المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ايوة اذكر عبدنا لوطا عليه الصلاة والسلام اذ ارسلناه الى قومه يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن الفاحشة التي ما بها احد من العالمين. فقال اتأتون الفاحشة؟ اي الخصلة التي بلغت في العظم والشناعة الى ان استغرقت انواع الفحش؟ ما سبقكم بها من احد من العالمين. فكونها فاحشة من اشنع الاشياء وكونهم مبتدعوها وابتكروها. وسنوها لمن بعدهم من اشنع ما يكون ايضا ثم بينها بقوله آآ انكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء. اي كيف تذرون التي خلقهن الله لكم. وفيهن المستمتع الموافق للشهوة والفطرة. وتقبلون على ادبار الرجال التي هي غاية ما يكون في الشناعة والخبث محل تخرج منه الانتان والاخباث التي يستحيا من ذكرها فضلا عن ملامستها وقربها. بل انتم قوم مسرفون اي متجاوزون لما حدهم الله متجرؤون على محارمه انهم اناس يتطهرون ان يتنزهون عن فعل الفاحشة وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد اي الباقيين المعذبين امره الله ان يسري باهله ليلا. فان العذاب مصبح قومه فسرى بهم الا امرأته اصابها ما اصابهم واعظم امطرنا عليهم مطرا اي حجارة حارة شديدة من سجيل. وجعل الله عاليها سافلها. فانظر كيف كان عاقبة المجرمين الهلاك والخزي الدائم اللهم لا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها. ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين ايوة ارسلنا الى القبيلة المعروفة بمدين اخاهم في النسب شعيبا يدعوهم الى عبادة الله وحده لا شريك له ويأمرهم بايفاء المكيال والميزان. والا يبخسوا الناس اشياءهم والا يعثوا في الارض مفسدين بالاكثار من عمل المعاصي. ولهذا قال ولا افسدوا في الارض بعد اصلاحها ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين. فان ترك المعاصي امتثالا لامر الله وتقرب اليه خير. وانفع عبد من ارتكابها الموجب لسخط الجبار وعذاب النار ولا تقعدوا للناس بكل صراط اي طريق من التي يكثر سلوكها تحذرون الناس منها وتوعدون من سلكها وتصدون عن سبيل الله من اراد الاهتداء به. وتبغونها عوجا اي تبغون سبيل الله تكونوا معوجة وتميلونها اتباعا لاهوائكم. وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها الله الله لعباده ليسلكوها الى مرضاته ودار كرامته. ورحمهم بها اعظم رحمة. وتصدون لنصرتها والدعوة اليها والذب عنها. لا تكونوا انتم قطاع طريقها الصادين الناس عنها فان هذا كفر لنعمة الله ومحادة لله. وجعل اقوم الطرق واعدلها مائلة تشنعون على من سلكها. واذكروا نعمة الله عليكم. اذ كنتم قليلا فكثركم. اي نماكم بما انعم عليكم من الزوجات والنسل والصحة وانهما ابتلاك بوباء او امراض من الامراض المقللة لكم. ولسلط عليكم عدوا اجتاحكم ولا فرقكم في الارض. بل انعم عليكم باجتماعكم وادرار الارزاق وكثرة النسل. وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين. فانكم لتجدون في جموعهم الا الشتات. ولا في ربوعهم الا الوحشة والانبتاع ولم يورثوا ذكرا حسنا بل اتبعوا في هذه الدنيا لعنة. ويوم القيامة اشد خزيا وفضيحة وان كانت طائفة من امنوا بالذي ارسلت به وطائفة لم يؤمنوا. وهم الجمهور منهم. فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. فينصر المحق ويوقع العقوبة على المبطل او لتعودن في ملة قال الملأ الذين استكبروا من قومه وهم الاشراف والكبراء منهم الذين اتبعوا اهواءهم وله بلذاتهم. فلما اتاهم الحق ورأوه غير موافق لاهوائهم الرديئة. ردوه واستكبروا عنه. فقالوا لنبيهم شعيب ومن معه من المؤمنين المستضعفين لنخرجنك يا شعيب والذين امنوا معك من قريتنا او لتعودن في ملتنا. استعملوا قوتهم في مقابلة الحق. ولم يراعوا دينا ولا ذمة ولا حقا. وانما راعوا واتبعوا اهواءهم وعقولهم السفيهة. التي دلتهم على هذا القول الفاسد فقالوا اما ان ترجع انت ومن معك الى ديننا. او لنخرجنكم من قريتنا. فشعيب عليه الصلاة والسلام كان يدعوهم طامعا في ايمانهم والان لم يسلم من شرهم. حتى توعدوه ان لم يتابعهم بالجلاء عن وطنه. الذي هو ومن معه احق به منهم. فقال قال لهم شعيب عليه الصلاة والسلام متعجبا من قولهم او لو كنا كارهين اي انتابعكم على دينكم وملتكم الباطلة ولو كنا كارهين قيل لها لعلمنا ببطلانها فانما يدعى اليها من له نوع رغبة فيها. اما من يعلن بالنهي عنها والتشنيع على من اتبعها. فكيف يدعى اليها قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد اذ نجانا الله منها وما يكون لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله ربنا وسعة ربنا كل شيء علما على الله توكلنا على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبينك قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملته بعد اذ نجانا الله منها. ايشهدوا علينا اننا ان عدنا فيها بعدما نجانا الله منها وانقذنا من شرها. اننا كاذبون مفترون على الله فاننا نعلم انه لا اعظم افتراء ممن جعل لله شريكا وهو الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ ولدا ولا صاحبة ولا شريكا في الملك وما يكون لنا ان نعود فيها اي يمتنع على مثلنا ان نعود فيها. فان هذا من المحال. فايسهم عليه الصلاة والسلام من كونه يوفقهم من وجوه متعددة. من جهة انهم كارهون لها مبغضون لما هم عليه من الشرك. ومن جهة انه جعل ما هم عليه كذبا واشهدهم انه ان اتبعهم ومن معه فانهم كاذبون. ومنها اعترافهم بمنة الله عليهم اذ انقذهم الله منها. ومنها ان عودهم فيها بعدما هداهم الله من المحالات. بالنظر الى حالتهم الراهنة وما في قلوبهم من تعظيم الله تعالى والاعتراف له بالعبودية انه الاله وحده الذي لا تنبغي العبادة الاله وحده لا شريك له. وان الهة المشركين ابطلوا الباطل. وامحلوا المحال. وحيث ان الله من عليه بعقول يعرفون بها الحق والباطل والهدى والضلال. واما من حيث النظر الى مشيئة الله وارادته النافذة في خلقه. التي لا خروج لاحد عنها ولو تواترت الاسباب وتوافقت القوى فانهم لا يحكمون على انفسهم انهم سيفعلون شيئا او يتركونه. ولهذا استثنى وما يكون لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله. اي فلا يمكننا ولا غيرنا. الخروج عن مشيئته التابعة لعلمه وحكمته. وقد وسع ربنا كل شيء علما فيعلم ما يصلح للعباد وما يدبرهم عليه. على الله توكلنا اي اعتمدنا انه سيثبتنا على الصراط المستقيم. وان من جميع طرق الجحيم فان من توكل على الله كفاه ويسر له امر دينه ودنياه. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق. اي المظلوم وصاحب الحق على الظالم المعاند للحق. وانت خير الفاتحين وفتحه تعالى لعباده نوعان. فتح العلم بتبيين حقي من الباطل والهدى من الضلال ومن هو من المستقيمين على الصراط ممن هو منحرف عنه. والنوع الثاني فتحه بالجزاء وايقاع العقوبة على الظالمين والنجاة والاكرام للصالحين. فسألوا الله ان يفتح بينهم وبين قومهم بالحق والعدل. وان يريهم من اياته وعبره ما يكون بين الفريقين وقال الملأ الذين كفروا من قومه محذرين عن اتباع شعيب لان اتبعتم شعيبا انكم اذا لخاسرون هذا ما سولت لهم انفسهم ان الخسارة والشقاء في اتباع الرشد والهدى. ولم يدروا ان الخسارة كل الخسارة في لزوم ما هم عليه من الضلال والاضلال قال وقد علموا ذلك حين وقع بهم النكال فاخذتهم الرجفة اي الزلزلة الشديدة فاصبحوا في دارهم جاثمين. اي صرعى ميتين هامدين. قال تعالى ناعيا حالهم الذين كذبوا شعيبا كان لم يغنوا فيها. الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين. الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها. اي كأنهم ما اقاموا في ديارهم وكأنهم تمتعوا في عرصاتها ولا تفيؤا في ظلالها ولا غنوا في مسارح انهارها ولا اكلوا من ثمار اشجارها. حين فاجأهم العذاب فهم من مورد اللهو واللعب واللذات الى مستقر الحزن والشقاء والعقاب والدركات. ولهذا قال الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرون اي الخسار محصور فيهم. لانهم خسروا دينهم وانفسهم واهليهم يوم القيامة. الا ذلك هو الخسران المبين. لا من قالوا له لئن اتبعتم شعيبا انكم اذا لخاسرون. فتولى عنهم وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالة ونصحت اساء فكيف اساء على قوم كافرين فحين هلكوا تولى عنهم نبيه شعيب عليه الصلاة والسلام وقال معاتبا وموبخا ومخاطبا بعد موتهم. يا قومي لقد ابلغتكم رسالات ربي اي اوصلتها اليكم وبينتها حتى بلغت منكم اقصى ما يمكن ان تصل اليه. وخالطت افئدتكم ونصحت لكم فلم تقبلوا نصحي. ولا انقذتم لارشادي بل فسقتم وطغيتم فكيف اسى على قوم كافرين؟ اي فكيف احزن على قوم لا خير فيهم؟ اتاهم الخير فردوه ولم يقبلوه ولا يليق بهم الا الشر. فهؤلاء غير حقيقين ان يحزن عليهم. بل يفرح باهلاكهم ومحقهم. فعياذا بك اللهم من الخزي والفضيحة واي شقاء وعقوبة ابلغ من ان يصلوا الى حالة يتبرأ منهم انصح الخلق لهم