المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي اي ومن هؤلاء المنافقين من يعيبك في قسمة الصدقات وينتقد عليك فيها وليس انتقادهم فيها عيبهم لقصد صحيح ولا لرأي رجيع وانما مقصودهم ان يعطوا منها. فان اعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها اذا هم يسخطون وهذه حالة لا تنبغي للعبد ان يكون رضاه وغضبه تابعا لهوى نفسه الدنيوي وغرضه الفاسد. بل الذي ينبغي ان يكون هواه تبعا مرضات ربه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. وقال هنا انهم رضوا ما اتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله وقالوا حسبنا الله انا الى الله راغبون. ولو انهم رضوا ما الله ورسوله اي اعطاهم من قليل وكثير وقالوا حسبنا الله اي كافينا الله فنرضى بما قسمه لنا وليأملوا فضله احسانه اليهم بان يقولوا سيؤتينا الله من فضله ورسوله انا الى الله راغبون. اي متضرعون في جلب منافعنا ودفع مضار لسلموا من النفاق ولهدوء الى الايمان والاحوال العالية. ثم بين تعالى كيفية قسمة الصدقات الواجبة. فقال انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم يقول تعالى انما الصدقات اي الزكوات الواجبة بدليل ان الصدقة المستحبة لكل احد لا يخص بها احد دون احد. اي انما الصدقات لهؤلاء المذكورين دون من عاداهم. لانه حصرها فيهم وهم ثمانية اصناف. الاول والثاني الفقراء والمساكين وهم في هذا الموضع صنفان متفاوتان. فالفقير اشد حاجة من المسكين. لان الله بدأ بهم ولا يبدأ الا بالاهم فالاهم. ففسر ذكر الفقير بانه الذي لا يجد شيئا او يجد بعض كفايته دون نصفها. والمسكين الذي يجد نصفها فاكثر. ولا يجد تمام كفايته لانه لو وجدها لكان غنيا. فيعطون من الزكاة ما يزول به فقرهم ومسكنتهم. والثالث العاملون على الزكاة. وهم كل هل له عمل وشغل فيها؟ من حافظ لها او جاب لها من اهلها او راع او حامل لها او كاتب او نحو ذلك. فيعطون لاجل بعمالتهم وهي اجرة لاعمالهم فيها. والرابع المؤلفة قلوبهم. المؤلف قلبه هو السيد المطاع في قومه. ممن يرجى او يخشى شره او يرجى بعطيته قوة ايمانه. او اسلام نظيره او جبايتها ممن لا يعطيها. فيعطى ما يحصل به التأليف والمصلحة الخامس الرقاب وهم المكاتبون الذين قد اشتروا انفسهم من ساداتهم. فهم يسعون في تحصيل ما يفك رقابهم. فيعانون على ذلك من الزكاة وفك الرقبة المسلمة التي في حبس الكفار داخل في هذا. بل اولى. ويدخل في هذا انه يجوز ان يعتق منها الرقاب استقلالا لدخوله في قوله وفي الرقاب. السادس الغارمون وهم قسمان. احدهما الغارمون لاصلاح ذات البين. وهو ان يكون بين طائفتين من الناس شر وفتنة. فيتوسط الرجل للاصلاح بينهم بمال يبذله لاحدهم او لهم كلهم. فجعل له نصيب من الزكاة ليكون انشط له واقوى لعزمه فيعطى ولو كان غنيا. والثاني من غرم لنفسه ثم اعسر فانه يعطى ما يوفي به دينه والسابع الغازي في سبيل الله. وهم الغزاة المتطوعة الذين لا ديوان لهم. فيعطون من الزكاة ما يعينهم على غزوهم. من ثمن سلاح او دابة او نفقة له ولعياله. ليتوفر على الجهاد ويطمئن قلبه. وقال كثير من الفقهاء ان تفرغ القادر على الكسب ابي العلم اعطي من الزكاة لان العلم داخل في الجهاد في سبيل الله. وقالوا ايضا يجوز ان يعطى منها الفقير لحج فرضه. وفيه نظر والثامن ابن السبيل وهو الغريب المنقطع به في غير بلده. فيعطى من الزكاة ما يوصله الى بلده. فهؤلاء الاصناف الثمانية حين تدفع اليهم الزكاة وحدهم. فريضة من الله فرضها وقدرها تابعة لعلمه وحكمه. والله عليم حكيم. واعلم ان ان هذه الاصناف الثمانية ترجع الى امرين. احدهما من يعطى لحاجته ونفعه كالفقير والمسكين ونحوهما. والثاني من يعطى الحاجة اليه وانتفاع الاسلام به. فاوجب الله هذه الحصة في اموال الاغنياء لسد الحاجات الخاصة والعامة للاسلام والمسلمين. فلو اعطى الاغنياء زكاة اموالهم على الوجه الشرعي. لم يبقى فقير من المسلمين. ولحصل من الاموال ما يسد الثغور. ويجاهد به الكفار. وتحصل به المصالح الدينية ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن والاذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب اي ومن هؤلاء المنافقين الذين يؤذون النبي بالاقوال الردية والعيب له ولدينه. ويقولونه اذن اي لا يبالون بما يقولون من الاذية للنبي. ويقولون اذا بلغه عنا بعض ذلك جئنا نعتذر اليه فيقبل منا انه اذن اي يقبل كل ما يقال له لا يميز بين صادق وكاذب. وقصدهم قبحهم الله فيما بينهم انهم غير مكترثين بذلك ولا مهتمين به. لانه اذا لم يبلغه فهذا مطلوبهم. وان بلغه اكتفوا بمجرد الاعتذار الباطل. فاساءوا كل الاساءة من اوجه كثيرة اعظمها اذية نبيهم الذي جاء لهدايتهم. واخراجهم من الشقاء والهلاك الى الهدى والسعادة. ومنها عدم اهتمامهم ايضا بذلك وهو قدر زائد على مجرد الاذية. ومنها قدحهم في عقل النبي صلى الله عليه وسلم. وعدم ادراكه وتفريقه بين الصادق والكاذب وهو اكمل الخلق عقلا واتمهم ادراكا واثقبهم رأيا وبصيرا. ولهذا قال الله تعالى قل اذن خير لكم ان من قال له خيرا وصدقا. واما اعراضه وعدم تعنيفه لكثير من المنافقين المعتذرين بالاعذار الكذب. فلسعة خلقه وعدم اهتمامه بشأنهم وامتثاله لامر الله في قوله سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم انهم رجال واما حقيقة ما في قلبه ورأيه فقال عنه يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين الصادقين المصدقين ويعلم الصادق من الكاذب وان كان كثيرا يعرض عن الذين يعرف كذبهم وعدم صدقهم. ورحمة للذين امنوا منكم فانهم به يهتدون اخلاقه يقتدون. واما غير المؤمنين فانهم لم يقبلوا هذه الرحمة بل ردوها فخسروا دنياهم واخرتهم. والذين رسول الله بالقول او الفعل لهم عذاب اليم في الدنيا والاخرة. ومن العذاب الاليم انه يتحتم قتل مؤذيه وشاتمه يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله احق ان يحلفون بالله لكم ليرضوكم فيتبرأوا مما صدر منهم من الاذية وغيرها ايتهم ان ترضوا عليهم. والله ورسوله احق ان يرضوه ان كانوا مؤمنين. لان المؤمن لا يقدم شيئا على رضا ربه ورضا رسوله. فدل فهذا على انتفاء ايمانهم حيث قدموا رضا غير الله ورسوله. وهذا محادة لله ومشاقة له. وقد توعد من حاده بقوله فيها ذلك الخزي العظيم. الم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله ان يكونوا في حد وشق مبعد عن الله ورسوله بان تهاون باوامر الله وتجرأ على محارمه. فان له نار جهنم خالدا فيها. ذلك الخزي العظيم الذي لا خزي اسمع ولا اخضع منه حيث فاتهم النعيم المقيم. وحصلوا على عذاب الجحيم. عياذا بالله من احوالهم يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبأهم بما في قلوبهم قل استهزئوا ان الله مخرج ما تحذرون. كانت هذه السورة الكريمة تسمى الفاضحة. لانها بينت اسرارا منافقين وهتكت استارهم فما زال الله يقول ومنهم ومنهم ويذكر اوصافهم الا انه لم يعين اشخاصهم لفائدتين احداهما ان الله ستير يحب الستر على عباده. والثانية ان الذم على من اتصف بذلك الوصف من المنافقين. الذين توجه اليهم خطاب وغيرهم الى يوم الدين. فكان ذكر الوصف اعم وانسب. حتى خافوا غاية الخوف. قال الله تعالى لان لم ينتهي المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها الا قليلا. ملعونين اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا. وقال هنا يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبأهم بما في قلوبهم. اي تخبرهم وتفضحهم اسرارهم حتى تكون علانية لعباده. ويكون عبرة للمعتبرين. قل استهزئوا اي استمروا على ما انتم عليه من الاستهزاء والسخرية ان الله مخرج ما تحذرون. وقد وفى تعالى بوعده فانزل هذه السورة التي بينتهم وفضحتهم وهتكت استارهم سألتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب ولئن سألتهم عن ما قالوه من الطعن في المسلمين وفي دينهم. يقول طائفة منهم في غزوة تبوك ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء. يعنون النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه ارغب بطون واكذب السنا واجبن عند اللقاء ونحو ذلك. ولما بلغهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بكلامهم جاؤوا يعتذرون اليه ويقولون انما كنا نخوض ونلعب. اي نتكلم بكلام لا قصد لنا به ولا قصدنا الطعن والعيب قال الله تعالى مبينا عدم عذرهم وكذبهم في ذلك قل لهم ابالله واياته ورسوله كنتم تستهزئون لا اعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم. فان الاستهزاء بالله واياته ورسوله كفر مخرج عن الدين. لان اصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيمه دينه ورسله والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الاصل. ومناقض له اشد المناقضة. ولهذا لما جاءوا الى الرسول يعتذرون بهذه في المقالة والرسول لا يزيدهم على قوله. ابالله واياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم وقوله ان نعفو عن طائفة منكم لتوبتهم واستغفارهم وندمهم نعذب طائفة منكم بانهم بسبب انهم كانوا مجرمين مقيمين على كفرهم ونفاقهم. وفي هذه الايات دليل على ان من اسر سريرة خصوصا السريرة التي يمكر فيها بدينه يستهزئ به وبآياته ورسوله ان الله تعالى يظهرها ويفضح صاحبها ويعاقبه اشد العقوبة. وان من استهزأ بشيء من كتاب الله او سنة رسوله الثابتة عنه او سخر بذلك او تنقصه او استهزأ بالرسول او تنقصه انه كافر بالله العظيم وان التوبة مقبولة في كل ذنب وان كان عظيما