المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفائدة السابعة عشرة والمئة فائدة في قصة الاخوين كان اخوان قد ورثا من ابيهما مالا كثيرا نقودا واثاثا وعقارا وانفرد كل منهما بماله وكانوا في الرأي والعقل فيما يبدو للناس متقاربين. ولكن هذا لا يدل ولا يعطي بحكم انما يحكم على الناس وعلى ارائهم وعقولهم بعد الاختبار وظهور النتائج اما احد الاخوين فتلقى ما ورثه من ابيه بهلع وجشع وشح وامساك عظيم حتى بخل عن القيام بالواجبات وطبعا من كان على هذا الوصف فسيكون المال اكبر همه ومع تلقيه بالشح والامساك عن الامور اللازمة فقد اعتمد بقلبه عليه وقال بلسان الحال ان لم يقل بلسان المقال انه قادر عليه وانه سيغتبط في ماله في حياته وانه لا سبيل الى نقصه وفناءه ولو قدر شيء من ذلك ففي بقيته ما يقوم به وبمن يتصل به فحيث تلقاه على هذا الوصف الرذيل حلت بماله الافات المتنوعات اولا نزع الله منه البركة لان كل مال ظن به صاحبه واتكل عليه ومنع منه الواجبات فليرتقب صاحبه النقص من جميع الجوانب ثانيا قيض له معاشرة اناس لم يعاشروه على اساس الصداقة الصحيحة وانما هم مترصدون مترقبون فيه وفي ما له الفرص والاطماع الضارة فلم يزالوا به يزينون اليه معاملتهم في ديون ومضاربات وقروض ومنهم من هو دون ذلك يزينون اليه الاسراف في الدعوات ومجاراة اهل الربا والعقول الناقصة في بذل الاموال في طرق التبذير وانفاقه في السبل الضارة غير النافعة فلم يزالوا به كذلك حتى تقطعت مجاريه ونضب معينه ومادته وبقي صفر اليدين بل تراكم عليه الدين فانظر الى هذا الرأي الافن الذي لم يستطع ان ينتفع بماله لا في دنياه ولا في اخراه اما الاخ الاخر فانه حين وصل اليه هذا المال الجزيل حمد الله اولا على هذه النعمة العظيمة وعلى حصول اكبر الوسائل التي يتوسل بها الى سعادة الدنيا وسعادة الدين اذا عرف صاحبها كيف يدبرها فاطال فكره الصحيح فيما يدبر به هذا المال وعلم ان الدنيا وان بلغت ما بلغت فمآلها الزوال والاضمحلال فاستعان بربه وسأله ان يبارك له فيه وان يجعله معونة له على امور الدنيا وامور الدين والا يكله الى نفسه وتدبيره وان ييسر له الاسباب النافعة ويصرف عنه بلطفه كل سبب ضار فاخذه بحكمة ونية صالحة عزم عزما جازما على ان يؤدي فيه الواجبات الدينية والمستحبات ان يقوم فيه بواجب نفسه وعائلته ومن يتصل به بحكمة واختصاد وجعل يسعى في الاسباب التي تنميه ويشاور على ذلك اهل الرأي والخبرة والمعرفة وكل سبب يباشره فهو مستصحب للاعتماد على الله سائلا من ربه ان ييسره له ويسهله فحيث كان على هذا الاساس الطيب بارك الله في امواله ونماها فتضاعفت امواله ونفذ ما كان نواه علم ان اول واجب عليه اخراج الواجبات فيه فاحصى كل نوع من المال على حدته فاخرج زكاته معتقدا ان افضل ما انفقت فيه الاموال ما يعود الى صلاح الدين ويستتبع ذلك صلاح الدنيا وتعاهد مع ذلك الصدقة والانفاق في كل مشروع بحسب الحال والمناسبات ووصل ارحامه وقام بحق الجيران والاصحاب والمعاملين وهو مع ذلك مغتبط في دنياه ولم يقصر عليه من مصالح دنياه شيء لم يذهب مع المسرفين في تبذيرهم ولا مع البخلاء واهل الشح في امساكهم بل كما دبر الكسب والتجارة بحكمة كذلك دبر التصريف والانفاق بحكمة واختصاص وسلك اولاده مسلكه وقتفوا طريقه واقر الله عينه بهم وبصلاحهم وكفائتهم وتوفيقهم فعاش حميدا وخرج من الدنيا سعيدا فسبحان من فاوت بين العباد هذا التفاوت العظيم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم