المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفائدة التاسعة عشرة والمئة الاحسان قال الله تعالى ان رحمة الله قريب من المحسنين هذه الاية الكريمة جمعت اسباب الرحمة وابوابها وطرقها بلفظ واضح مختصر وهو الاحسان في عبادة الخالق وايقاعها على اكمل الوجوه المستطاعة للعبد كما قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم الاحسان ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك والاحسان الى المخلوقين بالايصال اليهم ما يستطيعه العبد من نفع ما لي او بدني قولي او فعلي والدين كله داخل في هذا لان الدين هو القيام بحقوق الله والقيام بحقوق الخلق قياما بالواجب وقياما بالمستحب وقال تعالى للذين احسنوا الحسنى وزيادة فالحسنى والزيادة التي وعدها الله للذين احسنوا هي الرحمة التي ذكر الله انها قريب من المحسنين فالحسنى تفسر بالحالة الحسنة في الدنيا والاخرة وتفسر بالجنة والزيادة النظر الى وجه الله الكريم او الحسنى جزاؤهم على احسانهم والزيادة ما زاد على ذلك مما لم يقابل بشيء من اعمالهم بل زيادة من فضل الله وكرمه لم تبلغهم اعمالهم ويدخل في هذا التفسير الاول وقال تعالى هل جزاء الاحسان الا الاحسان وهذا استفهام بمعنى التقرير ايه هل جزاء من احسن في عبادة الله والى عباد الله الا ان يحسن الله جزاءه وثوابه باعلى انواع النعيم تبين انه حصل لهم هذا الثواب الكامل من جميع الوجوه باحسانهم وبين مع ذلك ان هذا جزاء لكل محسن وقال تعالى ان الله يحب المحسنين فمحبة الله للعبد هي اعلى ما تمناه المؤمنون وافضل ما سأله السائلون وسببها من العبد ان يكون من المحسنين في عبادته والى عباده فينال من محبة الله ورحمته بحسب ما قام به من الاحسان وقال تعالى انا لا نضيع اجر من احسن عملا انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا وهو العمل الخالص لله المتبع فيه رسول الله المجتهد صاحبه في اكماله واتمام واجباته ومستحباته فالعمل الذي على هذا الوصف لا يضيعه الله بل يضاعفه للعبد اضعافا كثيرة بحسب درجاته وبحسب ما صدر منه من ايمان وبحسب نفعه وغايته وثمراته الجليلة وقال صلى الله عليه وعلى اله وسلم في الحديث الصحيح ان الله كتب الاحسان على كل شيء تعمم الامور كلها وان الله تعالى كتب الاحسان في كل عمل ومعاملة للخلق حتى في الحالة التي تزهق فيها النفوس ولهذا قال فاذا قتلتم فاحسنوا القتلة واذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة وليحد احدكم شفرته وليرح ذبيحته والدين كله احسان حتى ما فيه من الحدود والعقوبات فانها رحمة باهلها وبغيرها لما فيها من الردع والمنع من المعاصي والمضار وهذا الاحسان الشامل للدين كله هو الاصل الذي قال الله فيه انا لا نضيع اجر المصلحين كما قال انا لا نضيع اجر من احسن عملا فالاصلاح يشمل اصلاح القلوب بالعقائد الصحيحة والاخلاق الطيبة الجميلة واصلاح الاعمال وهي جميع الاعمال الصالحة والاقوال الصالحة من واجب ومستحب من حقوق الله وحقوق عباده واصلاح ما يعود الى الفرد وما يعود الى الجماعة وما يعود الى الدين وما يعود الى الدنيا فان اصلاح الاحوال الدنيوية الاصلاح الصحيح داخل في اصلاح الدين فكما امر الله ورسوله بالقيام بالعبادات فقد اباح الله ورسوله كل طيب حلال نافع واباح كل طريق يوصل اليه من الاسباب الدنيوية من تجارات وصناعات واصناف المكاسب على اختلاف انواعها واصنافها وكما امر الشارع باصلاح ما يعود الى نفس الانسان فقد امر باصلاح ما يعود الى الخلق فالصالح حقيقة هو المصلح ووصف الله جميع طرق الخيرات انها من الصالحات لانها اصلاح للامور وهذه طريقة الانبياء عليهم السلام واتباعهم قال تعالى عن شعيب ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وضد الاصلاح الافساد قال تعالى ان الله لا يصلح عمل المفسدين فالامور كلها اما اصلاح يحبه الله ويأمر به ويثيب عليه ويصلح لصاحبه ثمراته ونتائجه واما فساد يبغضه الله وينهى عنه ويعاقب عليه ولا يصلح لاهله اعمالهم فكل امر فيه جلب للمنافع ودفع للمضار فهو اصلاح وضده الافساد والصالح المصلح يتولاه الله بلطفه وييسره لليسرى ويجنبه العسرى ويحفظه في نفسه وذريته ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين وقال يوسف صلى الله عليه وسلم ربي قد اتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض انت وليي في الدنيا والاخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين واخبر انه حفظ للغلامين اليتيمين كنزهما بالاسباب التي ذكرها بصلاح ابيهما لقوله تعالى وكان ابوهما صالحا واخبر ان الصلاح والفساد متضادان متناقضان لقول موسى لاخيه واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين