ولا مخمصة في سبيل الله اي مجاعة. ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار من الخوض لديارهم والاستيلاء على اوطانهم. ولا ينالون من عدو نيلا كالظفر بجيش او سرية او الغنيمة لمال الا كتب لهم به عمل صالح. لان هذه اثار ناشئة المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي لقد يخبر تعالى ان من لطفه واحسانه تاب على النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والانصار فغفر لهم الزلات ووفر لهم الحسنات ورقاهم الى اعلى الدرجات وذلك بسبب قيام بالاعمال الصعبة الشاقات. ولهذا قال الذين اتبعوه في ساعة العسرة. اي خرجوا معه لقتال الاعداء في وقعة تبوك. وكانت في حر شديد وضيق من الزاد والركوب وكثرة عدو مما يدعو الى التخلف فاستعانوا الله تعالى وقاموا بذلك من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم اي تنقلب قلوبهم ويميل الى الدعة والسكون. ولكن الله ثبتهم وايدهم وقواهم. وزيغ القلب هو انحرافه عن الصراط المستقيم. فان كان الانحراف في اصل الدين كان كفرا. وان كان في شرائعه كان بحسب تلك الشريعة التي زاغ عنها اما قصر عن فعلها او فعلها على غير الوجه الشرعي. وقوله ثم تاب عليهم اي قبل توبتهم. انه بهم رؤوف ومن رأفته ورحمته ان من عليهم بالتوبة وقبلها منهم وثبتهم عليها وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت ثم تاب عليهم ليتوبوا ان الله هو التواب الرحيم ثم تاب عليهم ليتوبوا ان الله هو التواب الرحيم وكذلك لقد تاب الله على الثلاثة الذين خلفوا عن الخروج مع المسلمين في تلك الغزوة. وهم كعب بن مالك وصاحباه وقصته مشهورة معروفة في الصحاح والسنن. حتى اذا حزنوا حزنا عظيما وضاقت عليهم الارض بما رحبت. اي على سعتها ورحبها وضاقت عليهم انفسهم التي هي احب اليهم من كل شيء. فضاق عليهم الفضاء الواسع والمحبوب الذي لم تجري العادة بالضيق منه وذلك لا يكون الا من امر مزعج. بلغ من الشدة والمشقة ما لا يمكن التعبير عنه. وذلك لانهم قدموا رضا الله ورضا رسوله على كل شيء وظنوا ان لا ملجأ من الله الا اليه اي تيقنوا وعرفوا بحالهم انه لا ينجي من الشدائد ويلجأ اليه الا الله وحده لا شريك له فانقطع تعلقهم بالمخلوقين وتعلقوا بالله ربهم وفروا منه اليه. فمكثوا بهذه الشدة نحو خمسين ليلة. ثم عليهم اي اذن في توبتهم ووفقهم لها ليتوبوا اي لتقع منهم. فيتوب الله عليهم ان الله هو التواب اي كثير التوبة والعفو والغفران عن الزلات والعصيان الرحيم. وصفه الرحمة العظيمة التي لا تزال تنزل على العباد في كل وقت وحين في جميع اللحظات ما تقوم به امورهم الدينية والدنيوية. وفي هذه الايات دليل على ان توبة الله على العبد اجل الغايات. واعلى النهاية فان الله جعلها نهاية خواص عباده. وامتن عليهم بها. حين عملوا الاعمال التي يحبها ويرضاها. ومنها لطف الله بهم وتثبيتهم في ايمانهم عند الشدائد والنوازل المزعجة. ومنها ان العبادة الشاقة على النفس لها فضل ومزية ليست لغيرها. وكلما عظمت المشقة عظم الاجر. ومنها ان توبة الله على عبده بحسب ندمه واسفه الشديد. وان من لا يبالي بالذنب ولا يحرج اذا فعله فان توبته مدخولة وان زعم انها مقبولة. ومنها ان علامة الخير وزوال الشدة اذا تعلق القلب بالله تعالى تعلقا تاما وانقطع عن المخلوقين. ومنها ان من لطف الله بالثلاثة ان وسمهم بوسم ليس بعار عليهم. فقال خلفوا اشارة الى ان المؤمنين خلفوهم او خلفوا عن من بت في قبول عذرهم او في رده. وانهم لم يكن تخلفهم رغبة عن الخير. ولهذا اذا لم يقل تخلفوا. ومنها ان الله تعالى من عليهم بالصدق. ولهذا امر بالاقتداء بهم فقال يا اتقوا الله وكونوا اي يا ايها الذين امنوا بالله وبما امر الله بالايمان به قوموا بما الايمان وهو القيام بتقوى الله تعالى باجتناب ما نهى الله عنه والبعد عنه. وكونوا مع الصادقين في اقوالهم وافعالهم واحوالهم الذين اقوالهم صدق واعمالهم واحوالهم لا تكون الا صدقا خلية من الكسل والفتور. سالمة من المقاصد السيئة مشتملة على الاخلاص والنية الصالحة فان الصدق يهدي الى البر وان البر يهدي الى الجنة. قال الله تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بانفسهم ان الله لا يضيع اجر المحسنين. يقول تعالى لاهل المدينة المنورة من المهاجرين والانصار. ومن حوله من الاعراب الذين اسلموا فحسن اسلامهم. ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله اي ما ينبغي لهم ذلك ولا يليق باحوالهم ولا يرغب بانفسهم في بقائها وراحتها وسكونها عن نفسه الكريمة الزكية بل النبي صلى الله عليه وسلم اولى بالمؤمنين من انفسهم. فعلى كل مسلم ان يفدي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه ويقدمه عليها. فعلامة تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته والايمان التام به. الا يتخلفوا عنه. ثم ثواب الحامل على الخروج فقال ذلك بانهم اي المجاهدين في سبيل الله لا يصيبهم ظمأ ولا نصب اي تعب ومشقة عن اعمالهم ان الله لا يضيع اجر المحسنين الذين احسنوا في مبادرتهم الى امر الله. وقيامهم بما عليه من حقه وحق خلقه هذه الاعمال اثار من اثار عملهم. ثم قال ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة اذ يهم الله احسن ما كانوا يعملون. ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة كبيرة ولا يقطعون واديا في ذهابهم الى عدوهم الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون. ومن ذلك هي الاعمال اذا اخلصوا فيها لله ونصحوا فيها. ففي هذه الايات اشد ترغيب وتشويق للنفوس الى الخروج الى الجهاد في سبيل الله والاحتساب لما يصيبهم فيه من المشقات. وان ذلك لهم رفعة درجات. وان الاثار المترتبة على عمل العبد له فيها اجر كبير وما كان المؤمنون لينفروا فلولا نفر من ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا فيهن لعلهم يحذرون. يقول تعالى منبها لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم. وما كان المؤمنون لينفروا اي جميعا لقتال عدوهم فانه يحصل عليهم المشقة بذلك. وتفوت به كثير من المصالح الاخرى. فلولا نفر من كل فرقة منهم اي من البلدان والقبائل والافخاذ طائفة تحصل بها الكفاية والمقصود لكان اولى. ثم نبه على ان في اقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم فقال ليتفقهوا اي القاعدون في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم ليتعلموا العلم الشرعي ويعلموا معانيه. ويفقهوا اسراره. وليعلموا غيرهم. ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم. ففي هذا فضيلة العلم وخصوصا الفقه في الدين وانه اهم الامور. وان من تعلم علما فعليه نشره وبثه في العباد ونصيحتهم فيه. فان انتشار العلم عن عالم من بركته واجره الذي ينمى له. واما اقتصار العالم على نفسه وعدم دعوته الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وترك تعليم الجهال ما لا يعلمون. فاي منفعة حصلت للمسلمين منه؟ واي نتيجة نتجت من علمه؟ وغايته ان يموت فيموت وثمرته وهذا غاية الحرمان لمن اتاه الله علما ومنحه فهما. وفي هذه الاية ايضا دليل وارشاد وتنبيه لطيف لفائدة مهمة وهي ان المسلمين ينبغي لهم ان يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة. من يقوم بها ويوفر وقته عليها. ويجتهد فيها ولا يلتفت الى غيرها لتقوم مصالحهم وتتم منافعهم. ولتكون وجهة جميعهم ونهاية ما يقصدون قصدا واحدا هي قيام مصلحة دينهم ودنياهم. ولو تفرقت الطرق وتعددت المشارب. فالاعمال متباينة والقصد واحد. وهذه من الحكمة العامة النافعة في جميع الامور يا ايها الذين امنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة. واعلموا ان الله مع المتقين. وهذا ايضا ارشاد اخر بعدما ارشدهم الى التدبير في من يباشر القتال الى انهم يبدأون بالاقرب فالاقرب من الكفار. والغلظة عليهم والشدة في القتال والشجاعة والثبات. واعلموا ان الله مع المتقين اي وليكن لديكم علم ان المعونة من الله تنزل بحسب التقوى. فلازموا على تقوى الله يعينكم وينصركم على عدوكم. وهذا في قوله قاتلوا الذين يلونكم من الكفار. مخصوص بما