هنا الكتاب من قبلك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فان كنت في شك مما انزلنا اليك هل هو صحيح ام غير صحيح المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي وقال موسى موصيا لقومه بالصبر. ومذكرا لهم ما يستعينون به على ذلك. فقال يا قومي ان كنتم امنتم بالله فقوموا بوظيفة الايمان. فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين. اي اعتمدوا عليه والجأوا اليه واستنصروه فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين. فقالوا ممتثلين لذلك على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين. اي لا تسلطهم علينا فيفتنون او يغلبونا فيفتنون بذلك ويقولون لو كانوا على حق لما غلبوا. لنسلم من شرهم ولنقيم على ديننا على وجه نتمكن به من اقامة شرائعه. واظهاره من غير معارض ولا منازع واقيموا الصلاة وبشر المؤمنين. واوحينا الى موسى واخيه حين اشتد الامر على قومهما من فرعون وقومه وحرصوا على فتنتهم عن دينهم ان تبوأ لقومكما بمصر بيوتا. اي مروهم ان يجعلوا لهم بيوتا يتمكنون به من استخفاء فيها واجعلوا بيوتكم قبلة. اي اجعلوها محلا تصلون فيها. حيث عجزتم عن اقامة الصلاة في الكنائس والبيع العامة واقيموا الصلاة فانها معونة على جميع الامور. وبشر المؤمنين بالنصر والتأييد واظهار دينهم. فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا. وحين اشتد الكرب وضاق الامر فرجه الله ووسعه. فلما رأى موسى القسوة والاعراض من فرعون وملأه دعا عليهم وامن هارون على دعائه فقال وقال موسى ربنا انك اتيت فرعون وملأه زينة واموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا. ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا طمس اا اموالهم واشدد على قلوبهم ربنا اطمس على اموالهم واشتر على قلوبهم فلا يؤمنون حتى يروا العذاب الاليم ربنا انك اتيت فرعون وملأه زينة يتزينون بها من انواع الحلي والثياب والبيوت المزخرفة والمراكب الفاخرة والخدام. واموالا عظيمة في الحياة الدنيا. ربنا ليضلوا عن سبيلك فيضلون ويضلون. ربنا اطمس على اموالهم اي اتلفها عليهم اما بالهلاك واما بجعلها حجارة غير منتفعين بها واشدد على قلوبهم اي قسها. فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم. قال ذلك غضبا عليهم حيث تجرأوا على محارم الله وافسدوا عباد الله وصدوا عن سبيله ولكمال معرفته بربه. لان الله سيعاقبهم على ما فعلوا. باغلاق باب الايمان عليهم سبيل الذين لا يعلمون. قال الله تعالى قد اجيبت دعوتكما. هذا دليل على ان موسى كان يدعو وهارون يؤمن على دعائه. وان الذي يؤمن يكون شريكا للداعي في ذلك الدعاء. فاستقيما على دينكما واستمرا على دعوتكما ولا تتبعن سبيل الذين لا يعلمون. اي لا تتبعان سبيل الجهال الضلال. المنحرفين عن الصراط المستقيم المتبعين لطرق الجحيم. فامر الله موسى ان يسري ببني اسرائيل ليلا. واخبره انهم يتبعون. وارسل فرعون في المدائن حاشرين يقولون ان هؤلاء اي موسى وقومه لشرذمة قليلون وانهم لنا لغائضون وانا حاذرون فجمع جنوده قاصيهم ودانيهم فاتبعهم بجنوده بغيا وعدوا. اي خروجهم باغين على موسى وقومه ومعتدين في الارض واذا اشتد البغي واستحكم الذنب فانتظر العقوبة. وجاوزنا ببني اسرائيل حتى اذا ادركه الغرق قال انه لا اله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين وجاوزنا ببني اسرائيل البحر. وذلك ان الله اوحى الى موسى لما وصل البحر ان يضربه بعصاه فضربه. فانفلق اثنين اثني عشر طريقا وسلكه بنو اسرائيل وساق فرعون وجنوده خلفه داخلين. فلما استكمل موسى وقومه خالدين من البحر وفرعون وجنوده داخلين فيه. امر الله البحر فالتطم على فرعون وجنوده. فاغرقهم وبنوا اسرائيل ينظرون. حتى اذا ادرك فرعون غرق وجزم بهلاكه. قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بنو اسرائيل. وهو الله الاله الحق الذي لا اله الا هو وانا من المسلمين. اي المنقدين لدين الله ولما جاء به موسى قال الله تعالى مبينا ان هذا الايمان في هذه الحالة غير نافع له الان تؤمن وتقر برسول الله وقد عصيت قبل اي بارزت بالمعاصي والكفر والتكذيب وكنت من المفسدين فلا ينفعك الايمان كما جرت عادة الله ان الكفار اذا وصلوا الى هذه الحالة اضطرارية انه لا ينفعهم ايمانهم. لان ايمانهم صار ايمانا مشاهدا كايمان من ورد القيامة. والذي ينفع انما هو الايمان بالغيب قال المفسرون ان بني اسرائيل ما في قلوبهم من الرعب العظيم من فرعون. كانهم لم يصدقوا باغراقه. وشكوا في ذلك. فامر الله البحر ان يلقيه على نجوة مرتفعة ببدنك ليكون لهم عبرة