ان يؤدي ما عليه من الحقوق منشرح الصدر مطمئن النفس. ويحرص ان تكون مغنما ولا تكون مغرما. والسابق اعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها ابدا. ذلك الفوز العظيم المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي نبأنا الله من اخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله. ثم تردون الى عالم في الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون. لما ذكر تخلف المنافقين الاغنياء وانهم لا عذر لهم. اخبر انهم سيعتذرون اليكم اذا رجعتم اليهم من غزاتكم. لا تعتذروا لن نؤمن لكم اين نصدقكم في اعتذاركم الكاذب؟ قد نبأنا الله من اخباركم وهو الصادق في قيله فلم يبق للاعتذار فائدة لانهم اعتذرون بخلاف ما اخبر الله عنهم ومحال ان يكونوا صادقين فيما يخالف خبر الله الذي هو اعلى مراتب الصدق. وسيرى الله عملكم ورسوله طوله في الدنيا لان العمل هو ميزان الصدق من الكذب. واما مجرد الاقوال فلا دلالة فيها على شيء من ذلك. ثم تردون الى عالم بالغيب والشهادة الذي لا تخفى عليه خافية. فينبئكم بما كنتم تعملون من خير وشر. ويجازيكم بعدله او بفضله من غير ان يظلمكم مثقال ذرة انهم رجس ومأوى بما كانوا يكسبون. واعلم ان المسيء المذنب له ثلاث حالات اما ان يقبل قوله وعذره ظاهرا وباطنا. ويعفى عنه بحيث يبقى كانه لم يذنب. فهذه الحالة هي المذكورة هنا في حق المنافق ان عذرهم غير مقبول. وانه قد تقررت احوالهم الخبيثة واعمالهم السيئة. واما ان يعاقبوا بالعقوبة والتعزير الفعلي علي على ذنبهم واما ان يعرض عنهم. ولا يقابلوا بما فعلوا بالعقوبة الفعلية. وهذه الحال الثالثة هي التي امر الله بها في حق المنافقين ولهذا قال سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم اي لا توبخوهم ولا اجلدوهم او تقتلوهم انهم رجس اي انهم قذر خبثاء ليسوا باهل لان يبالى بهم. وليس التوبيخ والعقوبة مفيدا فيهم وتكفيهم عقوبة جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. وقوله يحلفون بكم لترضوا عنهم يحلفون لكم عنهم اي ولهم ايضا هذا المقصد الاخر منكم غير مجرد الاعراض بل يحبون ان ترضوا عنهم كانهم ما فعلوا شيئا. فان عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين. اي فلا ينبغي لكم ايها المؤمنون ان ترضوا عن من لم يرضى الله عنه. بل عليكم ان توافقوا ربكم في رضاه وغضبه وتأمل كيف قال فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين. ولم يقل فان الله ليرضى عنهم ليدل ذلك على ان باب التوبة مفتوح. وانهم مهما تابوا هم او غيرهم. فان الله يتوب عليهم ويرضى عنهم. واما ما داموا فاسقين فان الله ايرضى عليهم بوجود المانع من رضاه وهو خروجهم عما رضيه الله لهم من الايمان والطاعة. الى ما يغضبه من الشرك والنفاق والمعاصي ما ذكره الله ان المنافقين المتخلفين عن الجهاد من غير عذر. اذا اعتذروا للمؤمنين وزعموا ان لهم اعذارا في تخلفهم. فان المنافقين تريدون بذلك ان تعرضوا عنهم وترضوا وتقبلوا عذرهم. فاما قبول العذر منهم والرضا عنهم فلا حبا ولا كرامة لهم. واما الاعراض منهم فيعرض المؤمنون عنهم اعراضهم عن الامور الردية الرجس. وفي هذه الايات اثبات الكلام لله تعالى في قوله قد نبأنا الله من اخباركم واثبات الافعال الاختيارية لله الواقعة بمشيئته تعالى وقدرته في هذا. وفي قوله وسيرى الله عملكم ورسوله اخبر انه سيراه بعد وقوعه. وفيها اثبات الرضا لله عن المحسنين. والغضب والسخط على الفاسقين اي والله عليم حكيم. يقول تعالى الاعراب وهم سكان البادية والبراري اشد كفرا ونفاقا من الحاضرة الذين فيهم كفر ونفاق. وذلك لاسباب كثيرة. منها انهم بعيدون عن معرفة الشرائع الدينية والاعمال والاحكام. فهم احرى الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله من اصول الايمان واحكام الاوامر والنواهي بخلاف الحاضرة فانهم اقرب لان يعلموا حدود ما صلى الله على رسوله فيحدث لهم بسبب هذا العلم تصورات حسنة وايرادات للخير الذين يعلمون ما لا يكون في البادية وفيهم لطافة الطبع والانقياد للداعي ما ليس في البادية. ويجالسون اهل الايمان ويخالطونهم اكثر من اهل البادية. فلذلك كانوا