عنها ولا يبغون عنها حولا. ان الله عنده اجر عظيم. لا تستغرب كثرته على فضل الله. ولا يتعجب من عظمه وحسنه على من يقول للشيء كن فيكون لكم اولياء ان استحبوا الكفر على الايمان المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي يبشرهم ربهم جودا منه وكرما وبرا بهم. واعتناء ومحبة لهم برحمة منه زال بها عنهم الشرور واوصل اليهم بها كل خير. ورضوان منه تعالى عليهم. الذي هو اكبر نعيم الجنة واجله. فيحل عليهم رضوان فلا يسخط عليهم ابدا. وجنات لهم فيها نعيم مقيم. من كل ما اشتهته الانفس وتلذ الاعين مما لا يعلم وصفه ومقداره الله تعالى الذي منه ان الله اعد للمجاهدين في سبيله مئة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعتهم خالدين فيها ابدا ان الله عنده اجر عظيم خالدين فيها ابدا لا ينتقل يقول تعالى يا ايها الذين امنوا اعملوا بمقتضى الايمان بان توالوا من قام به وتعادوا من لم يقم به تتخذوا اباءكم واخوانكم الذين هم اقرب الناس اليكم وغيرهم من باب اولى واحرى. فلا تتخذوهم اولياء ان استحبوا اي اختاروا على وجه الرضا والمحبة الكفر على الايمان. ومن يتولهم منكم فاولئك هم الظالمون. لانهم تجرأوا على معاصي الله اتخذوا اعداء الله اولياء. واصل الولاية المحبة والنصرة. وذلك ان اتخاذهم اولياء موجب لتقديم طاعتهم على طاعة الله. ومحبة على محبة الله ورسوله. ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك وهو ان محبة الله ورسوله يتعين تقديمها على محبة كل شيء. وجعل جميع عن اشياء تابعة لهما فقال وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله قل ان كان اباؤكم ومثلهم الامهات وابناؤكم ثم اخوانكم في النسب والعشرة وازواجكم وعشيرتكم اي قراباتكم عموما واموال اقترفتموها اي اكتسبتموها وتعبتم في خصها بالذكر لانها ارغب عند اهلها وصاحبها اشد حرصا عليها ممن تأتيه الاموال من غير تعب ولا كد. وتجارة تخشون كسادها اي رخصها ونقصها وهذا شامل لجميع انواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات من الاثمان والاواني والاسلحة والامثلة والحبوب والحروث والانعام وغير ذلك. ومساكن ترضونها من حسنها وزخرفتها وموافقتها لاهوائكم. فان كانت هذه الاشياء احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فانتم فسقة ظلمة. فتربصوا اي انتظروا ما يحل بكم من العقاب حتى الله بامره الذي لا مرد له والله لا يهدي القوم الفاسقين. اي الخارجين عن طاعة الله المقدمين على محبة الله شيئا من المذكور وهذه الاية الكريمة اعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله. وعلى تقديمها على محبة كل شيء. وعلى الوعيد الشديد والمقت الاكيد على من كان شيء من هذه المذكورات احب اليه من الله ورسوله وجهاد في سبيله. وعلامة ذلك انه اذا عرض عليه امران احدهما ما يحبه الله ورسوله وليس لنفسه فيه هوى. والاخر تحبه نفسه وتشتهيه. ولكنه يفوت عليه محبوبا لله ورسوله. او فانه ان قدم ما تهواه نفسه على ما يحبه الله. دل ذلك على انه ظالم تارك لما يجب عليه. لقد نصركم الله كثيرة ويوم حنين ان اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاق يمتن تعالى على عباده المؤمنين بنصره اياهم فيما مواطن كثيرة من مواطن اللقاء ومواضع الحروب والهيجاء. حتى في يوم حنين الذي اشتدت عليهم فيه الازمة. ورأوا من التخاذل والفرار فيما ضاقت عليهم به الارض على رحبها وسعتها وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة سمع انها وازن اجتمعوا لحربه اشار اليهم صلى الله عليه وسلم في اصحابه الذين فتحوا مكة وبمن اسلم من الطلقاء اهل مكة فكانوا اثني عشر الفا والمشركون اربعة الاف فاعجب بعض المسلمين بكثرتهم. وقال بعضهم لن نغلب اليوم من قلة. فلما التقوهم وهوازن حملوا على المسلمين حملة واحدة فانهزموا لا يلوي احد على احد. ولم يبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا نحو مائة رجل. ثبتوا معه وجعلوا يقاتلون المشركين وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو المشركين ويقول انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب ولما رأى من المسلمين ما رأى امر العباس ابن عبد المطلب ان ينادي في الانصار وبقية المسلمين. وكان رفيع الصوت فناداهم يا اصحاب السمرة يا اهل سورة البقرة فلما سمعوا صوته عطفوا عطفة رجل واحد فاجتلدوا مع المشركين فهزم الله المشركين هزيمة شنيعة واستولوا على معسكرهم ونسائهم واموالهم. وذلك قوله تعالى ثم وليتم مدبرين. لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين. وهو اسم للمكان الذي كانت فيه الوقعة بين مكة والطائف اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا اي لم تفيدكم شيئا قليلا ولا كثيرا وضاقت عليكم الارض بما اصاب لكم من الهم والغم حين انهزمتم بما رحبت اي على رحبها وسعتها. ثم وليتم مدبرين اي منهزمين ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين والسكينة ثم يجعله الله في القلوب وقت القلاقل والزلازل والمفظعات. مما يثبتها ويسكنها ويجعلها مطمئنة. وهي من نعم الله العظيمة على العباد وانزل جنودا لم تروها وهم الملائكة. انزلهم الله معونة للمسلمين يوم حنين. يثبتونهم ويبشرونهم بالنصر. وعذب الذي كفروا بالهزيمة والقتل واستيلاء المسلمين على نسائهم واولادهم واموالهم. وذلك جزاء الكافرين يعذبهم الله في الدنيا ثم ردهم في الاخرة الى عذاب غليظ والله غفور رحيم. ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء. فتاب الله على كثير ممن كانت الوقعة عليهم واتوا الى النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين تائبين. فرد عليهم نساءهم واولادهم. والله غفور رحيم. اي ذو مغفرة واسعة عامة يعفو عن الذنوب العظيمة للتائبين ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة والطاعة والصفح عن جرائمهم وقبول توباتهم فلا ييأسن احد من مغفرته ورحمته ولو فعل من الذنوب والاجرام ما فعل ان الله عليم حكيم. يقول تعالى يا ايها الذين امنوا انما المشركون بالله الذين عبدوا معه غيره نجس. اي خبثاء في عقائدهم واعمالهم. واي نجاسة ابلغ ممن كان يعبد مع الله الهة لا تنفع ولا تضر. ولا تغني عنه شيئا. واعمالهم ما بين محاربة لله وصد عن سبيله ونصر للباطل ورد للحق. وعمل بالفساد في الارض لا في الصلاح. فعليكم ان تطهروا اشرف البيوت واطهرها عنهم. فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وهو سنة تسع من الهجرة حين حج بالناس ابو بكر الصديق رضي الله عنه وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه علي ان يؤذن يوم الحج الاكبر ببراءة. فنادى الا يحج بعد العام مشرك. ولا يطوف بالبيت عريان. وليس المراد هنا نجاسة البدن فان الكافر كغيره طاهر