المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم يقول تعالى هذا كتاب عظيم كريم احكمت اياته اي اتقنت واحسنت. صادقة اخبارها عادلة اوامرها ونواهيها. فصيحة الفاظه بهية معانيه ثم فصلت اي ميزة بينت بيانا في اعلى انواع البيان. من لدن حكيم يضع الاشياء مواضعها وينزلها منازلها لا يأمر ولا ينهى الا بما تقتضيه حكمته. خبير مطلع على الظواهر والبواطن. فاذا كان احكامه وتفصيله من عند الله الحكيم الخبير فلا تسأل بعد هذا عن عظمته وجلالته واشتماله على كمال الحكمة وسعة الرحمة. الا تعبدوا الا الله وانما انزل الله كتابه لئلا تعبدوا الا الله. اي لاجل اخلاص الدين كله لله والا يشرك به احد من خلقه. انني لكم ايها الناس منه اي من الله ربكم نذير لمن تجرأ على المعاصي بعقاب الدنيا والاخرة وبشير للمطيعين لله بثواب الدنيا والاخرة لكم متاعا حسنا الى اجل مسمى ويؤتك الذي فضل فضله وان تولوا وان استغفروا ربكم عما صدر منكم من الذنوب. ثم توبوا اليه فيما تستقبلون من اعماركم بالرجوع اليه. بالإنابة والرجوع عما يكرهه الله الى ما يحب ويرضاه. ثم ذكر ما يترتب على الاستغفار والتوبة فقال يمتعكم متاعا حسنا. ان يعطيكم من رزقه ما تتمتعون به وتنتفعون الى اجل مسمى اي الى وقت وفاتكم. ويؤتي منكم كل ذي فضل فضله. ان يعطي اهل الاحسان والبر من فضله وبره ما هو جزاء لاحسانهم من حصول ما يحبون ودفع ما يكرهون. وان تولوا عما دعوتكم اليه بل اعرضتم عنه. وربما كذبتم به فاني اخاف عليكم عذاب يوم كبير. وهو يوم القيامة الذي يجمع الله فيه الاولين والاخرين على كل شيء قدير. فيجازيهم باعمالهم ان خيرا فخير. وان شرا فشر. وفي قوله وهو على كل شيء قدير كالدليل على احياء الله الموتى فانه قدير على كل شيء. ومن جملة الاشياء احياء الموتى وقد اخبر بذلك واصدق القائلين فيجب وقوع ذلك عقلا ونقلا. الا انهم يثنون صدورهم ليستخفوا من ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون. انه عليم بذات الصدور يخبر تعالى عن جهل المشركين وشدة ضلالهم انهم يثنون صدورهم اي يميلونها ليستخفوا من الله فتقع صدورهم لعلم الله باحوالهم وبصره لهيئاتهم. قال الله تعالى مبينا خطأهم في هذا الظن. الا حين يستغشون ثيابهم ان بها يعلمهم في تلك الحال التي هي من اخفى الاشياء بل يعلم ما يسرون من الاقوال والافعال وما يعلنون منها بل ما هو ابلغ ومن ذلك وهو انه عليم بذات الصدور. اي بما فيها من الارادات والوساوس والافكار التي لم ينطقوا بها سرا ولا جهرا كيف تخفى عليه حالكم؟ اذا ثنيتم صدوركم لتستخفوا منه. ويحتمل ان المعنى في هذا ان الله يذكر اعراض المكذبين للرسول الغافلين عن انه من شدة اعراضهم يثنون صدورهم. اي يحدودبون حين يرون الرسول صلى الله عليه وسلم. لان لا يراهم ويسمعهم دعوته ويعظهم بما ينفعهم. فهل فوق هذا الاعراض شيء؟ ثم توعدهم بعلمه تعالى بجميع احوالهم. وانهم لا يخفون عليه جزيهم بصنيعهم. في الارض الا على الله في رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب اي جميع ما دب على وجه الارض من ادمي او حيوان بري او بحري. فالله تعالى قد تكفل بارزاقهم واقواتهم فرزقها على الله ويعلم مستقرها ومستودعها. اي يعلم مستقر هذه الدواب وهو المكان الذي تقيم فيه وتستقر فيه وتأوي اليه ومستودعها المكان الذي تنتقل اليه في ذهابها ومجيئها. وعوارض احوالها. كل من تفاصيل احوالها في كتاب مبين اي في اللوح المحفوظ. المحتوي على جميع الحوادث الواقعة. والتي تقع في السماوات والارض. الجميع قد احاط بها علم الله وجرى بها قلمه ونفذت فيها مشيئته ووسعها رزقه. فلتطمئن القلوب الى كفاية من تكفل بارزاقها. واحاط علما بذواتها وصفاتها وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا الا ولئن قلت انكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا ليقولن ان الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين. يخبر تعالى انه خلق السماوات والارض في ستة ايام. اولها يوم الاحد واخرها يوم الجمعة. وحين خلق السماوات والارض كان عرشه على الماء فوق السماء السابعة. فبعد ان خلق السماوات والارض استوى عليه يدبر الامور ويصرفها كيف شاء من الاحكام القدرية والاحكام الشرعية. ولهذا قال ليبلوكم ايكم احسن عملا اي ليمتحنكم اذ خلق لكم ما في السماوات والارض بامره ونهيه فينظر ايكم احسن عملا. قال الفضيل بن عياض رحمه الله اخلصه واصوبه. قيل يا ابا علي ما اخلصه واصوبه؟ فقال ان العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل. حتى يكون خالصا صوابا. والخالص ان يكون لوجه الله. والصواب ان يكون متبعا فيه الشرع والسنة. وهذا كما قال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. وقال الله تعالى الله الذي خلق سبع سماوات من الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن. لتعلموا ان الله على كل شيء قدير. وان الله قد احاط بكل شيء علما. فالله تعالى سقى الخلق لعبادته ومعرفته باسمائه وصفاته. وامرهم بذلك. فمن انقاد وادى ما امر به فهو من المفلحين. ومن اعرض عن ذلك فاولئك هم الخاسرون. ولابد ان يجمعهم في دار يجازيهم فيها على ما امرهم به ونهاهم. ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء فقال ولئن قلت انكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين. اي ولئن قلت لهؤلاء واخبرتهم بعثي بعد الموت لم يصدقوك. بل كذبوك اشد التكذيب. وقدحوا فيما جئت به. وقالوا ان هذا الا سحر مبين. الا وهو الحق المبين الا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم محاق بهم ما كانوا به يستهزئون لئن اخرنا عنهم العذاب الى امة معدودة اي الى وقت مقدر فتباطؤوه. لقالوا من جهلهم وظلمهم ما يحبسه. ومضمونه هذا تكذيبهم به فانهم يستدلون بعدم وقوعه بهم عاجلا على كذب الرسول المخبر بوقوع العذاب. فما ابعد هذا الاستدلال! الا ثم يأتيهم العذاب ليس مصروفا عنهم. فيتمكنون من النظر في امرهم. وحاق بهم اي نزل ما كانوا به يستهزئون من عذاب حيث تهاونوا به حتى جزموا بكذب من جاء به ولئن اذقن الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه انه ليؤوس ولئن ادغناه نعمان بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات يخبر تعالى عن طبيعة الانسان انه جاهل ظالم بان الله اذا ساقه منه رحمة كالصحة والرزق والاولاد ونحو ذلك. ثم نزعها منه. فانه يستسلم لليأس. وينقاد للقنوط. فلا يرجو ثواب الله ولا يخطر بباله ان الله سيردها او مثلها او خيرا منها عليه. وانه اذا اذا اذاقه رحمة من بعد ضراء مسته انه يروح ويبطر ويظن انه سيدوم له ذلك الخير. ويقول ذهب السيئات عني انه لفرح فخور. اي فرح بما اوتي مما يوافق هوى نفسه فخور بنعم الله على عباد الله وذلك يحمله على الاشر والبطر والاعجاب بالنفس والتكبر على الخلق واحتقارهم وازدرائهم واي عيب اشد من هذا؟ وهذه طبيعة الانسان من حيث هو الا من وفقه الله واخرجه من هذا الخلق الذميم الى ضده. وهم الذين صبروا انفسهم عند الضراء فلم ييأسوا. وعند السراء فلم يبطروا. وعملوا الصالحات من واجبات ومستحبات. اولئك لهم مغفرة لذنوبهم وبهم يزول بها عنهم كل محظور واجر كبير وهو الفوز بجنات النعيم التي فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين كنز او جاء معه ملك انما انت نذير والله على كل شيء يقول تعالى مصليا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن تكذيب المكذبين. فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك به صدرك ان يقولوا لولا انزل عليه كنز اي لا ينبغي هذا لمثلك ان قولهم يؤثر فيك ويصدك عن ما انت عليه فتترك بعض ما يوحى اليك ويضيق صدرك لتعنتهم بقولهم لولا انزل عليه كنز او جاء معه ملك فان هذا القول ناشئ من تعنت وظلم وعناد وضلال وجهل من مواقع الحجج والادلة. فامض على امرك ولا تصدك هذه الاقوال الركيكة التي لا تصدر الا من سفيه. ولا يضق لذلك صدرك فهل اوردوا عليك حجة لا تستطيع حلها؟ ام قدحوا ببعض ما جئت به قدحا يؤثر فيه وينقص قدره فيضيق صدرك لذلك ام عليك حسابهم ومطالب بهدايتهم جبرا؟ انما انت نذير والله على كل شيء وكيل. فهو الوكيل عليهم احفظوا اعمالهم ويجازيهم بها اتم الجزاء ام يقولون افتراه اي افترى محمد هذا القرآن فاجابهم بقوله قل لهم فاتوا بعشر سور مثله مفتريات. وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين انه قد اذ تراه فانه لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة. وانتم الاعداء حقا. الحريصون بغاية ما يمكنكم على ابطال دعوته. فان صادقين فاتوا بعشر سور مثله مفتريات اله الا هو فهل انتم فان لم يستجيبوا لكم على شيء من ذلك بكم فاعلموا ان ما انزل بعلم الله من عند الله لقيام الدليل والمقتضي وانتفاء المعارض. والا اله الا هو اي وانه لا اله الا هو اي هو وحده المستحق للالوهية والعبادة. فهل انتم مسلمون؟ اي منقادون لالوهيته؟ مستسلمون لعبودية وفي هذه الايات ارشاد الى انه لا ينبغي للداعي الى الله ان يصده اعتراض المعترضين ولا قدح القادحين. خصوصا اذا كان القدح مستند له ولا يقدح فيما دعا اليه وانه لا يضيق صدره. بل يطمئن بذلك ماضيا على امره مقبلا على شأنه. وانه لا يجب اجابة اقتراحات المقترحين للادلة التي يختارونها. بل يكفي اقامة الدليل السالم عن المعارض. على جميع المسائل والمطالب. وفيها ان هذا القرآن معجز بنفسه لا يقدر احد من البشر ان يأتي بمثله ولا بعشر سور من مثله. بل ولا بسورة من مثله. لان الاعداء البلغاء تحداهم الله بذلك فلم يعارضوه. لعلمهم انهم لا قدرة فيهم على ذلك. وفيها ان مما يطلب فيه العلم ولا يكفي غلبة علم القرآن وعلم التوحيد. لقوله تعالى فاعلموا ان ما انزل بعلم الله وان لا اله الا هو