احرى للخير من اهل البادية وان كان في البادية والحاضرة كفار ومنافقون. ففي البادية اشد واغلظ مما في الحاضرة. ومن ذلك ان الاعراب احرص على الاموال يشح فيها فمنهم من يتخذ ما ينفق من والنفقة في سبيل الله وغير ذلك مغرما ان يراها خسارة ونقصا لا يحتسب فيها ولا يريد بها وجه الله ولا يكاد يؤديها الا كرها ويتربص بكم الدوائر. اي من عداوتهم للمؤمنين وبغضهم لهم. انهم يودون وينتظرون فيهم دوائر الدهر جاء الزمان وهذا سينعكس عليهم فعليهم دائرة السوء. واما المؤمنون فلهم الدائرة الحسنة على اعدائهم. ولهم العقبى الحسنة الله سميع عليم. يعلم نيات العباد وما صدرت عنه الاعمال من اخلاص وغيره. وليس الاعراب كلهم مذمومين ومن الاعرام من يؤمن بالله واليوم الاخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الا انها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته ان الله غفور بل منهم من يؤمن بالله واليوم الاخر فيسلم بذلك من الكفر والنفاق. ويعمل بمقتضى الايمان. ويتخذ ما ينفق قربات عند الله اي يحتسب نفقته ويقصد بها وجه الله تعالى والقرب منه. ويجعلها وسيلة لصلوات الرسول اي دعائه لهم وتبريكه عليهم. قال تعالى مبينا لنفع صلوات الرسول الا انها قربة لهم تقربهم الى الله وتنمي اموالهم تحل فيها البركة. سيدخلهم الله في رحمته في جملة عباده الصالحين. انه غفور رحيم. فيغفر السيئات العظيمة لمن فاليه ويعم عباده برحمته التي وسعت كل شيء. ويخص عباده المؤمنين برحمة يوفقهم فيها الى الخيرات. ويحميهم فيها من المخالفات ويجزل لهم فيها انواع المثوبات. وفي هذه الاية دليل على ان الاعراب كاهل الحاضرة منهم الممدوح ومنهم المذموم. فلم يذمهم الله على مجرد تعرضهم وباديتهم. انما ذمهم على ترك اوامر الله وانهم في مظنة ذلك. ومنها ان الكفر والنفاق يزيد وينقص ويغلظ ويخف بحسب الاحوال. ومنها فضيلة العلم وان فاقده اقرب الى الشر ممن يعرفه. لان الله ذم الاعراب واخبر انهم اشد كفرا ونفاقا. وذكر السبب الموجب لذلك. وانهم اجدروا الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله. ومنها ان العلم النافع الذي هو انفع العلوم معرفة حدود ما انزل الله على رسوله. من اصول الدين وفروعه كمعرفة حدود الايمان والاسلام والاحسان والتقوى والفلاح والطاعة والبر والصلة والاحسان. والكفر والنفاق والفسوق والعصيان. والزنا والخمر والربا ونحو ذلك. فان في معرفتها يتمكن كانوا من فعلها ان كانت مأمورا بها او تركها ان كانت محظورة. ومن الامر بها او النهي عنها. ومنها انه ينبغي السابقون هم الذين سبقوا هذه الامة وبدروها الى الايمان والهجرة والجهاد واقامة دين الله. من المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله اولئك هم الصادقون. ومن الانصار الذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة. والذين اتبعوهم باحسان بالاعتقادات والاقوال والاعمال. فهؤلاء هم الذين سلموا من الذم. وحصل لهم افضل الكرم من الله رضي الله عنهم ورضاه تعالى اكبر من نعيم الجنة ورضوا عنه. واعد لهم جنات تجري تحتها الانهار الجارية التي تساق الى سقي الجنان والحدائق الزاهية الزاهرة والرياض الناضرة. خالدين فيها ابدا. لا يبغون عنها حولا. ولا منها بدلا لانهم مهما تمنوه ادركوه. ومهما ارادوه وجدوه. ذلك الفوز العظيم الذي حصل لهم فيه كل محبوب للنفوس ولذة للارواح ونعيم للقلوب وشهوة للابدان واندفع عنهم كل محذور ثم يردون الى عذاب يقول تعالى ومن من حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة ايضا منافقون مرضوا على النفاق اي تمرنوا عليه مروا وازدادوا فيه طغيانا. لا تعلمهم باعيانهم فتعاقبهم. او تعاملهم بمقتضى نفاقهم. لما لله في ذلك من الحكمة الباهرة نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين. يحتمل ان التثنية على بابها. وان عذابهم عذاب في الدنيا. وعذاب في الاخرة في الدنيا ما يناله من الهم والحزن والكراهة لما يصيب المؤمنين من الفتح والنصر. وفي الاخرة عذاب النار وبئس القرار. ويحتمل ان المراد سنغلظ عليهم العذاب ونضاعفه عليهم ونكرره. واخرون اعترفوا بذنوبهم خلقوا عملا صالحا يقول تعالى واخرون ممن بالمدينة ومن حولها بل ومن سائر البلاد الاسلامية اعترفوا بذنوبهم اي اقروا بها وندموا عليها وسعوا في التوبة منها والتطهر من اضرانها. خلطوا عملا صالحا واخر سيئا ولا يكون العمل الصالح الا اذا كان مع العبد اصل التوحيد والايمان. المخرج عن الكفر والشرك الذي هو شرط لكل عمل صالح هؤلاء خلطوا الاعمال الصالحة بالاعمال السيئة. من التجرؤ على بعض المحرمات والتقصير في بعض الواجبات. مع الاعتراف بذلك والرجاء بان الله لهم فهؤلاء عسى الله ان يتوب عليهم. وتوبته على عبده نوعان. الاول التوفيق للتوبة. والثاني طولها بعد وقوعها منهم ان الله غفور رحيم. اي وصفه المغفرة والرحمة. اللتان لا يخلو مخلوق منهما بل لا بقاء للعالم العلوي والسفلي الا بهما. فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة. ان الله يمسك السماوات والارض ان تزول ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده انه كان حليما غفورا. ومن مغفرته ان المسرفين على انفسهم الذين قطعوا اعمارهم بالاعمال السيئة. اذا تابوا اليه وانابوا ولو قبيل موتهم باقل القليل. فانه يعفو عنهم ويتجاوز عن سيئاتهم هذه الاية دلت على ان المخلط المعترف النادم الذي لم يتب توبة نصوحة انه تحت الخوف والرجاء وهو الى السلامة اقرب. واما المخلط الذي لم يعترف ويندم على ما مضى منه. بل لا يزال مصرا على الذنوب فانه يخاف عليه اشد الخوف. قال تعالى لرسوله ومن قام قام امرا له بما يطهر المؤمنين ويتمم ايمانهم خذ من اموالهم صدقة وهي الزكاة المفروضة تطهرهم وتزكيهم بها. اي تطهرهم من الذنوب والاخلاق الرذيلة. وتزكيهم اي تنميهم وتزيد في اخلاقهم الحسنة واعمالهم الصالحة. وتزيد في ثوابهم الدنيوي والاخروي. وتنمي اموالهم. وصلي عليهم ايدعو لهم اي للمؤمنين عموما خصوصا عندما يدفعون اليك زكاة اموالهم. ان صلاتك سكن لهم اي طمأنينة لقلوبهم واستبشار لهم والله سميع لدعائك سمع اجابة وقبول. عليم باحوال العباد ونياتهم فيجازي كل عامل بعمله وعلى قدر نيته فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل لامر ربه ويأمرهم بالصدقة ويبعث عماله لجبايتها. فاذا له احد من صدقته دعا له وبرك. ففي هذه الاية دلالة على وجوب الزكاة في جميع الاموال. وهذا اذا كانت للتجارة ظاهرة. فان انها اموال تنمى ويكتسب بها. فمن العدل ان يواسى منها الفقراء باداء ما اوجب الله فيها من الزكاة. وما عدا اموال التجارة فان كان قالوا ينمى كالحبوب والثمار والماشية المتخذة للنماء والدر والنسل. فانها تجب فيها الزكاة والا لم تجب فيها. لانها اذا كانت للقنية لم تكن بمنزلة الاموال التي يتخذها الانسان في العادة مالا يتمول. ويطلب منه المقاصد المالية. وانما صرف عن المالية بالقنية ونحوها. وفيها ان العبد لا يمكنه ان يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ما له. وانه لا يكفرها شيء سوى ادائها لان الزكاة والتطهير متوقف على اخراجها. وفيها استحباب الدعاء من الامام او نائبه لمن ادى زكاته بالبركة. وان ذلك ينبغي ان يكون جهرا بحيث يسمعه المتصدق فيسكن اليه. ويؤخذ من المعنى انه ينبغي ادخال السرور على المؤمن بالكلام اللين والدعاء ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة وسكون لقلبه. وانه ينبغي تنشيط من انفق نفقة وعمل عملا صالحا بالدعاء له والثناء ونحو ذلك الم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات اي اما علموا سعة رحمة الله وعموم وانه يقبل التوبة عن عباده التائبين من اي ذنب كان. بل يفرح تعالى بتوبة عبده اذا تاب اعظم فرح يقدر. ويأخذ الصدقات منهم ان يقبلها ويأخذها بيمينه. فيربيها لاحدهم كما يربي الرجل فلوه. حتى تكون التمرة الواحدة كالجبل العظيم كيف بما هو اكبر واكثر من ذلك؟ وان الله هو التواب اي كثير التوبة على التائبين. فمن تاب اليه تاب عليه ولو تكررت منه المعصية مرارا ولا يمل الله من التوبة على عباده حتى يملوا هم. ويأبوا الا النفار والشرود عن بابه. وموالاتهم عدوهم الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء وكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة ويؤمنون باياته ويتبعون رسوله