اذا كانت المصلحة في قتال غير الذين يلوننا وانواع المصالح كثيرة جدا والى ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا آآ يقول تعالى ان الحالة المنافقين وحال المؤمنين عند نزول القرآن. وتفاوت ما بين الفريقين. فقال واذا ما انزلت سورة فيها الامر والنهي والخبر عن نفسه الكريمة وعن الامور الغائبة. والحث على الجهاد فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا. اي حصل الاستفهام ولمن حصل له الايمان بها من الطائفتين. قال تعالى مبينا الحالة الواقعة. فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا. بالعلم بها وفهمها واعتقادها والعمل بها. والرغبة في فعل الخير والانكفاف عن فعل الشر. وهم يستبشرون اي يبشر بعضهم بعضا بما من الله من اياته والتوفيق لفهمها والعمل بها. وهذا دال على انشراح صدورهم لايات الله وطمأنينة قلوبهم. وسرعة انقيادهم لما تحثهم عليه وهم كافرون. واما الذين في قلوبهم مرض اي شك ونفاق فزادتهم رجسا الى رجسهم. اي مرضا الى مرضهم وشكا الى شكهم من حيث انهم كفروا بها وعاندوها واعرضوا عنها. فازداد لذلك مرضهم وترامى بهم الى الهلاك والطبع على قلوبهم حتى ماتوا وهم كافرون. وهذا عقوبة لهم لانهم كفروا بايات الله وعصوا رسوله. فاعقبهم نفاقا في قلوبهم بهم الى يوم يلقونه. قال تعالى موبخا لهم على اقامتهم على ما هم عليه من الكفر والنفاق. اولا يرون ان انهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذنون اولا يرون انهم يفطنون في كل عام مرة او مرتين بما يصيبهم من البلايا والامراض وبما يبتلون من الاوامر الالهية التي يراد بها اختبارهم. ثم لا يتوبون عما هم عليه من الشر. ولا هم يذكرون ما ينفعهم فيفعلونه. وما يضرهم اتركونا فالله تعالى يبتليهم كما هي سنته في سائر الامم بالسراء والضراء وبالاوامر والنواهي ليرجعوا اليه ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون. وفي هذه الايات دليل على ان الايمان يزيد وينقص. وانه ينبغي للمؤمن ان يتفقد ايمانه ويتعاهده فيجدده وينميه ليكون دائما في صعود. وقوله صرف الله قلوبهم يعني ان المنافقين الذين يحذرون ان تنزل عليهم سورة تنبأهم وهم بما في قلوبهم اذا نزلت سورة ليؤمنوا بها ويعملوا بمضمونها. نظر بعضهم الى بعض جازمين على ترك العمل بها ينتظرون هنا الفرصة في الاختفاء عن اعين المؤمنين. ويقولون هل يراكم من احد؟ ثم انصرفوا متسللين وانقلبوا معرضين. فجزاهم الله بعقوبة من جنس عملهم فكما انصرفوا عن العمل صرف الله قلوبهم اي صدها عن الحق وخذلها. بانهم قوم لا يفقهون فقها ينفعهم فانهم لو فقهوا لكانوا اذا نزلت سورة امنوا بها وانقادوا لامرها. والمقصود من هذا بيان شدة نفورهم عن الجهاد وغيرهم من شرائع الايمان كما قال الله تعالى عنهم فاذا انزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون اليك نظر المغشي عليه من الموت لقد رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم يمتن تعالى على عباده المؤمنين بما بعث فيهم النبي الامي الذي من انفسهم. يعرفون حاله ويتمكنون من الاخذ عنه ولا يأنفون عن الانقياد له. وهو صلى الله عليه وسلم في غاية النصح لهم. والسعي في مصالحهم. عزيز عليهما عن التم ان يشق عليه الامر الذي يشق عليكم ويعنتكم حريص عليكم فيحب لكم الخير ويسعى جهده في ايصاله اليكم ويحرص على بيتكم الى الامام ويكره لكم الشر. ويسعى جهده في تنفيركم عنه. بالمؤمنين رؤوف رحيم. اي شديد الرأفة والرحمة بهم ارحم بهم من والديهم. ولهذا كان حقه مقدما على سائر حقوق الخلق. وواجب على الامة الايمان به وتعظيمه وتعزيره وتوقيره فان امنوا فذلك حظهم وتوفيقهم وان تولوا عن الايمان والعمل فامض على سبيل ولا تزل في دعوتك وقل حسبي الله اي الله كافي في جميع ما اهمني. لا اله الا هو اي لا معبود بحق سواه عليه توكلت اي اعتمدت ووثقت به في جلب ما ينفع ودفع ما يضر. وهو رب العرش العظيم الذي هو اعظم المخلوقات. واذا كان رب العرش العظيم الذي وسع المخلوقات كان ربا لما دونه من باب اولى واحرى