المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفائدة السادسة عشرة والمئة فائدة قصة اخرى رجل له ابناء قد رباهم وابدى مجهوده في معاملتهم معاملة الاب الشفيق لابنائه الذين ملكوا قلبه محبة ورحمة وحنانا فلما بلغوا رشدهم وان وقت كسبهم ونفعهم قال لهم يا ابنائي لا اخفيكم امركم قد قمت بواجباتكم وربيتكم احسن ما اقدر عليه من التربية والان قد ملكتم امركم وعرفتم مصلحتكم واحببت لكم الاستقلال في حياتكم وان توجهوا جهودكم المقدرة ومعارفكم ومدارككم اريد يا ابنائي ان ابعث كل واحد منكم في عمل من الاعمال الدنيوية واوصيه بوصية تناسب عمله المذكور اما انت يا خالد فقد عرفت منك انك قد مهرت في الصناعة الفلانية فاذهب يا بني وافتح لك محلا لهذه الصنعة واعلن عنها اعلانا صحيحا صادقا لا مجاوزة فيه واستعمل يا بني النصح مع كل احد واياك والغش والظلم واخلاف المواعيد واقبل على صنعتك بجد واجتهاد ولا تجعل نفسك لعمل لا تعرفه او لا تتقنه ولا تكثر من الاعمال التي لا تتمكن منها كلها وهي تتزاحم عليك فتعجز قوتك وتبوء بالفشل فانك ان حفظت وصيتي حصل لك الاعتبار ونلت الشرف وصرت مقصودا في صنعتك محمودا في اعمالك واما انت يا جعفر فاذهب خادما عند فلان لاني لا ارى لك انسب من الخدمة ولكن قم يا بني باوامره بجد ونشاط واياك والكسل فان الكسلان ضعيف القوة ضعيف الارادة مع ما يكسبه من الذل والطرد والمهانة وملازمة الامانة في خدمتك لمخدومك ولا يكن عملك في حضرته يفوق عملك في غيبته فان راعيت وصيتي نلت رضا مخدومك وتسابق الناس عليك وازددت رفعة وحسن سمعة واديت واجبك واما انت يا محمد فقد عرفت ميلك الى التجارة فاذهب في ارض الله واطلب لنفسك التجارة التي تناسب حالك وتقوم باودك وترى نفسك قادرا عليها ولكن يا بني عليك بالسعي الجميل والطمأنينة والثبات واذا بورك لك في مكسب فالزمه ولتكن المعاملة الطيبة منك على بال واعلم ان المعاملة وحسنها هي روح التجارة والغش والخداع هو سوس التجارة وداؤها وبه يهبط التاجر الى اسفل سافلين واوصيكم يا بني بوصية جامعة اوصيكم بالنية الصالحة والاحتساب وان تقوموا بمكاسبكم المذكورة قصد الاداء الواجب والقيام على النفس والعائلة والاستعانة برزق الله على طاعته فانه بذلك تكونون مشتغلين بالامور الدينية والدنيوية ويسهل الله لكم اموركم فهذه وصيتي لكم وارجو الله ان يعينكم على مقاصدكم فان دعاء الوالد لاولاده مرجو الاجابة وهو في الحقيقة دعاء لنفسه لان صلاح اولاده يعود عليه منه خير كثير واعلموا ان الامور باخرها والاعمال بخواتيمها ولابد بعد مدة طويلة يظهر نجاحكم وفلاحكم او اخفاقكم وافلاسكم فاذهبوا على بركة الله ثم ذهب كل واحد الى العمل الذي وجه اليه واستصحب كل واحد نصائح والده الرحيم فما مضى على خالد مدة حتى مهر في صناعته وقصده الناس من كل جانب وحمدوه على نصحه واتقانه وحسن معاملته وحيث لم يكن له التفات اخر الى غير صنعته وحصر فكره وظاهره وباطنه عليها فاق فيها ابناء جنسه وحصل له رزق يكفيه ويكفي عائلته ويرد الفضل منه على والديه واقاربه فاغتبط والده بنجاحه واما جعفر فانه حافظ على وصية ابيه ولازم مخدومه ما شاء الله ان يلازمه وصار عنده امينا معتبرا واحتفظ به لعلمه انه لو ذهب عنه لتسابق اليه الناس لما علموه من نصحه وقيامه بواجبه فنجح في مقصوده ولكن مثل هذا يأتيه النقص من جهتين اذ فرضنا كما له في مهنته اولا ان الخدمة نهايتها ان تكون كافية لمعاش الانسان ليس فيها زيادة الا ان وفق للاقتصاد في النفقة فربما زاد شيئا يسيرا والنقص الثاني ان الخادم المستعد للخدمة الذي لا عمل له ولا شغل له سواها يبقى فكره خامدا وقريحته جامدة ومعارفه ضئيلة لانه قد اعتاد ان يكون مدبرا لا مدبرا ومأمورا لا امرا وارادته واعماله تبع لارادة غيره وعمله رقيقا لا حرا ومقلدا لا مستقلا وهذا نقص واي نقص فانه اذا تمرن على الخدمة ولازمها مدة طويلة تعذر عليه بعد ذلك عمل غيرها بل لا يصير له رغبة في سواها وغايته ان يكون له شرف كشرف رقيق ومع ذلك فالخدمة والتعيش خير من سؤال الناس والذل لهم ولكل مقام مقال واما محمد فانه كاخويه حفظ وصية ابيه ثم جعل يكسب شيئا فشيئا لا يحتقر القليل ولا يأنف من الشيء الحقير وترقى شيئا فشيئا حتى فتح له محل تجارة ووسع تجارته وفرعها واوعز لاصحابه وعملائه انه مستعد لما يرد عليه من الاموال تصريفا وتحويلا وتدبيرا فانفتحت في اصناف المعاملات افكاره وتوسعت حين اعمل افكاره في الطرق المتنوعة والمعاملات المتباينة معارفه وكلما ازدادت اعماله استعمل الاجراء الامناء الذين قد عرفت كفائتهم ولم يبالي بكثرة اجور من جمع بين الامانة التامة والكفاءة التامة فانما يحصل له به من المنافع والخيرات ما لا يعد ولا يحصى وصار مرجوعا اليه في امور التجارة ولوازمها معتبرا عند الناس كلهم اذا قال سمعوا لقوله واذا ابدى رأيا ظهر للناس اصابته وهو مع ذلك قائم اشد القيام بملاحظة اموال الناس حفظا وتصريفا وتدبيرا وتنجيزا وحيث كانت تجارته مبنية على ما اوصاه به والده من النية الطيبة في كل ما يأتي وما يذر جعل يرمق بنظره السديد وفكره الصائب اصحاب المروءات الذين اخفقت اسبابهم وضعفت اعمالهم فيحرص على ان يجعل منهم كل انسان في عمل يليق به ويتعيش به وهو في ذلك لا يصيبه نقص بل الخير يزيد والاجر حاصل ثم هو في تجارته يستعمل ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم رحم الله عبدا سمحا اذا باع سمحا اذا اشترى سمحا اذا قضى سمحا اذا اقتضى ييسر على الموسرين وينظر المعسرين ويعين على نوائب الحق وهو مع ذلك قائم بحقوق المال كلها من الزكاة والنفقات الواجبة والمستحبة وصلة الارحام والهدية للاخوان وتعاهد الفقراء والمساكين ونال من الشرف والسمعة والثناء الحسن ما لا يكاد يصل اليه احد فتبارك الله الذي فارق بين عباده في الاشتغال في الاعمال الدنيوية والاخروية وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم