المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفائدة السادسة والمئة فائدة مهمة جدا الابواب والاحكام الغريبة الابواب والاحكام الغريبة وهي التي انفردت بحكم خاص يخالف ما ثبت من الحكم للاصل الكلي فهي كالمستثناة من الاصل واعلم على وجه الاجمال انه لا يوجد في الشرع مسألة واحدة انفردت عن نظائرها بحكم خاص الا لسبب ووصف امتازت به واوجب لها الخروج عن نظائرها لان من اصول الشرع المطردة ان الشارع لا يفرق بين المتماثلات من كل وجه واذا تتبعت هذا النوع وجدت الامر كما ذكرنا من ذلك باب العاقلة فان الاصل ان المتلف ضمان ما اتلفه عليه ولكن لما كان قتل الخطأ وشبهه يكفر والقاتل لم يتعمد تعمدا محضا وحمله جميع الدية شاق متعذر او متعسر جدا والعصبات كانوا يتعاونون ويتناصرون ويناقضون في كثير من الامور فكان من الحكمة الشرعية حملهم عن القاتل الدية في هذه الحال تحقيقا للمناصرة وحثا على المعاونة وتسهيل الامر عليهم من وجوه من جهة تعميمهم فيها وتحميلهم بحسب حالهم وتأجيلها عليهم ثلاث سنين كل عام ثلثها فحينئذ تخف عليهم ولا تهجر الدماء المعصومة وايضا متى علمت العاقلة انهم هم الحاملون لذلك منعوا مجانينهم وصغارهم وسفهائهم من الاسباب التي يحصل بها القتل خوفا من التحميل وشفقة عليهم فكان حملة العاقلة من المعاونات العرفية ومن المحاسن الشرعية ومن ذلك القسامة فان الاصل المدعي عليه البينة واليمين على المدعى عليه واما القسامة فلما تعذرت البينة على المدعي وحصل اللوث الذي هو القرائن الظاهرة القوية قوية حينئذ جانب المدعين فصار القول قولهم لكن على وجه لا يكاد يقدم عليه احد الا بعد التروي والتحقق واليقين او شبهه ان المدعى عليه هو القاتل بان يقسم جميع رجال الاولياء خمسين يمينا على القاتل فمع وجود القرائن الظاهرة ومع اقدام جميع الاولياء ومع هذه الايمان المكررة المغلظة يتضح حينئذ ان قبول قول المدعين اقوام كثير من البينات كما هو ظاهر لكل احد ومن ذلك باب النذر مخالف للاصل الذي هو ان الوسائل لها احكام المقاصد والنذر عقده مكروه وهو الوسيلة والوفاء به واجب وهو المقصود فالشارع نهى عن النذر وقال انه لا يأتي بخير وامر بالوفاء به ومدح الموفين والسبب ظاهر فان ايجاب الانسان على نفسه شيئا من العبادات التي عافاه الله من وجوبها تعرض للبلاء وتعرض للمعصية والانسان ينبغي له ان يسعى في اسباب العافية الدينية والدنيوية من كل وجه فاذا نذر فقد حمل نفسه امرا لا يدري هل يطيقه ام لا هذا من جهة ومن جهة اخرى ان العبادة لله لا تتم ولا تكمل الا بالاخلاص التام لله والنذر فيه اخلال من الاخلاص ونقص فانه اذا قال العبد لله علي نذر ان شفاني او شفى مريضي او اعطاني الشيء الفلاني لافعلن كذا وكذا من العبادات ثم حصل له كان ذلك يشبه المعاوضة والمقابلة وانه لم يفعل العبادة التي عينها الا بالشرط الذي علقها عليه والاخلاص المحض ان يكون الداعي والحامل للعمل وجه الله خالصا لا جزاء عاجلا ومن جهة اخرى ان الناذر جزم على الفعل ولم يعلقه بالمشيئة وهو من هذا الوجه يشبه المتألي على الله ومن جهة