا اعتنوا به عناية فائقة في مصنفات كثيرة جدا ما بين شرح وتعليق وتحقيق تلخيص واختصار وتهذيب وترتيب وغير ذلك فرغبت ان يكون لي سهم في هذا الاهتمام والعناية فقمت باستخراج اربعين حديثا من صحيح البخاري. تهم كل مسلم ومسلمة في ابواب متفرقة تشمل اصول الدين وكلياته وعباداته واحكامه واخلاقه وادابه وجعلت الختام مع الشمائل النبوية وانتقيت الاحاديث القصيرة من الصحيح. ليسهل حفظها ومدارستها واسميتها الاربعون البخارية. وفي هذه الحلقات قمت بشرح الاربعين حديثا البخارية شرحا موجزا ميسرة. يجمع بين توضيح المعاني وشرح الالفاظ وبيان الاحكام واستخلاص الفوائد. اضافة الى وقفات تربوية وارشادات ايمانية. لا يستغني عنها طالب العلم ولا الشباب المثقف في هذا العصر الى القلوب وتستوعبها العقول. باذن الله تعالى وقمنا البدء بشرح الاحاديث ارى من الضروري ان نتعرف في هذه الحلقة على الامام العبقري الذي صنف الصحيح وجمعه. اعني به ابا عبدالله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن بردزبة الجعفي البخاري احد كبار المحدثين اشتهر شهرة واسعة واقر له العلماء بالامامة في الحديث ولقبوه بامير المؤمنين في الحديث. ولد البخاري في في شوال سنة اربع وتسعين ومائة هجرية. ببلدة بخارى. احدى مدن اوزباكستان حاليا مات ابوه فنشأ يتيما في حجر امه وكانت صالحة تقية. واحسنت تربيته. فنشأ نشأة علمية صالحة. اسلمته امه الى الكتاب. فحفظ فيه القرآن. وظهرت عليه النجابة ورزقه الله تعالى قلبا واعيا وحافظة قوية. والهمه حفظ الحديث فاخذ منه بحظ وافر. وتردد على علماء بلده ثم توسع ورحل الى الاقارب المجاورة ليسمع من شيوخها. فرحل الى بلخ ومرو والري وهراة ونيسابور. ثم ثم بدأ رحلته الخارجية فرحل الى مكة ثم الى المدينة النبوية واستقر بها مدة وفي الروضة شريفة بالمسجد النبوي الف البخاري اول كتبه وهو التاريخ الكبير. وقال رحمه الله قل اسم في التاريخ الا وله عندي قصة. ثم انطلق في مختلف الامصار حتى شملت رحلاته اغلب الحواضر العلمية في العالم الاسلامي انذاك. فرحل الى العراق ودخل بغداد ورحل الى والكوفة والبصرة ودخل مصر والشام وعسقلان. لم يترك البخاري عالما سمع بعلمه الا رحل اليه وحرص على اللقيا به. امضى عمره كله في رحلاته العلمية البحثية الطويلة بين عواصم الاسلام للانتقاء بالمحدثين والسماع منهم. قال البخاري كتبت عن الف وثمانين شيخا ليس منهم الا صاحب حديث. وقد كان البخاري في الحفظ نادرة الزمان واعجوبة دهره. ولم يكن له نظير في عصره. روي عنه انه كان ينظر في القاضي في حفظه من نظرة واحدة. قال البخاري عن نفسه احفظ مائة الف حديث صحيح ومائتي الف غير صحيح جلس البخاري مرة في مجلس الامام الكبير اسحاق ابن رهويه شيخ المشرق وسيد الحفاظ فقلب النظر في وجوه طلابه وقال لهم لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة النبي عليه الصلاة والسلام من هنا كانت البداية. هذه الكلمة رغم قصرها اثرت في نفس البخاري حتى قال فوقع كلامه في قلبي. الاحاديث قبل البخاري كانت متداخلة الصحيحة مع الضعيفة والمقبولة مع المعلولة. ولا يميز بينها الا طالب العلم المطلع على الاسانيد فكرة تصنيف كتاب يجمع الاحاديث الصحيحة فقط التقطها البخاري في مجلس شيخه ابن راعوية وقعت هذه الفكرة الالمعية في قلبه فاشغلت سكره. حتى انه رأى رؤيا صالحة قال البخاري رأيت النبي عليه الصلاة والسلام في المنام وكأني واقف بين يديه وبيدي مروحة اذب بها عنه. فسألت بعض المعبرين فقال لي انك ستذب الكذب عن النبي عليه الصلاة والسلام. يقول البخاري فهذا الذي حملني على اخراج الصحيح. وهكذا بدأ البخاري في تصنيف اشهر كتبه وهو الجامع المسند صحيح المختصر من امور رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وسننه وايامه المشهور باسم صحيح البخاري وقد امضى البخاري في تصنيفه ستة عشر عاما جمعا وترتيبا وتبويبا وتدقيقا جمع فيه البخاري حوالي سبعة الاف وخمس مئة وثلاثة وتسعين حديثا اختارها من بين ستمائة الف حديث وهو اول كتاب مصنف في الحديث الصحيح المجرد وقد كان البخاري مدققا متشددا في قبول الحديث والرواية. فكان يشترط المعاصرة وتحقق اللقاء بين الراوي وبين شيخه اذا روى عنه بالعنعنة هذا الى جانب وجوب اتصاف الراوي بالثقة والعدالة والظبط والاتقان والورع حتى قال البخاري صنفت كتابي الصحيح وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى. يا الله لذلك وضع الله تعالى القبول والبركة والرضا لهذا الكتاب ومصنفه البخاري. مهما تكلم عنهما الجاهلية ومهما طعن فيهما الطاعنون فما زال صحيح البخاري منذ اكثر من الف ومئتي سنة يتبع ويقرأ ويشرح ويحفظ وينشر. قال الامام مسلم لشيخه البخاري يوما يا ابا عبدالله لا يبغضك الا حاسد. واشهد انه ليس في الدنيا مثلك. وقام اليك وقبله بين عينيه وقال له دعني اقبل رجلك يا استاذ الاساتذة المحدثين وطبيب الحديث في علله وكانت وفاة الامام البخاري عام خمس وستين بعد المائتين للهجرة يوم السبت بعد ان اتم صيام شهر رمضان كاملا ليلة الاول من شهر شوال بعد العشاء وصلي عليه يوم العيد بعد الظهر ودفن في سمرقند وكان عمره انذاك اثنين وستين سنة قال ابن كثير وحينما دفن البخاري فاحت من قبره رائحة غالية. اطيب من ريح المسك. ثم وذلك اياما رحم الله الامام البخاري وجمعنا معه في الفردوس الاعلى من الجنة مع النبي والصديقين والشهداء والصالحين. وحسن اولئك رفيقا. واني لارجو ان اكون قد وفقت لخدمة السنة النبوية بانتقاء الاربعين حديثا البخارية. وشرحها شرحا وجيزا مختصرا فيسرت بذلك سبيل الانتفاع بما في صحيح البخاري من العلم والخير والهدى والنور. انه غيره مسؤول وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تنشرون حقا مبينا. ملئت حكما وعلما عليما