وذلك نظير قول الناس ما مات من خلف ابنا مثل فلان او يكون آآ معنا نموت ونحيا نحيا ونموت على وجه تقديم الحياة قبل الممات والعرب تفعل ذلك في الواو خاصة ومرادهم نكون مرة احياء واخرى امواتا الجملة من قبيل التأخير والتقديم ومرادهم نموت ونحيا اي اننا نحيا ثم نموت ولا شيء غير هذه الحياة والموت وقولهم وما يهلكنا الا الدهر ان قيل قد جاء في القرآن ما يدل على ان من الكفار من انكر وجود الله سبحانه وقد قال الله تعالى في الدهريين وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم انهم الا يظنون ومعنى قولهم ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا يعني نموت نحن وتحيا ابناؤنا بعدنا. فجعلوا حياة ابنائهم بعدهم حياة لهم يمكن ان يكون اضافتهم الاهلاك الى الدهر كاضافتهم المطر الى الانواء والكواكب. مع قول الله تعالى عنهم ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فاحيا به الارض ارضى من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل اكثرهم لا يعقلون فمع انهم يقرون ان الله هو الذي ينزل من السماء ماء لكنهم ايضا يضيفون المطر الى الانواء والى الكواكب. روى الشيخان عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم قال الله تعالى اصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب واما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب وهؤلاء الذين آآ ذكر الله عنهم قولهم ان هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين هؤلاء كذبوا بلقاء الله وانكروا المعاد الجثماني. ومع ذلك كانوا يقرون بوجود الله تعالى فلا تلازم بين انكار المعاد وبين جحد الصانع فالمشركون كانوا يقرون بوجود الله لكنهم كانوا ينازعون في آآ البعث والنشور فلا تلازم آآ بين انكار المعاد وبين جحد الصانع. قال الله تعالى وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبهكم اذا مزقتم كل ممزق انكم لفي خلق جديد. انظر الى بقية كلامهم افترى على الله كذبا ام به جنة؟ بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال البعيد مع انهم ينكرون البعث والنشور يزعمون ان الرسول الذي يخبرهم بالبعث والنشور والاحياء آآ في الاخرة يفتري على الله كذبا اذا هم يؤمنون بوجود الله مع انكارهم للبعث والنشور. فتكذيبهم بالبعث لم يكن ناشئا عن انكارهم وجود الله عز وجل ولكنه كان ناشئا من انكارهم قدرة الله تعالى على احياء الموتى بعد ان بليت اجسادهم وضلوا الارض. قال سبحانه وقالوا ائذا ظللنا في الارض ائنا لفي خلق جديد ولذلك دار تفنيد ضلالهم حول محور بيان ان الذي خلق الخلق من العدم اول مرة قادر على ان ينشأهم مرة اخرى قال تعالى وضرب لنا مثلا ونسي خلقه. قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم. ولم ينقل عن العرب انهم جحدوا الصانع. بل كانوا معترفين بوجود الله سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا. ولكن شاع في اثارهم الادبية ذكر الدهر وتقلباته وغدره في الوقت نفسه نجد في اشعارهم ذكرا لله عز وجل. على اعتبار انه الفاعل المتصرف المدبر للامور كلها. مع اعتقادهم في الشركاء له سبحانه. ولنأخذ مثالا يوضح ان العرب لم تنكر وجود الله وان نسبت بعض الحوادث للدهر. يقول زهير بن ابي سلمى بدا لي ان الناس تفنى نفوسهم واموالهم ولا ارى الدهر فانيا وفي القصيدة نفسها يقول بدا لي ان الله حق فزادني الى الحق تقوى الله ما قد بدا لي الم ترى ان الله اهلك تبعا واهلك لقمان بن عاد وعاديا. واهلك ذا القرنين من قبل ما ترى وفرعون اردى جنده والنجاشي فتراه في قصيدة واحدة ينسب البقاء الى الدهر ولكنه في الوقت نفسه يرد الامور كلها لله. ويبدو ان جميع العرب بين الاعتراف بوجود الله وبين نسبتهم الحوادث للدهر جرى مجرى العادة لا مجرى العقيدة. فهم من ناحية العقيدة يعترفون بوجود الله ويشركون معه المظاهر الاخرى من اصنام وكواكب وغيرها ومن ناحية العادة يذكرون الدهر وينسبون اليه بعض الامور بل ويسبونه احيانا كما يفعل البعض الان في مثل قولهم الدنيا لا تترك احدا في حاله او هكذا الدنيا حين يخبر البعض بموت شاب او فتاة او ذهاب مال وخلافه. مع اعتقاد القائل تمام الاعتقاد بالله الواحد. وان الدنيا لا ولا تنفع ولا تضر قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار. ومن وافقهم من مشركي العرب في انكار المعاد وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا. اي ما ثم الا هذه الدار. يموت قوم ويعيش اخرون وما ثم معاد ولا قيامة وهذا يقوله مشرك العرب المنكرون للميعاد ويقوله الفلاسفة الالهيون منهم وهم ينكرون البداءة والرجعة ويقوله الفلاسفة الدهرية الدورية المنكرون للصانع. انتهى كلام الحافظ ابن كثير وقال الاستاذ علي ابن نايف الشحود والذين اطلق عليهم اسم الدهريين قوم ينكرون البعث انكارا مطلقا. ويقولون ما هي الا حياتنا الدنيا اي لا توجد حياة اخرى بعدها يموت منا من يموت ويحيى منا من يحيا وما يهلكنا الا مرور الزمن فكلما مر الزمن ماتت نفوس ولكن لا بعث وراء ذلك ولا حياة اما انكارهم لوجود الله استدلال لا تدل عليه هذه الاية في سورة الجاثية دلالة صريحة ولا دلالة لازمة والقوم انما نسبوا الى الدهر اي الى مرور الزمن انه هو الذي يهلكهم. ولكنهم لم يقولوا ان الدهر هو الذي خلقهم. او هو الذي منحهم الحياة. اي ان انهم لم يتخذوه الها بدلا من الله وحتى لو فرضنا جدلا بغير دليل يقيني انهم انكروا وجود الله فليس هناك من يقول انهم كانوا كثرة يحسب لها حساب ولا انهم كانوا هم الصورة الغالبة للجاهلية. اما انكار وجود الله على النحو الذي تتبجح به الجاهلية المعاصرة وبالسعة التي تمارس بها ذلك التبجح فامر غير مسبوق في تاريخ البشرية