اخرى كثير من الناس يظن ان النذر سبب لحصول الامر المنذور وهذا كذب بنص الشارع حيث قال انه لا يأتي بخير وانما يستخرج به من البخيل فهو ليس من الاسباب التي نصبها الشارع لحصول مسبباتها وفي قوله وانما يستخرج به من البخيل اشارة الى ضعف اخلاص الانسان فان البخيل الذي لا داعي قوي عنده من الايمان يقضي على بخله وانما يستخرج منه بمثل النذر ونحوه فكأن خيره الذي فيه خير ناقص ردي فبهذه الاسباب صار عقد النذر مكروها والوفاء به واجبا ومنها باب الشفعة فان الاصل ان مال الغير لا يتملكه الانسان الا باختياره ورضاه فالمشتري للشقص الذي تملكه بالشراء جعل الشارع للشريك ان يتملكه منه قهرا عليه لسبب ظاهر وهو ازالة ضرر الشركة من غير ضرر يكون على المشتري فالمشتري يعود اليه الثمن الذي بذله ولم يكن قبل هذا مالكا متصرفا فاباح الشارع للمالك الاصيل الذي له من التصرفات السابقة والحاضرة والمستقبلة والعمارات وتوابعها ان يتملكه من هذا المشتري الحادث ازالة لضرره وتتميما لمقاصده وحقق ذلك ان كانت الشفعة في العقارات التي لم تقسم بخلاف المنقولات ونحوها لان ضرر العقارات اكثر وادوم من غيره ومنها باب الوقف فان الاصل في الاموال جواز التصرفات المطلقة فيها من جميع الوجوه والوقف قد علمت احكامه الكثيرة الخاصة المترتبة على انه تسبيل الاصل وتوقيف المنافع وذلك لما يترتب عليه من المصالح المتسلسلة النافعة للحاضرين والمستقبلين. وللاحياء والاموات وللمصالح الخاصة والمصالح العامة والله اعلم ومنها احكام امهات الاولاد. فان الاصل ان الامة يتصرف فيها سيدها في منافعها ورقبتها وام الولد تختص باحكام تميزها عن سائر الاماء لانه لما تولد الولد الحر فيها من سيدها سرى منه شيء اقتضى ثبوت هذه الاحكام المتبعضة في حال حياة سيدها وانه يتصرف في منافعها دون رقبتها وبعد موته يثبت لها الخروج التام عن ملكه فهذه الخواص لهذا السبب اوجبت اختصاصها باحكامها المعروفة ومنها في العبادات الحج والعمرة فان فيها خواص اختصت بها من بين سائر العبادات العبادات لا يجب اتمام نوافلها والحج والعمرة اذا شرع فيهما يجب اتمامهما لان الشروع في عقدهما بمنزلة ايجاب العبد على نفسه شيئا من العبادات ولذا قال تعالى فمن فرض فيهن الحج اي اوجبه على نفسه ثم اليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم فسمى متعبدات النسك نذورا لانه اوجبها على نفسه بعقد الاحرام ومنها ان من عليه حجة الاسلام لا يصح ان يصرفها عن غيرها ولا ان يحج عن غيره فان فعل ذلك انقلبت الى نفسه عن حجة الاسلام لان اول نسك بعد وجوبه على المكلف غير قابل لغير الفريضة الاسلامية التي هي فريضة العمر فمهما نوى العبد بها من النيات المنافية لهذا المقصد لغت تلك النيات المعارضة. وبقي الاصل سالما ومنها ان المفرد والقارن اذا طاف للقدوم وسعى بعده سعي الحج ثم قلب ذلك وفسخه الى العمرة كما هو المشروع والافضل ان ذلك الطواف الذي كان للقدوم وذلك السعي الذي كان للحج ينقلبان للعمرة ركنين من اركانها آآ مع انه ادى الطواف بنية النفل وهو طواف القدوم وادى السعي بنية سعي الحج ثم انقلبا كما ترى وهذا يعد من الغرائب والسبب في ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة والعمرة ايضا هي الحج الاصغر وايضا اذا فسخ القران والافراد ناويا التمتع فهو في الحقيقة لم ينقص ما سبق له من الاعمال والنيات وانما اتى بها على وجه اكمل فهو لم يصرفها الى شيء اخر وانما ادارها من صفة الى صفة احسن منها واتم كما امر به النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اصحابه بعدما طافوا وسعوا ان يجعلوها عمرة واكتفوا بذلك الطواف والسعي عنها مع ان اكثرهم لم يفسخ الا بعد كمال السعي فللحج والعمرة من الارتباط الوثيق ما ليس لغيرهما من العبادات فهذا الذي اوجب استغراب هذه المسائل التي لا نظير لها. بل تخالف نظائرها ومنها انه لو اراد المحرم الخروج من احرامه قبل الفراغ من نسكه بدون عذر حصر او نحوه لم يتمكن من ذلك فسخه غير معتبر وغير مبطل للنسك لما ذكرنا من لزوم اتمام فرضها ونفلها وعدم قبول النسك لشيء اخر. والله اعلم ومن المسائل الغريبة على ما فيها من الخلاف مسألة منع الرجل من الماء الذي خلت فيه المرأة لطهارة الحدث دون الخبث فهي غريبة من عدة وجوه والقائلون بها لا يعللون ذلك بل يقولون. ان هذا تعبدي لانهم لا يشاهدون لها تعليلا وجيها. واما الذين يرون ضعفها فتخرج المسألة عندهم من هذا الباب وهو الصواب لادلة كثيرة مذكورة في غير هذا الموضع ومن المسائل الغريبة ان المسبوق في الصلاة اذا زاد امامه ركعة سهوا لا يعتد بها المسبوق بل ياتي بركعة غيرها ويقولون لما لغت في حق الامام لغت في حقه وهذا تعليل فيه ضعف كثير فان الامام انما لغت في حقه لكونها وقعت موصوفة بصفتين السهو والزيادة على ما يجب عليه اما المأموم فلا وجه لالغائها اذا كان مسبوقا بركعة فاكثر لانها اصيلة في حقه لا زائدة وايضا فانه وقع الاجماع على ان من زاد في فريضة ركعة واحدة متعمدا فصلاته باطلة ولم يستثنى من هذا العموم صورة واحدة فلم خرجت هذه الصورة عن هذا العموم وعدم اعتبارها في حق الامام لا يوجب خروجها. والله اعلم ومن الغرائب ايضا بعض عيوب الاضاحي عند القائلين بها مثل العضباء التي ذهب اكثر اذنها او قرنها والعصماء التي انكسر غلاف قرنها من دون ان يحدث مرضا او جرحا ونحوهما فان هذا مخالف للمعهود المعقول من العيوب الضارة وهي المريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والعوراء البين عورها والهزيلة التي لا مخ فيها وما كان مثلها واولى منها وكذلك العيوب في البيع والمعاوضات وهو ما نقص قيمة العوض او المعوض هذا معقول وكذلك عيوب الرقبة في الكفارة وهو عيب واحد وهو كل عيب يضر بالعمل ضررا بينا فكل هذا مما ينافي المقصود واما بعض عيوب الاضاحي المذكورة فعند القائلين به يقولون هذا تعبدي لان فقدها لا يضر باللحم ولا بالقيمة لغير هذا الغرض واما من يقول تجزئ وليست من العيوب المانعة وانما هي من الكماليات كما هو القول القوي فيزول هذا الاستغراب ونظير ذلك العيوب في النكاح عينوا منها عدة اشياء ونفوا منها عيوبا في الحقيقة هي مثلها او ربما كانت اعظم منها فيعد هذا النفي من غرائب العلم عند القائلين به مثل العمى والصمم وقطع اليدين والرجلين والخرس وحيث ان القول ضعيف لا يجيب القائلون به الا بجواب ضعيف واما على القول الصحيح وهو ان هذه الامور من العيوب المثبتة للفسخ والخيار فيزول هذا الاستغراب لان العيب الحقيقي ما نقض المعقود عليه وما منع حصول المقصود كله او بعضه فاذا طردنا هذا ولم نستثني شيئا كنا اخذنا بما هو معقول مستحسن عرفا وشرعا. والله اعلم ومن غرائب العلم الصحيحة امور اختص بها النكاح لاسباب قد ذكرناها في السؤال والجواب وهي احكام متعددة ومن غرائب العلم عند القائلين به ان صلاة المأموم تبطل ببطلان صلاة امامه مع انه اذا لم يعلم بالبطلان الا بعد الصلاة اعاد الامام ولم يعد المأموم ووجه الاستغراب ان الاصل الشرعي الفقهي ان كل مصل لا تبطل صلاته الا اذا ترك بعض الشروط او الاركان او الواجبات لغير عذر او فعل بعض المبطلات وهذه المسألة عند القائلين بها بطلت صلاة المأموم بامر خارج عن فعله وعمله بل ببطلان صلاة امامه ويعللون هذا بان صلاة المأموم مرتبطة بصلاة امامه فاذا بطلت صلاة الامام بطلت صلاة المأموم والصواب القول الاخر وانها لا تبطل فعلى هذا القول الصحيح لا تصير من الغرائب بل هي جارية على الاصل والعبادة لا تبطل الا بالاشياء التي ابطلها الشارع بها وهذه ليست منها ولهذا من لم يعلم الا بعد الصلاة فصلاة المأموم صحيحة والارتباط الذي عللوا به انما هو وجوب المتابعة لا غير واما بقية الاحكام فكل مصل له ما كسب وعليه ما اكتسب ومنها بعض مسائل الاستبراء فان الاستبراء الغرض به معرفة براءة الرحم من ولد الغير لان لا تختلط المياه وتشتبه الانساب وذلك عند الشك في اشتغال الرحم معقول واما عند اليقين ببراءة الرحم فاذا ملك الامة من امرأة او من صبي او ممن يعلم انه استبرأها فايجاب الاستبراء غريب ولكن يعللون ذلك بالتعبد تارة وبالاحتياط وسد الذريعة تارة اخرى وطريق الاحتياط مطلوب شرعا وعرفا ومن العلماء من قال انه في هذه المسائل التي يعلم يقينا براءة الرحم لا يجب استبراء كما قاله شيخ الاسلام ابن تيمية فعلى قولهم لا غرابة في هذه المسائل واما مسائل العدد فليس فيها شيء غريب لانه ليس الغرض من علة واحدة وهي طلب براءة الرحم بل له عدة علل اذا فقد بعضها فالبقية موجودة فانه يقصد منها براءة الرحم واداء حق الزوج والزوجة وتطويل العدة للتمكن من الرجعة ولجريان النفقة وللاحتياط للولد ولغير ذلك من الحكم الظاهرة للمتأمل. والله اعلم ومن ذلك انتقاض وضوء الماسح على الخفين بتمام المدة وبخلع الممسوح عند القائلين به فانها من النواقض الغريبة لانه لم يحصل شيء من نواقض الوضوء لا حدث ولا هو مظنة الحدث لكنهم يعللون بان المسح ضرورة ولا يجتمع مع الغسل وهي علة ضعيفة ومن قال لا ينتقض الوضوء بالخلع ولا بتمام المدة فقوله اصح ولم يأت دليل شرعي يدل على النقض بهما. والاصل عدم النقض. وهذا القول هو الصواب. وبه تخرج المسألة عن الاستغراب ولنقتصر من هذه الفائدة على هذه الامثلة التي يحصل بها التوضيح وفتح هذا الباب. والله الموفق