البدن. بدليل ان الله تعالى اباح وطأ الكتابية ومباشرتها. ولم يأمر بغسل ما اصاب منها المسلمون ما زالوا يباشرون ابدان الكفار. ولم ينقل عنهم انهم تقذروا منها تقذرهم من النجاسات. وانما المراد كما تقدم نجاستهم المعنوية الشرك فكما ان التوحيد والايمان طهارة فالشرك نجاسة وقوله وان خفتم ايها المسلمون عيلة اي فقرا وحاجة من منع المشركين من قربان المسجد الحرام. بان تنقطع الاسباب التي بينكم وبينهم من الامور الدنيوية. فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء. فليس الرزق مقصورا على باب واحد ومحل واحد. بل لا ينغلق باب الا وفتح غيره ابواب كثيرة. فان فضل الله واسع وجوده عظيم خصوصا لمن ترك شيئا لوجهه الكريم. فان الله اكرم الاكرمين. وقد انجز الله وعده. فان الله اغنى المسلمين من فضله. وبسط لهم من الارزاق فيما كانوا من اكبر الاغنياء والملوك. وقوله انشاء تعليق للاغناء بالمشيئة. لان الغنى في الدنيا ليس من لوازم الايمان. ولا يدل على محبة الله. فلهذا علقه الله بالمشيئة. فان الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب. ولا يعطي الايمان والدين الا من يحب. ان الله حكيم حكيم اي علمه واسع يعلم من يليق به الغنى ومن لا يليق. ويضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها. وتدل الاية الكريمة وهي قوله فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ان المشركين بعدما كانوا هم الملوك والرؤساء بالبيت ثم صار بعد الفتح الحكم لرسول لله والمؤمنين مع اقامتهم في البيت ومكة المكرمة. ثم نزلت هذه الاية. ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم امر ان يجلوا من فلا يبقى في دينان وكل هذا لاجل بعد كل كافر عن المسجد الحرام. فيدخل في قوله فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا هذا قاتل الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا هذه الاية امر بقتال الكفار من اليهود والنصارى من الذين لا يؤمنون بالله باليوم الاخر ايمانا صحيحا. يصدقونه بافعالهم واعمالهم. ولا يحرمون ما حرم الله. فلا يتبعون شرعه في تحريم المحرمات ولا يدينون دين الحق. اي لا يدينون بالدين الصحيح. وان زعموا انهم على دين فانه دين غير الحق. لانه ما بين دين مبدل وهو الذي لم يشرعه الله اصلا. واما دين منسوخ قد شرعه الله. ثم غيره بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم. فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جار فاز فامره بقتال هؤلاء وحث على ذلك لانهم يدعون الى ما هم عليه. ويحصل الضرر الكثير منهم للناس. بسبب انهم اهل كتاب وغير ذلك القتال حتى يعطوا الجزية. اي المال الذي يكون جزاء لترك المسلمين قتالهم. واقامتهم امنين على انفسهم واموالهم بين جمهور المسلمين يؤخذ منهم كل عام. كل على حسب حاله من غني وفقير ومتوسط. كما فعل ذلك امير المؤمنين عمر بن الخطاب وغيره من امراء المؤمنين وقوله عن يد اي حتى يبذلوها في حال ذلهم وعدم اقتدارهم ويعطونها بايديهم فلا يرسلون بها خادما ولا غيرة بل لا تقبل الا من ايديهم وهم صاغرون. فاذا كانوا بهذه الحال وسألوا المسلمين ان يقروهم بالجزية. وهم تحت المسلمين وقهرهم. وحال الامن من شرهم وفتنتهم. واستسلموا للشروط التي اجراها عليهم المسلمون. مما ينفي عزهم وتكبرهم وتوجب قل لهم صغارهم وجب على الامام او نائبه ان يعقدها لهم. والا بان لم يفو ولم يعطي الجزية عن يد وهم صاغرون. لم يجز اقرارهم بالجزية بل يقاتلون حتى يسلموا. واستدل بهذه الاية الجمهور الذين يقولون لا تؤخذ الجزية الا من اهل الكتاب. لان الله لم يذكر اخذ الجزية الا منهم واما غيرهم فلم يذكر الا قتالهم حتى يسلموا. والحق باهل الكتاب في اخذ الجزية واقرارهم في ديار المسلمين. المجوس فان النبي صلى الله عليه وسلم اخذ الجزية من مجوس هجر. ثم اخذها امير المؤمنين عمر من الفرس المجوس. وقيل ان الجزية تؤخذ من سائر الكفار من اهل الكتاب وغيرهم لان هذه الاية نزلت بعد الفراغ من قتال العرب المشركين. والشروع في قتال اهل الكتاب ونحوهم. فيكون هذا القيد اخبارا في الواقع لا مفهوم له. ويدل على هذا ان المجوس اخذت منهم الجزية وليسوا اهل كتاب. ولانه قد تواتر عن المسلمين من الصحابة ومن بعدهم انهم يدعون من يقاتلونهم الى احدى ثلاث. اما الاسلام او اداء الجزية او السيف من غير فرق بين كتابي وغيره ذلك قولهم لما امر تعالى بقتال اهل الكتاب ذكر من اقوالهم الخبيثة ما يهيج المؤمنين الذين يغارون لربهم ولدينه على قتالهم. والاجتهاد وبذل للوسع فيه فقال وقالت اليهود عزير ابن الله وهذه المقالة. وان لم تكن مقالة لعامتهم فقد قالها فرقة منهم يدل ذلك على ان في اليهود من الخبث والشر ما اوصلهم الى ان قالوا هذه المقالة التي تجرأوا فيها على الله وتنقصوا عظمته وجلاله. وقد الى ان سبب ادعائهم في عزير انه ابن الله انه لما سلط الله الملوك على بني اسرائيل ومزقوهم كل ممزق وقتلوا حملة التوراة وجدوا عزيرا بعد ذلك حافظا لها او لاكثرها فاملاها عليهم من حفظه واستنسخوها فادعوا فيه هذه الدعوة الشنيعة. وقالت النصارى المسيح عيسى ابن مريم ابن الله. قال الله تعالى ذلك القول الذي قالوه قولهم بافواههم لم يقيموا عليه حجة ولا برهان ومن كان لا يبالي بما يقول لا يستغرب عليه اي قول يقوله فانه لا دين ولا عقل يحجزه عما يريد من الكلام. ولهذا قال يضاهئون اي يشابهون في قولهم هذا قول الذين كفروا من قبل. اي قول المشركين الذين يقولون الملائكة بنات الله تشابهت قلوبهم فتشابهت اقوالهم في البطلان. قاتلهم الله انى يؤفكون. اي كيف يصرفون عن الحق الصرف الواضح المبين الى القول الباطل المبين وهذا وان كان يستغرب على امة كبيرة كثيرة ان تتفق على قول يدل على بطلانه ادنى تفكر للعقل عليه فان لذلك سببا وهو انهم اتخذوا احبارهم وهم علماؤهم ورهبانهم اي العباد المتجردين للعبادة اربابا من دون الله يحلون لهم ما حرم الله فيحلونه. ويحرمون لهم ما احل الله فيحرمونه. ويشرعون لهم من الشرائع وللمنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها. وكانوا ايضا يغلون في مشايخهم وعبادهم ويعظمونهم. ويتخذون قبورهم اوثانا ام تعبد من دون الله وتقصد بالذبائح والدعاء والاستغاثة. والمسيح ابن مريم اتخذوه الها من دون الله. والحال انهم خالفوا في ذلك امر الله لهم على السنة رسله. فما امروا الا ليعبدوا الها واحدا. لا اله الا هو. فيخلصون له العبادة والطاعة ويخصونه بالمحبة والدعاء فنبذوا امر الله واشركوا به ما لم ينزل به سلطانا. سبحانه وتعالى عما يشركون. اي تنزهوا وتقدس وتعالت عظمته عن شركهم وافترائهم فانهم ينتقصونه في ذلك ويصفونه بما لا يليق بجلاله. والله تعالى العالي في اوصافه وافعاله عن كل ما نسب اليه. مما ينافي كماله المقدس