واية. وان كثيرا من الناس عن اياتنا لغافلون. فلذلك تمر عليهم وتتكرر فلا ينتفل بها لعدم اقبالهم عليها. واما من له عقل وقلب حاضر فانه يرى من ايات الله ما هو اكبر دليل على صحة ما اخبرت به الرسل ولقد بوأنا بني اسرائيل مبوء صدق. اي انزلهم الله واسكنهم في مساكن ال فرعون. واورثهم ارضهم وديارهم. ورزقهم من الطيبات من المطاعم والمشارب وغيرهما. فما اختلفوا في الحق حتى جاءهم العلم الموجب لاجتماعهم وائتلافهم. ولكن بغى بعضهم على بعض وصار لكثير منهم اهوية واغراض تخالف الحق. فحصل بينهم من الاختلاف شيء كثير. ان ربك بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. بحكمه العدل الناشئ عن علمه التام وقدرته الشاملة. وهذا هو الداء الذي اعرضوا لاهل الدين الصحيح وهو ان الشيطان اذا اعجزوه ان يطيعوه في ترك الدين بالكلية سعى في التحريش بينهم والقاء العداوة والبغضاء فحصل من الاختلاف ما هو موجب ذلك. ثم حصل من تضليل بعضهم لبعض. وعداوة بعضهم لبعض. ما هو قرة عين لعين والا فاذا كان ربهم واحدا ورسولهم واحدا ودينهم واحدا. ومصالحهم العامة متفقة. فلاي شيء يختلفون اختلافا يفرق شملهم ويشتت امرهم. ويحل رابطتهم ونظامهم. فيفوتهم من مصالحهم الدينية والدنيوية ما يفوت. ويموت من دينهم بسبب ذلك ما يموت. فنسألك اللهم لطفا بعبادك المؤمنين. يجمع شملهم ويرأب صدعهم. ويرد قاصيهم على دانيهم يا ذا الجلال والاكرام. فان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسأل الذين اقرؤوا اسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك اي اسأل اهل الكتاب المنصفين والعلماء الراسخين فانهم سيقرون لك بصدق ما اخبرت به وموافقته لما معهم. فان قيل ان كثيرا من اهل الكتاب من اليهود والنصارى. بل ربما كان اكثرهم ومعظمهم كذبوا رسول الله وعاندوه وردوا عليه دعوته. والله تعالى امر رسوله ان يستشهد بهم. وجعل شهادتهم حجة لما جاء به. وبرهان على صدقه فكيف يكون ذلك؟ فالجواب على هذا من عدة اوجه منها ان الشهادة اذا اضيفت الى طائفة او اهل مذهب او بلد ونحوهم فانها انما تتناول العدول الصادقين منهم واما من عاداهم فلو كانوا اكثر من غيرهم فلا عبرة فيهم. لان الشهادة مبنية على العدالة والصدق. وقد حصل ذلك بايمان كثير من احبارهم الربانيين كعبد الله ابن السلام واصحابه. وكثير ممن اسلم في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده وكعب الاحبار وغيرهما. ومنها ان شهادة اهل الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم مبنية على كتابهم الدورة الذي ينتسبون اليه. فاذا كان موجودا في التوراة ما يوافق القرآن ويصدقه. ويشهد له بالصحة. فلو اتفقوا من اولهم لاخرهم على انكار ذلك لم يقدح بما جاء به الرسول. ومنها ان الله تعالى امر رسوله ان يستشهد باهل الكتاب على صحة ما جاءه واظهر ذلك واعلنه على رؤوس الاشهاد. ومن المعلوم ان كثيرا منهم من احرص الناس على ابطال دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فلو كان عندهم ما يرد ما ذكره الله لابدوه واظهروه وبينوه. فلما لم يكن شيء من ذلك كان عدم رد المعادي قرار مستجيب من ادل الادلة على صحة هذا القرآن وصدقه. ومنها انه ليس اكثر اهل الكتاب رد دعوة الرسول. بل اكثرهم ومستجاب لها وانقاد طوعا واختيارا. فان الرسول بعث واكثر اهل الارض المتدينين اهل كتاب فلم يمكث دينه مدة غير كثيرة حتى انقاد للاسلام اكثر اهل الشام ومصر والعراق وما جاورها من البلدان التي هي مقر دين اهل كتاب ولم يبق الا اهل الرياسات الذين اثروا رياساتهم على الحق ومن تبعهم من العوام الجهلة. ومن تدين بدينه اسما لا معنى كالافرنج الذين حقيقة امرهم انهم دهرية. منحلون عن اديان الرسل وانما انتسبوا للدين المسيحي ترويجا لملكهم وتمويها لباطلهم كما يعرف ذلك من عرف احوالهم البينة وقوله لقد جاءك الحق اي الذي لا شك فيه بوجه من الوجوه. ولهذا قال من ربك فلا تكونن من كقوله تعالى كتاب انزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه بايات الله فتكون من الخاسرين. وحاصل هذا ان الله نهى عن شيئين. الشك في هذا القرآن والامتراء فيه واشد من ذلك التكذيب به. وهو ايات الله البينات التي لا تقبل التكذيب بوجه. ورتب على هذا الخسار. وهو عدم الربح اصلا وذلك بفوات الثواب في الدنيا والاخرة. وحصول العقاب في الدنيا والاخرة. والنهي عن الشيء امر بضده. فيكون امرا بالتصديق التام بالقرآن وطمأنينة القلب اليه والاقبال عليه علما وعملا. فبذلك يكون العبد من الرابحين الذين ادركوا اجل المطالب وافضل الرغائب واتم المناقب. وانتفى عنهم الخسار